الأحد، 30 مايو 2010

الموروث الشعبي في الفن التشكيلي لدول مجلس التعاون الخليجي

ملخص البحث

إن دراسة الخطاب التشكيلي لدول مجلس التعاون الخليجي وكيفية تعامله مع الموروث الشعبي تكشف عن حالة من الضغط البصري يؤطره المنجز التشكيلي بصيغ جمالية . تعد وثيقة صادقة للعديد من الظواهر التي غيبت بعضها جوانب المدنية والمعاصرة ، وان كانت المعاصرة تزداد غنىً بهذه الظواهر المجسدة كخطاب تشكيلي إبداعي أنجزها فنانون تشربوا بواقع تسوده الآلفة والطمأنينة بفعل تمازج النسيج الاجتماعي واعتدال التوازن الاقتصادي ، لذا كانت وما زالت القيم المتأصلة في المجتمع الخليجي هي ذاتها وان غزتها المدنية من أوسع الأبواب وبكل صنوفها، ولغرض الدراسة الموضوعية أشتمل البحث أربعة فصول. تضمن الأول الإطار العام للبحث محدداً فيه المشكلة والتساؤلات التي أسفرت عنها ثم الأهمية وآلية تحديدها ، وحددت أهداف البحث من خلال استشراف القيم الفكرية والجمالية في تحليل المنجز بمرجعياته الفكرية والتقنية عبر تقصي الموروث الشعبي لدول مجلس التعاون الخليجي في المنجز التشكيلي المعاصر .
وقد اقتصرت حدود البحث على ثلاث من دول المجلس ما بين الخمسينيات حتى نهاية القرن العشرين .
أما الفصل الثاني. الإطار النظري تطرق الباحث الى مفهوم الموروث الشعبي ضمن المبحث الأول أما المبحث الثاني فتطرق الباحث إلى الفن التشكيلي في دول المجلس على وفق الأسس والمعطيات وارتكازه الى المحيط بوصفه عملية ضاغطة في الخطاب الجمالي الخليجي .
بينما تضمن الفصل الثالث إجراءات البحث والمنهج المستخدم ومجتمع البحث وعينته وأداة تحليل العينة والية التحليل التي اقتصرت على عدد عينات البحث البالغة ( 7 ) توزعت بعدد ( 3 ) عينات من دولة الكويت وعينتان لكل من المملكة العربية السعودية ومملكة البحرين .
أما الفصل الرابع تضمن نتائج البحث والاستنتاجات وهي كالآتي :-
1- إن التشكيل الخليجي ارتكز الى قيم فكرية تكمن في كينونة المجتمع .
2- انتهج الفنان الخليجي تقنيات غربية معاصرة بفعل المشارب الأكاديمية التي
تلقاها .
3- المزاوجة بين التقنيات المعاصرة والثيمات الواقعية والموتيفات الشكلية
والأساطير المحلية لتؤول الى قيم تشكيلية جمالية متفردة .




ثبت المحتويات


ملخص البحث …………………………………………………
الفصل الأول : الإطار العام للبحث 1
مشكلة البحث والحاجة إليه ………………………...1 – 2
أهمية البحث ……………………………………..2 _ 3
حدود البحث ……………………………………...3
الفصل الثاني : الإطار النظري 4 _ 10
المبحث الأول : مفهوم الموروث الشعبي …………….4 _ 7
المبحث الثاني : الفن التشكيلي في دول مجلس التعاون
الخليجي ………………………… 7 _ 10
الفصل الثالث : إجراءات البحث 11 _ 18
منهج البحث ……………………………………11
أداة البحث ……………………………………...11
مجتمع البحث ……………………………………11
عينة البحث ……………………………………..11
أسباب إختيار العينة ……………………………….11
تحليل العينات ……………………………… 12 _ 16
الفصل الرابع : النتائج والاستنتاجات 17 _ 18


المصادر 19 _ 20
النماذج ( عينة البحث ) 21 _ 24










الفصل الأول
الإطار العام للبحث
مشكلة البحث والحاجة إليه :

إن الإنجازات التي خلفتها الشعوب المتجذرة عبر العصور كبير جدا ، يتداول قيمها ابناء المجتمع في الوقت الحاضر بوصفها مفردات حضارية موروثة تداولاً لا ينحصر في طبقة معينة ، والتعامل معه يتم بطرق عدة عبر الفنون والآداب ، فالموروث الشعبي لأي مجتمع كبيراً كان أم صغيراً يمثل الأساس الذي يرتكز إليه المجتمع المعاصر في النهوض والنمو ، ومنه يمكن دراسة القيم الثقافية والإبداعية لأي مجتمع بوصفها منتجات إنسانية فضلا عن قيمتها الوطنية .
ولقد أُثريت دول مجلس التعاون بالقيم التراثية المتراكبة والمتراكمة بفعل الجغرافية إذ اتصل تأريخها بأخصب المجتمعات حضارة وتراثا تلاقحت فيما بينها مؤطرة لمجتمع الخليج والجزيرة العربية بعدا حضاريا متميزا يعد نضحًا للحضارات التي اتصلت به وقد تفاعلت مع البيئة المحلية ليتجسد منها الموروث الشعبي مادة غنية تثري الباحثين بالاستزادة في معرفة ماهية المفردات الحياتية للمجتمع.كان نصيب منطقة دول المجلس العديد من الموروثات الشعبية جراء تعدد المصادر المولدة لهذه الموروثات التي تتصل بطبيعة المجتمع كالحرف والمهن فضلا عن الأساطير القديمة والحكايات الشعبية ذات البعد الواقعي والخيالي تبرزها روايات تغذي المبدعين في البحث عن ماهيتها الاجتماعية ، ويعد المجتمع المعاصر في دول مجلس التعاون اكثر اتصالاً بالموروث مع تنامي الحالة الاجتماعية والاقتصادية لان الموروث يمثل هوية الفرد وهوية مجتمعه ، لذا يندر تجاوز الفرد الخليجي لعناصر الموروث ، فإقتناء الموروثات الحرفية من قبل المجتمع الخليجي تتنامى فضلاً عن مزاولته للطقوس الفلكلورية من موسيقى وغناء ورقص وشعر ، أما اتصال أبنائه والأماكن التراثية لا تنقطع لان الإنسان في الخليج مهما تنامى اقتصادياً واجتماعياً لا نراه ينسلخ عما توارثه عن أجداده ، لإيمانه بهم واعتزازه الكبير بالأجداد ، فيرى وجوده في اتصاله بالموروث المحلي .
والفنان التشكيلي عنصر فاعل سعى الى قراءة المورث وتسجيله ضمن تقنيات وأساليب نهجية معاصرة وفقا الى المشارب التي نهل منها تقنيته ورؤيته للفن إذ كانت خطاباته التشكيلية خير مستلهم وموثق لتركيبة المجتمع المتوارثة بكل دلالاته العميقة أسطورية كانت أم فلكلورية ، لإيمانه المطلق بالتقاء المبدع والمادة التراثية لان " التراث هو تراكم حياتي وطاقة روحية جياشة ، زمن محتقن بالدلالات والغنى والتوتر …والتراث معين مهم من الناحية الجمالية والفنية واستلهامه يؤكد وحدة التجربة الإنسانية في الماضي والحاضر والمستقبل ".(م1ص34 )
إن مشكلة البحث ذات صلة بالمجتمع وعلاقته بالتشكيل الخليجي يتكشف من خلالها مدى قابلية الفنان في تسجيل الموروث الشعبي وماهيته في تعزيز صلة الفرد بمجتمعه وتراثه .

أهمية البحث :

وفقاً لمشكلة البحث تتحدد أهمية البحث في تعريف المتلقي بالقيم التشكيلية المعاصرة لفناني دول مجلس التعاون الخليجي واتجاهاتهم التقنية والنهجية في رصد الموروث الشعبي المحلي .

أهداف البحث :

تتحدد أهداف البحث للتوصل الى ما يأتي :-
1- استشراف القيم الفكرية والجمالية في الموروث الشعبي الخليجي .
2- تحليل المنجز التشكيلي بمرجعياته الفكرية والتقنية .
3- تقصي الموروث الشعبي في المنجز التشكيلي المعاصر .


حدود البحث :

حدد البحث بـ
أ- الحدود المكانية : اقتصر على ثلاث من دول مجلس التعاون الخليجي وهي
دولة الكويت والمملكة العربية السعودية ومملكة البحرين .
ب- الحدود الزمانية : شملت الفترة المحصورة ما بين الخمسينيات من القرن
العشرين وحتى نهايته .







الفصل الثاني
الإطار النظــري

المبحث الأول : مفهوم الموروث الشعبي
الموروث الشعبي قيم إنسانية تعامل معها الإنسان منذ القدم عن طريق الممارسات الحياتية والطقوس الدينية ، وقد انتقلت إلى الأجيال اللاحقة عبر آليات عديدة، استطاعت الفنون أن تفعّلها بعمق على وفق أساليب ومناهج مختلفة في المسرح والسينما والموسيقى والتشكيل والحركات الراقصة . هذا التفعيل تولّد من قناعات مرتكزة في ذهنية الفنان .أن الموروث يعد بنية المجتمع وهيكليته الأساسية اجتماعياً وتاريخياً وسياسياً وفلسفياً وخلقياً ،كما لاتحيد السلوكيات الموروثة عن كونها جهد إبداعي حفّز الفنان المعاصر من استقصائه محاولاً تجديد رؤيته الإبداعية وصولاً إلى الأصالة ، وإن كانت أصالة الموروث متأتية من تجاوزه الأنظمة السياقية الزمنية وديمومته تعد أحد مرتكزاته في الأصالة .
لذا ظهرت الدراسات التي تعنى بالموروث منذ زمن بعيد حينما فُعّلت العلوم التي تتقصى العلاقات والسلوكيات الإنسانية والتي تبحث خصائص الإنسان وارتباطاته مع ما يحيطه من كائنات ، وقد ارتبط مصطلح الموروث ومفردة (الفولكلور ) عام 1877إبان تأسيس جمعية الفولكلور الإنكليزية في لندن ، وكان علم الاجتماعSOCIOLOGY ) ) وعلم الإنسان (INTHROBOLOGY ) من العلوم التي عضّدت دراسات الموروث وعدته علماً أكاديمياً عام 1955 في المؤتمر التخصصي بوصفه القيم المتناقلة شفاها إذ تعتمد هذه المفردة على تقصي ودراسة العادات المأثورة والمعتقدات التي تسمى بالآثار الشعبية القديمة أو بالموروث الشعبي (م 2 ص 15).
وقد حظي الموروث الشعبي بتعاريف معاصرة عدة لم تكن قاصرة على الآثاريين ومتتبعيه حصراً . إنما شمل الأدباء والفلاسفة والفنانين وتجاوز ذلك إلى أن عرفه العلماء النظريين والتطبيقيين بما يوافق تتبعهم للأصول العلمية التي درسها وتطرق لها السلف ، لذا فقد عُرّف الموروث أنه "تسجيل أمين لبنية البيئة التي أنتجته وعليه ترتسم خصائصها أصالة وأعمقها تمثيلاً لمواصفات تلك البيئة " (م 3 ص 7) .
فتعريف الموروث الاصطلاحي يتحدد بما تداوله المجتمع القديم في أزمنة متباعدة وقيمته تتجلى باستمراريته في التداول من قبل المجتمعات اللاحقة ، وتقسم طرق انتقال الموروث الشعبي إلى نوعين ، أما بالكتابة والتدوين والبحوث المنهجية أو النقل بالتداول أو شفاهاً عن طريق الرواية والحكاية الشعبية والأمثال والشعر والغناء وغيرها(م 4 ص 9) .
إن التداخل مابين مصطلحي الموروث الشعبي والفولكلور متأتياً من تشابه السلوكيات الثقافية والطقوس والمعتقدات الاجتماعية التي تناقل من جيل إلى آخر ذلك أن المصطلحان يدخلان ضمن الدراسات الأنثروبولوجية أو ما يسمى بدراسات علم الإنسان الذي يتقصى خبرات الإنسان الإبداعية في الفن وغيرها من الآثار والطقوس والأعراف ، كما إن تداخل المصطلحان وتأريخ الفكر الإنساني ناتج بفعل التأثر والتأثير مع العلوم الأخرى لأن النتاج الإنساني موضوع دراستنا يحتم دراسة خصائص الإنسان السلوكية (م 5 ص 172) .
من هنا تطلبت دراسة الموروث الشعبي للمجتمع دراسة للجوانب الفكرية والفلسفية وانعكاسه في النشاط التشكيلي من خلال توظيف الفنان لمفردات الموروث الشعبي سلوكياً وتقنياً أو رمزياً في منجزه الفني المعاصر عبر تقنيات واتجاهات تشكيلية متنوعة مابين الواقعية والأكاديمية والانطباعية والتعبيرية والسريالية والتكعيبية والتجريدية.
إن تعامل الفنان التشكيلي مع الموروث الشعبي لم يكن تسجيلاً أو نقلاً للواقع ورموزه ذات الاتصال وبنية السلوكيات الاجتماعية والعقائدية والاقتصادية للمجتمع القديم ، إنما هو انتماء وتواصل تفرضه هيكلية المجتمع بروحية وهاجس متواصل مع مفردات المجتمع المتجذر ، لذا فإن توظيف الفنان التشكيلي للموروث الشعبي يحمل مرجعيات فكرية وفلسفية أعمق من بعض تصورات التحليل لأنها تولدت مع ولادة المجتمع وتعايشت معه بقسرية فرضتها البنية السلوكية والحياتية للمجتمع ، ويعد هذا التعايش أشد قسرية في منطقة الخليج العربي لأن الموروثات الشعبية هي " العناصر السلوكية والحركية والكلامية والضمنية التي يؤلفها مجتمع من المجتمعات "(م 6 ص 21) .
هذه العناصر المتنوعة التي يؤطرها الموروث الشعبي ذات تأثير مباشر في المجتمع الخليجي المعاصر الذي لم ينقطع عن قراءة موروثه الشعبي لالتزامه السلوكي والأخلاقي بتأريخه وجذوره الطاعنة في التأصيل لاسيما أن "الفن إبداعاً، يعبر عن جماع الفكر والعقيدة والحس والذوق "(م 7 ص 22)، لذا كانت النتاجات التشكيلية في دول مجلس التعاون الخليجي وإن كانت معاصرة فهي إطارات فكرية وتسجيلية إستكمالية للموروث ، متلازمة معه غير منفصلة لأن المعاصرة في قراءة الموروث تتعامل معه على أساس من الفارق الزمني الكبير في حين إن تكامل رؤية الفنان التشكيلي الخليجي في تحليل الموروث الشعبي يعد استكمالا للموروث ومعاصرته .



المبحث الثاني : الفن التشكيلي في دول مجلس التعاون الخليجي :

لا يمكن تصنيف بنية مجتمع دول مجلس التعاون الخليجي لتماسك مكوناته الاجتماعية فيما بينها ، مما يتعذر حسابه على وفق أزمنة متغايرة تفترضها هزة انتقالية تسبب افتراقه اجتماعياً وسلوكياً ، ولعل قراءة أهم تحول في الخليج تمثل باكتشاف النفط كدافع اقتصادي يحتم قياس كل المتغيرات الاجتماعية تبعا له .
ولدراسة ظواهر وإفرازات المجتمع الخليجي قسم الباحثون هيكلية المجتمع الى ما قبل النفط وما بعده تقسيماً لا يفترض فيه حصول هوة ما بين المجتمعين لا سيما اجتماعياً وسلوكياً ، فأنها لم تزل بحيويتها في استمرار تدفق وصميمية الإنسان الخليجي في التعامل مع مفردات ما قبل النفط بذات الروحية ( أخلاقية ) فنرى المجتمع المعاصر باستقراره الاقتصادي والاجتماعي ينقاد باندفاع شديد وحيوي نحو الموروث اعتزازاً به وإيماناً مطلقا بالأصالة المتولدة من رواسب متجذرة في صلب المجتمع .
إن المضامين الفكرية للموروث الشعبي في دول مجلس التعاون متشعبة على وفق مبدأ التأثر والتأثير والانعكاس فيه ، لذا يعزى تعدد الاتجاهات في الموروث الشعبي الى المناهل التي وجد فيها وعليها ، فمنها الاجتماعية ذات المساس والحكايات الفلكلورية والأساطير التي تَداولها وزاولها أفراد المجتمع ومازال فضلا عن الأعراف والتقاليد المستقدمة من الموروث العربي الإسلامي ، كما انعكس الموروث المعماري ( البيوت القديمة ) ليبقى حاضراً في ذهنية المجتمع المعاصر وجداناً حياً ، أما الحرف والمهن التي امتهنها الخليجي فقد اتصلت والحالة الاقتصادية كالصيد والغوص في البحر والعديد من المفردات التي لم تزل ماثلة أمام المجتمع ، وقد هيأت للفن لا سيما التشكيلي الديمومة في الارتقاء والإبداع المتأصل عبر تسجيل التراث واعادته روحاً وشكلاً لانه الأساس في الانطلاق الى رحاب العالمية .
إن إعادة تسجيل الفنان الخليجي للتراث ليس استذكاراً متواصلاً غايته الديمومة في العطاء ، بل هو تعبير وجداني ورؤية محفزة في الثقافة والفن بقيمتهما السامية لأن معطيات التواصل تمثل إضافة روحية ووجدانية من خلال سبر أغوار التاريخ وإدراك محتواه، فتتكشف الأصالة من تحفيزِ لقدرات الفنان الذهنية الذاتية تعززها قدراته وتجاربه التقنية فيكون الطرح الفني مؤطراً بجوانب عدة منها خزين تراكم في وجدان الفنان عبر قراءته للتاريخ بعقلانية ومنها دراسته التقنية تدعمه رؤيته لكيفية الطرح وشكليته ، ينقسم منها المنجز الى محاور عدة منها النقل الحرفي المحاكاتي أو الاستفادة من الوقائع المحيطة تقنياً وتكوينياً فتكون المزاوجة غنية بينما يكون الطرح الآخر مشوباً بالتشويه لقصور في الفهم والإمكانيات التقنية.
وإزاء ذلك يظهر محتوى الاتصال بين الفنان والمحيط بوصفه كينونة لا يمكن إغفالها فتظهر حقيقة تواصل الفن التشكيلي والموروث الشعبي الخليجي.
منذ الخمسينات حتى نهاية القرن العشرين كفترة حاول الباحث التصدي لها في تمييز الفن التشكيلي المعاصر في دول مجلس التعاون بكل اتجاهات وتجارب فنانيه، فيرى السعي والجدة في الاغتراف من المكنون الشعبي مبيناً مدى التأثير البيئي وقابليته في الضغط على الخطاب التشكيلي، فيرتقي منها التشكيل في الروح المعاصرة والاشتغال معها في حدود التأصيل كونها إضافة مبدعة الى روح التراث، كما ان المفردات البصرية هي إنجازات فنية تستمد رؤيتها من المحيط بوعي ذاتي للفنان لان المحيط هو القادر على إعطائها قابلية النمو،وان العمل الفني تجربة جمالية مستمدة بتأثيرها من مقومات الواقع والمجتمع كبديهة طالما أكد عليها التشكيلي الملتزم بمقومات ليست دخيلة حتى أصبحت معالجاته التقنية صياغة إبداعية أفاض عليها الموروث المحلي بعداً جمالياً و فكرياً اكثر تصديقاً.
في الكويت منذ الخمسينات التي تميزت بتجارب تشكيلية ليست كبيرة أهمها المعرض الذي أقيم أثناء انعقاد مؤتمر الأدباء العرب 1958 مروراً بإنشاء المرسم الحر مطلع الستينات ليتوج التشكيل المعاصر في الكويت عام 1978 بالمعرض الذي أقامته الجمعية الكويتية للفنون التشكيلية التي تأسست
عام 1967 ، وقد افرز معرض 1978 رؤى تشكيلية استنهضت قيمه الجمالية والفكرية باستشراف الموروث المحلي والخليجي والعربي الإسلامي، فجسدت المعروضات الفنية مجمل الأعراف والتقاليد والحكايات والأساطير والحرف الشعبية ذات النفس الشعبي الملتصق وجدانياً بالفنان والمجتمع(م8 ص98).
ولا يختلف عنها في المملكة العربية السعودية إذ ارتقى فيها الفن التشكيلي الى مرحلة متميزة تجسيداً لصلة الفنان بمجتمعه ومحيطه فأستخلص الفنان تجربته على وفق رؤيته للتراث الشعبي لمنطقة الخليج والجزيرة على حد سواء حتى تميز العقد ما بين 1395-1405 هـ (1975-1985م) بإنتاج خطابات تشكيلية التصقت بالتراث كلياً بتقنيات واتجاهات متعددة إذ أن "المنابع التي يستقي منها الفنان السعودي رموزه في التعبير …تميل الى الاستفادة من التراث الشعبي السعودي"(م9ص169)، كما لا يمكن قراءة عمل تشكيلي يستمد رؤيته بعيداً عن الموروث الحضاري والشعبي في البحرين مستنيراً بحضارة دلمون وآثارها، فكان الموروث الخليجي حافزاً مشعاً للفنان في البحرين ، وان لـ(جماعة الفن المعاصر) الأثر البالغ قي هذا التوجه العارم نحو استيقاظ روح الموروث الخليجي والعربي.كذلك تحقق هذا التلاحم ما بين الموروث والتشكيل القَطَري من خلال معالجة الموضوعات المتعلقة بالبحر وفن صناعة السفن الخشبية والبناء المعماري الشعبي والزخارف والألوان وفن صناعة البسط والسجاد وغيرها من الحرف الشعبية. أما في الإمارات و سلطنة عمان لا يمكن للفن التشكيلي إلا أن يكون قريباً من هذا التوجه حيال الموروث الشعبي بفعل تقارب الأسس الاجتماعية في منطقة الخليج، بل ان دراسة أي مجتمع في المنطقة بالضرورة هي عينة صادقة في تمثيل المجتمع الكلي. لأن الخليج كمجتمع لا يمكن تجزئته بحال يتيسر للباحث من دراسته واستخلاص النتائج للأسباب الجغرافية والتاريخية والاجتماعية والاقتصادية المتماثلة، بيد ان النهج الذي ينتهجه الفنان يتفرد عن غيره في البلد الواحد بسبب المرجعية الأكثر ذاتية للبلد وللفنان في دراسته الأكاديمية للتجارب التشكيلية المعاصرة في العالم واختلاف مشاربهم الذاتية ورؤاهم .


الفصل الثالث
إجراءات البحث

*منهج البحث : للتوصل إلى أهداف البحث اعتمد الباحث المنهج الوصفي من خلال تحليل العينات.

*أداة البحث : سعى الباحث في استخدام افضل أداة تناسب وبحثه وهي (الملاحظة) في تحليل الأعمال عينة البحث .

*مجتمع البحث : شمل الأعمال التشكيلية المصورة لفناني دول مجلس التعاون الخليجي التي حاول الباحث تقصيها بوصفها ذات مساس والقيم التراثية الشعبية

*عينة البحث :الأعمال التشكيلية التي اختيرت قصديا.البالغة (7)أعمال موزعة لثلاثة أعمال من دولة الكويت وعملان لكل من المملكة العربية السعودية ومملكة البحرين .

أسباب اختيار العينة .
وقد اختيرت على وفق الضوابط الآتية :-
1- التنوع في الاتجاه التقني .
2- استبعاد الأعمال المتكررة.
3- الأعمال ذات المساس والحالة الاجتماعية لمجتمع دول المجلس.
4- التنوع في اختصاصات الفنانين.






تحليل العينات:
عينة(1) :نادر عبد الحميد / 1956 / الكويت (الختمة)
صور الفنان موضوعة ذات مساس بالمجتمع المسلم في عملية تحفيظ القرآن الكريم للأولاد في سن مبكرة، وحتى يكتمل حفظه من أحدهم تعم الفرحة والأعياد عموم الأهالي.لذا جسد الفنان اللحظة تجسيداً واقعياً محاكاتياً مرتكزاً الى الرؤى التكوينية بمعالجة السطح التصويري في اللون (الاوكر) المستلهم من الواقع المحلي والبيئة الشعبية (الرمال).كما يتشكل البعد المعماري والوحدات الزخرفية للبيئة فضلاً عن تجسيد الملامح والأزياء الشعبية الخليجية.
كما اعتمد الفنان في توزيع مفردات السطح التصويري الى مركزية العمل ( الطفل بيده القرآن الكريم في المركز).
إجمالاً يستعرض الفنان السلوك الاجتماعي والبعد المعماري الشعبي مجسدا" المحلة في معظم المفردات,ليبقى العمل الفني وثيقة مسجلة لسلوك اجتماعي تضاءل وجوده في المجتمع العربي في الوقت الحاضر.


عينة (2) : سامي محمد / 1943 / الكويت (فتاة كويتية)
يتفرد الفنان في منحوتاته ذات البعد الجمالي والتعبيري في استكشاف كوامن الإنسان وإرهاصاته وهو العارف بحيوية مادته المستخدمة وقابليته في تطويعها وفق ما يرتئي ،وقد اقتفى الفنان في معظم أعماله النحتية تقنية جياكومتي عبر استطالات شخوصه ونحافتها رغم واقعيتها، وفي عمله( فتاة كويتية) جسد بواقعية أكاديمية مفردة محلية لم تزل متواجدة في مجتمع الخليج بهيئة حلة ترتديها النساء في الأفراح والمناسبات (الهاشمي) ، وقد أشرك تقنية التصديف استذكاراً للبحر ,فضلاً عن اتصال اللباس الهاشمي تقنياً وشبكة الصيد(السلية) .
وقد تجسدت المزاوجة التقنية المعاصرة والدراسة الأكاديمية للعمل ليرتقي منها الى حدود التأصيل والإبداع مما يشير الى ان الفنان يعد من قمم النحت المعاصر في الوطن العربي .


عينة (3) يوسف القطامي 1950 / الكويت / (لعبة شعبية)
ينقلنا في منحوتته الى روح الموروث الشعبي الخليجي باستشفاف مفرداته بتركيبة ورؤية معاصرة موظفاً الشكل باستحضار من الموروث الرافديني السومري عبر تهميش الملامح وتجاوزها للوجوه الآدمية لا سيما المنحوتات المعبودة(م10ص25-26)، فأعاد صياغة الأشكال ليهذبها على وفق استيعاب الجوانب الشعبية الخليجية فيشير العمل الفني الى تسجيل مفردة سلوكية محلية مارسها المجتمع كنوع من التسلية الجماعية معتمداً مبدأ التناظر والتماثل والحركة المتولدة من دورانية المنجز بكليته يدعمه التوازن والتكرار وصولاً الى الوحدة التكوينية الجمالية.(م11ص88).



عينة (4) محمد السليم / السعودية (موضوع)
إن قراءة العمل تنقلنا إلى الأجواء اللونية الخليجية المنسجمة (الهارموني) ليجسد حالة المجتمع الخليجي قبل ظهور النفط إذ المصاعب الاقتصادية وقسوة العيش، فيستعرض لنا امرأة تفترش الطريق للرزق بيدها طفلها الرضيع.كما نقل البعد المعماري الخليجي ببساطته وبدائيته (بيوت الطين).
أما التقنية التي اعتمدها الفنان فهي توليفية ما بين ( انطباعية سيزان أو سورا ) في ضربات الفرشاة التي مهدت للتكعيبية وتعبيرية (ماتيس) باستخدام اللون الأسود بمعية الألوان الصريحة وثالثهما تعبيرية ما بعد (ماتيس) مجسداً فيها التعبيرية ضمن منطقة الاختزال والتجريد فبرز العمل تحفة لا يمكن للتشكيل العربي تجاوزها.



عينة (5) محمد سيام 1374 هـ/السعودية (بيوت)
منجز بالألوان الزيتية للفنان السعودي محمد سيام تحت عنوان (بيوت) ينتمي إلى المدرسة السريالية كتقنية تبناها الفنان فضلاً عن التصميمية المعمارية التي سعى إليها.
يتأسس المنجز من كتل معمارية تقترب من القيم التراثية الشعبية في الخليج وأحاطتها بالزخرف (المربعات والدوائر) والنوافذ المستطيلة ، كما لجأ الفنان الى التضادات اللونية ما بين الكتل والخلفية ( Back Ground ) بافتراضات الحلم، كما يقترب السطح التصويري من تقنية التلصيق (كولاج) لا سيما في منطقة البناء المعماري ليحيل المتلقي الى المدرسة التكعيبية .
إن المفردات الزخرفية المستخدمة يمكن تأويلها الى بساط مزركش بموتيفات شعبية ذات ألوان براقة كنوع من التعويض اللوني الذي يفتقده الإنسان الخليجي المتشرب بألوان الرمال والصحراء والبحر (الاوكرات والالوان الباردة) لذا لجأ الى الألوان الحارة (الأحمر والأصفر) بمعية الألوان المعتادة للإنسان الخليجي مما يعطي للمنجز صفة التوازن البنائي جمالياً.
إن العمل يمثل قيمة تشكيلية استنهضت الموروث الشعبي الخليجي بتقنية مزدوجة تنامت عند الفنان عبر دراسته للفن الأوربي المعاصر . وهذه قيمة طالما لجأ إليها الفنان العربي بصورة عامة والخليجي بخاصة لينبري منها منجزه بتفرد متميز يرتقي صفة الأصالة والإبداع.



عينة (6) راشد العريفي / البحرين (موضوع)
ينزع إلى تآلف الرسومات الطفولية الأقرب الى الفطرية و استشراف الموروث و (الموتيفات) الشعبية مع العناصر الواقعية الإسلامية بزخرفيتها, وهو اتجاه الفنان الى قراءة التاريخ وحضارة (دلمون) والرسوم الجدارية ذات الاتصال بالرسوم الجدارية الرافدينية.
وقد تصرف بالسطح التصويري كفضاء تسبح فيه الأشكال مولداً أشكالاً زخرفية كما اتجه الى التبسيط والاختزال بتقصي منهج غربي(بول كليه وخوان ميرو وحتى بيكاسو) . كما يمكن تصور الزخرفية على شكل بساط مزركش فضلاً عن الهندسية كتوجه حروفي تشكيلي, ومن خلال الربط ما بين المفردات في المعنى
(منائر، قباب، أهلة) يمكن توصيف الشكل برمته ليمثل شخصاً متعبداً رافعاً يديه وهو راكع.
إن العمل يحمل بين تلافيفه مجمل التقنيات العربية الإسلامية في امتلاء السطح بالزخرفية وغياب المنظور وإهمال التشريح .
فان المزاوجة التي سعى إليها الفنان مكنت المتلقي من توصيف العمل بوصفه عملاً إبداعياً من خلال استنهاضه القيم الجمالية الموروثة والتقنية التي انتهجها عبر دراسته ورؤيته .



عينة (7) عبد الكريم البوسطة / البحرين (فتاتان)
يعرض الفنان عمله في شكل فتاتين بنهج تعبيري اقرب الى الوحشية مؤكداً على قيمة اللون الأسود بتحديد المساحات على وفق تقنية (ماتيس) المنعكسة على أعمال العديد من الفنانين العرب، وبحكم مرجعية الفنان الى حضارة كبيرة (دلمون) واتصالها والحضارة الرافدينية السومرية.فقد وظف الفنان ملامح الوجهين على وفق مرجعيته الحضارية والتاريخية كقيم جمالية ما زالت منبعاً يثري التشكيليين في الاغتراف منه.










الفصل الرابع
النتائج والاستنتاجات


النتائج ومناقشتها
1. أن التشكيل الخليجي ارتكز الى قيم فكرية بوصفها قيما تكمن في كينونة المجتمع. سعى الفنان الخليجي من تفعيلها على وفق تقنياته الى خطابات جمالية وتوثيقية تمثل علامات ذات خصوصية وتفرد في التشكيل الخليجي .
2. بفعل المشارب الغربية للفنان الخليجي ، انتهج تقنيات غربية معاصرة لمضامين اجتماعية محلية ، مخلفا توليفة جمالية ما بين التقنية والموضوع ، حتى الأعمال ذات النهج التجريدي والأشد حداثة فإنها لا تبتعد عن تجسيدها للواقعية الخليجية .
3. توصل الفنان الخليجي الى تقنيات معاصرة على وفق (الثيمات ) الواقعية و(الموتيفات ) الشكلية والأساطير لتتحدد منها تقنيته الذاتية وتفرده في الإنجاز والتنفيذ، بل ان توصله الى هكذا تقنيات وان كانت مرجعيتها رؤيته المتحررة وموهبته المتقدة، إلا إنها لا تخلو من مرجعيتها في الموروث الشعبي بكل تنوعاته المتولدة في المجتمع الخليجي.
4. أستعرض الفنان الخليجي صور الواقع المحلي مقتفياً سلوكيات المجتمع الخليجي والعربي المسلم إذ عالج موضوعاته وما تحمل من معان اجتماعية وطقوس فلوكلورية محلية يزاولها أهالي المحلة (الفريج) بكل مستوياته الاقتصادية وإن اختلفت بعض الشيء.





الاستنتاجات

وخلاصة ما تم التوصل إليه واستنتاجه من الإطار النظري والتحليل لعينات البحث فأن الموروث الشعبي لدول مجلس التعاون الخليجي يشمل المجتمع برمته من خلال التعايش الآمن معه لانه نابع من كينونة الأرض والرمال والبحر والصيد والممارسات الشعبية الأخرى كالرقص والموسيقى، بل أن المجتمع لم يزل يحفز من التعامل والتقرب من الموروث الشعبي .
ولإدراك الفنان التشكيلي الخليجي بقيمة الموروث الشعبي كانت مراقبته له وتصديه كبيرة جداً لأنه يتعامل مع قيم لم تزل خالدة في المجتمع. وأن الخطاب التشكيلي كان بحق صورة حقيقية لمفردات تراثية قد اندثر بعضها لينقلها الى المجتمع المعاصر بجمالية وتفرد تمثل نضجاً في الرؤية البصرية للموروث ونضجاً في الخطاب التشكيلي في دول مجلس التعاون الخليجي العربي.



























المصادر

المصادر حسب ورودها في متن البحث
1- عاصم فرمان صيوان البديري. المتحول في الفن العراقي الحديث. أطروحة دكتوراه غير منشورة. جامعة بغداد. كلية الفنون الجميلة 1999.
2- فوزي العنتيل . الفولكلور ماهو . دار المعارف . القاهرة 1965 .
3- لطفي الخوري . في علم التراث . الموسوعة الصغيرة . وزارة الثقافة والإعلام . بغداد 1979 .
4- عبد المجيد لطفي . التراث الشعبي هل هو شيء منعزل ؟ . مجلة التراث الشعبي . العددان 11 ، 12 . وزارة الثقافة والإعلام . دائرة الشؤون الثقافية العامة بغداد 1984 ة.
11/12 . وزارة الثقافة والإعلام . دائرة الشؤون الثقافية العامة 1984 .
5- د. نبيلة إبراهيم . الدراسات الشعبية بين النظرية والتطبيق . دار المريخ للنشر . الرياض . 1985 .
6- صفاء الدين حسين جمعة التميمي . توظيف الأسطورة والحكاية الشعبية في المسرح العراقي المعاصر . رسالة ماجستير غير منشورة . كلية الفنون الجميلة . جامعة بغداد 1989 .
7- صفوت كمال . مدخل لدراسة الفولكلور الكويتي . شركة ذات السلاسل للطباعة والنشر ط3 . الكويت 1986 .
8- شوكت الربيعي. الفن التشكيلي المعاصر في الوطن العربي 1885 –1985.دار الشؤون الثقافية العامة. بغداد 1986ز
9- سمير ظريف. الفن التشكيلي السعودي خلال عقد من الزمن. مجلة الفيصل العدد100 /السنة 9 / تموز (يوليو)/1985.
.10- طارق عبد الوهاب مظلوم. النحت في عصر فجر السلالات حتى العصر البابلي الحديث. حضارة العراق ج4. نخبة من الباحثين. دار الحرية للطباعة. بغداد 1985.
11- ناثان نوبلر. حوار الرؤية. مدخل الى تذوق الفن والتجربة الجمالية. ترجمة فخري خليل. دار المأمون للترجمة والنشر ط1 بغداد 1987.























عينة 1











عينة 2 عينة 3












عينة 4






































عينة 5

عينة 6






























عينة 7











نشر قي العدد الثاني مجلة دراسات البصرة 2006

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق