الأحد، 30 مايو 2010

الصورة الدرامية في أعمال الفنان

ملخص البحث
تتقارب الفنون عامة في مجمل عناصرها البنائية ، مما تلتقي وتتآلف في إطارها الجامع لها ، والمسرح الذي يضم كل تلك العناصر لأن المسرح وكما يطلق عليه ( أبو الفنون ) ، لذا عدت المشاهد ( الصور المسرحية ) بمثابة لوحات تشكيلية . وترجمة المسرح لغوياً ( دراما ) ، وهي فعل يحاكي المحيط بواقعية ، فعمد معظم الفنانين إلى تفعيل الحدث الدرامي في منجزهم التشكيلي ذي التوجه التقني القريب من الواقعية كالواقعية التسجيلية والانطباعية والتعبيرية وغيرها من التوجهات التشكيلية التي تشتغل وتقترب من منطقة الواقعية ، ومن هؤلاء الفنان العراقي الرائد محمود صبري في معظم لوحاته ، لذا سعى الباحث إلى دراسة الصورة الدرامية في أعماله ، وشمل البحث أربعة فصول . الأول ( الإطار العام للبحث ) وشمل مشكلة البحث والحاجة إليه وتمثلت بالإجابة عن التساؤل الآتي . كيف جسد الفنان الصورة الدرامية في أعماله التشكيلية ؟ ، وحدد أهمية البحث بتعالق الدراما مع اللوحة التشكيلية ، كما حدد الباحث حدود بحثه موضوعياً بأعمال الفنان ، وأنهى الفصل بتحديد مصطلح الدراما لغوياً واصطلاحياً ثم عرفها إجرائياً ، كما عرف الصورة الدرامية إجرائياً بالركون إلى التعريف الاصطلاحي للعرض المسرحي ، أما الفصل الثاني فقد احتوى مبحثين ، الأول . تاريخ الدراما وعناصرها في العرض المسرحي وآلية بنائها ، والمبحث الثاني شمل الصورة الدرامية في الفنون التشكيلة العراقية . بينما شمل الفصل الثالث إجراءات البحث وتضمن المنهج المستخدم وأداة البحث ومجتمع البحث وعينته وتحليل العينة التي اختيرت قصدياً وهي لوحة ملحمة الجزائر ولوحة نعش الشهيد ولوحة نساء في الانتظار ، أما الفصل الرابع فقد شمل نتائج البحث ومناقشتها ومنها :
أولا : تبنى الفنان في مضامين لوحاته القيمة المعنوية للإنسان بوصفه محور الكون الذي بنت كل تلك الإشكاليات أسسها عليه ، ولم يكن الفنان هو الوحيد في تصدي موضوعة الإنسان ، بيد انه سلط عليه الضوء من جوانب خاصة سياسية أم اجتماعية أم فكرية .
ثانيا : سعى الفنان في أعماله إلى مزاوجة الصورة التشكيلية مع الصورة المتحركة فبثت الصورة الدرامية بوضوح .
ثالثا : كما سعى إلى مشاكسة المتلقي من خلال الانفعال الذي يولده العمل على إن الصورة التشكيلية تمس المتلقي في دقائق حياته التفصيلية ليرى المتلقي ذاته في كل عمل .
رابعا : لم يفصل الفنان موضوعه السياسي عن الهاجس الاجتماعي ، لذا جسد حالة الحرمان المتسلط على المجتمع بفعل الضغوط السياسية .
خامسا : يرى الباحث أن الأعمال لاتكتمل صورتها التشكيلية إلا بوجود الثالوث وهو انفعال المتلقي .
سادسا : اعتمد الفنان اسلوب الإنارة المسرحية في أعماله لغاية وظيفية ينبغي منها استثارة الفعل الدرامي بوصفه الطريق الأصوب والأيسر في تفعيل المجتمع .
سابعا : لم يجسد الفنان القيمة الدرامية بشقيها الدرامي والتراجيدي لتلتقي بالتراجيديا لأن المضامين المأساوية التي يعرضها الواقع السياسي المتأزم تنحو حيال التراجيديا ، لذا عمد إلى استثارة العواطف لغاية تعبوية .
ثامناً : وبفعل الخلفية الأيدلوجية للفنان وقراءته للواقعية الاشتراكية أدباًً وفناً وسياسة استطاع أن يوظف منجزه ضمن هذا السياق .
كما اقترح الباحث وأوصى ببعض الأمور وقبل ختام بحثه بثبت المصادر تطرق الباحث إلى سطور مختصرة تعريفية بالفنان أفرد لها ملحقا خاصاً بها .

الفصل الأول

الإطار العام للبحث
مشكلة البحث والحاجة إليه :
لاريب أن الفنون بكل تنوعاتها تتقارب وتتداخل في معظم عناصرها ، فعناصر المسرح والسينما والتشكيل والموسيقى والأدب ، جميعها تتداخل مع بعضها ، ولعل المسرح بوصفه الإطار العام لمجمل الفنون الأخرى ، فهو الجامع لكل العناصر التي تختص بها تلك الفنون ، ولأن الدراما نسغ الفنون التي تحاكي الواقع لأنها تمثل الفعل المتحول في المشاهد المصورة كما في المسرح والسينما بفعل تعاقب الصور المرئية أو في الشعر والأدب كما في الصور المتخيلة ، هذه الصور مؤطرة بعناصر جمالية ، في كل جزئياتها هي لوحات تشكيلية . فالمسرحية مجموعة لوحات تشكيلية تراتبت فشكلت الدراما ، لذا يعمد بعض الفنانين إلى إذكاء الفعل الدرامي وعناصر بنائه في العمل التشكيلي لاسيما جداريات الرسم أو النحت أو الخزف . وكان الفنان محمود صبري أحد الفنانين العراقيين الرواد ممن وظفوا الصورة الدرامية في أعماله التشكيلية ( الرسم ) . لذا تولدت مشكلة يسعى الباحث إلى الكشف عن آلياتها على وفق تعالقات الفنون مع بعضها لاسيما تعالق الدراما مع التشكيل .
وعلى ضوء مشكلة البحث تتولد إجابات الباحث عن التساؤل الآتي :
كيف جسد الفنان الصورة الدرامية في أعماله ؟
أهمية البحث :
تتحدد أهمية البحث من خلال تعريف المتلقي بعلاقة الفنون البصرية مع الفنون التشكيلية ، لاسيما تعالق الصورة الدرامية مع التشكيل .
هدف البحث :
يهدف الباحث إلى الكشف عن الصورة الدرامية في أعمال الفنان العراقي الرائد محمود صبري .
حدود البحث :
الحدود الموضوعية : أعمال الفنان محمود صبري .
تحديد المصطلحات :
الدراما :
لغــةًً
" (dra.ma) . الدراما ( أ ) المسرحية ، ( ب ) الفن والأدب المسرحي ، ( ج ) حالة . أو سلسلة أحداث تنطوي على تضارب عنيف أو مشوق بين قوى مختلفة .
) dra . mat . ic ) ( أ ) درامي ، مسرحي ، ( ب ) مفاجئ ، مثير ، دراماتيكي .
( dram . a . tize ) يمسرح ( أ ) يفرغ في قالب مسرحي ، ( ب ) يصور . أو يعبر عن ، بطريقة مسرحية " ( م 1. ص37 ) .
ـ والدراما مصطلح يدل على كتابة الحوار نثراً أو شعراً ، أو تمثيلية إيمائية تروي قصة صراع أو مقارنة بين شخصيتين ، وهي باب من أبواب الأدب ، وفي اللاتينية تعني ( تمثيلية ) وفي الإغريقية تعني ( التمثيلية والفعل المسرحي ) ( م2 . ص 365 ) .
والدراما حسب القاموس The oxford companion To The Theatre هي " اصطلاح يطلق على أي موقف ينطوي على صراع ، ويتضمن تحليلاً لهذا الصراع عن طريق افتراض وجود شخصيات ... وأي حوار بدائي يتضمن غناءً ورقصاً يمكن اعتباره دراما " ( م 3 . ص 28 ) .


اصطلاحاً
الدراما " لفظة تطلق " على مثل تلك المنظومات - المسرحيات – التي تقدم أشخاصاً وهم يؤدون أفعالاً ( م 4 . ص 73 )
الدراما " شكل فني مبني على فعل يستند إلى المحاكاة " ( م 5 . ص 9 ) .
" الدراما محاكاة لحدث واحد كامل . تترابط أجزاؤه بعضها مع البعض بحيث لو حذف بعضها أو تغير مكانه تغير الحدث كله أو انعدم . فمن البديهي إن الجزء الذي يمكن حذفه أو تغييره من دون أن يؤثر هذا على الكل ليس جزءاً من الكل .. " ( م 6 . ص 17 ) .
وهي " اصطلاح يطلق على أي موقف أدبي أو فني ينطوي على صراع ، ويتضمن تحليلاً له عن طريق افتراض وجود أشخاص ، أو بأنها مجموعة مسرحيات تتشابه في الأسلوب أو في المضمون " ( م 7 . ص 67 ) .
التعريف الإجرائي
الدراما فعل محاكاتي يبتغى منه نقل الواقع بصدق للمتلقي ومحاولة استثارته وتفعيله انسجاماً مع المحيط . وقد اتصل مع الفعل الحركي أكثر من اتصاله مع الصورة بيد إن الباحث افترض أن الفعل الحركي مجموعة صور متراتبة ، كل واحدة منها تمثل لوحة تشكيلية تمتلك مقومات العمل التشكيلي الجمالي .

الصورة الدرامية :
التعريف الإجرائي
لم يجد الباحث تعريفاً دقيقاً لمصطلح الصورة الدرامية لذا استقى من تعريف المبارك للعرض المسرحي " انه فعل مزدوج يمثل حالة انتقال من نظام لغوي مكتوب إلى نظام ثنائي لغوي وغير لغوي بفعل الإنتاج " ( م 8 . ص 1 ) ويمكن للباحث أن يؤسس تعريفاً إجرائياً من توافق العرض المسرحي مع الصورة الدرامية . وهي عملية مزاوجة بين الرؤية البصرية والفعل المتولد من العملية الإخراجية للنص المسرحي بوصفه نتاجا أدبيا فأحاله إلى منجز تشكيلي ، لأنه يمثل حالة انتقال من المنجز اللغوي إلى المنجز البصري المتأتي من النظام اللغوي وغير اللغوي .







الفصل الثاني
الإطار النظري
المبحث الأول
1 _ الدراما . نبذة تاريخية .
أشارت الدراسات التاريخية إلى المنبع الأساس للدراما وعزتها إلى نتاج أغنية تقليدية ورقص لسلوك طقوسي ديني يبث قوة الحياة وانتصارها على الفناء والموت ، وتوصلت تلك الدراسات إلى أن أصل الدراما في مصر يعود إلى الفترة مابين 4000 وسنة 3000 ق . م من خلال الرسومات الجدارية الفرعونية ، كما ظهرت مصاحبة للطقوس الدينية في آسيا وجنوب شرق آسيا إلا أن تطورها الأكثر اتساعاً كان في اليونان ليعد منها أصل الفكر الدرامي الأوروبي في المسرح الروماني كما أوضحها أرسطو في كتابه الشعر وعليه فإن الدراما والدين تلازما بقوة في التاريخ ولهما جذر مشترك بحيث يمكن تفسير تلاقيهما من خلال استحالة تحليل أحدهما دون الرجوع إلى الآخر ( م 9 . ص 23 _ 33 ) .
الدراما جنس أدبي تخطى حدود الأدب ليتحقق في الفنون الأخرى كالمسرح والسينما والتلفزيون ، كما تعداها إلى العمل التشكيلي ، وتعد انعكاساً قيمياً للمجتمع الذي ولدت فيه ومنه ، فضلاً عن تقويمها لسلوكيات وثقافة المجتمع ، إلى جانب تصويرها للمثل العليا والجمالية على وفق عصرنة مواقفها وتنوع توجهاتها ( م 10 . ص 175 ) . ولكون الدراما ذات قدرة على هيكلة العلاقات الإنسانية وبنائها من خلال تأثيرها الاجتماعي واتصالها مع المتلقي ، مما يفرز مفاهيماً على ضوء مشاهداته للأحداث وإمكانية استجابته نفسياً واجتماعياً لتؤول بذلك إلى تبني الحلول التي أفرزتها تلك المشاهدات أو رفضها تبعاً للذائقة الجمالية والفلسفية والأخلاقية مما يتحلى بها المتلقي ، ويتم ذلك عبر عملية تحليل النص الدرامي سواء أكان صورياً تشكيلياًُ أم صورياً حركياً مسرحياً تدعمه عناصر التكوين الأخرى التي تنظم النص جمالياً ( م 11 . ص 19 ) .
الدراما فن أدائي قديم جداً يعتمد الحركة واللغة في توصيل فكرة ما ، وقد عرفها الإنسان ترادف الشعر لأن المسرح القديم ( الروماني والإغريقي ) وفي محاولة بحثه عن أداة التعبير لجأ إلى اللغة التي بنت الشعر وقد تعاضد مع الحركة والإيماءة والرقص لتكون الدراما بشكلها الأكمل ، وجسدها فعلاً ( أسخيلوس ) في المسرح الإغريقي ، كما بنيت الدراما تدريجياً وعلى تعاقب الأجيال ، ونشأت بصورة غريزية في الانسان ومحاكاته ، مما يتعذر تحديد البدايات الأولى لنشوء الدراما بوصفها فناً تمثيلياً ، بيد أن الإغريق هم أول من أنشأ الدراما وعندهم تطورت . وقد زودت الطبيعة الانسان القديم بمقومات الدراما كما زودت الفنون الأخرى ، وإن الفكر الديني والسلوك الطقوسي لايمكن فصله عن الدراما لأنها صراع بين المتناقضات والأضداد ( م 12 . ص 9 _ 17 ) .
لقد شهدت الدراما في عصر النهضة تطوراً ملحوظاً جسد روح العصر وفلسفته الاجتماعية ، دون أن يكون أسيراً لأسس هوراس أو قوانين أرسطو . وقد تعاضدت ثلاث قوى لتنتج قوة واحدة هي المسرح الكلاسيكي الشكسبيري وروح العصر والتقاليد الفنية للدراما في العصر الوسيط . وتطورت التراجيديا في عصر النهضة بفعل الطباعة في ايطاليا عام 1465 فنشرت المسرحيات الإغريقية والرومانية ، وفي انكلترا فقد اهتمت الدراما بالتراث الكلاسيكي بشكل كبير في القرن السادس عشر بفضل الجامعات والمدارس التي درست المسرحيات القديمة وعرضتها ومنه نشرت المفاهيم الكلاسيكية للشكل والصورة الدرامية ، وتمثل العصر الذهبي للدراما في اسبانيا من خلال المسرحيات الشعرية النابضة بالحياة الواقعية ، كما اهتمت الكلاسيكية في نقاء النماذج الدرامية ، أهداف الدراما ، محاكاة الواقع أو الإيهام به ومفهوم اللائق ، ثم وحدات الحدث والمكان والزمان ، وقد اقتصرت الأشكال الدرامية على التراجيديا والكوميديا ، وفي اسبانيا ظهرت عملية مزج العناصر المحلية مع النظرية الكلاسيكية فسادت الكلاسيكية في فرنسا على أساس قيام وحدة الزمان والمكان والفعل مع بقاء الالتزام بحرفية القوانين الأرسطية ( م 13 . ص 42 ) بينما سميت الدراما بالعاطفية فتطورت أكثر في شمال أوروبا وشرقها ، وسادت المشاعر والأفعال ومردها غرائز الإنسان وساد مفهوم إن الحقيقة يمكن إدراكها بادراك الكون في صوره المختلفة التي خلقها الله سبحانه ، وهو مفهوم رومانسي يرى في حاجة الكاتب أي شيء أكثر من القواعد ، لذا حلت الأساطير الإغريقية محل قصص القرون الوسطى والحكايات التاريخية والأساطير الشعبية ، وقد تمردوا على النظم والقوانين الاجتماعية والأخلاقية في عصرهم ، وأدت الموضوعات والأشكال والثيمات الجديدة إلى خلق دراما مضادة لما سبقها ( م 14 . ص 59 _ 60 _ 66 _ 76 _ 94 ) .
أما في البلاد العربية فقد عرفت الدراما بصيغتها اللفظية دون أن يكون لها معنى واضح ، لكنها ارتبطت مع الأدب السردي مع اختلافها عنه في تصوير الصراع كجزء رئيس في مفهومها فضلاً عن تجسيد الحدث واشتداد العقدة وتكثيفها ، لأن الـدراما بالأساس تعد أكثر عنفاً من الأدب الروائي والقصصي ( م 15 . ص 7 ) . والدراما مصطلح جامع للأشكال الفنية والأدبية كالتراجيديا والكوميديا والميلودراما ، وقد عرفت هذه المصطلحات جميعا ً لتبث المصطلح الشامل للدراما ( م 16 . ص 18 ) .

2 _ عناصر الدراما في العرض المسرحي وآلية بنائها .
لاريب أن المحاكاة إطار جامع ترتكز إليه معظم الفنون وتتفق عندها ، رغم إنها تختلف في الوسيلة ، ولأن المحاكاة لها واسطة ( اللغة والموسيقى ) وطريقة عرض ( المنظر المسرحي ) والموضوع ( الحبكة والشخصيات والفكرة ) ، لذا شخصت عناصر الدراما على ضوء هذه المفردات ، ولهذا يضع الباحث توصيفاً للصورة الدرامية البصرية بالركون إلى عناصر الدراما المسرحية . فالوسيلة تمثل قابلية التعبير وهو التوصيف الذي يبثه المنجز التشكيلي للمتلقي ، بينما يجسد المنظر المسرحي طريقة لإظهار العمل الفني ، أما الموضوع فهو المرادف للفعل والحدث والفكرة نتاج الشخصية . ومن خلال الاطلاع ومتابعة العديد من المصادر التي تطرقت للدراما في العرض المسرحي وعناصرها ، توصل الباحث إلى آلية تحديد تلك العناصر أو مايسمى بعناصر العرض المسرحي وهي كالآتي :
1- الشخصية : وهي عنصر أساسي مكون للدراما تتطور بفعل التطور الاجتماعي لأنها أداة تعبيرية تفرض نفسها لتقيم أثراً تشترك معها معظم عناصر الصورة الدرامية الأخرى ، وهي عند أرسطو ليست تصويراً للشخصيات ، وإنما تمثل الإطار الذي يتفاعل معه المتلقي ( م 17 . ص 23 ) .
2- الحبكة ( الفعل والصراع والنغم ) : وتعني بناء الفعل تراتبياً والذي يؤدي إلى اغناء الفكرة وتأكيدها وصولاً للتشويق ، وهي الرابط المتسلسل للأحداث والحالات التي تغني المشاهد تشويقاًَ وإثارةً حتى الخاتمة التي تمثل النتيجة اللاحقة للأسباب السابقة ( م 18 . ص 561 ) . فالحبكة هي البناء المتكامل في نسج الأفعال المبنية بتناسق كالأصوات الموسيقية التي تتناغم في إنشاء جملة موسيقية مقبولة رغم تعدد الآلات أو هي الهيكل العام للعمل التشكيلي رغم تباين الخامات المكونة له ( م 19 . ص 22 ) وهي التقنية التي تعطي شكلاً معيناً للفعل الدرامي ( م 20 . 15 ) .
3- اللغة والموسيقى : وهما واسطتا التعبير عن الأفكار والكلمات في الأدب ويراها الباحث كالخط الوهمي المتين الواصل بين العمل التشكيلي والمتلقي ، أي إنها وسيلة الاتصال المباشر لفظياً كانت أم بصرياً ( م 21 . ص 13 ) .
4- الفكرة وهي ما يتصوره المؤلف تجاه مجتمعه ومنها يباشر المؤلف في إنتاج عمله الفني وتتكون مما يحمله المؤلف وكيفية بثه للمتلقي ، كما تمثل العلاقة مع الفعل الدرامي وصولاً للحبكة وكيفية وصولها للمتلقي ( م 22 . ص 15 ) .
5-المرئيات . وهي العناصر المكملة للعمل الفني كالكتلة والإضاءة واللون والتوازن وغيرها ، وهي بمجملها عناصر تكوين العمل الفني .
6-المحيط . أو ما يسمى الجو النفسي العام . وهي عملية تواصل بين العمل الفني والمتلقي ، ففي المسرحية تشكل مجموع اللقطات والمشاهد حواراً نفسياً مع المتلقي ويحدث ذلك في الموسيقى إذ تشكل مجموع النغمات المتولدة من الآلات ذوات الغرض لاسيما إذا انفردت بعض تلك الآلات ، وفي العمل التشكيلي فان الأجزاء التي تكون العمل تولد تفاعلاً استجابة أم تنافراً مع خزين المتلقي الثقافي والمعرفي .
إن التنظيم الذي يوحد عناصر الدراما في العرض المسرحي ضمن سياق العمل الفني من خلال آلية ربط الفعل مع الشخصية في أحداث العمل التصويري الحركي أم البصري ( مسرح ، سينما ، منجز تشكيلي ) يطلق عليه الصورة الدرامية للعمل الفني وقد تناغمت الصورة الدرامية على وفق اتجاهات المحيط والعصر الذي ولدت فيه ومنه ، كما لاقت تبدلات واستهجانات من قبل المنتج حينما تتناقض مع أعرافه وقوانينه ليصل إلى مبتغاه ومثله العليا ، وقد تجاوز الفنان الصورة الدرامية المألوفة المتمثلة بأسس الحدث ابتداءاً من البداية ( الاستهلال ) والعقدة ( الأزمة والذروة ) والوصول إلى الحل وقد لخصها أرسطو في مفهومه للحبكة بوصفها أهم عناصر الدراما لاسيما التراجيديا فعدها عقدة وحلاً لهذه العقدة ( م 23 . ص 50 ) .

المبحث الثاني . الصورة الدرامية في التشكيل العراقي .
لقد ارتبط التصوير بالأدب ارتباطا مباشرا لاسيما ارتباطه مع القصص الشعبية والمقامات التي صورها الواسطي في القرن الثالث عشر الميلادي ، إذ صور مقامات الحريري متتبعا ومسجلا الأحداث التي جرت آنذاك ، وقد صور الفنان التشكيلي العراقي المعاصر القصائد والدواوين الشعرية بأسلوب درامي بعد أن تجاوز حدود الشعر ، ولاشك إن التشكيل المعاصر في العراق افرز العديد من الأعمال الفنية التي جسدت الوقائع والأحداث القديمة والمعاصرة بتنوعات وتقنيات مختلفة ، ولأن المجتمع العراقي غني بالأحداث السياسية والاجتماعية والفكرية مما حفز الفنان أن يضمن أعماله هذه الأحداث منذ البدايات التشكيلية ومازال ، ولأن التاريخ اغفل كماً كبيراً من المنجزات التشكيلية المعاصرة ولم يوثقها ، عدت مرحلة الرواد أقدم التجمعات المؤثرة في التشكيل العراقي ، ولإلقاء الضوء على قيم الصورة الدرامية في التشكيل العراقي المعاصر نجد الراحل جواد سليم كيف بث الصورة الدرامية في العديد من أعماله في الرسم والنحت لاسيما في النصب الخالد ( نصب الحرية ) الذي قسمه إلى أربعة عشر جزءاً توحي بتكاملها لتجسد صورة درامية متسلسلة لحياة مجتمع وكذلك أعماله ( كيد النساء ، صبيان يأكلان الرقي ، السجين السياسي ) كذلك الفنان الراحل فائق حسن في واقعياته الأكاديمية وحياة البداوة والخيول ومنها عمليه ( بقايا مناضل ، الفرس النائم ) وفيصل لعيبي وهاشم حنون وعبد الصاحب الركابي وعلاء بشير وموضوعات الشهادة والمنحوتات ذات المرجعية الأسطورية للفنان محمد غني حكمت وأعمال الراحل سعد شاكر الأسطورية وموضوع الفدائي ( م 24 . ص 55 _ 57 ) ، في حين صور الفنان إسماعيل الشيخلي القرية بواقعية حالمة وأضفى عليها الملمح الدرامي بتقنية تعبيرية أو أقرب للتجريد باختزاله السطح التصويري إلى ابسط حالاته رغم غناه اللوني ، أما خالد الرحال فقد جسدت أعماله النحتية الصورة الدرامية بأسلوب يتوخى منه مشاركة المتلقي وجدانياً وعمله ( حاملة القناع ) ( م 25 . ص 142 ) ، ومحمد راضي عبدالله في بعض تخطيطاته ذات الأسلوب السريالي ، ورافع الناصري وكاظم حيدر وماهود احمد حينما جسدوا ثورة الإمام الحسين ( ع ) في كربلاء درامياً بأعمال فنية متباينة في الاتجاه التقني والأسلوب بين الواقعية والتعبيرية والتجريد ( م 26 . ص ) .


ما أسفر عنه الإطار النظري
إشارةً إلى التتبع التاريخي لنشوء الدراما وتطورها ودراسة عناصرها ، فان الإطار النظري تضمن تحديد العناصر من خلال متابعة العديد من الدراسات التي حددت هذه العناصر ، وعلى ضوء موائمتها مع موضوعة البحث أشار الباحث إلى بعضها في العرض المسرحي لغرض تحليل عينة البحث ، ومن خلالها تمثلت أهميتها في العمل التشكيلي وهي .
1 _ الشخصية بوصفها العنصر الأكثر تعبيرية ومنه يفترض الباحث مراكز السيادة في العمل الفني .
2 _ الحبكة وبفعلها يحتدم الصراع والإيقاع بين التنامي والخفوت ، ومن خلالها يمكن إعطاء العمل الفني بعداً درامياً .
3 _ واسطة التعبير أو وسيلة الاتصال المباشر في العمل الفني البصري واللفظي وتجسدت باللغة والموسيقى .
4 _ الموضوع الذي يسعى الفنان إلى توصيفه بمنجز بصري كطرح لفكرة يبغي منها حدثاً درامياً وصولاً للحبكة .
5 _ الأجزاء المكملة للعمل الفني الدرامي وهي ذاتها متواجدة في العمل التشكيلي ، وبمجموعها تولد تنظيماً يوحدها في العرض المسرحي وكذلك في المنجز التشكيلي لأن العرض المسرحي هو مجموعة صور بصرية متراتبة .













الفصل الثالث
إجراءات البحث

المنهج المستخدم : لقد استخدم الباحث المنهج التاريخي والمنهج الوصفي توافقاً مع سير البحث .
أداة البحث : اعتمدت الملاحظة أداةً للبحث .
مجتمع البحث : أعمال الفنان محمود صبري وعددها عشرة أعمال فنية .
عينة البحث : 1- ملحمة الجزائر ، 2 – نعش الشهيد ، 3 ـ نساء في الانتظار .
وقد اختيرت العينة قصدياً لأنها صورت درامياً لما يفرضه الواقع على الفنان .

تحليل العينة :

1 ـ ملحمة الجزائر .














عمل تشكيلي جداري نفذه الفنان بتعالق وتناص مع ( الجرنيكا للفنان بيكاسو الذي نفذها اثر مجزرة حدثت في قرية الجرنيكا عام 1937 ) .
نفذ العمل بالزيت على خشب المعاكس وتضمن شخوصاً متعددة ( فكرات ) توحي بالعدم والبؤس والجريمة .
لجأ الفنان في البناء الجمالي إلى الإنشاء المفتوح الخالي من الحدود المؤطرة للفكرة مما وضع شخوصه المؤثرة في مركز العمل ، كما ألغى المنظور وعالج التشريح وتصرف به بحرية ، بمعنى انه لم يفقد شخوصه أسس التشريح لكنه بالغ فيه مابين الاستطالة للأيدي والأرجل والرقاب والعيون .
تصرف الفنان بالسطح التصويري كفضاء تغوص فيه الأشكال هائمة تفكر بالخلاص من المأساة . كما حمل العمل بين جنباته تقنية استعارها الفنان من الموروث الحضاري القديم كتصرفه بالتشريح وإهمال المنظور ، فضلا عن تصرفه بالرؤوس إذ وضعها بصورة جانبية بالنسبة لموقعها إزاء المشاهد .
عناصر الدراما
# الشخصية : وقد لجأ الفنان إلى تكثيف شخوصه على مساحة العمل ، وأعطى لكل واحد منه دوره المؤثر في المنجز استقراءاً واقعياً متحرراً ينحو حيال التعبيرية في الخط واللون وبعض العناصر الأخرى كالملمس الحاد بفعل الخطوط وصلابتها وعدم مرونتها .
# الحبكة : وهنا سبك الفنان تسلسل الأحداث بتناغم مع الموضوع الذي أحدث هزة إنسانية في المجتمع ، ولأن الفنان أكثر تواصلاً مع المجتمع جسد هذه المجزرة بمأساوية جمالية ، ولأن الحبكة تنتظم على وفق أحداث متسلسلة تحوي سبباً ونتيجة فقد أهمل السبب بوصفه حدثاً وقع ، واستعرض النتيجة التي تفرزها مأساوية المشهد ، كما لم يركز الفنان على شخصية محورية بوصفها هدفاً ثابتاً للحبكة ، إنما أعطى لكل شخصية حضورها الفاعل لاشتراكهما في الموقف ، أما الهدف الثالث والمتضمن انتظام المادة حول الفكرة الأساسية ، فسعى إلى ترابط شخوصه مع بعضها .
# اللغة : جهد الفنان أن يختزل مفرداته إلى مرحلة توحي بحوارية المنجز مع المتلقي بلغة مشتركة بسيطة .
# الفكرة : مثلت الفكرة الإطار العام للمنجز بوصفها النسغ الواصل بين الحادثة الواقعية وما يحمله الفنان من تداعيات واستنهاضات ذاتية حيال المشهد .
أما الصورة الدرامية فقد نحى الفنان في بناء أحداث العمل بناءاً ملحمياً انبثقت منه تسمية العمل ، فتولدت من فكرته ذروة العمل وحبكته ضمن سياق منتظم لم يتضح فيه الجانب المضاد للقيم الإنسانية ( مجرمو المجزرة ) فعمد إلى إخراج رمزية الاحتلال خارج العمل ولا وجود للمحتل ضمن هيكلية المنجز .















2 ـ نعش الشهيد .











عمل نفذه الفنان بتناص مع تقنية أعمال الفنان بيكاسو في بعض أعماله التكعيبية وان كان الفنان هنا ينفرد بخصوصية الطرح التكعيبي والفنان جواد سليم في بعض منحوتاته .
يتأسس العمل من كتلتين كبيرتين ، كل واحدة تضم عدداً من الشخوص ، لذا عمد في بنائه الجمالي إلى التوازن ليعتمد الإنشاء المستطيل .
كما لجأ إلى التسطيح والمساحات بفعل إلغاء المنظور ومحاولة التصرف بالتشريح مما يتجه إلى التعبيرية والتكعيبية .
كذلك وضع شخوصه لاسيما ( حاملي النعش ) وبتبسيط يقترب من الختم الاسطواني كأحد عناصر الفن العراقي القديم بتكرار الشخوص . واختزل مساحة السطح التصويري في الخط واللون .
عناصر الدراما
# الشخصية :سعى الفنان إلى تنظيم شخوصه بشكل متوازن فتوضحت في الكتلتين قيمة هذا التوازن لاسيما ( حاملي الشهيد ) وكتلة الجندي المقابلة ، رغم انه سعى إلى توزيع الأدوار على شخصياته بشكل معتدل مابين الانتكاسة والانهيار النفسي وبين سمو القيمة الإنسانية ورفعتها ، ويعد هذا العمل لواقعيته توظيفاً مقروءاً للمشاهد وليس دخيلاً على ذهنيته وسلوكه اليومي .
# الحبكة : ارتكز العمل إلى الفعل الإنساني السامي المتولد من بذل الأرواح والمهج دون القيم الأخلاقية فعمد الفنان إلى تأصيل شخصية الجندي في استقباله لشخصية الشهيد لتبقى الشخصيات محور الفعل الدرامي في المشهد .
# اللغة : واللغة هنا هي ذاتها في كل منجز فني جمالي تشكيلي صوري محال من مشهد العرض المسرحي وخاصة في هذا المنجز ، فاللغة مقروءة للمتلقي لأن المشهد بمأساويته يكاد لايفا رق مخيلته .
# الفكرة : فكرة العمل واقعية سعى الفنان إلى إضفاء القيمة التعبيرية تقنياً ليبث حالة التوافق العاطفي الوجداني والفكري مع المشهد رغم تماس المتلقي لهذا المشهد باستمرار .
أما الفعل الدرامي فقد بناه على أسس معرفية مسبقة أن الشهادة تسبقها حرب أو فعل معادي إجرامي ، وبقصدية أخرج الفعل المعادي من اللوحة إلا انه ركز على الفعل المأساوي الناتج وتأثيره على المجتمع ، وتتمثل في إنه وضع الجندي في مركز العمل لغاية وظيفية افترض فيها الفعل الناتج من وجوده لأن الجندي هنا يمثل الفعل المقاوم والفعل المتصدي للعدو فضلاً عن انه ينظر وينتظر الكتلة المقابلة ( حاملي النعش ) انه سائر في ركب الشهادة ولامناص من الرجعة .

3 ـ نساء في الانتظار .















عمل فني بتقنية تعبيرية يستنطق فيها الفنان بؤس المجتمع لأنه يعالج موضوعة اجتماعية شديدة الحساسية والأهمية ، ويفرز نتيجة ( الانحطاط الخُلُقي ) بسبب ( الفقر ) ، فصور النساء في حالة مزرية ، لذا نقل لنا مشهداً يوحي بالازدراء لأن السقوط في أشده يكمن في ان الإنسان يباع كسلعة مباحة وبثمن بخس .
لقد عالج الفنان موضوعته بناءاً على التكوين المغلق مكيفاً عناصر التكوين لغاية وظيفية ترتقي بالعمل جمالياً . فحدد بخطوطه السود نسائه وقد اختزل اللون صريحاً بحال يكاد يقترب من التجريد ، ومع انه تصرف بالتشريح لكنه لم يهمل المنظور كلياً ، إلى جانب استخدامه خطوطاً حادة وبغزارة ، وهذا يعد استقراءاً للأعمال الوحشية لاسيما رائدها ( ماتيس ) في الربع الأول من القرن العشرين .
عناصر الدراما
# الشخصية : أكد الفنان على الشخصية المركزية ( ذات الرداء الأزرق ) وتأثيرها على الشخصيات الأخرى ، ولم يغفل دور تلك الشخصيات في المجتمع وتأثيرها ، كما انه ولغاية وظيفية درامية وضع إحدى شخصياته واقفة في سعي لتجسيد الواقعية عبر ازدرائها للمجتمع ( المتلقي ) فحادت عن مقابلته .
# الحبكة : وتركزت على الفعل الرئيس وهي الممارسات المشبوهة في بيوت الدعارة وما تمارسه هؤلاء النسوة في إغواء الشباب وحرفهم عن جادة الخلق لرغبة في اللهو واستحصال الأموال منهم ، وركز الفنان على شخصية مركزية وهي المسؤولة عن كل مايدور في هذه الأماكن ، وتبقى الشخصيات الأخرى تابعة لها لذا فهي تحظى بخشية الأخريات .
# اللغة : هنا الفنان افترض لغة العمل بأنها لاتختلف عن نموذجيه السابقين على إنها لغة بصرية يمكن الاتصال معها بيسر ،
# الفكرة : فكرة العمل واقعية تعالج موضوعة اجتماعية تمس المجتمع بحساسية لتردي المفهوم القيمي وماتفرزه عملية بيع شريحة من البشر لقيمهم بثمن زهيد .
أما الصورة الدرامية فقد جسدها الفنان في حالة يستهجنها المتلقي بسبب الآلية التي وضعت عليها النساء وهن ينسلخن من عفافهن ، إذ جردن أرجلهن من الملابس التي تسترهن وفي هذا دلالة عن انزياح الخلق عن مساره المتعارف عليه فضلا عن جلستهن المريبة بانتظار القادم الجديد ( ضحية أو زائر مفسد ) بعد تقديمهن الإغراءات والاغواءات ، والى جانب هذا التشرذم الأخلاقي يظهر لنا الفنان صورة معلقة على الجدار يراها الفنان وكذلك الباحث إنها الشخصية الحامية لهذا الانزلاق ليفترض الفنان من هذه الصور أن الفعل الدرامي تجسد بتآلف الشخوص مع بعضها على أساس الكسب المادي غير المشروع ، وان قيم الإنسان تتهاوى بمجرد وجوده كسلعة يمكن أن تشترى وتباع .


























الفصل الرابع
نتائج البحث

النتائج ومناقشتها :
من خلال تحليل العينة والاطلاع على بعض الأعمال ( مجتمع البحث ) توصل الباحث إلى النتائج الآتية .
أولا : تبنى الفنان في مضامين لوحاته القيمة المعنوية للإنسان بوصفه محور الكون الذي بنت كل تلك الإشكاليات أسسها عليه ، ولم يكن الفنان هو الوحيد في التصدي إلى موضوعة الإنسان ، بيد انه سلط عليه الضوء من جوانب خاصة سياسية أم اجتماعية أم فكرية . لذا جسد الفنان الصورة الدرامية في منجزه التشكيلي لدرايته وفهمه العميق للقيم الروحية الإنسانية فضلا ً عن إيحائه للمتلقي في التعامل العاطفي التلقائي مع المنجز الحدث .
ثانيا : سعى الفنان في أعماله إلى مزاوجة الصورة التشكيلية مع الصورة المتحركة فبثت الصورة الدرامية بوضوح .
ثالثا : كما سعى إلى مشاكسة المتلقي من خلال الانفعال الذي يولده العمل على إن الصورة التشكيلية تمس المتلقي في دقائق حياته التفصيلية ليرى المتلقي ذاته في كل عمل .
رابعا : لم يفصل الفنان موضوعه السياسي عن الهاجس الاجتماعي ، لذا جسد حالة الحرمان المتسلط على المجتمع بفعل الضغوط السياسية .
خامسا : يرى الباحث أن الأعمال لاتكتمل صورتها التشكيلية إلا بوجود الثالوث الفنان والعمل الفني وانفعال المتلقي .
سادسا : اعتمد الفنان اسلوب الإنارة المسرحية في أعماله لغاية وظيفية ينبغي منها استثارة الفعل الدرامي بوصفه الطريق الأصوب والأيسر في تفعيل المجتمع .
سابعا : لم يجسد الفنان القيمة الدرامية بشقيها الدرامي والتراجيدي لتلتقي بالتراجيديا لأن المضامين المأساوية التي يعرضها الواقع السياسي المتأزم تنحو حيال التراجيديا ، لذا عمد إلى استثارة العواطف لغاية تعبوية .
ثامناً : وبفعل الخلفية الأيدلوجية للفنان وقراءته للواقعية الاشتراكية أدباًً وفناً وسياسة استطاع أن يوظف منجزه ضمن هذا السياق .

الاستنتاجات :

على ضوء النتائج التي توصل لها الباحث يمكن استنتاج مايأتي :
إن الفعل الدرامي يؤطر مضامين معظم الخطاب البصري للفنان الراشد محمود صبري مرتكزاً إلى الانسان كقيمة معنوية بغية استمالة المتلقي للتعاطي مع الحدث برفعة واحترام ، على إن الفنان والباحث يؤمنان بان عملية التلقي تكتمل بحضور الحالة الانفعالية للمتلقي ، وان القيمة الدرامية لاسيما الجانب التراجيدي تفترض استثارة العواطف لغاية تعبوية تتلازم مع الطرح الأيدلوجي للفنان محمود صبري .


المقترحات
يقترح الباحث أن تثبت الأعمال الفنية ذات المضامين الدرامية في دور العرض المسرحي وإن لم تكن ففي قاعات عرض المسرحيات لكليات ومعاهد الفنون الجميلة .
التوصيات
يوصي الباحث بدراسة أعمال الفنان الرائد محمود صبري لاسيما المرتبطة بالنظرية العلمية المسماة ( واقعية الكم ) .



الملحق
الفنان في سطور
محمود صبري مفكر وفنان عراقي ولد سنة 1927 ، حصل على شهادة الدبلوم في علم الاجتماع سنة 1949 في انكلترا ، درس الفن بشكل شخصي ولم تكن دراسته في معهد أو أكاديمية للفنون, لكنه استطاع بجهوده الذاتية أن يكون اسماً بين أقرانه من الذين درسوا الفن بالأكاديميات وقد لعب دورا ريادياً بارزاً في حركة الفن التشكيلي المعاصر في العراق .
بدأ اهتمامه باللون ونظريات اللون سنة 1967 حتى توصل في سنة 1971 إلى فكرة ( واقعية الكم ) حيث أقام معرضاً له تحت هذا العنوان في براغ ونشر بيانها الأول بالانكليزية .
وفي سنة 1973 جرى نشر البيان بالعربية مع ملاحق إضافية تحت اسم بيان ( واقعية الكم ) .
شارك في معارض جماعة الرواد حتى عام 1962 ( م 27 . ص ) .
شغل مناصب مهمة آخرها مدير عام مؤسسة المعارض العراقية بعد ثورة تموز 1958 .
استقر في العاصمة الجيكية ( براغ ) منذ عام 1963 وله اهتمامات سياسية وفنية منها مؤتمر بيروت للقوى والحركات والشخصيات العراقية المعارضة للنظام الدكتاتوري ، وكتب العديد من المقالات في هذا الشأن وبلغات عالمية مختلفة .
يعد من الفنانين العراقيين المعاصرين المثقفين وهو صاحب نظرية ( واقعية الكم ) العلمية وتعني " مزج الفن بوظيفته الاجتماعية التي تميز بها عبر العصور : تمكين الانسان من السيطرة على الطبيعة وتغييرها _ وبالتالي تغيير نفسه " ( م 28 . ص 154 ) .









المصادر
حسب ماوردت في متن البحث
1 - منير البعلبكي ، د. رمزي منير البعلبكي ، المورد الحديث. قاموس انكليزي – عربي حديث ، دار العالم للملايين ، ط / 2 ، طبع في لبنان ، كانون الثاني – يناير 2009 .
2 – C.L.BARNHART, JESS STEIN. THE AMERICAN COLLEGE DICTIONARY. RANDOM HOUSE .NEW YORK , L.W.SINGER COMPANY.SYRACUSE .
3 ـ حسين رامز محمد رضا . الدراما بين النظرية والتطبيق . الطبعة ( 1 ) .المؤسسة العربية للدراسات والنشر . بيروت . لبنان . آب ( أغسطس ) 1972 .
4 ـ أرسطو . فن الشعر . ترجمة وتقديم وتعليق د. ابراهيم حمادة . مكتبة الأنجلو المصرية . 1977 .
5 - مارتن أسلن . تشريح الدراما . ترجمة يوسف عبد المسيح ثروت . وزارة الثقافة والفنون . سلسلة الكتب المترجمة ( 51 ) .الجمهورية العراقية 1978.
6 - د. رشاد رشدي . نظرية الدراما من أرسطو إلى الآن . دار العودة . بيروت . السنة بلا . ص 17 .
7 – د. فايز ترحيبي . الدراما ومذاهب الأدب . ط 1 . المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع . بيروت . 1988 .
8 ـ عبد الكريم عبود عودة المبارك . بنية النص وتحولاتها في تشكيل العرض المسرحي . أطروحة دكتوراه . كلية الفنون . جامعة بغداد . تمثيل وإخراج . 2000.
9 ـ حسين رامز محمد رضا . المصدر السابق .
10 - ميشال ليور . فن الدراما . ترجمة احمد بهجت . منشورات عويدات . بيروت 1965 .
11 – مصطفى عبيد دفاك التميمي ، تناول شخصية المرأة العراقية في الدراما التلفزيونية 1968- 1988 . رسالة ماجستير غير منشورة . كلية الفنون الجميلة . جامعة بغداد . 1989.
12 – د. عبدالعزيز حمودة . الصورة الدرامية . مكتبة الانجلوالمصرية . السنة بلا .
13 - حسين رامز محمد رضا . المصدر السابق .
14 – د. رشاد رشدي . المصدر السابق .
15 – س.و. داوسن . الدراما والدرامية . ترجمة جعفر صادق الخليلي . منشورات عويدات . بيروت . السنة بلا .
16 – أرسطو طاليس . فن الشعر . ترجمة عبدالرحمن بدوي . دار الثقافة . بيروت . 1973 .
17 - ثامر مهدي ، دراسة تحليلية لبعض النصوص المسرحية المقدمة على المسرح المدرسي (1978- 1979 ) . جامعة بغداد . مركز البحوث التربوية والنفسية .
18 - د. ميشال عاصي ، د. أميل بديع يعقوب . المعجم المفصل في اللغة والأدب . دار العلم للملايين . بيروت .1987 .
19 – مصطفى عبيد دفاك التميمي ، المصدر السابق .
20 - سامي عبد الحميد . تقديم أولي للملامح الدرامية في مسرحيات جليل القيسي ، المجلة القطرية للفنون . العدد 1 . كلية الفنون الجميلة . جامعة بغداد . وزارة التعليم العالي والبحث العلمي . جمهورية العراق . كانون الأول 2001 .
21 - سامي عبد الحميد . المصدر السابق .
22 - سامي عبد الحميد . المصدر السابق .
23 - أرسطو . المصدر السابق .
24 – أزهر داخل محسن . الفن بين مفهومي التشكيل والحرفة الشعبية ( دراسة في عناصر التكوين ) . مجلة فنون البصرة العدد ( 2 ) . كلية الفنون الجميلة . جامعة البصرة . 2005 .
25 - عادل كامل . الحركة التشكيلية المعاصرة في العراق ، مرحلة الرواد . وزارة الثقافة والإعلام . دار الحرية للطباعة . 1980.
26 – أزهر داخل محسن . المشهد الحسيني في الرسم العراقي المعاصر . مؤتمر العلوم الإنسانية . جامعة الكوفة . النجف الأشرف . جمهورية العراق . 2008 .
27 - فن جديد لعصر جديد- بمناسبة المؤتمر الأول للتشكيليين العرب\نيسان 1973/ بغداد .
28 – ملف الفنان محمود صبري . مجلة الثقافة الجديدة .العدد 328 . 2008 . www.quantumrealism.co.uk .



2009


المؤتمر العلمي الحادي عشر لجامعة بابل

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق