tag:blogger.com,1999:blog-66098884177913802362024-03-13T09:42:53.727-07:00الفنان التشكيلي أزهر داخلرسام - أكاديمي من العراق
وتدريسي في كلية الفنون الجميلة / جامعة البصرةأزهر داخل محسنhttp://www.blogger.com/profile/03098343134480779083noreply@blogger.comBlogger17125tag:blogger.com,1999:blog-6609888417791380236.post-6103557147651211722010-06-02T12:17:00.000-07:002010-06-02T12:18:11.110-07:00الفنان ماجد عباس ... مشغل الزبير البكرمثلما كانت إحدى مهام الفن تتمثل في إرساء قواعد الربط الروحي بين المدركات الحسية وبين نتاثج قد لاتكون قصدية في بناء وتفسير تلك المدركات ، فهو بالضرورة يمثل لغة مشتركة يمكن استطلاعها والاستشراف بها عبر أواصر جدلية تحدد الواقع بوصفه ظواهر مدركة وما تؤول إليه في إعادة بناء وتنظيم تلك الظواهر ، ويخطئ من يتصور أنها عملية يسيرة لاتمر بمراحل غيبية أو مقننة ، وهذا فرض بديهي تجسد في الفنون العراقية القديمة بتمرحلاتها على وفق المرجعيات المتعددة كالدين والسلطة والسحر لينبري فيها المحيط في الشكل والمادة المعطاة إلى رموز ترتكز إلى تلك المرجعيات ، فتمثل برمتها انساقا تتجاوز حدود الواقع لتؤول إلى تراكيب ذات دلالات ، وإنها تتألف فكريا مع دلالاتها في حدود التعبير من خلال تفعيل تلك الدلالات في استشعار المتلقي بمكامن ذهنية مثقلة بالأشكال والرموز المستمدة من الواقع يجسده المنجز الفني لاسيما إن النظم التعبدية والطقوس تدعم تلك الأشكال بل تقودها إلى مرجعياتها الفكرية للربط بين الذات والمحيط كاتجاهين محسوسين وبين ماهو غيبي يفيض منه الشكل في الرموز من اختزالية قيمه المحسوسة ( المادية ) وجنوحها إلى عالم الماورائيات ، وهو انتماء طبيعي وحيوي بين العالمين المعرفي والتأويل، من هنا يكمن هاجس الفن الروحي بنبذه التقليد توخيا قراءة الطبيعة ، إذ يتولد في الفن عامل المشاكسة التي تفرضها علاقة الفنان بما يحيطه فتكشف عن انفعالات وتحديات داخلية في الذات واتصالها مع المحيط وظروفه بكل نوازعه وتناقضاته فيتمثل بذلك الخطاب الفني على أسس استنهاض وتعزيز القيم الجمالية ، من جانب آخر يفترض حصولها في تحليل أي نتاج فني لاسيما التشكيلي منها ما يتصل بالوعي وارتكاز معطياته في التلقي بما يمثله المضمون من استنطاق حقيقي للواقع ، كما تنفرد منها انساقا ووشائجا لتحيل المضمون ضمن دائرة المعرفة التي يغتني بها التحليل ضمن سياقات منطقية معمول بها ، أسوق هذا لغاية استذكر فيها قيم الفنون المترسخة في الذات الإنسانية العراقية علني أتمكن من العوم في دهاليز المجسمات والمشخصات الطينية والخزفية التي يحتويها المشغل البكر للفنان ماجد عباس ( واسط 1944 ) في مدينة الزبير التي تبعد عن مركز مدينة البصرة بحدود 15 كم . والفنان جهد في تشييد هذا الصرح الفني المغمور والبعيد عن الأضواء رغم انه أنجب العديد من الانجازات الفنية منذ أكثر من عقدين من الزمن .<br />وحال دخول المشغل لامناص تجد نفسك أمام مشغولات فنان يمتلك الخبرة عبر تجاريبه المتعددة ، فهو الحرفي الفنان الذي يزاول الفن بتنوعاته في التشكيل وبعض الفنون الحرفية التطبيقية ، بيد إني آثرت أن اطرح رؤيتي عنه بصفته خزافا .<br />في احد بحوثي الأكاديمية المنشورة في مجلة فنون البصرة التي تصدرها كلية الفنون الجميلة في جامعة البصرة ( الفن بين مفهومي التشكيل والحرفة الشعبية ) ذكرت أن هناك توا شجا كبيرا بين الفن التشكيلي والحرفة الشعبية فتوصلت إلى مفهومين هما ( الفن في الحرفة ) و( الحرفية في الفن ) البون بينهما يكمن في جاهزية النتائج ، فالحرفي تسبق نتائج منجزه آلية التنفيذ بينما يتعذر استقراء هذه النتائج في العمل التشكيلي الإبداعي ، واعتقد أن مابينهما يظهر الحرفي المبدع عندما يتجاوز بمنجزه الأول وقد يتجاوز برؤيته الثاني ، وفي هذا المجال أجد فيه حيزا مهما لـ ماجد عباس .<br />وعلى ضوء الفلسفة التجريبية لـ ديوي أن الفنان وعبر تجاريبه الذاتية المحضة لابد من وصوله حالة الإبداع والخبرة من خلال تطويع المادة الخام وفق مايرتئي عله يجد ضالته في استجابة المتلقي على أساس أن المادة وسيلة الاتصال بين الفنان والمتلقي ، فبقي ماجد عباس أمينا بشراكته مع المتلقي عبر تهذيبه المادة الخام ( الطين ) ليلقيها عرضة للتلقي ، ولذلك تعد أعماله مداليل على خبرات متزايدة لتجارب متراكمة ومتنامية اجترح فيها الفنان لنفسه خطا شفيفا من علائق المنجز البصري العراقي وأسس أصالته عندما استنهض الوحدات البصرية العراقية القديمة في سومر وبابل وآشور وموظفا القيمة الهندسية للحرف العربي الكوفي لضرورة تقتضيها القيمة الجمالية والتصميمية لجدارياته .<br />وأراني وسطا إذ أرى أن الفنان اشتغل في منطقة تخطت الحرفة بعيدا حيال الأكاديمية إلى فترة متأخرة إذا ما علمنا انه زاول التدريس في معهد الفنون الجميلة ثم مشرفا على دورات المعلمين والمدرسين في معهد الإعداد والتدريب ، ولشغفه بتعلم الفنون التشكيلية أكاديميا أنهى دراسة البكالوريوس في الكلية المفتوحة فأصبح توجهه ورؤيته الفنية أكثر نضجا ودراية وربما أكثر إحساسا .<br />ماجد عباس مغرم بالمنظومة الزخرفية الإسلامية وقيمها الجمالية لاسيما عنصري التكرار والتناظر وإمكانية إلغاء الفراغ بملء معظم المساحات بهذه القيم ، وقد انعكست وتداخلت في تصاميمه الطينية وجدارياته المثبتة في ساحات البصرة .<br />وإذا كنا نفخر بالنحات العرقي الكبير الراحل منعم فرات بوصفه الامتداد الحقيقي والوريث الشرعي للفنان العراقي القديم لابد لنا أن نضع ماجد عباس في مرتبة لاتقل شأنا من سلفه الراحل ، فهو الامتداد الأمين له مع الفارق أن ماجد عباس يسكن مدينة يكاد الطين ينعدم فيها . الزبير المدينة المحاذية لصحراء العراق الواسعة ، ومع ذلك فقد اغرم الفنان بالمادة الطينية بطريقة تفوق مجايليه فكان ثرا وغزيرا في عطائه الفني وكأنه تيقن أن الطين مادة تبعث الروح والحياة في المجتمع وتعطي للتاريخ قيمة التدوين منذ المعارض المكشوفة للفنان القديم .<br />هذا المشغل المليء بالفخاريات والمزججات المرتبة كأنها رتبت متحفيا للتلقي ، لم يكن بعيدا عن احتضان بعض المنجزات الفنية في الرسم والنحت على الحجر والخشب كنوع من التجارب المكملة والمؤازرة لرؤية الفنان الجمالية للفن عامة .<br />الفنان ماجد عباس بقي ولما يزل أمينا لفنه فرفد الحركة التشكيلية بمشاركاته المستمرة فضلا عن ذلك انه رفد الحركة التشكيلية باثنين من أبنائه احدهما تدريسي في كلية الفنون الجميلة قسم النحت والأخرى مدرسة لمادة الرسم في التربية .أزهر داخل محسنhttp://www.blogger.com/profile/03098343134480779083noreply@blogger.com0tag:blogger.com,1999:blog-6609888417791380236.post-61878484928153089552010-06-02T12:06:00.000-07:002010-06-02T12:16:36.216-07:00مقالات متفرقة( سنوبل ) في حديقة الانسان <br /> يلجأ السرديون في كتابة سرودهم كالرواية والقصة من التعرض لمفردات المجتمع الحياتية ، وبنائها بشكل سردي يتفق وما يذهب إليه الكاتب ، فيخضعها إلى آليةٍ تصل بغيته باتباع هيكلية عامة للسرد وإغنائه بالذاتية الابداعية ، محاولاً دراسة جوانب الواقع ونقدها وتقويمها من زوايا متعددة قد تفضي إلى حلول أو وثائق تأريخية هامة . لذا فإن للسرود دوراً بارزاً وحساساً في الكشف عن المعالجات الانسانية للمجتمعات عبر تشخيص الخلل أو تقويمه .<br /> كما أن قراءة الرواية أو القصة تفتح آفاق المعرفة بالاطلاع على خصوصيات المجتمعات ومقارنتها مع بعضها . <br /> هذه مقدمة نسوقها لا لتحليل العمل الروائي ، ولا بصدد تحليل ومناقشة رواية كـ( حديقة الحيوان ) للروائي ( جورج أوريل ) ، إنما لمقارنة الصياغة السردية مع النمط السلوكي لتركيبة المجتمع وعلاقته برجال سياسة الدولة .<br /> تتعرض الرواية افتراضاً إلى حياة وسلوكيات مجموعة من الحيوانات داخل غابة ترزح تحت وطأة ظلم الانسان وقهره ، ولنفاذ صبر الحيوانات قررت جميعها الانتفاضة ضد الانسان والتخلص منه وطرده خارج حدود غابتها ، لتباين الجنس وتباين البنية الحياتية بينهما . <br /> وبعد أن استقر رأي الحيوانات على التخلص من الانسان أصدرت قانوناً( دستوراً ) ينظم حياتها في الحقوق والالتزامات والسلوكيات . قانوناً إلزامياً لجميع الحيوانات حتى الخنازير التي تبوأت السلطة الادارية العليا في الغابة باختيار الجميع ، فالخنازير ملزمة باحترام القوانين كبقية الحيوانات ومماثلتها في الهيكلية الحياتية .<br /> كُتب القانون على لائحة علقت في الغابة ، تنص بنوده ( إن ذوات الاربع تنام على الارض فقط ، وتنام مبكراً لتستيقظ مبكراً ، ولا تجلس على المقاعد ، ولا تحتسي الخمر ، وأن يحرم التعامل مع بني البشر ) .<br /> فوجئت الحيوانات في إحدى الليالي بصياح يصدر من حظيرة الخنازير وعند تقصي الامر وجد أن الخنازير تتراقص بنشوة الخمر . توجهت الحيوانات حينها صوب لائحة الدستور فوجدتها محورةً إلى غير ما كانت عليه . فإن ذوات الاربع تنام على الارض ما عدا الخنازير ، وأن تنام مبكراً وتستيقظ مبكراً ما عدا الخنازير ، ولا تجلس على المقاعد ما عدا الخنازير ، ,ان لا تحتسي الخمر ما عدا الخنازير .<br /> وبمرور الايام ألغيت الفقرة التي تحرم التعامل مع الانسان باستئناف الخنازير علاقتها مع الانسان للمتاجرة وتزويدها بالخمور . كما فوجئت الحيوانات أن الخنازير هيأت الكلاب لحراستها أثناء النوم أو الخروج إلى الغابة . <br /> ( ولنقل الصورة المقروءة للرواية إلى مرئية حولت فيلماً كارتونياً ، ولشد ما أثارني تجسيد الكلاب لمهمتها في الحراسة ، تجسيدأً حياً يشابه كلاب حراسة الطغاة ) في الترقب والحذر والالتفات إلى جميع الجهات خوفاً على أسيادها الخنازير من حيوانات الغابة .<br /> استمرت تجاوزات الخنازير وكلاب الحراسة للقانون بحال أفقد الحيوانات الضعيفة صبرها ، فاستجمعت ما تبقى من قوتها وانتفضت ضد الخنازير وحرسها. تناثرت من بعدها الخنازير والكلاب هاربةً – ما اشبه هروبها بهروب الطاغية ورفاقه وكلاب حراسته . <br /> أطمح أن تكتمل الرؤية بقراءة الرواية أو مشاهدة الفيلم الكارتوني . <br /> وإذ احاول إلقاء الضوء على الصياغة السردية للرواية ومقارنتها مع النمط السلوكي للمجتمع وعلاقته برجال سياسة الدولة فيما يتعلق بآلية تطبيق الدستور بوصفه قمة الهرم في القوانين الوضعية ، واحترامه إلزام أخلاقي ومبدئي للمجتمع برمته دون أية فوارق علمية أو طبقية أو عقائدية . فلا دستور لدولة يغير بموت رئيسها عطفاً على الابن ليخلفه كي يجيز عمره الصغير لرئاسة الدولة ، ولا دستور لدولة قانونها مطاط بين يدي رئيسها لصلاحياته غير المتناهية . <br /> فالدستور لا يحابي الصغير أو الكبير ، ولا يفرق الاسكافي من الوزير ، لإنه قمة والمجتمع قاعدة ، والخطوط من قمة الهرم متساوية الاطوال إلى القاعدة ، وشعاع قمة الهرم يفيض بالتساوي إلى قاعدته . كما أن الدستور أعمى تجاه الطوائف والاعراق والنَسب والتوجه السياسي ، يراه المستقل قريباً منه كما يراه الليبرالي أو اليساري أو الإسلامي أو المعارض . <br /> هذا هو الدستور بالمفهوم المدني تتحمل صياغته النخب المعتدلة ذوات التخصص والكفاءة ، يشاركها المجتمع في مناقشته والمصادقة عليه فينال شرف المساهمة في صياغته ليتأسس منه أنتماؤه له واحترامه وتقديسه . <br /> وحينما يصادق المجتمع على الدستور وكيفية صياغته بديمقراطية ، فهو بالضرورة يرفض تحويره تحت أية ضغوطات شخصية أو إيديولوجية . <br /> لقد غيرت الخنازير دستور حديقة الحيوان كما تلاعبت خنازير البشر بدستور حديقة الانسان . وإذا كانت نسبة الانتخابات الديمقراطية ( 50 % ) أهلت الخنازير لتعبث في المقدرات والمصائر وتلجأ إلى سياسة الترغيب والترهيب والسياسة الجوفاء ( أنا القوي ذو الهيبة وعليكم احترامي ) فليس لنا معارضة لديمقراطية ( 99,99 % ) التي لاتجيز ترشيح سوى الخنزير سنوبل ( بطل الرواية ).<br /> فكما حديقة الحيوان انتفضت ضد سنوبل وكلابه ، فإن مصير خنازير البشر لن يكون بأفضل حال من سنوبل .<br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br />الجهاز الأمني خيار بين سلوكين<br /> ثمة قطيعة مابين المجتمع العراقي الطيب وبين رجال الأمن تعود إلى العقدين الأخيرين وما نتج عنهما من إرتكابات وضغوطات مارسها الجهاز الأمني المتعدد الأسماء والأشكال بحق المجتمع .<br /> جهاز الأمن والأمن الخاص والمخابرات والاستخبارات والحرس الجمهوري وقوات الطوارئ والقوة الضاربة لما يسمى بالجيش الشعبي وأشبال وفتيان وفدائيو صدام وغيرها ، والقائمة تطول حتى تصل إلى الجار البعثي والرفيق الصفيق وهو يُودي بجاره الذي ( يصلي ) إلى المقصلة عبر ورقة بيضاء يلوثها بقذارته .<br /> حلقات تفرط عقدها بين ليلة وضحاها ، لاناصر ولامعين . هرب البطل الأوحد والأسد المغوار وترك عرينه للمحتل ، هربت أقزامه ومن كانت تلوذ به ، هرب الضابط وهرب الجندي والشرطي حتى الدفاع المدني والمرور .كلهم هربوا وقد تركهم الشعب الجريح لمحنتهم يلوذون بعباءات نسائهم السوداء .<br /> قطيعة أدت إلى هروبهم جميعاً تهيكلت بسببها القوى الأمنية الصارمة لخشيتها من رد الفعل الجماهيري تجاه ما اقترفته أياديهم الملوثة بدماء العراقيين .<br /> هربوا مرتين ، الأولى في الانتفاضة الشعبانية المباركة بعد طردهم من الكويت ( منتصرين )، والثانية في الثورة الجماهيرية وقد تركتهم الجماهير المضطَهدة لمصيرهم الأسود في حرب حرية العراق . أراها ثورة جماهيرية لأن الشعب الحر لايرتضي للغرباء بتدنيس أرضه حتى يفنى برمته ، إلا أن الشعب آثر السكوت فتفرج على سقوط الدكتاتور وصنمه بفرحة تشوبها غصة الاحتلال. <br /> وما أن عادت الحياة الطبيعية إلى العراقيين ظهر شرطي المرور بخجل وضعف أمام المجتمع لإحساسه بقسوته التي يستمدها من جبروت السلطة فكان قرين لشرطي البعث وشرطي صدام بعلم أو دونه ، إذ كان سوط المرتزقة على ظهر الشعب المحروم ، مع إن المرور في كل أنحاء العالم يعد سلطة تنظيمية لا حزبية إلا في عراق الدكتاتور ، وواجبات الدفاع المدني حماية المواطن إلا في عراق البعث فقد انزوت هذه الهياكل كما هي جميع مؤسسات التنظيم الحياتي إلى مدارك البعثية في السلوك وإن لم تكن بعثية الإنتماء ، فقد كان سلوكها الشائن تجاه العراقيين وجهاً آخراً من أوجه الطاغية مع تنافر بعضها وسلوكيات البعث المشبوهة فكانت تتعكز في خشيتها من البعثيين الرفاق ( يا لها كلمة يشمئز منها العراقيون ) .<br /> ورغم خجل شرطي المرور من المجتمع وخوف الشرطي المحلي إلا أن المجتمع أستقبل تواجدهم بفرحة أنسته إرتكابات الهياكل الصدامية البغيضة وتغاضت عن بعض مَن كان يمارس دوراً بديلاً عن صدام وأزلامه ، إلا أن السلوك المريب الذي تمارسه الآن بعض عناصر الشرطة أو الحرس الوطني أو غيرها من المسميات الجديدة دون أن تتعض من الماضي القريب وترى ما حل بهذه الهياكل بعد سقوط الصنم ليس إلا غباء مع إن هذه العناصر الجديدة كانت مضطهدة أو تدعي الاضطهاد والحرمان في عهد الطاغية وما نراه من تفشي الرشوة والمحاباة والسرقة والتجاوز على حقوق المجتمع في كل مناحي الحياة يدمي القلب ، تجاوز في الشارع وفي محطة تعبئة الوقود وتجاوز في السير، ومناصرة المعتدي والسارق والتكالب على البسطاء والفقراء وغيرها ، إنها تجاوزات لاحد لها وقد تزايدت عما كانت في السابق . وكأن البلد عرضة للنهب والسلب لمن كان أقوى على فرض إنهم الأقوى . وتناسوا جبروت أزلام الطاغية وما حلَ بهم ، فآثر البعض السلوك الأعوج للمصلحة والأنانية والربح الآني الذي يفقدهم انتماءهم ، وبه يتهاوى وطنهم ، وأذكرهم بقول أثير لمواطن أحس بوطنيته . <br /> " وطن بيه عوجه وحده وما كدرنه عليه من ينعوج كله شلون يتعدل " <br /> <br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br />إتحاد الطلبة وخيارات المسؤولية<br /> لاريب أن الخراب الذي خلفه العفالقة لايخفى عن أحد ، ولعل أقسى عذابات العراقيين من أولئك القتلة تمثلت في تخريب النفوس ونزع الانتماء للوطن والتربة ، وقد ألقى كل ذلك بظلاله على المستوى العلمي والثقافي والاجتماعي ، كما لايخفى عن أحد أن البعثيين قد أسسوا شبكة أخطبوطية من أجهزة الأمن تغلغلت في نسيج المجتمع وأرهبته ، وإحدى هذه الأذرع الأخطبوطية ( الإتحاد الوطني لطلبة العراق ) ودوره الأسود في حلحلة المستوى العلمي وتهميشه عبر وسائل عدة ، فأعضاء الإتحاد المقبور هم متسيبون وأغبياء حد العظم وناجحون بامتياز !!! .<br /> وقد حُصرت الدراسات العليا بهؤلاء الأغبياء فنالوا الماجستير والدكتوراه ومعظمهم لم يكتب حرفاً واحداً . ولا أظن أساتذة الجامعات غافلين عن هذه الحقيقة المرة .<br /> الأمر الذي أود طرحه غاية في الخطورة والأهمية من خلال ملاحظاتي كتدريسي وسماعي من التدريسيين الآخرين في الجامعة أن ممارسات بعض أعضاء اتحاد الطلبة الجديد لاسيما بعض رؤساء الاتحادات في الكليات يمارسون ذات الممارسات القديمة كالتسيب والغياب وعدم الانضباط وتسخيف الدروس العلمية وممارسة القيادة الغبية للطلبة والتكتل في مناهضة العلم وأساتذته بحجج الاجتماعات والمسؤوليات المزعومة . لذا أدعو اتحاد الطلبة والطلبة المخلصين المؤمنين بقضية بلدهم بعدم التهاون مع هؤلاء . فكما سرق أولئك جهودنا وحقوقنا وامتيازاتنا وأعمارنا سيسرق هؤلاء جهودكم وحقوقكم وامتيازاتكم وأعماركم . وبالنتيجة سيكون اتحاد الطلبة نسخة مشوهة أرادها بعض الأقزام بقصد أو دون قصد أن تخدم ذواتهم المريضة ، لذا يفترض بأعضاء الإتحاد الملتزمين التصدي للباطل الذي يحاول تلويث سمعة إتحادهم ، والوقوف بوجه مَن يحاول سرقة شريحة الطلبة ، ومقاضاة التدريسيين غير الملتزمين بإعطاء الحصة العلمية كما يجب ، وإيصال تسيب التدريسي إن وجد إلى أعلى مستويات المسؤولية . و يفترض بأساتذة الجامعة عدم ممارسة الدور ذاته قبل سقوط الدكتاتورية والرضوخ لأهواء بعض أعضاء الإتحاد الجديد كما كان سابقاً ، وعليهم محاسبة المقصرين منهم إحقاقاً لأقرانهم الطلبة ، فعلى الجميع أن يضعوا نصب أعينهم أن الجامعة ليست ملكاً لأحد ، إنما هي ملك المجتمع برمته جيل بعد جيل ، فالتهاون والرضوخ يعني مشاركة السارق لحقوق الآخرين . فهل ترتضي لنفسك أيها الإتحاد الوليد من رحم القهر والطغيان أن تكون ملاذاً آمناً للمتسيبين والمتسكعين . وهل ترتضي أيها الأستاذ المحترم أن تعود إلى فترة الذل والاستلاب …؟ ؟ ؟ . لا أظن ذلك .أزهر داخل محسنhttp://www.blogger.com/profile/03098343134480779083noreply@blogger.com0tag:blogger.com,1999:blog-6609888417791380236.post-3602227857101454842010-06-02T12:04:00.000-07:002010-06-02T12:05:43.272-07:00الإبداع في التشكيل العراقي واستنهاض القيم الرافدينية الموروثةبلاد النهرين ، ارض تنامت عليها القيم الإنسانية بوصفها نتاجات إبداعية في (التشكيل والأدب والأسطورة) أفرزتها البنية الذهنية والمعرفة الذاتية، فضلاً عن الوعي الجمعي للمجتمعات المتعاقبة على هذه الارض، تدعمها المعطيات الرافدة لتتكامل أهميتها بما يثري تلك المعرفة، وان ديمومة التطلع الإنساني كفيلة بتكامل رؤية قيمة المستقبل المعنوية والمادية وربطه جدلياً بجذوره واستنطاق الأثر كذاكرة متجددة باستخلاص العناصر المكنونة. هذه العناصر المتجذرة تمثل موروثاً حضارياً أثرى الفنان ليرتقي بمنجزه التشكيلي عبر العديد من الاستعارات، متجاوزاً عمقه الحضاري وديناميته في الآخذ والعطاء وتطلعه إلى تجارب الآخرين وبالخصوص التجارب الأوربية .<br />ان الأثر الحضاري وارتباطه والتشكيل العراقي المعاصر، ظاهرة أفرزتها توجهات الفنان المعاصر الواعية في إعادة تنظيم وتركيب نظم العلاقات كرموز موروثة بوصفها قيماً معطاة سلفاً لتمثل له استعارات شكلية وفكرية باشتراطاتها التراكمية الجمالية ليحيلها الى منجز تشكيلي إبداعي. وهي انتباهه واعية وارتباط صميم بالتاريخ دونما تسجيل حرفي بتلك الظاهرة، لا سيما ان ملامح التشكيل العراقي المعاصر اطرتها جملة امور، منها ما يتعلق ببنية الموروث الحضاري وطبيعة الطرح الفكري الذي يمثله على وفق صيغ معاصرة. المعاصرة التي تتأصل حينما يكون ارتباطها بكيفية إيجاد خصائصها في بلورة الموروث برؤية صائبة ذات مردود فكري متلازم وحياة المجتمع وحريته فتصبح المعاصرة إمكانية متفاعلة مع قيم الحاضر، فضلاً عن نهج الفنان العراقي للقيم الفنية العالمية. لذا فان الرؤية الفنية تمثل انعكاساً لطبيعة الموروث واثره، لان ظواهر الفن المتشردة بقيم الموروث الحضاري لها القابلية في إبراز مدى تماسك الفنان المبدع بأصالته. ويتحدد موقفه الفكري ورؤيته بما قدمه من نتاج. وكما ان الإبداع حالة ناتجة من تنشيط العقل (طبيعة الطرح الفكري) الذي أنضجته المخيلة والخبرات المتراكمة لذا فان الأصالة تمثل الجانب الأكثر نضوجاً في العملية الإبداعية يصفها الفنان (بول كليه) كالشجرة " ينهض النسغ من الجذور عالياً داخل الفنان ويجري خلاله وخلال عينيه". إنها إشارة الى كينونة الفنان ضمن فلكين هما الإبداع الذاتي وما يوازيه ويرتكز إليه في تأصيل العملية الجمالية.<br />ان المنجز الفني الأصيل هو نتاج مزدوج لسيكولوجية الفنان (مشاعره وانفعالاته) وتجاربه المكتسبة في الشخصية. يكون الموروث ناشطاً فيها سواء وعى الفنان ذلك ام لم يعه. لذا فتنشيط الأثر يضفي بجوانب مشرقة الى العمل الفني، بتعاظمه يكون الغور في أعماقه واستنفاذه أصعب. بيد ان الاستزادة في اكتشافه أشد انفتاحاً وأغزر.<br />ومثلما يكون الموروث أحد مكونات الشخصية المبدعة بعد تواصل كل منهما للآخر أصبحت المواقف والآراء المبدعة (النتاج المبدع) ذات قيمة مؤثرة بالإيجاب في تحليل ماهية الموروث عن وعي ودراية يرتقي بها المبدع لغرض التمييز ما بين الغث من السمين وما بين الميت الساكن من الحي النابض وتبقى عملية وكيفية انتقاء الأجزاء الحية في الموروث عملية ذاتية لا تقل شأناً من عملية توظيفه.<br />ان النتاجات المبدعة المعاصرة بارتكازها الى الموروث الحضاري بعلمية متحررة من خلال استحضار جوهر شخصية الماضي وإيصاله الى المتلقي بمفهوم معاصر هي إضافات الى روح الموروث، هذا الاستحضار يتوقف عند ثلاثة محاور منها ما كان موفقاً يرتقي صفة الإبداع والأصالة أو مفتعلاً يتعذر عليه كشف الملامح المتميزة في الموروث مما يحجم الظاهرة فتصبح مجرد أسماً ظاهراً أو تجربة ذات كيان هش ارتبطت بإمكانيات قليلة الشأن لم تمتلك أدوات الإبداع. ويعد الفنان الراحل (جواد سليم ) الرائد في تأسيس جماعة بغداد للفن الحديث من الأوائل الذين زخرت إنجازاتهم التشكيلية بجماليات الموروث الرافديني إذ استقى أعماله من توظيف الرموز والأساطير والقيم الجمالية وإضفاها الى مضامينه ذات البنية الاجتماعية حتى توجت إنجازاته في الرسم والنحت بتأطير الأصالة لها لمراقبته وامتلاكه أدوات تفعيل الموروث القديم (السومري والآشوري والبابلي) تدعمها رؤيته لمتغيرات المجتمع المعاصر (السياسية والاجتماعية والاقتصادية). وقد تجلت جميعها في عمله الخالد نصب العراق الكبير (نصب الحرية) المتكون من أربعة عشر رمزاً كأنها تولدت من طبعة ختم أسطواني على السطح لتكشف عن لافتة خُط عليها عبارات يراد بها تاريخ شعب.<br />كما عمقت الدراما والقيم الجمالية للنحت السومري أعمال الفنان (محمود صبري) في تكرار الأشكال ذات الطابع النحتي والرليفات الجانية الرؤوس لتفيض أعماله بمضامين واقعية واتجاه تعبيري في الخط واللون، وعمله (نعش الشهيد) صورة واضحة لأثر الختم الأسطواني اذ التكرار والتسلسل في الحدث الدرامي مع خلوها من المحاكاة الحرفية للأعمال النحتية الموروثة لان الفنان ارتكز في معالجاته التقنية المعاصرة للجانب الجمالي الذاتي.<br />وكان الفنان (فائق حسن) عميق الاستخدام للألوان ذات الهيئة المحروقة (الاوكر والبرتقالي) في واقعياته وأعماله الأكاديمية وحتى التجريدية التي تعد تأثر مباشراً بالألوان السومرية التي دونت ونوقشت بها الفخاريات. فضلاً عن معالجته المعاصرة للحرف المسماري كقيمة عليا تناهض الجوانب السلبية ذات المردود الفكري المعادي وعمله (الاستسلام ) يؤكد جوانب هذه الحوارية كما ان استلهام الموروث واستحضاره في تجارب وتعبيريات الفنان (ضياء العزاوي) تجلت من خلال دراسته للآثار العراقية القديمة، فاسقط سمات النحت السومري والأساطير البابلية على نتاجاته بتوظيف الرموز القديمة إذ صور الإله السومري (آبو) رمزاً مناهضاً للقيم والأعراف البالية فوضعه وجداناً حضارياً معاصراً في لوحته (شاهد من هذا العصر) فاستقدم تفاصيل الوجه العراقي القديم – وان لم يكن الوحيد- بخصيصته الدورانية وسعة حدقتا العينين وما تحمل من آسى داخلي له جمالية وشفافية دون ترديد ونسخ، بل بتوظيف ذاتي معاصر يرتكز الى التراكمات الحضارية والثقافية التراثية وعمله (الحلم والحالم )يمثل تلك الدراسة والمعالجة للواقع الاجتماعي والسياسي عبر استشفاف الموروث ودراسته وجدانياً وتعبيرياً.<br />وكغيره الفنان (فيصل لعيبي) لم يكن بعيداً عن التوجه الفكري والتقني للموروث الرافديني في معظم أعماله وعمله (المناضلون ينهضون) تمثل تحفة جمالية لا يمكن للتشكيل العراقي تجاوزها فقد ولف بين التقنية اللونية الأكاديمية وقربها حيال الألوان التعبيرية كضرورة مضمونية وبين تركيبة الأشكال المستمدة من سمات الموروث العراقي القديم بكل تمرحلاته، فوجوه الكتل جانبي بهيئة نحتية متضخمة واتصال أشكاله بأجنحة استقدمت من أجنحة الثور المجنح الآشوري دلالة لقوة المناضلون والشهداء وتساميهم، كاشفاً عن تناغم المناخ الواقعي وموسيقاه المترفعة عن الرذائل الدنيوية أما الفنان (محمد غني حكمت) فارتباطه وقيم الموروث الرافديني تجلى في منحوتاته ونصبه الغزيرة منتبهاً الى تراكمات الأساطير والملاحم السومرية ليسجلها بتقنية ذاتية وما عمله (ختم أسطواني) إلا تأكيداً لهذا التلاحم اذ شكله على هيئة أسطوانية على سطحها خمسة أفاريز لتمثل قراءة معاصرة للإناء النذري الكبير كأحد رموز الحضارة السومرية في الوركاء كذلك اقتفى دورانية وجوه معظم الشخوص النسائية في نصبه مثل (كهرمانة) معتمداً سعة حدقتا العينين والتحام الحاجبين فتمثل معالجة ذاتية جمالية لاثر شمولي. أما خزفيات (عبلة العزاوي) فكانت قراءة لمقتنيات المتحف العراقي القديم وعملها (الأمومة) يمثل دراسة أيقونية للرموز الرافدينية التي تجسد قيم العطاء والخصب والنماء في تضخيم مفاتن الشكل الأنثوي وتجسيد حالة الديمومة والإنجاب كذلك تقصى الخزاف (ماهر عبد اللطيف) القيم الجمالية في عمله (الحضارة) الذي شكله على هيئة كرة (العالم) مغطاة برقائق من الأسفل والأعلى تاركاً منطقة الوسط لكتابات بالحروف المسمارية التي انبثقت من العراق القديم قبل خمسة آلاف سنة ليصبح منها العراق مركز الإشعاع الفكري الحضاري.<br />ان تجارب الفنان العراقي وعائديتها الى دراسته لمناهج الفن الأوربي لم تمنعه من التفرد برؤية فنية ذاتية مستمدة من تاريخ حضارته في النحت السومري والآشوري والبابلي، فكانت رؤيته تفاعل للموروث والمعاصرة حتى امتلكت أعماله أصالة متجذرة واصبحت علائم الفنان واضحة في صرح الفن العراقي والدولي بارتباطه الصميم بالماضي المشرق عبر حريته المطلقة في أسلوب الطرح والتقنية كتعبير عن نماء التاريخ ووعي الشخصية الفنية. فتوظيف الموروث تمثل قضية وطنية وعملية إبداعية جمالية غايتها تهذيب القيم الروحية، كما ان الفنان في استنهاضه قيم الموروث تيقن ان الإبداع والأصالة في العمل الفني المعاصر مرتبطان بتعقب النتاج الإبداعي لمراحل التاريخ السابق لان (العمل الخلاق يستلزم توافر مرحلة تاريخية سابقة تمهد له كما يستلزم إمكانيات ذهنية ملائمة) فان تجربة الفنان الذاتية خلصت الى أيجاد أساليب فنية تشير الى المضامين الحضارية القديمة برؤية معاصرة وأشكال اكثر عصرية الى جانب توظيف الحرف العراقي السومري والزخارف الهندسية والحيوانية والأسطورة.<br />ان الفنان التشكيلي المعاصر يعد من الشرائح الواعية المفكرة بتصديه وترقبه لحالات المجتمع، فهو على دراية بأهمية الموروث العراقي القديم في استنهاض قيم المجتمع وان سيعه من توظيف الأثر بدلالاته الشكلية والفكرية تمثل نضجاً للإفرازات البيئية غايته إيجاد خطابات تشكيلية ذات ركائز متجذرة ، كما انصب وعي الفنان التشكيلي العراقي المعاصر إلى قراءة الموروث ومعايشته على وفق النتائج المستحصلة من التجارب التشكيلية العالمية في قراءتها الموروث الحضاري الرافديني وتعقبها المراحل التطورية في تقنيات الفن ومن ثم ابتداع إنجازات تشكيلية لأساطين الفن العالمي. لذا تدارس الفنان العراقي بنية موروثه الحضاري بحميمية أوصلته الى العالمية بركائز محلية على وفق حقيقة (عالمية المحلية) في الفن سواء كانت المعالجة اجتماعية أم سياسية أم تزيينية.<br /><br /><br /><br /><br /><br />نُشر في الملحق الثقافي لجريدة الأخبار الصادرة في البصرة . العدد / 3 / نيسان 2004 2004أزهر داخل محسنhttp://www.blogger.com/profile/03098343134480779083noreply@blogger.com0tag:blogger.com,1999:blog-6609888417791380236.post-86417260105120967782010-06-02T12:03:00.000-07:002010-06-02T12:04:34.412-07:00الأصالة في الفن وحتمية الإبداعتشاغل معظم الكتاب والفنانين والنقاد بموضوعة الأصالة من قبل ، كل حسب توجهه وفهمه للإبداع على فرض أن الإبداع والأصالة في كينونة واحدة ومسار واحد . ويرى الناقد جبرا إبراهيم جبرا اتصال التطور والرقي والأدب والفنون مع الأصالة . وفي اللغة والأدب العربي يراها الناقد كلمة تخطت معناها فشملت العراقة ( من العريق ) الذي ترسخت جذوره في الماضي البعيد المجرد من الأدران التي تشوب السمات المشرقة فيه لأنها تعايشت معه في زمن ومكان معينين ، وفي العمل الفني ارتبطت الأصالة بالإبداع عبر تنظيم العناصر المشتركة والمترابطة في تركيبات جديدة لها رؤية تطابق المؤهلات الذاتية أو تشترك معها لتمثيلها ضمن منفعة ما ، وقد أطلق على هذا المفهوم بالنظرية الترابطية للإبداع ، وعلاقة هذه العناصر فيما بينها سواء تقاربت أو تباعدت تتناسب ونتائج الإبداع ، فمتى تشظت العناصر قبل دخولها في التركيب الجديد وتباعدت عن بعضها كانت نتائج الإبداع أكثر تأثيراً ، في حين ترى نظرية الجشطلت أن الإبداع والأصالة من الجوانب غير المتكاملة فترى الكل قيمة عليا والأجزاء تفحص وتدقق ضمن إطار الكل . الأصالة قيمة مثلى ارتبطت بالمبدع في شتى مجالات الفنون والأدب بعد تماس نتاجاته المعاصرة والإرث التاريخي الحضاري الغني بالمؤهلات الإنسانية ذات التطلع المستقبلي ، وتعكس النتاجات الابداعية فعالية الإرث الحضاري في معالجة قضايا المجتمع المعاصرة وتهذيبها على وفق مقتضيات الحاضر المرتبط بالمستقبل تطلعاً واندماجاً ، فالأصالة إضافة إبداعية واعية للموروث من شأنها تنمية القدرات المادية والروحية لدى المجتمع لاسيما الفنان ، وتتجسد أصالة الفنون بامتداد جذورها عميقاً في بنى الواقع الذي ولد فيه ومنه دون قراءة التاريخ ومقارنته مع الواقع ، بل باستشفاف قيم التاريخ وتوصيلها عبر العمل الفني للمجتمع المعاصر لأن التاريخ تواصل متسلسل الحلقات ، لذا فان الأصالة نظير للإبداع وأساسه كله بسبب عدم انسياقها للشائع من القيم والأفكار وتميزها بانسلاخها من قوقعتها وتقليدها للمألوف ، وكما حظي الإبداع بتعاريف شتى حظيت الأصالة بتلك التعاريف ومنها التعريف الفسلجي للأصالة ( القدرة على الابتكار ) المشتق من الدماغ ومراكز المخ الحسية ، لان الخلق والإبداع متأتيان من العمل الذهني للممارسة الناجمة عن مزاوجة إمكانيات الفرد الاجتماعية والثقافية . وفي الفكر الاجتماعي تعد الأصالة لدى الكاتب والمفكر مرتبطة بأدبيات الموروث ومعطيات الواقع الاجتماعي المعاصر وتكون أساسية في مناهضة الظواهر التي تنافي التقاليد والأعراف ولاتمت للمجتمع الأصلي بأدنى صلة ، لذا فان التواصل الحضاري أمر حتمي في عصر تلاطمت فيه النظريات الغربية ، فالأصالة محصلة لدراسة الموروث والتوجه به نحوها ولا يتأتى هذا إلا بالربط الجدلي مابين الموروث وواقع العصر والقدرة الذاتية المتفردة للفنان المعاصر . وإن الاشتغال في منطقة الأصالة لايعني أن يُدرس الموروث الحضاري بتطرف لأننا نرى إن المتخصصين في تبنيهم للموروث الحضاري هم على طرفي نقيض فمنهم من تمسك به دونما تمييز وبشكل متطرف عنصري أو إقليمي ومنهم الرافض له حينما عده نكوصاً في الفكر بمجرد النظر إلى الماضي ( الوراء ) ومن ثم تقهقر في المجالات الأخرى ، وظهر ما بينهما الجانب الانتقائي الذي تمسك بالموروث استجابة لما يخدم أيدلوجيته وفلسفته وحاجته ، وهي أطراف بمجملها أساءت إلى الموروث أكثر مما قدمت له العون والمساعدة في التعايش مع القدرات الحاضرة لأنها رؤى إما تخبطت بلا علمية بمناداتها في تقصي الموروث الحضاري أو نقيض مدسوس أو هي انتهازية في المنهج والأسلوب ، لذا حالت مابين الموروث وجوانب المعاصرة والأصالة ، وارتباط الأصالة بالمبدع يتأتى من توظيف الموروث وليس تسجيله بأيقونية أو محاكاتية إنما كشكل من خلال إبراز القدرات الملهمة للإنسان المعاصر وإعادة بناء ذاته بوعي جديد لأنها لم تكن بالضد من الإنسان المعاصر والمعاصرة فيما إذا أدرك خزين مجتمعه الثر ووعى متطلبات عصره وما يمكنه من تسخير قدراته في إضافاته للثقافة وقد تأتى فهم الفنان للموروث الحضاري على انه ليس استذكارا متواصلا غايته الديمومة في العطاء ، وقد تكون معطيات التواصل الحضاري إلى جانب الروح المتوثبة للفنان من الغور في عمق التاريخ وإدراك قيمته ومحتواه ، لأن الأصالة في الفن تحفيز للقدرات الذهنية والتقنية لدى الفنان وإضفاؤها بأسلوب لصيق مع الموروث وبالتالي يكون العمل الفني قد امتلك صفة الإبداع كما أن سعي الفنان بمواصلة حاضره بماضي مجتمعه المشرق وجهده المضني في التطلع إلى المستقبل لابد منه للوصول إلى حالة النهوض الحي ليرتقي بعمله الفني ، ولعل عبارة الناقد شاكر حسن آل سعيد تشير إلى المعنى " ... إن العمل الفني سياق ديناميكي علينا أن نقرأ ملامحه في المراحل المتقدمة مثلما نقرأه في المراحل المتأخرة.. وهذا النسق وليد النسغ الذي يستبطنه ..." ويتضح ذلك في ناحيتين ، الشخصية الفنية وقيمة الفنان التاريخية وكيفية ارتباطه بما يحيطه، لان الفنان مرتبط على الدوام بين ارثه الذاتي والشخصي وماهيته الإنسانية المرتبطة بموروثه الحضاري الفني إلى جانب الإرث التاريخي لمجتمعه ، فالأصالة ليست تشبثاً فيها بل ما هو مغاير ونابع أصل صاحبه ويعتمد بدأه من ذاته . أي أن أصالة الفنان تعتمد على الخلق الذاتي والتميز والجدة في الرؤية باعتماده الاتصال بالماضي ، لان الفنان الأصيل هو من حوت تجاربه تجارب مجتمعه منذ القدم انطلاقا نحو الآتي لان الأصالة في الفن ما حملت بذرة المستقبل . وتأسيساً على ذلك تعد الأصالة منفذاً توصل المبدع للجديد والمتفرد كما ترتبط أصالة العمل الفني بثوريته في خلق مجتمع له قيم متحررة وهذا ما أشار إليه ( ستيفن ماركوز ) على حقيقة أصالة الفن كونه ثوريا من خلال تحفيز الأسس التي تعتمدها الأيدلوجيات المتبنية للواقع السائد . فالفن رقي يسو بالعقل البشري ، لذا اقتضى أن يكون الفن من الوجهة التاريخية احد المرتكزات الأيدلوجية لخلق مجتمع متعقل ذي عدالة في التعبير عن الحقائق الكبيرة والأخلاق والتقدم هو بذلك مرتكز للتحرر الاجتماعي والسياسي . إن الأصالة في الفن حصراً تكمن في نوع النتاج الفني وليس في كمه لأنها إضافة جديدة للموروث وان محاولة تشخيص النتاج الفني لاسيما التشكيلي العراقي وإخضاعه إلى عملية الفرز للحيلولة دون الخلط الزائف أو الساذج من النتاج المبدع الذي رافق الكم الهائل من الأعمال التشكيلية العراقية المعاصرة ، حتى إن وقوف النقاد والمنظرين التشكيليين في خنادق فكرية متعددة إزاء عرض النتاجات إلى الجمهور مابين إيكال المهمة إلى الجمهور في عملية الفرز والتشخيص وبين تكفل اللجان المتخصصة من تشخيص الأعمال الجيدة قبل عرضها ، وبين هذا وذاك فان الأصالة في الفن التشكيلي العراقي المعاصر لها أوجه متعددة منها أن الفنان خلال خلقه لما هو أصيل فانه يستمد خصائص الماضي المشرق ما يحفزه على تطوير حياة المجتمع عبر اللوحة أو العمل النحتي أو الخزفي واغناء رؤاه المستقبلية ومشاركته في عملية التخطيط ومنها ما ارتبط بالثورة وبالتغيير والتفاعل الإنساني من الإرث الحضاري الفني الذاتي ، وما نصب الحرية للراحل جواد سليم إلا رافد تفرع من هذا المصب الذي وعاه الفنان في فترات سبقت جيله من الفنانين في جماعة بغداد للفن الحديث وغيرهم ممن عاصروه لخلق نتاجات لها شكل ومضمون إنساني حضاري بعيد عن الحس الإقليمي الضيق ، وماذا كانت جورنيكا بيكاسو 1937 ثورة إنسانية عالمية فان ( نصب حرية ) جواد سليم لم يكن أقل شاناً من هذا النهج من أمانة نقل الموروث الإنساني عموماً وموروث شعبه بصورة خاصة ويصدق طرح جبرا إبراهيم جبرا في تحديده العمل الفني الأصيل أن " يحمل العمل غذاء الأنساب.. على نحو ما يتصل بأبعد وأعمق الأصول التي عرفتها التجربة الإنسانية .. وان يحمل العمل الإبداعي بين تضاعيفه بذرة المستقبل " . إن تحقيق كل عمل فني جمالي ينتمي إلى الموروث لابد لمبدعه من استيعاب الخصائص الجمالية والرمزية والفكرية لحضارته بحيث يحتل الموروث بالنسبة للمبدع المنهل الجوهري المتجذر لان التوحد مع العمل الفني ناتج طبيعي من صدق التعبير والإحساس بالنتاج ( الأصالة في العمل الفني ) وما على الفنان الأصيل الذي يمتلك رؤية وقيمة وتصوراً للواقع إلا أن يرتقي بالمتلقي احساساً ووجداناً . وهذا الحس التعبيري للفنان التشكيلي هو إبداع فني مؤثر ، لان الرؤية الحضارية للفنان المبدع تدخل في بنية العمل الفني حين يعبر العمل عن العودة إلى فطرة الماضي وهو في فكره ورؤياه الجمالية يجعل من العودة إلى الفطرة والينابيع الأولى من مهام العمل الفني الأساسية .<br /><br /><br /><br /><br /><br />نُشر في جريدة المنارة الصادرة في البصرة في العدد / 20 / تشرين أول 2003أزهر داخل محسنhttp://www.blogger.com/profile/03098343134480779083noreply@blogger.com0tag:blogger.com,1999:blog-6609888417791380236.post-38492920659976113782010-06-02T12:01:00.000-07:002010-06-02T12:02:45.815-07:00الدلالات الفلسفية والجمالية للرمز في الفن العراقي القديميمتد تأثير المتغيرات البيئية في بنية أي مجتمع إلى جميع منافذ الحياة كالفن والميثولوجيا* لاسيما أن منافذ الحياة تتضح تأثيراتها وتتعالق فيما بينها كتأثير أو تعالق العقائد والفن والميثولوجيا أو تأثرها اجتماعياً بالمعطيات المتوافرة، فلولا وجود دجلة والفرات لما ظهر فن الفخار والنحت بهذا الشكل الذي يساوي أو يفوق تقنياً وجمالياً ما تواجد في أية منطقة أخرى مجاورة . واستحداث نظام الري عبر شق القنوات كامتداد للأنهر التي تُغني الزراعة وتنميها لأن قوة نفوذ الحضارة يكمن في المعطيات ، وأهمها الماء ، وبدونه تفقد الحضارة من محتواها الجزء الكبير إن لم تكن قد فقدت كيانها برمته لأن الماء عنصر الخلق والإبداع الفكري الحضاري ، واستناداً إلى ذلك فأن المرجعية المعرفية التي ترى الماء أصل الوجود الحضاري وقابليته في صهر الفعل الإنساني والطبيعة ضمن نسق واحد أساسه نزعة فلسفية أغنت الفكر العراقي القديم – أن الخليقة تلد من الأصل – كتصور فلسفي علته اندماج الطبيعة والذات الإنسانية (م 27 ص 14،15) ، والماء كمعنى دلالي للحياة ، تزداد به الأرض خصوبة وإنتاجا ً، أكدته الميثولوجيا العراقية القديمة في قوة عناصر استنزال المطر كالفتوة والشباب خصيصتا الإله (تموز) كارتباط نفسي بهذه القوى، وبفعل انصهار الفنون والواقع الفكري توصلت الفنون والآداب إلى كينونتها بتصوير الكهنة وقسوة الحياة عقب الفشل في إنزال المطر سحرياً، فصورت المعاناة مصداقاً لعزوف الفنان الرافديني عن الواقعية إلى التجريد والرمز في تصوير الأشكال الآدمية اختلفت عنها في التصوير الواقعي للحيوانات (م32 ص 2،3) لأن " الفن .. يتسامى فوق مستوى الواقع، والتعبير عن الجمال يقتضي علوه عن الطبيعة والواقع، والجمال هو التجلي المحسوس للفكرة" (م 20 ص 90) بافتراضات مسلْمة أن الفن العراقي تناغم للجمال والبعد الفكري فيه . تسعى الدراسة إلى استكناه نتائج توظيف الفن العراقي القديم للرمز من الناحيتين الفلسفية والتقنية كتطورية جمالية ، واستشفافاً لمقتضيات الفنان العراقي القديم بتفعيل الرمز كمحفز اجتماعي وطقوسي تبوء الرمز مكانة ذات مغزى . <br />وتحديداً لتعريف الرمز كمصطلح فقد ورد صريحاً في القرآن الكريم في الآية (41) من سورة آل عمران بقوله تعالى ((..آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزاً …)) تنويه لأمر الخالق إلى زكريا بكف لسانه عن الكلام والنطق ، والتعامل مع الآخرين مكتفياً بالإشارة والإيماء بالشفتين عرفاناً لاستجابة رب العالمين دعاءه أن يرزقه غلاماً (م26 ص 74) ، إلا أنه ورد بألفاظ أخرى متباينة ولصفات أشد تبايناً كالتين والزيتون والفجر والعاديات والشمس والقمر وغيرهما مما أزدان بهم القرآن الكريم ( م13 ص42) ، ويسمى الرمز في كلام العرب (فن اللَحْن) من الفطنة والبديهة والتورية (لحن زيد لعمر) قال له ما يفهمه دون غيره (م 35 ص33) وظهر معنى اللحن في القرآن الكريم في الآية (30) من سورة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) بقوله تبارك وتعالى (( .. وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ ..)) ، دلالة لمعرفة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) المنافقين أصحاب القلوب المريضة في تلاعبهم بالألفاظ وصرف الكلام عن صيغه المعتادة (م 26 ص571) ، والرمز ورد بمعنى الإشارة والإيماءة بالشفتين والحاجبين (م 17 ص256) ،أو الإيماءة بالحواس والأعضاء لدى الكائنات الحية (م 13 ص 39) وجاءت كلمة الرمز (Symbol ) عبارة عن صورة أو تمثال أو إشارة أو علامة تدل على معنى الرمز ، والرمز فن قائم بذاته يُدّل به على الأشياء المعنوية بدافع التشابه والتماثل فيما بينها وقد تداوله الأقدمين في الأمور العقائدية والأدبية وعُدَّ الصينيون من الأوائل الذين استخدموا الرموز في زمن سابق غير محدد (م 8 ص668) ، والرمز تعبير اصطلاحي يحل محل غيره ويصبح بديلاً عنه كعلاقة اصطلاحية رمزية تستخدم استخداماً متصاعداً لتمثل مجموعة من الأشياء أو نوعاً من أنواع العلامات (م 38 ص289) ، والرمز عند الجماليين ومنهم الفيلسوف الألماني هيغل (1770 – 1831 م) هو أُولى مراحل الفن (م 14 ص255) ، فيرى أن ابتكار الشرق للرمز كان البدايات الفعلية للفن دعاها " الرمزية اللاواعية" وأن للرمز دلالة ما بين المدلول والشكل ، وربط الإبداع الرمزي بالميثولوجيا التي تعد إبداعاً روحياً تنطوي عليه رموز عميقة بالتأصل وأفكاره عامة (م37 ص10،11-20) ، وتراه (سوزان لانكر) بوصفها " أن الفن رمز …" (م 18 ص10) ، أما يونك فالرمز عنده "أفضل صيغة ممكنة للتعبير عن حقيقة مجهولة نسبياً ولا يمكن أن توضح أكثر من ذلك بأية وسيلة أخرى" ¬(م7 23 ص8) . يبرز الرمز كنظام جديد مطابق لموضوع مستخرج من التشخيصية التي لا تتغير هويتها بتكرار الشكل أو تجديد تصويره (م4 ص23) لأن التشخيصية ظاهرة معتادة تحولت بفعل التغير في الذهنية المتحفزة إلى نظام جديد خفي في الشكل المعبر عن الطبيعة فكان التجريد ذو القيم الجمالية التي تخدم الغرض الفني (م21 ص23) وأن الإشارة والإيماءة والرمز تمثل إحدى طرق الدلالة ولها معنى غير مباشر في الكشف عن هدف ما بأسلوب لفظي وارتباطه مع صفة الخفاء (م13 ص41) ، أما التعريف الشائع للرمز هو تنويه بإشارة مرئية إلى شيء خفي (م7 ص54) ، فهو دلالة خارجية تحتوي على مضمون ينبغي استحضاره وهو غير ملزم أن يكون مطابقاً للمعنى حتى أن الفنان حين يستحضر الصفة باختياره الرمز لا يفترض عليه أن تكون الصفة مطلقة لشيء ما أو محددة به إلا أنها تكون الغالبة فصفة المخادع غالبة على الصفات الأخرى (م37 ص 12،13) ، وأن الرموز شملت العلوم كافة كالرياضيات ، أما في الفنون التشكيلية فقد سميت إحدى اتجاهات الفن التشكيلي الحديث بالرمزية يفترض أساسها التقني والفكري ما يفرزه العقل الباطن عن طريق اللاوعي، والإنسان الرافديني استخدم الرمز كدلالة اجتماعية عقائدية أفرزته منجزات فنية تعبر عن توجهات المجتمع الفكرية ونوازعه تلتقي عندها الطقوس التعبدية والسحرية ليرتقي فيها المنجز بالمضمون على الشكل (م 9 ص30) ، وتوخياً للحماية تعددت آلهة السومريين لتؤول إلى رموز أثرْت الفن بروحانية طافحة بالحياة للواقع ضمن العالم الديني الأوسع لأن الفن الديني يشمل الدنيويات والمقدسات،وأن المقدسات ذات الهيئة الحيوانية لها دلالات رمزية تقارب في تصويرها الطبيعة كما توضح الرمز في المجسمات الحجرية في عصر الوركاء وما تلاها لينبثق ( الشكل 1) <br />كتعويذة في مجسم فيه ثقبين دائريين في الرأس رمزاً لآلهة العين استخدمت <br /> للأغراض الروحانية والطقوسية ، تعد من التأويلات الشكلية للطبيعة (الواقعية) <br />نحو تجريدها من خلال قراءة بنية الشكل في المعنى (م 11 ص 128،129) .<br /> أن الفن العراقي القديم بتأكيده على التجريد أمام انحسار الشكل الطبيعي<br /> (اللاشكلية في الفن) ، أدت إلى أن تخبو قيمه في الرمز، لأن العقائد العراقية<br /> القديمة كعلة ميتافيزيقية خارج حدود الإدراك البصري آلت ذهنيته إلى تصوير الآلهة<br /> على ما يرمز لها ولأنه الوجه الأخر للفكر الإنساني فهو زاخر بالرموز التي تمثلت<br /> بتباينها في الشكل والمعنى بفرض اجتماعي ونفسي ووظيفي، والمرأة في المنجزالرافديني يتراقى فيها الرمز ويُعلي منها كقيمة خصبية ، صورت (الآلهة الأم) كرمز ديني يبثه المنجز لشكل امرأة بدينة واضعة يديها على صدرها، مبالغ في حجم ثدييها ووشمت* أجسادها يجسدها شكل الأم والطفل (الشكل 2) فضلاً عن الرموز الخصبية الأخرى الدائرة والمثلث للحيوان والشكل المعيني رمزاً للسمكة والخط المنكسر ثم الشكل المربع للنباتات، وأن اختزال الصورة إلى الشكل المجرد البسيط اتجاه تقني وفلسفي أتبعه الفنان الحديث في رسم الطبيعة (سيزان، ما بعد الانطباعية)، وما الزخارف في النتاجات الفنية إلا تجريدات اعتمدت إلى عناصر منها تضاؤل الشكل الطبيعي وتحقيق الشكل الهندسي تعبيراً لغاية لها بنية اختزالية (م21 ص 41،42،43) .<br />أما رمزية تشابك الأيدي سمة الفن السومري في عصره الذهبي وما بعده (الشكل 3) كدلالة للصلاة وللعبادة المطولة مفادها صفة الخلود ضالة الإنسان العراقي القديم ، وتدفق الماء من الإناء التي تحمله الأيدي المتشابكة في بعض تماثيل الآلهة كتذكير بمنافع السماء على الأرض (الشكل 4) (م 5 ص41) . <br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /> أما القيم الجمالية فأنها كما رافقت الإنسان العراقي منذ صناعاته الأولى للفخاريات وتحسيناته في الشكل والمادة واغنائها بالزخارف والأصباغ للمحافظة عليها (م 22 ص 29). كذلك الرمز قد حظي بالإطار الجمالي الذي فرضته المعطيات عليه ومنها استبدال الصور والأشكال بالرموز والتجريدات عبر أدراك قيمة الفن بابتعاده أن يكون شيئاً مادياً استذكارياً وأصبح تنويراً عقلياً انحسر التشخيص منه ليصبح اختزالاً لا يمت للشكل التصويري أو التشخيصي بأية صلة عينية ¬(م 4 ص 72) وهنا يظهر سبق الفنان العراقي القديم كآلية اشتغلت في (الفن الحديث) الذي ظهر في نهاية القرن التاسع عشر في أوروبا أبان ظهور حركة الانطباعيين الفرنسيين في الفن والأدب التي ساندتها النظرية الشكلية* إحدى النظريات النقدية في الفن الحديث إذ جاءت كرد فعل وتحد مباشر لنظرية المحاكاة الجمالية التي ترى الفن مرآة للواقع في محاولة ترديدية غايتها إيضاح الصورة في الشكل والمضمون (م 16 ص253) . <br />ومنذ أن ظهرت الكتابة في الوركاء تطورت وانتقلت على مر العصور لتؤول في عصر جمدة نصر من التشخيص (الرموز والعلامات) إلى مقاطع ذات منحى صوتي وإشاري على شكل خطوط مسمارية (م 3 ص114) والكتابة منذ نشأتها وسيلة للتدوين اللغوي الذي يحمل معنى دلالياً للغة في دلالتها الشكلية (المقروءة) فظهر الخط كإشارات ورموز يحمل قيماً جمالية كثيرة توائم خصوصيته وكيانه عبر طبيعته الانسيابية والتكرارية فتبرز هويته الجمالية مرتكزة إلى شكله المقترن بجذوره الجمالية والحضارية (م 21 ص77 ،82) ، والرمز كان مستخدماً في البدايات الأولى للكتابة التي بدأت صورياً ما لبثت أن تحولت إلى رموز لأفكار تعبيرية بعيد عن التشخيص<br /> وبالتالي تحول الرمز إلى اصطلاح كتابي أطلق عليه الكتابة الصورية المقطعية وبالتحديد في <br />الفترات المتأخرة من ظهورها ومعنى الاصطلاحية أنها رمزية متطورة عن سابقتها وصوتية<br /> بمشاركة الصوت البشري مع الرمز، ويظهر أن الكتابة المسمارية تتكون من حروف تشبه <br />المسامير ( ) قوامه مثلث مقلوب قاعدته في الأعلى يستند على خط مستقيم عمودي ،<br /> والشكل استمده الفنان السومري من الشكل الأنثوي من التقاء الفخذين والعانة يتولد الشكل <br />أعلاه( يشابه الحرف) ، لذا فأن الكتابة اقترنت بالعطاء (الكتابة ومنطقة الخصب) أنهما يغذيان <br />الذات الفردية والمجموع بما يميزهما فكراً وعدداً كخصائص أرقى الحضارات كالحضارة العراقية <br />القديمة (الشكل 5) (م25 ص359) .<br /> جسد العراقيون القدامى الرمز بهيئة صور حركية باتجاهين على وفق صوره الظاهرة في المنجز<br /> كعلاقة الإنسان مع الإله (العروج) وأفضل ما تمثله أسطورة كلكامش بشخصه بينما يكمن الاتجاه الثاني<br /> وفق صورة الإنسان والحيوان في شخصية انكيدو أو ما يسمى بـ(الإشراق) ، ويتجلى في الاتجاهين تكامل موضوعي ذو قيمة جمالية وفلسفية ومثالية * ، لا سيما أن المثالية في الفن العراقي القديم متأتية من التكامل الجمالي في إغناء العلاقة بين الطبيعة والثقافة والعلم والإنسان، وتكون أكثر اتضاحاً في الطرح الميثولوجي عبر التقنية التجريدية التي تتضمن بين طياتها المعالجة التركيبية للأشياء (الشكل الآدمي والحيواني والإله ) وحكاية كلكامش وانكيدو نضوج في الشخصية الأسطورية ذات القيمة الجمالية من خلال الوضع المثالي لعلاقات عناصر الأسطورة فيما بينها(م 21 ص 25،26) ، والسومريون في مراحلهم المبكرة توصلوا إلى مشاهد معقدة كرموز حركية حجرية وفخارية برزت خلالها ممارسات طقوسية وسحرية انبثقت منها المنحوتات الآدمية ذات المغزى الديني أو السحري كالتماثيل المعبودة (الشكل 6) وانبثق (الشكل 7) يجسد تمثالاً <br />حجرياً لوحش أسطوري آدمي ذو رأس لبوة، وتعاود ظهور الرموز المركبة في<br /> طقوسيات المجتمع الرافديني عبر المنحوتات المجسمة والبارزة بتصويرها الأشكال<br /> الآدمية وارتباطاتها بالطبيعة تحرزاً ورهبة مما يحيطه (م 22 ص 44، 49، 51) ،<br /> وتفرض الميثولوجيا السومرية أن الإنسان صَنعة الآلهة يفنى ، وحياته مرهونة بها<br /> لذا اعتقد أن البطل (الشخص الرمز) أستسلم للأمر، فجاءت معتقداتهم الدينية تؤكد<br /> على تأمين النموذج لما بعد الفناء فانصبت فلسفتهم الحياتية على مبدأ الخلق والبعث<br /> والإخصاب. <br /> كما حصن السومريون أنفسهم مما يحيطهم بفعل التغيرات المناخية فارتبطت<br /> قابلياتهم الذهنية والإرادية بالضد عن عناصر الطبيعة أطرتها طقوسهم التعبدية في<br />الصلاة، وتواصلاً مع القابليات الذهنية أكدتها الميثولوجبا السومرية على مبدأ الخصب<br /> والنماء التي تعد من أسس البركة والعرفان السومرية وقد تنامت الفلسفة العراقية <br />القديمة والمعتقدات لتكون في إطار جمالي عبر الفنون كالنحت والفخار والرسم، ينبري<br /> الرمز منها كرد فعل للرهبة يصورها رأس الأسد المرتبط بالنسر( أيمدوكود)* دلالة <br />على عاصفة المطر الخيرة الملبدة بها سحب السماء السوداء متمثلة بجناحي النسر<br /> المفتوحان على الجانبين (الشكل 8) ، وصور الإله المحتضر في كتاب الغصن الذهبي** تموز يهبط من الجبل عند اصفرار النباتات دلالة لقرب موتها جراء حرارة الصيف جالباً معه الخير والبركة بزواجه من اينانا (عشتار) في الربيع حيث خصوبة الأرض وانتعاش القطعان الحيوانية (م 22 ص 89،90،91،93) . <br /> يفترض المنطق الميثوبي (mythopeic) تمازج الشيء وهويته (شبيه الشيء هو الشيء نفسه) ، فالرجل<br /> كقوة طبيعية يشبه أحد الإلهة ويتلبس هويته ليمثل دور الإله كما تقمص <br />الملك (دموزي) هوية الإله (دموزي) الذي تزوج (اينانا) فأصبح (دموزي)<br /> آله الخضرة والحشائش فكان الإله (دموزي) يحضر عند حلول الربيع (الشكل 9)<br /> (م 36 ص 236) ، فصورت الآلهة بأوضاع مختلفة منها ما يحمل فأساً يمزق<br /> السحب وإطلاق عواصف المطر، والثور كعنصر تذكير وفحولة تعالق برمزيته<br /> والطبيعة والإنسان المؤله كرمز خصبي ديني (م 5 ص 98) . <br /> إن سيطرة القوة الإلهية الخالقة لدى العراقيين القدماء على عناصر الطبيعة وما ينتج<br /> عنها من ظواهر جعلها ذات كلمة فصل في إصدار الأوامر ، على الإنسان تنفيذها<br /> (م 25 ص 156) ، وهو جوهر الفكر التأملي العراقي القديم في انقياد الإنسان للقوى <br />الكونية الكبرى يخدمها ويطيعها ويتضرع لها بالصلاة وتقديم القرابين (م 36 ص 237) ،<br /> وأشارت العقائد إلى المعجزات التي تكرم الموتى وتهيأهم للحياة بعد الموت حتى أن الدلائل<br /> قد أبانتها في قلة عدد أضرحة الملوك بالقياس إلى العدد الكبير من الملوك الذين حكموا <br />بلاد النهرين (م 22 ص 93) ، وتذهب البدايات الأولى للوجود في العقائد العراقية القديمة<br />إلى امتزاج الماء العذب (أبسو) بالماء الأجاج (تعامت) * ومنه كان الخلق الأول المتمثل<br /> بالإلهة (م 11 ص 77) وإليه يرجع الاعتقاد في أصل معالم الكون الرئيسية وكيفية تأسيس <br />العالم وفي وصف الكون أشارت القصيدة <br />" … عندما في الأعالي لم يكن للسماء ذكر<br />ولم يخطر بالبال اسم لليابسة تحتها ،<br />عندما لم يكن إلا ابسو ، والدهمــا،<br />وحمو وتعامت – هي التي ولدتهم جميعاً<br />يمزجون أمواههم معاً ،<br /> … عندئذ تكون الإلهة فيهم " ( م 36 ص 200 ، 201) .<br /><br /> أن فلسفة الحياة لدى الفنان القديم أطرت رموزه بمعان غنية بتعبيراتها ، فالمعزاة الدائرة والصليب المعقوف المؤلف من شعر النسوة (الشكل10) دلالة ذات معنى في ديمومة الحياة جسدها في اشكال بشرية وحيوانية ضمن حلقة دائرية لا نهاية لها (م 5 ص 92). كما أكد الفنان على<br /> المرأة مشخصاً فيها المناطق الخصبة بعد أن زينت النساء بالقلائد<br /> والأزرار ووشمت الخدود وقد صورت الإلهة على هيئة الأم<br /> (الشكل 11) (م 6 ص 34،35) .<br /> وقد عثر على مجسمات لنساء عاريات بولغ بتجسيم<br /> أعضاء أنوثتها كرمز عقائدي مقدس (الشكل 5) <br /> (م 31 ص21) وما عثر عليه في النصوص القديمة<br /> كشف عن الدلالات العقائدية الدينية بارتباط الدين<br /> والسياسة فصورت الملوك في قبضة الإلهة، والملوك<br /> هم وكلاء الإلهة في الأرض، أما العبادة عند العراقيين مبعثها<br /> الخوف من شرور الحياة، وأن الحياة الهانئة الآمنة تشغل تفكيرهم<br /> فاتجهوا إلى الصلاة وتقديم القرابين لدفع الأذى والمرض وطلب<br /> العيش الآمن أملاً في العصمة من الكوارث كما افرطوا في<br /> الخضوع للكهنة حتى أضحت عقائدهم دنيوية خالصة بعيدة عن<br /> الرؤية الأخروية، فوضعوا أنفسهم وعوائلهم في أمرة الكهنة وكانوا<br /> يتفاخرون بخدمتها (م 11 ص 52-56) .<br /> أن العقائد العراقية القديمة تميزت بالديمومة في وجودها، فالديانات التي اعتقدها ومارس طقوسها العراقيون المتأخرون هي ذات الديانات التي ظهرت في عصور ما قبل التاريخ، وأنها ارتبطت بعلاقة الإلهة فيما بينها خلال علو شأن إله دون غيره تبعاً للنظام السياسي وتبعاً للاستقلالية السياسية فظهر مبدأ التفريد ، كما ظهر مبدأ الشرك والتشبيه الذي ظهر واضحاً في العقائد البابلية ، فالشرك جاء من تعدد الإلهة (Polytheism) (م 28 ص 227) ، أما التشبيه فقد صور الإله كالإنسان في ممارساته الحياتية، له ما للبشر من نوازع وأحاسيس من قوة ومن ضعف وإن للإله قيماً أخلاقية فضلى عجز الإنسان عن إدراك ماهيتها لاسيما أن التشبيه يعد من أوليات المنطق في الميثولوجيا (م 25 ص169) .<br /> إن العبادات العراقية القديمة هي رد فعل للتفسير العقلائي لعملية خلق الإنسان ، فلجأ إلى عبادة الإلهة والانصياع لأوامرها والخوف من عقابها فظهرت المعابد لمزاولة الطقوس العبادية التي تعددت وتباينت من فترة إلى أخرى، كما تعلم العرافة لطرد الشياطين والجن من جسد الإنسان وشفائه منها لأن المرض يعد نوعاً من المس الجنوني فظهر عالم السحر كارتباط الفعل الأرضي بما وراء المنظور العقلي أو ما يسمى بالمصطلح المعاصر (الباراسايكولوجي)، وتمثل الفعل الأرضي برموز وإشارات متداولة أثناء ممارسة الطقوس العبادية كرفع اليدين ابتهالاً للآلهة واستغفاراً لها من الذنوب كما شخصتها الفنون في المنحوتات والرسوم كممارسة الركوع أمام الآلهة أو ممارسة ذبح وتقديم القرابين (الشكل 12) (م28 ص 256) .<br /> ولقد كان يقين العراقيين القدامى بنفعية الإلهة من خلق الإنسان <br />الذي تيقن أن الحكم الإلهي جارٍ لا محالة وأن الموت قدر صائر <br />والخلود للإلهة حسب، إليها ترجع كل الفضائل الأخلاقية ولذا فأن <br />الإنسان العراقي القديم قد جُبل على فطرته أن يكون أسيراً<br /> لرغبات الآلهة ومتطلباتها وأن حب الإنسان للخير والعدالة ما هو<br /> إلا امتداد لحب الآلهة للخير (م25 ص 191) . <br /> وظهرت تماثيل الأسس السومرية ذات الطابع التجريدي والرمزي<br /> من خلال عناصرها التي عملت منها كالثور المضطجع وحامل السلة<br /> ذات الشكل المستدق في الأسفل وغيرها غايتها جلب الخير والسرور<br /> إلى الأرض بعد أن تُختزن بقوة خفية تدفع الأشرار إلى ما تحت<br /> الأرض وتمنعها من إلحاق الأذى بالبشر (الشكل 13) (م 5 ص292) . <br /> إن التكوين الفسلجي للإنسان بوصفه ذا عقل مفكر حتماً ستولد لديه <br />الرغبة في التعبير المرتبط بالعقائد وبخاصة أن الفن القديم كان لصيقاً<br /> بالدين ودونه يفقد الإنسان ذاتياً للحياة من أفكاره الملهمة لاسيما أن<br /> الفكر السومري الديني ما هو إلا تأملاً ذاتياً للحياة ، وأن الديانة<br /> السومرية توضح أهمية الفكرة القائمة على الحياة بعد الموت ، كما <br />يمتلك الملك السومري السلطة الدنيوية حسب، وأن المشاهد المصورة<br /> للآثار السومرية وما تلاها من حقب حضارية تظهر الملك في مواجهة<br /> الإله طلباً للمعونة والحماية (الشكل 12) ، كما سجل الفنان العراقي القديم<br /> الموضوعات ذات التأثير السحري والديني في المنحوتات التي وظفت الشكل<br /> الإنساني حصراً ، جعلها مغزاها موضع المنحوتات التي تعبد (الشكل 6) <br />(م 11 ص 18،19،22،23) .<br /> <br /><br /><br /><br /><br /><br /> <br /><br /><br /><br /> أن ارتباط الفن العراقي القديم بالعقائد لم يكن بمعزل عن الحس الجمالي للفنون عامة لذا يرى الباحث استناداً إلى ما ورثناه من مآثر الفن القديم مخالفته رأي (أندريه بارو) بإنكاره اهتمام الفنان العراقي القديم بالحس الجمالي في نتاجاته الإبداعية التي تشمل الرمز كأحد منافذ التقنية الذهنية في الفنون (م5 ص42) " لأن الخبرة الجمالية مظهر لحياة الحضارة ..وهي وسيلة لترقية تطورها …" (م14 ص 547) وأن القيم الجمالية شملت معظم النماذج الفنية الإبداعية عبر عناصر التكوين الجمالي كالتماثل والتناظر والإنشاء المتوازن بتوزيع الكتل وتوظيفها في الموضوعات الدرامية الأسطورية (م21 ص29) وبرزت الخطوط والأشكال الهندسية والتكرار بالخطوط المنحنية والوصول إلى الواقعية في النسب ووشمت بعض وجوه التماثيل النسائية لغاية رمزية وجمالية عن طريق التقنية في العمل كالضغط على الطين وعمل أشكالاً مدورة أو مثلثة ، وتجلى ظهور الطابع الجمالي عبر تنظيم العناصر الجمالية (م29 ص366) واستشرفت الجمالية للصور الميثولوجية في العديد من المنحوتات البارزة. و (الشكل 14) يوضح ختمان أسطوانيان يصوران مشاهد لحيوانات مفترسة وأشكال آدمية خيالية وأنهما يمتازان بجمالية تكوينية بفعل التوازن في الأشكال التي ملأت اللوحين دون أية مساحة فارغة بأسلوب درامي متطور فظهرت الرموز متداخلة مع بعضها دون الإقلال من القيمة الجمالية بتحليل يفوق التصور المعاصر (م22 ص 104،106) رغم جهل الفنان القديم بقواعد المنظور إلا أنه كان يرسم وينحت الأشجار والجبال بتناسق كما في (الشكل 15) (م5 ص29) وكما للخطوط والأشكال دلالات رمزية وجمالية كذلك للألوان دلالات ورموز قد تفوق الخط في وصفها عبر تماسك وبنية الإنسان وانفعالاته ، فالألوان لم تغب عن مشاهدات الإنسان القديم لاحتواء الطبيعة لها كما بالغت الألوان في تأثير مفعولها على حواس الإنسان وانفعالاته الذاتية ولو نسبياً من لون لأخر تبعاً للحالة النفسية وتأثيرها، لذا كان استخدام الإنسان لعدد يسير من الألوان كالأحمر والأخضر والأصفر وفقاً لما يمليه المستوى الذهني والنفسي من دلالات ومعان لهذه الألوان ذات المدلول المعروف سلفاً ، فالأحمر يشير إلى الصور الحياتية المتضادة كالحب والخطر والحياة والموت في حين أن السلامة والأمان لها دلالات لونية يعكسها الأخضر، أما الأصفر فهو نذير الشؤم والغيرة ، والتركيز على هذه الألوان لا يعني ترك بقية الألوان فالأبيض للنقاء والبنفسجي والأزرق للأمل وغيرها (م 33 ص 150،151) ، كما أن مصادر الألوان التي استخدمها الإنسان القديم تتمثل بالزئبق ووهج النار والزرنيخ الأصفر واللازورد وقد استخدمها في تلوين التماثيل وتلوين الكتابة والرسوم الجدارية وتزجيج الرسوم (م 19 ص 59،60) كما مثل السومريون اللون الذهبي رمزاً للإلهة (شمش) كما استخدم البابليون اللون الأحمر بشكل أقل (م 24 ص 275) .<br />المـصـــادر<br /><br /> 1ـ القرآن الكريم .<br />2ـ الاعسم . د.باسم عبد الأمير . مفهوم الشكل في الخطاب المسرحي . مجلة الفنون القطرية.وزار التعليم العالي والبحث العلمي . العدد 1 . كانون الأول 2001 .<br />3ـ د. احمد سوسة . حضارة وداي الرافدين بين السومريين والساميين .دار الرشيد للنشر . وزارة الثقافة والأعلام . دار الحرية للطباعة . بغداد 1980 .<br />4ـ أرنولد هاوزر . الفن والمجتمع عبر التأريخ . ج1 . ترجمة : فؤاد زكريا . المؤسسة العربية للدراسات . ط2 . بيروت 1981 .<br />5ـ اندريه بارو . سومر فنونها وحضارتها . ترجمة وتعليق : د. عيسى سلمان . سليم طه التكريتي . سلسلة الكتب المترجمة . دار الحرية للطباعة . بغداد . 1980 .<br />6ـ البدري . هالة . الفنان والمرأة المتحف العراقي . مجلة الإذاعة والتلفزيون . وزارة الأعلام . الدار الوطنية للنشر والتوزيع . بغداد 1978.<br />7ـ برنارد مايرز . الفنون التشكيلية وكيف نتذوقها . ترجمة : د. سعد المنصور وفهد القاضي . مكتبة النهضة المصرية . القاهرة 1966 .<br />8ـ البستاني . فؤاد افرام . منجد الطلاب . دار المشرق . بيروت . ط 31 . السنة بلا .<br />9ـ البياتي . زينب كاظم صالح . الموروث الفني التشكيلي وإنعكاسه في الخزف العراقي المعاصر . رسالة ماجستير غير منشورة . جامعة بغداد كلية الفنون الجميلة . قسم الفنون التشكيلية اختصاص الفخار . 2001 .<br />10ـ توماس مونرو . التطور في الفنون وبعض نظريات أخرى في تاريخ الثقافة . ج1 . ترجمة : محمد على أبو دره ، اسكندر جرجس ، عبدالعزيز توفيق جاويش مراجعة احمد نجيب هاشم . الهيئة المصرية العامة للتأليف والنشر . 1971 <br />11ـ د. ثروت عكاشة . الفن العراقي القديم سومر وآشور وبابل . المنظمة الدولية للتربية والعلوم والثقافة . مطبعة الكتاب . بيروت . السنة بلا .<br />12ـ آل جنديل . د.نجم عبد حيدر . المثال والمثالية في الفن . المجلة القطرية للفنون . وزارة التعليم العالي والبحث العلمي .بغداد 2001 .<br />13ـ الجندي . درويش . الرمزية في الأدب العربي . مكتبة النهضة . مصر 1958 .<br />14ـ جون ديوي . الفن خبرة . ترجمة : إبراهيم زكريا . مراجعة : د. زكي نجيب محفوظ . دار النهضة العربية . مؤسسة فرانكلين للطباعة والنشر . القاهرة . نيويورك 1963.<br />15ـ جون . ب . فيكيزي . الرمز والأسطورة. مجموعة مؤلفين . ترجمة : جبرا إبراهيم جبرا . وزارة الأعلام . سلسلة الكتب المترجمة.دار الحرية للطباعة . بغداد 1973.<br />16ـ جيروم ستولنتيز . النقد الفني دراسة جمالية وفلسفية . ترجمة : د. فؤاد زكريا . ط2 . الهيئة المصرية العامة 1981 <br />17ـ الرازي .محمد بن أبي بكر بن عبدالقادر . مختار الصحاح . دار الكتاب العربي . بيروت 1979 .<br />18ـ راضي حكيم . فلسفة الفن عند سوزان لانكر . دار الشؤون الثقافية العامة . مطابع دار الشؤون العراقية العامة . بغداد 1986 .<br />19ـ الربيعي . عبد الجبار حميدي خميس . موجز تاريخ وتقنيات الفنون . ط1 . دار البشير . مطابع الدار . الأردن 1998 <br />20ـ زهير صاحب . الرسوم الجدارية المصرية . دراسة تحليلية المجلة القطرية للفنون . وزارة التعليم العالي والبحث العلمي . بغداد 2001 .<br />21ـ آل سعيد. شاكر حسن . الأصول الحضارية والجمالية للخط العربي . دار الشؤون الثقافية العامة . مطابع دار الشؤون الثقافية العامة . بغداد 1988 .<br />22ـ سيتون لويد . فن الشرق الأدنى القديم . ترجمة : محمد درويش . دار المأمون للترجمة والنشر . دار الحرية للطباعة بغداد 1988 .<br />23ـ د.شاكر عبد الحميد . العملية الإبداعية في فن التصوير . المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب .سلسلة عالم المعرفة 109 . مطابع الرسالة . الكويت 1987 .<br />24ـ الصراف . عباس . آفاق النقد التشكيلي . دار الرشيد للنشر . دار الحرية للطباعة . بغداد 1979 .<br />25ـ صموئيل كرايمر . من الواح سومر . ترجمة : طه باقر . مراجعة : د.احمد فخري . مؤسسة فرانكلين للطباعة والنشر .السنة بلا .<br />26ـ الطباطبائي .العلامة . مختصر تفسير الميزان . أعداد كمال مصطفى شاكر .<br />27ـ الطعان . د. عبد الرضا . أشكالية تأثير الفكر العراقي القديم في الفكر الأغريقي . دوريات آفاق عربية . العدد 2. السنة 2 . مايس 1985 .<br />28ـ طه باقر . مقدمة في تاريخ الحضارات . الوجيز في حضارة وادي الرافدين . ط /2 . دار البيان للنشر . بغداد 1973 .<br />29ـ عادل ناجي . الأختام الأسطوانية في عصر فجر السلالات حضارة العراق . ج4 . تأليف نخبة من الباحثين . دار الحرية للطباعة . بغداد 1985 .<br />30ـ عاصم عبد الأمير . الموروث الشعبي في الفن العراقي الحديث . آفاق عربية . العدد 1 . كانون 2 . السنة 14 . مطابع دار الشؤون الثقافية العامة . بغداد 1989 .<br />31ـ د.عامر سليمان . أحمد مالك الفتيان . محاضرات في التاريخ القديم . وزارة التعليم العالي والبحث العملي . مطابع جامعة الموصل 1978 .<br />32ـ فوزي رشيد . تموز في الفن العراقي القديم . مجلة الرواق . وزارة الثقافة والفنون . العدد3 . تموز ، آب . مؤسسة رمزي للطباعة 1978 .<br />33 ـ ـــــــــــــــــــ . الألوان ودلالاتها . آفاق عربية . العدد 11. ت2 . السنة 16 . 1991 .<br />34ـ كلود ليفي شتراوس . مقالات في الأناسة . أختارها ونقلها للعربية د. حسن قبيسي . سلسلة الفكر المعاصر . دار التنوير للطباعة والنشر . ط 1 . لبنان 1983 .<br />35ـ الهلالي . محمد مصطفى . الجفر (الشفرة) والرسائل السرية عند المسلمين . مجلة الفيصل . العدد 123 . السنة 11 أيار دار . الفيصل للطباعة 1987 .<br />36ـ هنري فرانكفورت وآخرون . ما قبل الفلسفة . الإنسان في مغامراته الفكرية الأولى . ج1 . ترجمة : جبرا إبراهيم جبرا . المؤسسة العربية للدراسات والنشر . ط 2 . بيروت 1980 .<br />37ـ هيجل . الفن الرمزي . ترجمة : جورج طرابيشي . دار الطليعة للطباعة والنشر . بيروت . آذار 1979 .<br />38ـ يوسف خياط . معجم المصطلحات العلمية والفنية . دار لسان العرب .المطبعة العربية 1974 .أزهر داخل محسنhttp://www.blogger.com/profile/03098343134480779083noreply@blogger.com0tag:blogger.com,1999:blog-6609888417791380236.post-64419022440065929712010-06-02T11:57:00.000-07:002010-06-02T11:59:32.643-07:00الموروث الشعبي في الفن التشكيلي لدول مجلس التعاون الخليجيملخص البحث<br /> <br /> إن دراسة الخطاب التشكيلي لدول مجلس التعاون الخليجي وكيفية تعامله مع الموروث الشعبي تكشف عن حالة من الضغط البصري يؤطره المنجز التشكيلي بصيغ جمالية . تعد وثيقة صادقة للعديد من الظواهر التي غيبت بعضها جوانب المدنية والمعاصرة ، وان كانت المعاصرة تزداد غنىً بهذه الظواهر المجسدة كخطاب تشكيلي إبداعي أنجزها فنانون تشربوا بواقع تسوده الآلفة والطمأنينة بفعل تمازج النسيج الاجتماعي واعتدال التوازن الاقتصادي ، لذا كانت وما زالت القيم المتأصلة في المجتمع الخليجي هي ذاتها وان غزتها المدنية من أوسع الأبواب وبكل صنوفها، ولغرض الدراسة الموضوعية أشتمل البحث أربعة فصول. تضمن الأول الإطار العام للبحث محدداً فيه المشكلة والتساؤلات التي أسفرت عنها ثم الأهمية وآلية تحديدها ، وحددت أهداف البحث من خلال استشراف القيم الفكرية والجمالية في تحليل المنجز بمرجعياته الفكرية والتقنية عبر تقصي الموروث الشعبي لدول مجلس التعاون الخليجي في المنجز التشكيلي المعاصر .<br /> وقد اقتصرت حدود البحث على ثلاث من دول المجلس ما بين الخمسينيات حتى نهاية القرن العشرين .<br /> أما الفصل الثاني. الإطار النظري تطرق الباحث الى مفهوم الموروث الشعبي ضمن المبحث الأول أما المبحث الثاني فتطرق الباحث إلى الفن التشكيلي في دول المجلس على وفق الأسس والمعطيات وارتكازه الى المحيط بوصفه عملية ضاغطة في الخطاب الجمالي الخليجي .<br /> بينما تضمن الفصل الثالث إجراءات البحث والمنهج المستخدم ومجتمع البحث وعينته وأداة تحليل العينة والية التحليل التي اقتصرت على عدد عينات البحث البالغة ( 7 ) توزعت بعدد ( 3 ) عينات من دولة الكويت وعينتان لكل من المملكة العربية السعودية ومملكة البحرين .<br /> أما الفصل الرابع تضمن نتائج البحث والاستنتاجات وهي كالآتي :-<br /> 1- إن التشكيل الخليجي ارتكز الى قيم فكرية تكمن في كينونة المجتمع .<br /> 2- انتهج الفنان الخليجي تقنيات غربية معاصرة بفعل المشارب الأكاديمية التي <br /> تلقاها .<br /> 3- المزاوجة بين التقنيات المعاصرة والثيمات الواقعية والموتيفات الشكلية <br /> والأساطير المحلية لتؤول الى قيم تشكيلية جمالية متفردة .<br /><br /><br /><br /><br />ثبت المحتويات<br /><br /><br />ملخص البحث …………………………………………………<br />الفصل الأول : الإطار العام للبحث 1 <br /> مشكلة البحث والحاجة إليه ………………………...1 – 2 <br /> أهمية البحث ……………………………………..2 _ 3 <br /> حدود البحث ……………………………………...3 <br />الفصل الثاني : الإطار النظري 4 _ 10 <br /> المبحث الأول : مفهوم الموروث الشعبي …………….4 _ 7 <br /> المبحث الثاني : الفن التشكيلي في دول مجلس التعاون<br /> الخليجي ………………………… 7 _ 10 <br />الفصل الثالث : إجراءات البحث 11 _ 18 <br /> منهج البحث ……………………………………11 <br /> أداة البحث ……………………………………...11 <br /> مجتمع البحث ……………………………………11 <br /> عينة البحث ……………………………………..11 <br /> أسباب إختيار العينة ……………………………….11 <br /> تحليل العينات ……………………………… 12 _ 16 <br />الفصل الرابع : النتائج والاستنتاجات 17 _ 18 <br /><br /><br /> المصادر 19 _ 20 <br /> النماذج ( عينة البحث ) 21 _ 24 <br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br />الفصل الأول<br />الإطار العام للبحث<br /> مشكلة البحث والحاجة إليه :<br /><br /> إن الإنجازات التي خلفتها الشعوب المتجذرة عبر العصور كبير جدا ، يتداول قيمها ابناء المجتمع في الوقت الحاضر بوصفها مفردات حضارية موروثة تداولاً لا ينحصر في طبقة معينة ، والتعامل معه يتم بطرق عدة عبر الفنون والآداب ، فالموروث الشعبي لأي مجتمع كبيراً كان أم صغيراً يمثل الأساس الذي يرتكز إليه المجتمع المعاصر في النهوض والنمو ، ومنه يمكن دراسة القيم الثقافية والإبداعية لأي مجتمع بوصفها منتجات إنسانية فضلا عن قيمتها الوطنية . <br /> ولقد أُثريت دول مجلس التعاون بالقيم التراثية المتراكبة والمتراكمة بفعل الجغرافية إذ اتصل تأريخها بأخصب المجتمعات حضارة وتراثا تلاقحت فيما بينها مؤطرة لمجتمع الخليج والجزيرة العربية بعدا حضاريا متميزا يعد نضحًا للحضارات التي اتصلت به وقد تفاعلت مع البيئة المحلية ليتجسد منها الموروث الشعبي مادة غنية تثري الباحثين بالاستزادة في معرفة ماهية المفردات الحياتية للمجتمع.كان نصيب منطقة دول المجلس العديد من الموروثات الشعبية جراء تعدد المصادر المولدة لهذه الموروثات التي تتصل بطبيعة المجتمع كالحرف والمهن فضلا عن الأساطير القديمة والحكايات الشعبية ذات البعد الواقعي والخيالي تبرزها روايات تغذي المبدعين في البحث عن ماهيتها الاجتماعية ، ويعد المجتمع المعاصر في دول مجلس التعاون اكثر اتصالاً بالموروث مع تنامي الحالة الاجتماعية والاقتصادية لان الموروث يمثل هوية الفرد وهوية مجتمعه ، لذا يندر تجاوز الفرد الخليجي لعناصر الموروث ، فإقتناء الموروثات الحرفية من قبل المجتمع الخليجي تتنامى فضلاً عن مزاولته للطقوس الفلكلورية من موسيقى وغناء ورقص وشعر ، أما اتصال أبنائه والأماكن التراثية لا تنقطع لان الإنسان في الخليج مهما تنامى اقتصادياً واجتماعياً لا نراه ينسلخ عما توارثه عن أجداده ، لإيمانه بهم واعتزازه الكبير بالأجداد ، فيرى وجوده في اتصاله بالموروث المحلي .<br /> والفنان التشكيلي عنصر فاعل سعى الى قراءة المورث وتسجيله ضمن تقنيات وأساليب نهجية معاصرة وفقا الى المشارب التي نهل منها تقنيته ورؤيته للفن إذ كانت خطاباته التشكيلية خير مستلهم وموثق لتركيبة المجتمع المتوارثة بكل دلالاته العميقة أسطورية كانت أم فلكلورية ، لإيمانه المطلق بالتقاء المبدع والمادة التراثية لان " التراث هو تراكم حياتي وطاقة روحية جياشة ، زمن محتقن بالدلالات والغنى والتوتر …والتراث معين مهم من الناحية الجمالية والفنية واستلهامه يؤكد وحدة التجربة الإنسانية في الماضي والحاضر والمستقبل ".(م1ص34 )<br /> إن مشكلة البحث ذات صلة بالمجتمع وعلاقته بالتشكيل الخليجي يتكشف من خلالها مدى قابلية الفنان في تسجيل الموروث الشعبي وماهيته في تعزيز صلة الفرد بمجتمعه وتراثه . <br /><br /> أهمية البحث : <br /> <br /> وفقاً لمشكلة البحث تتحدد أهمية البحث في تعريف المتلقي بالقيم التشكيلية المعاصرة لفناني دول مجلس التعاون الخليجي واتجاهاتهم التقنية والنهجية في رصد الموروث الشعبي المحلي .<br /><br /> أهداف البحث :<br /> <br /> تتحدد أهداف البحث للتوصل الى ما يأتي :-<br />1- استشراف القيم الفكرية والجمالية في الموروث الشعبي الخليجي .<br />2- تحليل المنجز التشكيلي بمرجعياته الفكرية والتقنية .<br />3- تقصي الموروث الشعبي في المنجز التشكيلي المعاصر . <br /><br /><br /> حدود البحث :<br /> <br /> حدد البحث بـ<br /> أ- الحدود المكانية : اقتصر على ثلاث من دول مجلس التعاون الخليجي وهي <br /> دولة الكويت والمملكة العربية السعودية ومملكة البحرين .<br /> ب- الحدود الزمانية : شملت الفترة المحصورة ما بين الخمسينيات من القرن <br /> العشرين وحتى نهايته .<br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br />الفصل الثاني<br />الإطار النظــري <br /><br />المبحث الأول : مفهوم الموروث الشعبي<br /> الموروث الشعبي قيم إنسانية تعامل معها الإنسان منذ القدم عن طريق الممارسات الحياتية والطقوس الدينية ، وقد انتقلت إلى الأجيال اللاحقة عبر آليات عديدة، استطاعت الفنون أن تفعّلها بعمق على وفق أساليب ومناهج مختلفة في المسرح والسينما والموسيقى والتشكيل والحركات الراقصة . هذا التفعيل تولّد من قناعات مرتكزة في ذهنية الفنان .أن الموروث يعد بنية المجتمع وهيكليته الأساسية اجتماعياً وتاريخياً وسياسياً وفلسفياً وخلقياً ،كما لاتحيد السلوكيات الموروثة عن كونها جهد إبداعي حفّز الفنان المعاصر من استقصائه محاولاً تجديد رؤيته الإبداعية وصولاً إلى الأصالة ، وإن كانت أصالة الموروث متأتية من تجاوزه الأنظمة السياقية الزمنية وديمومته تعد أحد مرتكزاته في الأصالة .<br /> لذا ظهرت الدراسات التي تعنى بالموروث منذ زمن بعيد حينما فُعّلت العلوم التي تتقصى العلاقات والسلوكيات الإنسانية والتي تبحث خصائص الإنسان وارتباطاته مع ما يحيطه من كائنات ، وقد ارتبط مصطلح الموروث ومفردة (الفولكلور ) عام 1877إبان تأسيس جمعية الفولكلور الإنكليزية في لندن ، وكان علم الاجتماعSOCIOLOGY ) ) وعلم الإنسان (INTHROBOLOGY ) من العلوم التي عضّدت دراسات الموروث وعدته علماً أكاديمياً عام 1955 في المؤتمر التخصصي بوصفه القيم المتناقلة شفاها إذ تعتمد هذه المفردة على تقصي ودراسة العادات المأثورة والمعتقدات التي تسمى بالآثار الشعبية القديمة أو بالموروث الشعبي (م 2 ص 15).<br /> وقد حظي الموروث الشعبي بتعاريف معاصرة عدة لم تكن قاصرة على الآثاريين ومتتبعيه حصراً . إنما شمل الأدباء والفلاسفة والفنانين وتجاوز ذلك إلى أن عرفه العلماء النظريين والتطبيقيين بما يوافق تتبعهم للأصول العلمية التي درسها وتطرق لها السلف ، لذا فقد عُرّف الموروث أنه "تسجيل أمين لبنية البيئة التي أنتجته وعليه ترتسم خصائصها أصالة وأعمقها تمثيلاً لمواصفات تلك البيئة " (م 3 ص 7) . <br /> فتعريف الموروث الاصطلاحي يتحدد بما تداوله المجتمع القديم في أزمنة متباعدة وقيمته تتجلى باستمراريته في التداول من قبل المجتمعات اللاحقة ، وتقسم طرق انتقال الموروث الشعبي إلى نوعين ، أما بالكتابة والتدوين والبحوث المنهجية أو النقل بالتداول أو شفاهاً عن طريق الرواية والحكاية الشعبية والأمثال والشعر والغناء وغيرها(م 4 ص 9) .<br /> إن التداخل مابين مصطلحي الموروث الشعبي والفولكلور متأتياً من تشابه السلوكيات الثقافية والطقوس والمعتقدات الاجتماعية التي تناقل من جيل إلى آخر ذلك أن المصطلحان يدخلان ضمن الدراسات الأنثروبولوجية أو ما يسمى بدراسات علم الإنسان الذي يتقصى خبرات الإنسان الإبداعية في الفن وغيرها من الآثار والطقوس والأعراف ، كما إن تداخل المصطلحان وتأريخ الفكر الإنساني ناتج بفعل التأثر والتأثير مع العلوم الأخرى لأن النتاج الإنساني موضوع دراستنا يحتم دراسة خصائص الإنسان السلوكية (م 5 ص 172) . <br /> من هنا تطلبت دراسة الموروث الشعبي للمجتمع دراسة للجوانب الفكرية والفلسفية وانعكاسه في النشاط التشكيلي من خلال توظيف الفنان لمفردات الموروث الشعبي سلوكياً وتقنياً أو رمزياً في منجزه الفني المعاصر عبر تقنيات واتجاهات تشكيلية متنوعة مابين الواقعية والأكاديمية والانطباعية والتعبيرية والسريالية والتكعيبية والتجريدية. <br /> إن تعامل الفنان التشكيلي مع الموروث الشعبي لم يكن تسجيلاً أو نقلاً للواقع ورموزه ذات الاتصال وبنية السلوكيات الاجتماعية والعقائدية والاقتصادية للمجتمع القديم ، إنما هو انتماء وتواصل تفرضه هيكلية المجتمع بروحية وهاجس متواصل مع مفردات المجتمع المتجذر ، لذا فإن توظيف الفنان التشكيلي للموروث الشعبي يحمل مرجعيات فكرية وفلسفية أعمق من بعض تصورات التحليل لأنها تولدت مع ولادة المجتمع وتعايشت معه بقسرية فرضتها البنية السلوكية والحياتية للمجتمع ، ويعد هذا التعايش أشد قسرية في منطقة الخليج العربي لأن الموروثات الشعبية هي " العناصر السلوكية والحركية والكلامية والضمنية التي يؤلفها مجتمع من المجتمعات "(م 6 ص 21) .<br /> هذه العناصر المتنوعة التي يؤطرها الموروث الشعبي ذات تأثير مباشر في المجتمع الخليجي المعاصر الذي لم ينقطع عن قراءة موروثه الشعبي لالتزامه السلوكي والأخلاقي بتأريخه وجذوره الطاعنة في التأصيل لاسيما أن "الفن إبداعاً، يعبر عن جماع الفكر والعقيدة والحس والذوق "(م 7 ص 22)، لذا كانت النتاجات التشكيلية في دول مجلس التعاون الخليجي وإن كانت معاصرة فهي إطارات فكرية وتسجيلية إستكمالية للموروث ، متلازمة معه غير منفصلة لأن المعاصرة في قراءة الموروث تتعامل معه على أساس من الفارق الزمني الكبير في حين إن تكامل رؤية الفنان التشكيلي الخليجي في تحليل الموروث الشعبي يعد استكمالا للموروث ومعاصرته . <br /> <br /><br /><br />المبحث الثاني : الفن التشكيلي في دول مجلس التعاون الخليجي :<br /> <br /> لا يمكن تصنيف بنية مجتمع دول مجلس التعاون الخليجي لتماسك مكوناته الاجتماعية فيما بينها ، مما يتعذر حسابه على وفق أزمنة متغايرة تفترضها هزة انتقالية تسبب افتراقه اجتماعياً وسلوكياً ، ولعل قراءة أهم تحول في الخليج تمثل باكتشاف النفط كدافع اقتصادي يحتم قياس كل المتغيرات الاجتماعية تبعا له .<br /> ولدراسة ظواهر وإفرازات المجتمع الخليجي قسم الباحثون هيكلية المجتمع الى ما قبل النفط وما بعده تقسيماً لا يفترض فيه حصول هوة ما بين المجتمعين لا سيما اجتماعياً وسلوكياً ، فأنها لم تزل بحيويتها في استمرار تدفق وصميمية الإنسان الخليجي في التعامل مع مفردات ما قبل النفط بذات الروحية ( أخلاقية ) فنرى المجتمع المعاصر باستقراره الاقتصادي والاجتماعي ينقاد باندفاع شديد وحيوي نحو الموروث اعتزازاً به وإيماناً مطلقا بالأصالة المتولدة من رواسب متجذرة في صلب المجتمع . <br /> إن المضامين الفكرية للموروث الشعبي في دول مجلس التعاون متشعبة على وفق مبدأ التأثر والتأثير والانعكاس فيه ، لذا يعزى تعدد الاتجاهات في الموروث الشعبي الى المناهل التي وجد فيها وعليها ، فمنها الاجتماعية ذات المساس والحكايات الفلكلورية والأساطير التي تَداولها وزاولها أفراد المجتمع ومازال فضلا عن الأعراف والتقاليد المستقدمة من الموروث العربي الإسلامي ، كما انعكس الموروث المعماري ( البيوت القديمة ) ليبقى حاضراً في ذهنية المجتمع المعاصر وجداناً حياً ، أما الحرف والمهن التي امتهنها الخليجي فقد اتصلت والحالة الاقتصادية كالصيد والغوص في البحر والعديد من المفردات التي لم تزل ماثلة أمام المجتمع ، وقد هيأت للفن لا سيما التشكيلي الديمومة في الارتقاء والإبداع المتأصل عبر تسجيل التراث واعادته روحاً وشكلاً لانه الأساس في الانطلاق الى رحاب العالمية . <br /> إن إعادة تسجيل الفنان الخليجي للتراث ليس استذكاراً متواصلاً غايته الديمومة في العطاء ، بل هو تعبير وجداني ورؤية محفزة في الثقافة والفن بقيمتهما السامية لأن معطيات التواصل تمثل إضافة روحية ووجدانية من خلال سبر أغوار التاريخ وإدراك محتواه، فتتكشف الأصالة من تحفيزِ لقدرات الفنان الذهنية الذاتية تعززها قدراته وتجاربه التقنية فيكون الطرح الفني مؤطراً بجوانب عدة منها خزين تراكم في وجدان الفنان عبر قراءته للتاريخ بعقلانية ومنها دراسته التقنية تدعمه رؤيته لكيفية الطرح وشكليته ، ينقسم منها المنجز الى محاور عدة منها النقل الحرفي المحاكاتي أو الاستفادة من الوقائع المحيطة تقنياً وتكوينياً فتكون المزاوجة غنية بينما يكون الطرح الآخر مشوباً بالتشويه لقصور في الفهم والإمكانيات التقنية.<br /> وإزاء ذلك يظهر محتوى الاتصال بين الفنان والمحيط بوصفه كينونة لا يمكن إغفالها فتظهر حقيقة تواصل الفن التشكيلي والموروث الشعبي الخليجي.<br /> منذ الخمسينات حتى نهاية القرن العشرين كفترة حاول الباحث التصدي لها في تمييز الفن التشكيلي المعاصر في دول مجلس التعاون بكل اتجاهات وتجارب فنانيه، فيرى السعي والجدة في الاغتراف من المكنون الشعبي مبيناً مدى التأثير البيئي وقابليته في الضغط على الخطاب التشكيلي، فيرتقي منها التشكيل في الروح المعاصرة والاشتغال معها في حدود التأصيل كونها إضافة مبدعة الى روح التراث، كما ان المفردات البصرية هي إنجازات فنية تستمد رؤيتها من المحيط بوعي ذاتي للفنان لان المحيط هو القادر على إعطائها قابلية النمو،وان العمل الفني تجربة جمالية مستمدة بتأثيرها من مقومات الواقع والمجتمع كبديهة طالما أكد عليها التشكيلي الملتزم بمقومات ليست دخيلة حتى أصبحت معالجاته التقنية صياغة إبداعية أفاض عليها الموروث المحلي بعداً جمالياً و فكرياً اكثر تصديقاً.<br /> في الكويت منذ الخمسينات التي تميزت بتجارب تشكيلية ليست كبيرة أهمها المعرض الذي أقيم أثناء انعقاد مؤتمر الأدباء العرب 1958 مروراً بإنشاء المرسم الحر مطلع الستينات ليتوج التشكيل المعاصر في الكويت عام 1978 بالمعرض الذي أقامته الجمعية الكويتية للفنون التشكيلية التي تأسست <br />عام 1967 ، وقد افرز معرض 1978 رؤى تشكيلية استنهضت قيمه الجمالية والفكرية باستشراف الموروث المحلي والخليجي والعربي الإسلامي، فجسدت المعروضات الفنية مجمل الأعراف والتقاليد والحكايات والأساطير والحرف الشعبية ذات النفس الشعبي الملتصق وجدانياً بالفنان والمجتمع(م8 ص98).<br /> ولا يختلف عنها في المملكة العربية السعودية إذ ارتقى فيها الفن التشكيلي الى مرحلة متميزة تجسيداً لصلة الفنان بمجتمعه ومحيطه فأستخلص الفنان تجربته على وفق رؤيته للتراث الشعبي لمنطقة الخليج والجزيرة على حد سواء حتى تميز العقد ما بين 1395-1405 هـ (1975-1985م) بإنتاج خطابات تشكيلية التصقت بالتراث كلياً بتقنيات واتجاهات متعددة إذ أن "المنابع التي يستقي منها الفنان السعودي رموزه في التعبير …تميل الى الاستفادة من التراث الشعبي السعودي"(م9ص169)، كما لا يمكن قراءة عمل تشكيلي يستمد رؤيته بعيداً عن الموروث الحضاري والشعبي في البحرين مستنيراً بحضارة دلمون وآثارها، فكان الموروث الخليجي حافزاً مشعاً للفنان في البحرين ، وان لـ(جماعة الفن المعاصر) الأثر البالغ قي هذا التوجه العارم نحو استيقاظ روح الموروث الخليجي والعربي.كذلك تحقق هذا التلاحم ما بين الموروث والتشكيل القَطَري من خلال معالجة الموضوعات المتعلقة بالبحر وفن صناعة السفن الخشبية والبناء المعماري الشعبي والزخارف والألوان وفن صناعة البسط والسجاد وغيرها من الحرف الشعبية. أما في الإمارات و سلطنة عمان لا يمكن للفن التشكيلي إلا أن يكون قريباً من هذا التوجه حيال الموروث الشعبي بفعل تقارب الأسس الاجتماعية في منطقة الخليج، بل ان دراسة أي مجتمع في المنطقة بالضرورة هي عينة صادقة في تمثيل المجتمع الكلي. لأن الخليج كمجتمع لا يمكن تجزئته بحال يتيسر للباحث من دراسته واستخلاص النتائج للأسباب الجغرافية والتاريخية والاجتماعية والاقتصادية المتماثلة، بيد ان النهج الذي ينتهجه الفنان يتفرد عن غيره في البلد الواحد بسبب المرجعية الأكثر ذاتية للبلد وللفنان في دراسته الأكاديمية للتجارب التشكيلية المعاصرة في العالم واختلاف مشاربهم الذاتية ورؤاهم .<br /><br /><br />الفصل الثالث<br />إجراءات البحث<br /><br />*منهج البحث : للتوصل إلى أهداف البحث اعتمد الباحث المنهج الوصفي من خلال تحليل العينات.<br /><br />*أداة البحث : سعى الباحث في استخدام افضل أداة تناسب وبحثه وهي (الملاحظة) في تحليل الأعمال عينة البحث .<br /><br />*مجتمع البحث : شمل الأعمال التشكيلية المصورة لفناني دول مجلس التعاون الخليجي التي حاول الباحث تقصيها بوصفها ذات مساس والقيم التراثية الشعبية <br /><br />*عينة البحث :الأعمال التشكيلية التي اختيرت قصديا.البالغة (7)أعمال موزعة لثلاثة أعمال من دولة الكويت وعملان لكل من المملكة العربية السعودية ومملكة البحرين .<br /><br />أسباب اختيار العينة .<br /> وقد اختيرت على وفق الضوابط الآتية :-<br /> 1- التنوع في الاتجاه التقني .<br /> 2- استبعاد الأعمال المتكررة.<br /> 3- الأعمال ذات المساس والحالة الاجتماعية لمجتمع دول المجلس.<br /> 4- التنوع في اختصاصات الفنانين.<br /><br /><br /><br /><br /><br /><br />تحليل العينات:<br />عينة(1) :نادر عبد الحميد / 1956 / الكويت (الختمة)<br /> صور الفنان موضوعة ذات مساس بالمجتمع المسلم في عملية تحفيظ القرآن الكريم للأولاد في سن مبكرة، وحتى يكتمل حفظه من أحدهم تعم الفرحة والأعياد عموم الأهالي.لذا جسد الفنان اللحظة تجسيداً واقعياً محاكاتياً مرتكزاً الى الرؤى التكوينية بمعالجة السطح التصويري في اللون (الاوكر) المستلهم من الواقع المحلي والبيئة الشعبية (الرمال).كما يتشكل البعد المعماري والوحدات الزخرفية للبيئة فضلاً عن تجسيد الملامح والأزياء الشعبية الخليجية.<br /> كما اعتمد الفنان في توزيع مفردات السطح التصويري الى مركزية العمل ( الطفل بيده القرآن الكريم في المركز).<br /> إجمالاً يستعرض الفنان السلوك الاجتماعي والبعد المعماري الشعبي مجسدا" المحلة في معظم المفردات,ليبقى العمل الفني وثيقة مسجلة لسلوك اجتماعي تضاءل وجوده في المجتمع العربي في الوقت الحاضر.<br /><br /><br />عينة (2) : سامي محمد / 1943 / الكويت (فتاة كويتية)<br /> يتفرد الفنان في منحوتاته ذات البعد الجمالي والتعبيري في استكشاف كوامن الإنسان وإرهاصاته وهو العارف بحيوية مادته المستخدمة وقابليته في تطويعها وفق ما يرتئي ،وقد اقتفى الفنان في معظم أعماله النحتية تقنية جياكومتي عبر استطالات شخوصه ونحافتها رغم واقعيتها، وفي عمله( فتاة كويتية) جسد بواقعية أكاديمية مفردة محلية لم تزل متواجدة في مجتمع الخليج بهيئة حلة ترتديها النساء في الأفراح والمناسبات (الهاشمي) ، وقد أشرك تقنية التصديف استذكاراً للبحر ,فضلاً عن اتصال اللباس الهاشمي تقنياً وشبكة الصيد(السلية) .<br /> وقد تجسدت المزاوجة التقنية المعاصرة والدراسة الأكاديمية للعمل ليرتقي منها الى حدود التأصيل والإبداع مما يشير الى ان الفنان يعد من قمم النحت المعاصر في الوطن العربي .<br /><br /><br />عينة (3) يوسف القطامي 1950 / الكويت / (لعبة شعبية)<br /> ينقلنا في منحوتته الى روح الموروث الشعبي الخليجي باستشفاف مفرداته بتركيبة ورؤية معاصرة موظفاً الشكل باستحضار من الموروث الرافديني السومري عبر تهميش الملامح وتجاوزها للوجوه الآدمية لا سيما المنحوتات المعبودة(م10ص25-26)، فأعاد صياغة الأشكال ليهذبها على وفق استيعاب الجوانب الشعبية الخليجية فيشير العمل الفني الى تسجيل مفردة سلوكية محلية مارسها المجتمع كنوع من التسلية الجماعية معتمداً مبدأ التناظر والتماثل والحركة المتولدة من دورانية المنجز بكليته يدعمه التوازن والتكرار وصولاً الى الوحدة التكوينية الجمالية.(م11ص88).<br /><br /><br /><br />عينة (4) محمد السليم / السعودية (موضوع)<br />إن قراءة العمل تنقلنا إلى الأجواء اللونية الخليجية المنسجمة (الهارموني) ليجسد حالة المجتمع الخليجي قبل ظهور النفط إذ المصاعب الاقتصادية وقسوة العيش، فيستعرض لنا امرأة تفترش الطريق للرزق بيدها طفلها الرضيع.كما نقل البعد المعماري الخليجي ببساطته وبدائيته (بيوت الطين).<br /> أما التقنية التي اعتمدها الفنان فهي توليفية ما بين ( انطباعية سيزان أو سورا ) في ضربات الفرشاة التي مهدت للتكعيبية وتعبيرية (ماتيس) باستخدام اللون الأسود بمعية الألوان الصريحة وثالثهما تعبيرية ما بعد (ماتيس) مجسداً فيها التعبيرية ضمن منطقة الاختزال والتجريد فبرز العمل تحفة لا يمكن للتشكيل العربي تجاوزها.<br /><br /><br /><br />عينة (5) محمد سيام 1374 هـ/السعودية (بيوت)<br /> منجز بالألوان الزيتية للفنان السعودي محمد سيام تحت عنوان (بيوت) ينتمي إلى المدرسة السريالية كتقنية تبناها الفنان فضلاً عن التصميمية المعمارية التي سعى إليها.<br /> يتأسس المنجز من كتل معمارية تقترب من القيم التراثية الشعبية في الخليج وأحاطتها بالزخرف (المربعات والدوائر) والنوافذ المستطيلة ، كما لجأ الفنان الى التضادات اللونية ما بين الكتل والخلفية ( Back Ground ) بافتراضات الحلم، كما يقترب السطح التصويري من تقنية التلصيق (كولاج) لا سيما في منطقة البناء المعماري ليحيل المتلقي الى المدرسة التكعيبية .<br /> إن المفردات الزخرفية المستخدمة يمكن تأويلها الى بساط مزركش بموتيفات شعبية ذات ألوان براقة كنوع من التعويض اللوني الذي يفتقده الإنسان الخليجي المتشرب بألوان الرمال والصحراء والبحر (الاوكرات والالوان الباردة) لذا لجأ الى الألوان الحارة (الأحمر والأصفر) بمعية الألوان المعتادة للإنسان الخليجي مما يعطي للمنجز صفة التوازن البنائي جمالياً.<br /> إن العمل يمثل قيمة تشكيلية استنهضت الموروث الشعبي الخليجي بتقنية مزدوجة تنامت عند الفنان عبر دراسته للفن الأوربي المعاصر . وهذه قيمة طالما لجأ إليها الفنان العربي بصورة عامة والخليجي بخاصة لينبري منها منجزه بتفرد متميز يرتقي صفة الأصالة والإبداع.<br /><br /><br /><br />عينة (6) راشد العريفي / البحرين (موضوع)<br /> ينزع إلى تآلف الرسومات الطفولية الأقرب الى الفطرية و استشراف الموروث و (الموتيفات) الشعبية مع العناصر الواقعية الإسلامية بزخرفيتها, وهو اتجاه الفنان الى قراءة التاريخ وحضارة (دلمون) والرسوم الجدارية ذات الاتصال بالرسوم الجدارية الرافدينية.<br /> وقد تصرف بالسطح التصويري كفضاء تسبح فيه الأشكال مولداً أشكالاً زخرفية كما اتجه الى التبسيط والاختزال بتقصي منهج غربي(بول كليه وخوان ميرو وحتى بيكاسو) . كما يمكن تصور الزخرفية على شكل بساط مزركش فضلاً عن الهندسية كتوجه حروفي تشكيلي, ومن خلال الربط ما بين المفردات في المعنى <br />(منائر، قباب، أهلة) يمكن توصيف الشكل برمته ليمثل شخصاً متعبداً رافعاً يديه وهو راكع.<br /> إن العمل يحمل بين تلافيفه مجمل التقنيات العربية الإسلامية في امتلاء السطح بالزخرفية وغياب المنظور وإهمال التشريح .<br /> فان المزاوجة التي سعى إليها الفنان مكنت المتلقي من توصيف العمل بوصفه عملاً إبداعياً من خلال استنهاضه القيم الجمالية الموروثة والتقنية التي انتهجها عبر دراسته ورؤيته .<br /><br /><br /><br /> عينة (7) عبد الكريم البوسطة / البحرين (فتاتان)<br /> يعرض الفنان عمله في شكل فتاتين بنهج تعبيري اقرب الى الوحشية مؤكداً على قيمة اللون الأسود بتحديد المساحات على وفق تقنية (ماتيس) المنعكسة على أعمال العديد من الفنانين العرب، وبحكم مرجعية الفنان الى حضارة كبيرة (دلمون) واتصالها والحضارة الرافدينية السومرية.فقد وظف الفنان ملامح الوجهين على وفق مرجعيته الحضارية والتاريخية كقيم جمالية ما زالت منبعاً يثري التشكيليين في الاغتراف منه.<br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br />الفصل الرابع<br /> النتائج والاستنتاجات<br /><br /><br />النتائج ومناقشتها<br />1. أن التشكيل الخليجي ارتكز الى قيم فكرية بوصفها قيما تكمن في كينونة المجتمع. سعى الفنان الخليجي من تفعيلها على وفق تقنياته الى خطابات جمالية وتوثيقية تمثل علامات ذات خصوصية وتفرد في التشكيل الخليجي .<br />2. بفعل المشارب الغربية للفنان الخليجي ، انتهج تقنيات غربية معاصرة لمضامين اجتماعية محلية ، مخلفا توليفة جمالية ما بين التقنية والموضوع ، حتى الأعمال ذات النهج التجريدي والأشد حداثة فإنها لا تبتعد عن تجسيدها للواقعية الخليجية .<br />3. توصل الفنان الخليجي الى تقنيات معاصرة على وفق (الثيمات ) الواقعية و(الموتيفات ) الشكلية والأساطير لتتحدد منها تقنيته الذاتية وتفرده في الإنجاز والتنفيذ، بل ان توصله الى هكذا تقنيات وان كانت مرجعيتها رؤيته المتحررة وموهبته المتقدة، إلا إنها لا تخلو من مرجعيتها في الموروث الشعبي بكل تنوعاته المتولدة في المجتمع الخليجي.<br />4. أستعرض الفنان الخليجي صور الواقع المحلي مقتفياً سلوكيات المجتمع الخليجي والعربي المسلم إذ عالج موضوعاته وما تحمل من معان اجتماعية وطقوس فلوكلورية محلية يزاولها أهالي المحلة (الفريج) بكل مستوياته الاقتصادية وإن اختلفت بعض الشيء.<br /><br /><br /><br /><br /><br />الاستنتاجات<br /><br /> وخلاصة ما تم التوصل إليه واستنتاجه من الإطار النظري والتحليل لعينات البحث فأن الموروث الشعبي لدول مجلس التعاون الخليجي يشمل المجتمع برمته من خلال التعايش الآمن معه لانه نابع من كينونة الأرض والرمال والبحر والصيد والممارسات الشعبية الأخرى كالرقص والموسيقى، بل أن المجتمع لم يزل يحفز من التعامل والتقرب من الموروث الشعبي .<br /> ولإدراك الفنان التشكيلي الخليجي بقيمة الموروث الشعبي كانت مراقبته له وتصديه كبيرة جداً لأنه يتعامل مع قيم لم تزل خالدة في المجتمع. وأن الخطاب التشكيلي كان بحق صورة حقيقية لمفردات تراثية قد اندثر بعضها لينقلها الى المجتمع المعاصر بجمالية وتفرد تمثل نضجاً في الرؤية البصرية للموروث ونضجاً في الخطاب التشكيلي في دول مجلس التعاون الخليجي العربي.<br /><br /><br /><br /><br /><br /><br />المصادر<br /><br />المصادر حسب ورودها في متن البحث<br />1- عاصم فرمان صيوان البديري. المتحول في الفن العراقي الحديث. أطروحة دكتوراه غير منشورة. جامعة بغداد. كلية الفنون الجميلة 1999.<br />2- فوزي العنتيل . الفولكلور ماهو . دار المعارف . القاهرة 1965 .<br />3- لطفي الخوري . في علم التراث . الموسوعة الصغيرة . وزارة الثقافة والإعلام . بغداد 1979 .<br />4- عبد المجيد لطفي . التراث الشعبي هل هو شيء منعزل ؟ . مجلة التراث الشعبي . العددان 11 ، 12 . وزارة الثقافة والإعلام . دائرة الشؤون الثقافية العامة بغداد 1984 ة.<br />11/12 . وزارة الثقافة والإعلام . دائرة الشؤون الثقافية العامة 1984 .<br />5- د. نبيلة إبراهيم . الدراسات الشعبية بين النظرية والتطبيق . دار المريخ للنشر . الرياض . 1985 .<br />6- صفاء الدين حسين جمعة التميمي . توظيف الأسطورة والحكاية الشعبية في المسرح العراقي المعاصر . رسالة ماجستير غير منشورة . كلية الفنون الجميلة . جامعة بغداد 1989 .<br />7- صفوت كمال . مدخل لدراسة الفولكلور الكويتي . شركة ذات السلاسل للطباعة والنشر ط3 . الكويت 1986 . <br />8- شوكت الربيعي. الفن التشكيلي المعاصر في الوطن العربي 1885 –1985.دار الشؤون الثقافية العامة. بغداد 1986ز<br />9- سمير ظريف. الفن التشكيلي السعودي خلال عقد من الزمن. مجلة الفيصل العدد100 /السنة 9 / تموز (يوليو)/1985.<br />.10- طارق عبد الوهاب مظلوم. النحت في عصر فجر السلالات حتى العصر البابلي الحديث. حضارة العراق ج4. نخبة من الباحثين. دار الحرية للطباعة. بغداد 1985.<br />11- ناثان نوبلر. حوار الرؤية. مدخل الى تذوق الفن والتجربة الجمالية. ترجمة فخري خليل. دار المأمون للترجمة والنشر ط1 بغداد 1987.<br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br />عينة 1<br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /> عينة 2 عينة 3<br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br />عينة 4<br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br />عينة 5<br /><br />عينة 6<br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /> عينة 7<br /><br /><br /><br />نشر في مجلة الخليج العربي 2005أزهر داخل محسنhttp://www.blogger.com/profile/03098343134480779083noreply@blogger.com0tag:blogger.com,1999:blog-6609888417791380236.post-70383736138997650572010-06-02T11:46:00.000-07:002010-06-02T11:54:58.800-07:00المشهد الحسيني وانعكاسه في الرسم العراقي المعاصرملخص البحث<br /><br /> أخذت واقعة كربلاء أهميتها بوصفها من الوقائع المؤثرة في تاريخ العرب قبل الإسلام وبعده ، فاستأثرت باهتمام المؤرخين والأدباء والفنانين ، فالأدباء صوروها شعراً ورواية كما صورها المسرحيون والتشكيليون في إنجازاتهم الفنية . إلا أن واقعة كربلاء سَمَت على الوقائع كلها لما أفرزته من نكوص أخلاقي في الجانب الآخر المتمثل بالجيش الأموي وقد استباح حرمة سيد الخلق الرسول محمد (ص) .<br /> كما تمثل واقعة كربلاء إحدى التحولات التي شهدها المسلمون في الوقفة المقدسة للإمام الحسين ابن علي ابن أبي طالب (عليهما السلام ) ، وقد عُدت درساً بليغاً للداعين إلى الحق وإلى القيم الإنسانية الرفيعة .<br /> ضمن هذا التوجه أشتغل الفنان التشكيلي العراقي المعاصر في نسج أعماله الفنية عارفاً غزارة مادته . حصيلتها لوحات لها وقع في ذهنية المتلقي لما تبث من قيم فكرية جمالية وإبداعية .<br /> وتأسيساً على ذلك أشتغل الباحث على آلية فيض المشهد الحسيني في الرسم العراقي المعاصر ضمن بحث من أربعة فصول وهي :<br /> الفصل الأول ( الإطار العام للبحث ) عرض الباحث مشكلة البحث والحاجة إليه بافتراض أن الرسم العراقي المعاصر أشتغل في استشفاف الجوانب الجمالية والإنسانية لواقعة كربلاء متتبعاً بعض التساؤلات لمناقشتها ومجملها - ماهي القيم الفكرية والجمالية والاتجاهات التقنية التي يبثها المشهد الحسيني في اللوحة العراقية المعاصرة ؟ . ومن ثم شخص الباحث أهمية البحث وأهدافه ، كما حُدد البحث زمانياً ومكانياً. أما الفصل الثاني ( الإطار النظري ) فقد قسم إلى مبحثين الأول ، نبذة تاريخية لواقعة كربلاء في حين تضمن المبحث الثاني ، القيم الفكرية والمرجعية للمشهد الحسيني في تحفيز الفن التشكيلي العراقي المعاصر .<br /> وفي الفصل الثالث تطرق الباحث إلى إجراءات البحث وهي المنهج المستخدم وأداة البحث ومجتمع البحث وعينة البحث وأسباب إختيار العينات ومن ثم تحليلها . أما الفصل الرابع ( النتائج وألإستنتاجات ) فقد خلص الباحث إلى النتائج الآتية :<br />1- معظم الأعمال صورت المشهد الحسيني بعد إنتهاء القتال بين المعسكرين . أي بعد مقتل الإمام الحسين وأصحابه عليهم السلام ، لذا فإنها افتقدت إلى تسجيل الحدث حال وقوعه فتباينت تقنيات الفنانين في تنفيذ منجزاتهم مابين التعبيرية والتجريد والرمزية دون الاقتراب من الواقعية أو التسجيلية .<br />2- إن قناعة الفنان التشكيلي المعاصر في العراق بإنسانية الموقف الحسيني وأخلاقياته تبثها الإنجازات التشكيلية بعيداً عن الطائفية أو المذهبية ، مما أدى تنفيذ بعض تلك الإنجازات من قبل فنانين من مذاهب أخرى ، لتكتسب قيمتها وصدقيتها ـ أن الموقف الحسيني إنساني صرف . <br />3- وفضلاً عن تسجيل الموقف الإنساني من قبل الفنان لمجزرة لم يشهد التاريخ بشاعتها بوصفها أدت إلى نتائج مروعة حالت دون استقامة العدل في المجتمعات اللاحقة وتفشي التدني الأخلاقي حتى آلت إلى مجازر إنسانية كبرى تفوق مجزرة كربلاء من حيث عدد القتلى .<br />بينما استنتج الباحث ما يأتي : <br />1 _ تسامي الموقف الحسيني لدى مناوئيه بصورة تفوق الموالين له ، وقد جسده الفنان تشكيلياً .<br />2 _ تماس المنجز التشكيلي المعاصر مع الموروث الإسلامي بعيداً عن التسجيل أو التدوين.<br />3 _ حيادية الفنان وشفافيته غلبت على الأعمال المنجزة لاسيما عينة البحث .<br />4 _ لم يكن النتاج التشكيلي العراقي المعاصر غزيراً في توظيف المشهد الحسيني بواقعية تسجيلية بسبب الضغط السياسي ، مما أدى الفنان لأن ينحو حيال التأويل والتجريد.<br /> <br />الفصل الأول: الإطار العام للبحث<br /><br />مشكلة البحث والحاجة إليه<br /> إن الأسس التي ارتكز عليها الفن وتعد من مقوماته تولدت من العلاقة مابين المحيط بكل تنوعاته الاجتماعية والسياسية والاقتصادية وبين الفنان أو المتلقي من خلال الإنجاز الفني وما يؤول إليه من تفسيرات وتحليلات يطرحها ويستنتجها المتلقي . والفن بشموليته يستمد فاعليته الإبداعية من هذه العلاقة . <br /> ومثلما يعد الفن من اصدق عناصر التوثيق في تسجيله اللحظة بمنظورها الواقعي أو الفلسفي أو الطقوسي ، فإن الفن العراقي لايحيد عن هذه المعادلة ، إذ سجل الممارسات الحياتية والتحولات الطارئة على الإنسان منذ عصور ماقبل التاريخ أو التدوين في الألف الثالث قبل الميلاد وأصدق في توثيقها لاسيما إن الفن والدين كممارسة حياتية وطقوسية هما الناقلان الأساسيان لسلوكيات المجتمعات القديمة إلى المجتمعات المعاصرة " لأن الفن والدين متعالقان مع بعضهما وتتحدد مرجعيتهما من أعماق التاريخ "( 2 ) .<br /> وفي ضوء ذلك استطاع الباحثون دراسة المجتمعات على وفق ما جسدته الأعمال النحتية والفخارية والجدارية والعديد من المخطوطات المتوارثة . والفنان بدوره سعى إلى استنهاض روحية تلك السلوكيات المتناقلة محاولاً عصرنتها فيما تبث من قيم جمالية وفكرية ، أُنتجت منها الأعمال الدرامية والمسرحية والحركات الراقصة التي تشتغل بآلية معاصرة مقتفيةً روحية الأنظمة والأنساق القديمة .<br /> والفن التشكيلي بوصفه فناً بصرياً أشتغل بهذه الآلية بتوظيف الفنان معظم التحولات ولعل من أهم التحولات ، الوقفة الرمز لسيد الشهداء (الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب ) عليهما السلام مع نفر قليل من خيرة أبناء الإنسانية قبالة الطغيان الأموي عام 61 هجرية 680 ميلادية .<br /> ومثلما كان الفنان التشكيلي العراقي شديد الحساسية في تصديه للمواقف الإنسانية عبر إنجازه الفني ، بقيت واقعة كربلاء حاضرة في ذهنيته بقيمها المتباينة في إنسانيتها مابين الخير والشر ، جسدها الفنان بعمق لا لتسجيل الواقعة حسب إنما يرى فيها تلك الدروس المعبرة التي رافقت الإنسان منذ وقوعها ولما تزل .<br /> من هنا ارتأى الباحث طرح مشكلته على وفق النتاج الفني المنجز بفرض أن الفن التشكيلي العراقي المعاصر وبخاصة فن الرسم أشتغل في استشفاف الجوانب الجمالية والإنسانية لواقعة كربلاء بأساليب متعددة ومتباينة مهدت الباحث من التصدي لهذه المشكلة في ضوء تساؤلاته الآتية .<br />1- ماهي القيم الفكرية التي خلفها المشهد الحسيني في التشكيل العراقي ؟<br />2- ماهي القيم الجمالية والاتجاهات التقنية التي يبثها المشهد الحسيني في الرسم العراقي<br /> المعاصر ؟<br />أهمية البحث<br /> تتحدد أهمية البحث في رفد الدراسات الأكاديمية والجمالية بموضوعة قراءة الفنان التشكيلي للمشهد الحسيني جمالياً فضلاً عن تعريف المتلقي بالقيم الجمالية والتقنية للرسم العراقي المعاصر في تصديه المشهد الحسيني.<br />أهداف البحث<br /> يرمي الباحث إلى الكشف عن المشهد الحسيني وانعكاسه في الرسم العراقي المعاصر .<br />حدود البحث<br /> يتحدد البحث بالفترة الزمنية لواقعة كربلاء في شهر محرم عام 61 هجرية . كما تشتمل حدود البحث الفترة مابين 1950 ميلادية حتى عام 2000 ميلادية بالنسبة للرسم العراقي المعاصر .<br /> ويتحدد بعدد من الفنانين العراقيين الذين وظفوا المشهد الحسيني في منجزاتهم التشكيلية<br /> <br /> <br /><br />الفصل الثاني: الإطار النظري<br /><br />المبحث الأول : واقعة كربلاء ، تأريخياً<br /> بدأت تباشير واقعة كربلاء بعد مقتل الإمام اعلي بن أ بي طالب ( ع ) في 21 رمضان سنة <br />40 هـ واشتداد النزاع بين الإمام الحسن بن علي ( ع ) ومعاوية بن ابي سفيان لتؤول المعادلة إلى اختلال نسيج المجتمع بفعل التناقضات التي أفرزتها المرحلة السابقة وتمخضت عن ثلاثة حروب ضد خليفة المسلمين الإمام علي ( ع ) وهي معارك ( الجمل وصفين والنهروان ) ( 3 ) فتنامى معسكر معاوية وتزايد بفعل الهبات والعطايا وعملية شراء الذمم التي مارسها .<br /> انتهت النزاعات إلى صلح شكلي ومشروط بين الإمام الحسن ومعاوية، لم يلتزم معاوية بأي بند من بنود الاتفاق فيقول " ألا وقد منيت الحسن أشياء، وأعطيته أشياء، وجميعها تحت قدمي، لا أفي بشيء منها له " ( 4 ). فدبر معاوية المكائد لقتل الإمام الحسن ( ع )، حتى استشهد مسموماً في 50 هـ لينصب معاوية ابنه يزيد خليفة على المسلمين من بعده مما أثار حفيظة المؤمنين ، وبعد موت معاوية في رجب سنة 60 هـ واستئثار يزيد بالسلطة قرر الإمام الحسين ( ع ) مجابهة تسلط يزيد لمعرفته مآل الموقف السياسي المتردي عند تولي المارق يزيد شؤون الأمة لأنه لا يدرك عمق الخلافة الإسلامية وأخلاقياتها الدينية والدنيوية فضلا عن سلوكه الشائن طيلة حياته . لذا تحتم على سليل الرسالة السماوية الإمام الحسين ( ع ) التصدي ومحاربة النفاق وإعلانه الرفض لسلطة يزيد ، وقد تحددت مواقف الإمام علناً في رسالة وجهها إلى أخيه محمد بن الحنفية تكشف عن تردي الأوضاع السياسية والفكرية وعليه تحمل مسؤولياته تجاه معتقداته وأمته " لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماًُ ، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي وأبي علي بن أبي طالب فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق وهو أحكم الحاكمين"( 5 ) . <br /> تحرك الإمام الحسين ( ع ) لاستقطاب المؤمنين لنصرته والعارفين بحقه ، حينها اشتعلت روح الثورة في العراق مركز الولاء لأهل البيت فاجتمع زعماء المعارضة إلى الإمام وقد طالبهم بإجماع الكلمة ووحدة الصف والوفاء بالعهد ، وقد اتضح الموقف وتحددت معالم الحركة الحسينية لاسيما بعد استغاثة أهل الكوفة عند قراءة مسلم بن عقيل سفير الحسين إلى العراق رسالة الإمام الحسين ( ع ) إليهم ومنها تحددت وجهة الإمام فحدد منطلق الثورة واختار المكان والظرف المناسب وكان العراق وتحديداً <br />( كربلاء ) المكان الممهد لذلك .<br /> وفي العاشر من محرم سنة 61 هـ قدَم الإمام الحسين بن أبي طالب ( ع ) خيرة أصحابه وأهل بيته من الرجال المؤمنين بعدالة قضيتهم المرتبطة بمبايء السماء ، قدمهم قرابين واحداً تلو الآخر حتى أضحوا مشاعل تنير الدرب لسالكي الطريق الحق ، وبعد انتهاء المعركة بمقتل سيد شباب أهل الجنة " الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة " ( 6 ) إبن بنت الرسول محمد ( ص ) قطعت رؤوس الشهداء ، فتقاسم القتلة حملها إلى مقر الفساد في الشام حيث يقبع يزيد وندمانه معهم السبايا والأطفال ، تاركين جثث الشهداء على الرمال تحت الشمس المحرقة بعد أن سُلبت كل ممتلكاتهم فسُلب خاتم الإمام الحسين بعد قطع إصبعه .<br /> " كأن يداً من وراء الضريـ ـح حمراءَ ( مبتورة الإصبع ) " ( 7 ) <br /> تمخضت المعركة عن جريمة كبرى تناثرت فيها أجساد ما يقارب سبعة وسبعون من آل بيت النبي ( ص ) وخيرة أصحابه فبقيت النساء والأطفال تلوذ في الصحراء هاربة من المجرمين وهم يهومون بسلبهن من كل ما عليهن وضربهن وقد أحرقوا خيامهن التي تؤويهن حتى سار الجيش بالضعائن إلى الكوفة ومن ثم إلى الشام ولقاء رأس الشر يزيد بن معاوية ومن ثم أعادوهن إلى كربلاء المقدسة ومنها إلى مدينة الرسول ( ص ) ليقيموا العزاء في بيوت خلت من الرجال ، البيوت التي نزل فيها القرآن ومنها اهتدت البشرية بهدي السماء ( 8 ) . <br /><br />المبحث الثاني : القيم الفكرية والمرجعية للمشهد الحسيني في تحفيز الفن التشكيلي <br />لا ريب أن الصراع الأبدي بين النقيضين ( الخير والشر ) تواجد حيث تواجدت الحياة ، ولعل من أقدم الصراعات الإنسانية على سطح الأرض تمثلت بقتل قابيل لأخيه هابيل ، قال تعالى " وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ { } لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لَأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ " كتعبير عن نوازع الشر في الاستحواذ ومحاولة إقصاء وتحجيم قيم الإنسانية الخيرة ، وأستمر الصراع ولن ينتهي حتى قيام الساعة وتولي الشخص المصلح زمام الأمور في هذه الأرض وتنظيفها من أدران السوء ، لاسيما أن الإيمان بالمصلح يمثل عقيدة معظم المذاهب والاتجاهات الدينية والعقائدية وإن اختلفت الطروحات حول ظهوره أو ولادته وإنه سيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلئت ظلماً وجوراً ، وإنه هو الإمام الوارث الذي تتحقق فيه وراثة الصالحين قال تعالى " وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ " <br /> إن الإنسانية ارتقت مع ولادة الأنبياء والرسل بوصفهم المخلَصين والمخلِِصين لله خلقاً وعبادة يتبعهم الأوصياء والصالحين ، ويمثل خاتم الأنبياء محمد ابن عبد الله (ص) خيرة الأنبياء والرسل وآله خير البشر إذ اصطفاهم الله سبحانه وتعالى وفضلهم على خلقه وطهرهم من الرجس " إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرا " وكما تعرض أنبياء الله سبحانه للضغط والتعذيب والقتل ، كذلك تعرض الصالحين إلى العذاب فنالهم القتل والإقصاء والتهميش والتحريف على ألسنتهم وأقوالهم . فجهز الشر أقلامه الرخيصة الموبوءة في التصدي لمناقبهم ، وتعد واقعة كربلاء من الوقائع الأشد تعرضاً لأقلام المغرضين والنواصب والمغرَرين بغية النيل من قيمها المتسامية أوأدلجتها على وفق مناهضة مساراتهاالحقة ، هذه المسارات التي بقيت مشعلاً يهتدي به المصلحون والداعون للحرية مع إن بعضهم لايدين بالإسلام ومنهم المناضل الهندوسي غاندي " تعلمت من الحسين كيف أكون مظلوماً فأنتصر " <br /> أخذت واقعة كربلاء أهميتها الأخلاقية من استباحة حرمة رسول الله (ص) في أهل بيته الذي تنبأ بما سيحدث فأخبر أهل بيته وأصحابه بما سيؤول إليه أمر الدولة الإسلامية بعد محاولة تهميش أهل بيته وإقصائهم فكان الحزن يعتصر قلبه وهو يرى ابن بنته الطاهرة فاطمة الزهراء عليها السلام ، فيقبله في نحره بينما يقبل أخيه الأكبر الحسن عليه السلام في فمه ( 9 ) . كما كانت أحاديثه في أمر واقعة كربلاء كثيرة معظمها يشير إلى أن الإمام الحسين ينزل في مدينة كربلاء مع أهل بيته وخُلَص أصحابه بعدد لايتجاوز الثمانون في قبالة جيش يزيد بن أبي سفيان الحاكم الأموي بقيادة عمر بن سعد بن أبي وقاص بتعداد يفوق الثمانون ألف مقاتل ( 10 ) .<br /> إن إستذكارات الرسول ( ص ) لواقعة كربلاء تعد إستشرافاً لما ستؤول إليه الدولة الإسلامية بعد وفاته ، فكثرت أحاديثه في ضرورة إتباع أهل بيته لأنهم الضمان والأمان ، وإن عاقبة مخالفتهم تؤدي إلى وقوع الدولة في التناحرات القبلية إلى جانب وقوعها في مدارك التدخلات الخارجية . كما إن إستشراف الرسول ( ص ) في نهضة الشخص المصلح حُصرت في أهل بيته وفي نسله الطاهر . قال رسول الله ( ص ) " لن تنقضي الأيام والليالي حتى يبعث الله رجلاً من أهل بيتي يواطيء اسمه اسمي يملأها عدلاً وقسطاً كما مُلئت جوراً وظلماً " ( 11 ) .<br /> لقد أهلت الأطماع والنفوس المريضة إلى محاربة آل البيت وتشريدهم وقتلهم على فرض التعصب القبلي ـ أن البيت الهاشمي لايمكن أن يستأثر بالنبوة والخلافة ـ ورغم علمهم بصدق النبي ( ص ) عمدوا إلى محاربة أهل بيته وقتلهم بالسيف أو بالسم .<br /> هذه القيم التي دعا إليها الرسول وأهل بيته لم تكن بدعة من عندياتهم ، إنما هي أوامر سماوية تتبناها الإنسانية لرفعتها وبها تحفظ حرمة الدم البشري من الهدر ، فأصبحت معركة كربلاء ( عاشوراء ) إيذاناً إنسانياً وأخلاقيا في رفض كل مظاهر العبودية والرق في كل العصور التي أعقبتها ، وقد استل الفن التشكيلي العراقي المعاصر تلك القيم وعدها له مرجعاً فكرياً لتلاقيه معها في الهدف والغاية ، وبقي الفنان يستنبط قيمه الشفافة والجمالية من تداعيات المعركة ومواقف المتحاربين بالضغط على ما ينافي سمو الأخلاق والمبادئ واستذكارها . <br /> إن الفنان التشكيلي العراقي المعاصر يرى في واقعة كربلاء مساحة واسعة تمد بظلالها على معظم الأحداث التي شهدتها الإنسانية بعد الواقعة لاسيما أحداث الساحة العربية وإرهاصات التردي في بنية المجتمع ، فسعى إلى تشخيص هذا التردي بوسائل عدة اقتضتها المرحلة ، فالحروب والاحتلال والتقسيم كلها علامات فارقة في جسد المجتمع العربي جسدها التشكيليون بتقنيات متباينة واتجاهات تشكيلية مختلفة وبوسائل اعتمدت المادة والخامة عبر النحت والخزف والرسم ، فيرى أن الشهادة بمجملها ترتكز إلى شهادة الإمام الحسين ( ع ) لأنها موقف إنساني وأخلاقي جاد فيه الشهيد بما يملك ، فالشهادة في العقلية المسلمة تتسامى كما تتسامى في العقائد الأخرى . من هنا امتدت خطوات الفنان التشكيلي لتأخذ من مفهوم الشهادة خطاباً جمالياً أغنى التشكيل العراقي المعاصر ليعزز الخطاب الفكري.<br /> وتأسيساً على هذا المفهوم ظهرت إنجازات فنية لمعظم الفنانين العراقيين منذ الرواد حتى الفنانين الشباب . فقد حاكى الراحل جواد سليم الشهادة وبحثها عن الحرية في رائعته ( نصب الحرية ) كما تلمس الفنان فائق حسن مفهوم الشهادة في ( بقايا مناضل ) كذلك صور محمود صبري الشهادة في لوحته ( نعش الشهيد ) وهاشم حنون في ( شهادة مناضل ) وجسد الخزاف سعد شاكر قيمة الشهادة في قطعته الخزفية ( الفدائي ) وإسماعيل فتاح الترك وخالد الرحال في إنجازاتهما النحتية ، ومنه فإن الحركة التشكيلية العراقية المعاصرة قد زخرت بالإنجازات التي تستلهم الشهادة والتضحية بالنفس التي استمدت معانيها من المشهد الحسيني وقيمه ( 12 ) .<br /><br />الفصل الثالث : إجراءات البحث<br />_ المنهج المستخدم : تبنى الباحث المنهج التاريخي والمنهج الوصفي .<br />_ أداة البحث : الملاحظة وهي الأداة التي استخدمها الباحث .<br />_ مجتمع البحث : منجزات الرسم التي وظفت المشهد الحسيني ( واقعة كربلاء ) .<br />_ عينة البحث : اقتصرت على ( 3 ) ثلاث لوحات رسمت بالألوان الزيتية لـ ( 3 ) ثلاث فنانين هم الراحل كاظم حيدر ورافع الناصري وماهود احمد .<br /><br />أسباب اختيار العينات : اختار الباحث عيناته قصدياً على وفق ما يأتي <br /> 1 ـ إن الأعمال المنتقاة تعود إلى نخبة من الفنانين التشكيليين العراقيين المعاصرين .<br /> 2 ـ تباينت الأعمال في الإتجاه الفني والتقنية .<br /> 3 ـ تمثل الأعمال خلاصة التجارب الفنية التي تطرقت للمشهد الحسيني في المرحلة الماضية .<br /><br />تحليل العينات<br /> <br /> عينة (1) رافع الناصري<br /> منجز بالألوان الزيتية نفذه الفنان رافع الناصري متتبعاً أساليب التضحية في تعزيز قيم الإنسانية والفوز بما تؤول إليه من رقي روحي وهاجس استشرافي في تأطير تلك القيم بالشهادة بوصفها أسمى المراتب التي تزيد من تهذيب النفس وتطويعها في مقارعة الظلم والطغيان والجود بالنفس بما لاتصل إليه أية تضحية أُخرى " … والجود بالنفس أقصى غاية الجود " ( 13 ) لاسيما أن الشهادة وإن كرمتها الكتب السماوية والأديان الموحدة برمتها إلا أن النظريات الوضعية مجدتها ولما تزل رغم وثنيتها أو وجوديتها . <br /> يتأسس المنجز من قيم جمالية توخاها الفنان عبر تقنية مزدوجة كالتجريد والاختزال في اللون لاسيما في النصف الأعلى من اللوحة ، فضلاً عن تبنيه المباشرة في الطرح بإضافة كتلة المخطوطة العربية بوصفها جملة متعارفة في الوسط الاجتماعي ، بل إن هذه العبارة ( يا أبا عبد الله يا مظلوم ) تكاد لاتغيب عن بيت من بيوت الطائفة التي تسير على مذهب أهل البيت عليهم السلام بل يتعدى وجودها إلى بيوتات المذاهب الأخرى في العراق ، وفوق كل ذلك سعى الفنان إلى المزاوجة مابين التجريد كتقنية بهدف توفره العبارة للمنجز تعزيزاً للمنظور الجمالي من جهة وتقريباً ومشاركة وجدانيةً لما تمثل هذه الرقعة من احترام وتقديس لدى المجتمع العراقي المسلم التي افترضها حمراء بفعل اصطباغها بالدم وبصورة عامة فإن المنجز برمته يمثل جسداً مسجى على الرمال مما يقسم المنجز إلى قسمين أعلى واسفل يتناغمان في التكوين بتوازن بنائي مستقر ( نصف الدائرة – الشمس - المستطيل ـ الرقعة الخطية ) إلا أنهما يتباينان في الرؤية الفكرية بطرح افترضه الفنان مابين الأرض ( الفعل المادي ) والسماء ( الشمس أو الفعل الروحي ) وما يتصل بينهما الفعل المتسامي والعروج إلى السماء روحاً صافية ، كما يتصور الباحث في رؤيته المساحة الزرقاء وهي تستقر على شريط أسود أكثر من دلالة منها بؤس معسكر عمر بن سعد عند حجبه الماء عن معسكر الإمام رغم وفرته في منطقة القتال كنوع من الإزدراء الذي يؤطر معسكر سعد ، هذا من جانب أما الآخر فقد يرى الباحث إشارة تقوسات المنطقة إلى الخيام التي أفرغها الأعداء من الرجال المؤمنين فأشار لها بالسواد الذي يؤطر المساحة الحمراء <br /> تشير الرقعة بدلالة موقعها أسفل المنجز تحيطها المساحة الحمراء إلى حالة التقديس في مشابهتها المرقد الشريف المكان الذي دفن فيه الإمام الحسين ( ع ) . <br /><br />عينة (2) ماهود احمد<br /> منجز بالألوان الزيتية نفذه الفنان عام 1972 تحت عنوان (الشمر أو الدجال ) وبتوصيف بسيط لآلية الإنجاز أعتمد الفنان المركزية في إخراج منجزه إذ سعى إلى وضع شخصية الشمر في المركز حاملاً بيده رمحاً علقت عليه رقعتان مثلثتان رسم على أحدهما جمجمة والأخرى سيفاً ، وقد لون شخصية الشمر بالأحمر لما للون الأحمر من دلالات إذ افترض فيه البؤس اللاأخلاقي والعنف اللاإنساني مؤشراً حقيقة الشخصية ، عارفاً بهاجس المتلقي حيال الشخصية . في حين أحال الخلفية BACKGROUND إلى حالة من الظلامية وصفاً للقهر والاضطهاد التي تعرض له أهل بيت النبي (ص) بعد قتل رجالهم خيرة الخلق في ذلك الزمان إذ أن الفنان سجل لحظة ما بعد قتل الإمام الحسين عليه السلام وأصحابه . فأعتمد اللون المعتم والأصفر الغامق تعبيراً مباشراً لتلك الحالة .<br />الفنان وكعهده في رسم وجوه الشخصيات النسائية يتتبع الوجوه السومرية المدورة والمتعبة استذكاراً شعورياً أو لاشعورياً للوجوه التي تآلف معها في مدينته (ميسان ) وما تعانيه من قسوة الحياة وشظف العيش .<br /> هذه الواقعية في رسم الوجوه سعى الفنان إلى تجاوزها عند رسمه وجه الشمر فصوره بأبشع صورة لدرايته بنفور المتلقي من هذه الشخصية لما تصطبغ من بشاعة تاريخية .<br /> يرتكز المنجز برمته إلى مزاوجة القيمة التاريخية للمشهد الحسيني بكل تناقضاته مابين العنف وتردي الأخلاق الذي يبدو بارزاً في معظم المجتمعات مع هزالته أمام الذات الشخصية للإنسان وبين سمو الأخلاق مع انحسارها في تلك المجتمعات واختصاره على ثلة مؤمنة بقدرها قوية بعزيمتها في التصدي . لذا أطر الفنان توجهاته لمدينته البائسة بأحزان المشهد الحسيني . فهي بالرغم منها معركة خاسرة إلا أنها أفرزت قيماً شامخة ، جسدها الفنان جمالياًَ عبر بصيص النور ( السراج الذي تحمله المرأة ) . فضلاً عن عنفوان المرأة الأخرى وهي تواجه مصيرها دون وجل ، فصورها مفتولة العضلات بحجم مبالغ فيه .<br /> المنجز بعمومه يمثل وثيقة واقعية لمشهد يتعذر تصويره واقعياً <br /><br />عينة ( 3 ) كاظم حيدر<br /> منجز زيتي نفذه الفنان ضمن سلسلة من أعماله التي عرضها عام 1969 في معرض تحت عنوان (ملحمة الشهيد ) ، وقد طرح الفنان مفهومه للشهادة من خلال المشهد الحسيني وما يفرز من مآسي تعرض لها الإمام الحسين عليه السلام وأهل بيته وأصحابه الأبرار . كما عرض الفنان التدني الأخلاقي والقيم البائسة التي تؤطر الجانب الآخر متمثلاً بمعسكر الأمويين (يزيد بن معاوية بن أبي سفيان ) وقادة جيشه عمر بن سعد بن أبي وقاص وشمر بن ذي الجو شن وغيرهم .<br /> يصور المنجز اللحظة التي أعقبت قتل الإمام الحسين عليه السلام إذ صور رأسه يقطر دماً يرفعه الشمر بيده ليكشف الفنان أبشع ممارسات جيش يزيد ، التمثيل بجثث القتلى متناسين حرمة الأموات ومتناسين أحاديث الرسول العظيم (ص) في هذا الشأن " إياكم والمثلة ولو بالكلب العقور " ( 16 ) فكيف بجسد ريحانة أشرف الخلق من الأولين والآخرين الرسول الكريم (ص) الذي يصف الإمامين الحسن والحسين عليهما السلام بصفات تقارب صفات الأنبياء وأهمها " الحسن والحسين إمامان إن قاما وأن قعدا " ( 17 ) . <br /> إن معالجة الفنان الجمالية للمشهد ارتكزت إلى أساليب شتى كالتصميمية في توزيع مفرداته على أرضية اللوحة فضلاً عن الاختزال في توزيع اللون مابين الألوان الحارة والحيادية (الأحمر والبرتقالي بتدرجاتهما والأسود )، كما عمد الفنان في تحديد شخوصه وهيكلتها على هيئة كتل نحتية معتمداً الوظيفية في هذه التقنية التي تعزز المضمون الفكري للمنجز إذ صور معسكر الإمام الحسين (ع ) في الجهة اليمنى يتقدمها شخص ضخم الجثة حاملاً السيف ( ذو الفقار ) سيف الإمام علي بن أبي طالب (ع ) لغاية مرجعية تاريخية وفكرية من خلال اتصال حق الإمام الحسين ( ع ) بحق أبيه ( ع ) وحق جده (ص ) في الكفاءة والقوة " لا فتى إلا علي ولا سيف إلا ذو الفقار " ( 18 ) فضلاً عن الوظيفية في تصوير عائلة الإمام في أبسط صورة كتقديس للعائلة من جانب فضلاً عن تصوير مرجعية الروايات الواردة أن نساء أهل بيت النبي (ص ) ليس لهن إلا الخدر والصون والعفاف إذ أن الروايات تجمع أن أحداً لم يطلع عليهن إلا بعد قتل الحسين ( ع ) .<br /> ومن جانب آخر سعى الفنان إلى خلق مناخ متوشح بالسواد والدم في توجه منه مشاركة المتلقي عبر تأطير المشهد ( بالعفوية المقصودة ) لأن المشهد يمثل أعنف الحروب وأشرسها في ذلك الوقت في محاولة لرفض الفنان للحروب مهما تكن .<br /> وفضلا عن التصميمية كتقنية نفذها الفنان فإن التقنية الأخرى التي تدعم الموضوع وظيفياً هي التعبيرية أو الوحشية عبر الحدة في اللون والخط وصراحتهما ( الأحمر والأسود ) إقتراباً من تقنية رائد المدرسة الوحشية (ماتيس ) .<br /> وعند إطلاع الباحث وتحليله إلى عدد غير قليل من أعمال المعرض المذكور ( ملحمة الشهيد ) فإن الفنان في معظم معروضاته لجأ إلى التجريد في عرض رؤيته للواقعة إلا إنه في هذا العمل سعى إلى التشخيص مع تصرفه في النسب والتشريح.<br /> وبجانب التصميمية والتعبيرية في اللون والخط أقترب الفنان من الرمز في توظيف مفرداته لاسيما شعاع الشمس الساقط بإندفاع نحو رأس الحسين ( ع ) بوصفه القيمة المثلى ، كذلك أطلق الفنان عنانه للمفهوم المتراكم في ذهنيته حول العدد المتباين بين المعسكرين والدروع التي تمنطق بها جيش الأمويين دون معسكر الحسين ( ع ) وقد لجأ إلى تقنية الحك والتخديش للدروع ليفرض المفهوم القاسي الذي أصطبغ به جيش الأمويين .<br /> ومن كل ذلك لابد من الإشارة إلى أن الفنان لم يحد عن الوظيفة بصفتها قيمة فكرية ولم يغفل الجانب الجمالي في توظيف بنية العمل الفني في الخط واللون أن لهما بعداً وظيفياً وجمالياً .<br /><br />الفصل الرابع: النتائج والاستنتاجات<br /> النتائج ومناقشتها<br /> مما تقدم من تحليل العينات خلُص الباحث إلى النتائج الآتية :<br />1 ـ معظم الأعمال صورت المشهد الحسيني بعد انتهاء القتال بين المعسكرين ، أي بعد مقتل الحسين وأصحابه عليهم السلام ، لذا تباينت تقنيات الفنانين في تنفيذ منجزاتهم ، فإنها افتقدت إلى تسجيل الحدث حال وقوعه مابين التعبيرية والتجريد والرمزية دون الإقتراب من الواقعية أو التسجيلية . فصور الفنانون إنجازاتهم من خلال دراسة الألوان والخطوط والكتل على وفق يتماشى والاتجاه التقني المناسب ، فالألوان المتضادة والترابية (الأوكرات ) فضلاً عن اللون الأحمر وللأسود كلها ألوان تؤطرالمناخ العام للمنجزات التشكيلية . <br />2 – لم تنظر النتاجات التشكيلية العراقية المعاصرة إلى المشهد الحسيني بطائفية أو مذهبية لقناعات الفنان بأخلاقية موقف الإمام الحسين بن علي ( ع ) وأصحابه ، مما أدى إلى تنفيذ بعض الإنجازات من قبل فنانين من مذاهب أخرى لتكتسب القناعة قيمتها وصدقيتها ـ أن الموقف الحسيني إنساني صرف . بل إنها تعدت المذهبية إلى أصحاب المواقف من ديانات أخرى غير موَحدة.<br />3 - إن واقعة كربلاء وما تمخض عنها من مآسي مروعة أهلت الفنان التشكيلي من تتبع النكوص الأخلاقي في بنية الإنسان المنحرف عن جادة الخُلق الرفيع ، فصاغ منها توجساته من تركيبة المجتمع الذي يعاصره ليؤولها إلى خطابات تشكيلية رافضة للتردي والانحطاط ، وإن كانت لا تُحسب ضمن هيكلية الأعمال التي قرأت المشهد الحسيني إلا أنها أعمال لا تخلو من تأطيرها بالمشهد الحسيني . فالشهادة وإن عُدت موقفاً نسبياً يقرأه ويؤوله المجتمع حسب توجهه فإن شهادة الإمام الحسين ( ع ) كموقف أثرت الشهادة بقيم المبادئ .<br />4 - رغم المأساة التي خلفها المشهد الحسيني لم تكن رؤية الفنان قاصرة بتأطير منجزه الفني بهذه الآلية فسعى إلى القراءة الجمالية للمنجز وتنفيذها بوعي جمالي لم يقرأ المشهد كتاريخ مجرد .<br /><br />الاستنتاجات<br /> على وفق النتائج التي يبثها تحليل النماذج ( العينات ) توصل الباحث إلى الاستنتاجات الآتية:<br />1 - أخذ المشهد الحسيني قيمه من موقف الإمام الحسين ( ع ) في تصديه لقوى الشر مما أدى إلى تساميه لدى مناوئيه بصورة تفوق الموالين له ، لذا كان تجسيد الفنان للمشهد الحسيني في خطاب تشكيلي جمالي .<br />2 - لقد تماس المنجز التشكيلي لاسيما الرسم مع الموروث الإسلامي في تصديه لقراءة المواقف المبدئية وتشخيصها بعيداً عن التسجيل أو التدوين بوصفها أزمة في الزمن الماضي.لإعتقاده الجازم بديمومة الموقف الحسيني إلى ما لا نهاية .<br /> 3 - إن هيكلية الأعمال المنجزة ( عينة البحث ) أحتوت المشهد الحسيني لتؤطره بأخلاقيات الفنان الذي يستتبع القيم بحيادية وشفافية .<br /> لم يكن النتاج التشكيلي العراقي المعاصر غزيراً في توظيف المشهد الحسيني بواقعية تسجيلية بسبب الضغط السياسي ، والخوف من تداعيات معركة كربلاء ( موقف الإمام الحسين وأصحابه ) وما تمليه من أثر في شخصية الإنسان ، مما أدى الفنان لأن ينحو حيال التأويل في التقنية الإنجاز والنزوع نحو التجريد والاختزال أو تأطير المنجز بمفهوم الشهادة التي تستبطن شهادة الحسين ( ع ) . <br /><br /><br /> التوصيات<br /> يوصي الباحث بما يأتي :<br />1 - أرشفة الإنجازات التشكيلية والجمالية التي قرأت المشهد الحسيني.<br />2 - جمع الأعمال التي عكست المشهد الحسيني ووضعها في قاعة مخصصة أو في متحف خاص .<br /><br /><br /> المصادر<br /> ـ القرآن الكريم.<br /> 2 ـ هربرت ريد . معنى الفن . ترجمة سامي خشبة . ط2 . دار الشؤون الثقافية العامة . بغداد 1986 . ص92 .<br /> 3 ـ عبد الفتاح المقصود . علي بن أبي طالب ( ع ) . ط1 . طبع بدار الكتاب العربي بمصر . السنة بلا .<br /> 4 ـ الشيخ المفيد.الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد.ج2 .تحقيق مؤسسة آل البيت . دار المفيد للطباعة . السنة بلا .ص14 .<br />5 ـ ابن شهر آشوب . مناقب آل أبي طالب . ج3 مجلد 3 . تحقيق لجنة من أساتذة النجف الأشرف . مطبعة الحيدري 1956 .ص 241 .<br />6 ـ الشيخ العلامة زين المهديين محمد بن الفتال النيشابوري . روضة الواعظين , ج 2 تحقيق غلا محسين المجيدي ، مجتبى الفرجي . مطبعة تكارش . إيران 1423 هـ 2003 م . ص 308 .<br />7 ـ محمد مهدي الجواهري . ديوان شعر. مجلد 2. دار العودة . بيروت . ط3 . 1982 . ص267 .<br />8 ـ الشيخ العلامة عز الدين بن أبي الحسن علي بن أبي الكرم محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني المعروف بان الأثير . الكامل في التاريخ . مجلد /4 . دار صادر للطباعة والنشر . دار بيروت للطباعة والنشر . بيروت . 1385 هـ - 1965 م . ص 80 – 89 . <br />9 ـ د. محمد بيومي مهران. منتخب فضائل النبي وأهل بيته من الصحاح الستة وغيرها من الكتب المعتبرة عند أهل السنة ط2. الغدير للطباعة والنشر والتوزيع . لبنان 1423 هـ 2002 م. ص 287 ، 190 ، 322 .<br />10 ـ أبو مخنف . مقتل أبي مخنف في مقتل الإمام أبي عبدالله الحسين . النجف . السنة بلا. ص 51 ، 582 .<br />11ـ الشيخ العلامة زين المهديين محمد بن الفتال النيشابوري . المصدر السابق ج 2 . ص 559 .<br />12 ـ رائد فرحان إسماعيل . صورة الشهيد في الرسم العراقي المعاصر . رسالة ماجستير غير منشورة . جامعة بغداد . كلية الفنون الجميلة . 1991 . ص 26 .<br />13 ـ د . جميل سلطان. مسلم بن الوليد صريع الغواني . ط2 . دار الأنوار للطباعة . بيروت 1967 . ص 119 <br />14 ـ سلام الشيخ. جدلية العلاقة بين الفن العراقي والموروث الشعبي . جريدة طريق الشعب. العدد 41 . 2-2 . السنة 69 .9 ، 10 . آيار 2004 . ص 6 <br />15 ـ أبو مخنف . المصدر السابق . ص 63 .<br />16 ـ علي بن أبي طالب . نهج البلاغة . ج 3 ص 78 . شرح الإمامة محمد عبده . منشورات مكتبة النهضة . بغداد . السنة بلا. ص 558 .<br />17 ـ الشيخ العلامة زين المهديين محمد بن الفتال النيشابوري . المصدر السابق.ج 2. ص 358 .<br />18 ـ السيد محمد إبراهيم الموحد . الإمام علي في الأحاديث النبوية . ط3 . مطبعة باقري إيران . 1422 هـ 2002 م . ص47 <br /><br /><br />2006أزهر داخل محسنhttp://www.blogger.com/profile/03098343134480779083noreply@blogger.com1tag:blogger.com,1999:blog-6609888417791380236.post-13615545153122824062010-06-02T11:42:00.000-07:002010-06-02T11:45:24.741-07:00الملصق الجداري وإمكانية تفعيله اجتماعياً ( البصرة أنموذجاً )ملخص البحث<br /> <br /> تعد دراسة ( الملصق الجداري وإمكانية تفعيله اجتماعياً – البصرة إنموذجاً ) دراسة تحليلية لمجمل الملصقات الجدارية التي نفذها ثمانية من فناني البصرة بواقع (12 ) ملصقاً فائزاً من أصل (25 ) ملصقاً ضمن مسابقة نظمتها (جماعة نلتقي للثقافة والفنون ) في 20/7/ 2004 في المحافظة ، ومن ثم عُرضت الملصقات الفائزة في معرض البوستر في بغداد بتاريخ 25/أيلول /2004على قاعة أفكار.<br /> وتتلخص الدراسة في كيفية تفعيل الملصق الجداري مع المجتمع فضلاً عن كيفية تهذيبه للمجتمع وإنعكاساته على مجمل الأمور التي تحيط به ( الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والصحية والإرشادية وغيرها ) . لذا سعت الدراسة إلى تحديد مشكلة البحث والحاجة إليه بوصفها موضوعة لم يتم التطرق لها مع إنها موضوعة متجددة ، كما إن الملصق الجداري يتطور وفقاً لتطور الزمن وتطور المجتمع بكل جوانبه ، ولأنه عمل فني تشكيلي جمالي فهو خاضع لتقنيات واتجاهات مختلفة يفرزها الفنان ، وعلى وفق ذلك يطرح الباحث تساؤلاته في تحديد مشكلة البحث وهي .<br /> 1- ماهي ضوابط الملصق الجداري ؟ وماهي مرجعياته التي استقرأها الفنان ؟<br />2- ماهي الأسس الاجتماعية في التفاعل معه ؟<br />3- ماهي آلية تفعيله في المجتمع والارتقاء به ؟ <br /> وقد تجلت أهمية البحث في إمكانية تفعيل الملصق الجداري إجتماعياً وقابليته في تثقيف المجتمع ، بينما تحدد هدف البحث من الدراسة ذاتها ، كما حدد الباحث حدود بحثه بالمسابقة التي نظمتها جماعة نلتقي للثقافة والفنون في 20/ تموز/2004 وعددها (12) ملصقاً جدارياً ( الباحث هو أحد المشاركين بثلاثة ملصقات فاز منها اثنان ) . وقد حدد الباحث مصطلح الملصق لغة وإصطلاحاً ثم نحت له تعريفاً إجرائياً يتماشى مع الدراسة ، كل هذه الآلية وضعت ضمن الفصل الأول (الإطار العام للبحث ) . أما الفصل الثاني (الإطار النظري ) فقد تضمن مبحثين الأول –مفهوم الملصق وسماته الجمالية ، في حين تطرق في المبحث الثاني للملصق الجداري والمجتمع ، المرجعيات والتأويل . كما تحدد الفصل الثالث بإجراءات البحث وقد اختار الباحث المنهج الوصفي كونه يحقق الهدف وقد اعتمد الباحث أداة الملاحظة ، فنظم استمارة ملاحظة وعرضها على خمسة من الخبراء ( اثنان منهم متخصصون في مناهج البحث والثلاثة الآخرون متخصصون في جماليات الفنون التشكيلية ) أما مجتمع البحث فتألف من (12) ملصقاً جدارياً أنتقى منها الباحث (5) ملصقات تمثل عينة البحث التي تم تحليلها وصفياً.<br />أما الفصل الرابع فقد خلص الباحث إلى النتائج وناقشها كما يأتي .<br />1- نفذت الملصقات في أجهزة الحاسوب على برنامج (الفوتوشوبPhotoShop ) وطبعت بقياس 50 سم ×70سم. <br />2- ظهرت جميع الملصقات أنها تشترك بنظام فيه ثبات من حيث المفردات المستخدمة لأنها تشترك بمرجعية واحدة . <br />3- سعت الملصقات إلى تعضيد الصور الأيقونية بقصدية كامنة في بنية الصورة الطبيعية .<br />4- أعتمدت الملصقات إلى بناء جمالي غير أكاديمي بإلغاء معظم عناصر التكوين .<br />5- بفعل الاستعارات التي استخدمها الفنانون فإن عملية التلقي أزاحت التأكيدات الأخرى كاللون والخط والكتابة من خلال قراءة المفردات وتأويلها .<br />6- ناقشت الملصقات الجدارية المضامين الإنسانية مما أسست لها تفاعلاً جماهيرياً أغنى عملية التلقي ، وفي الوقت ذاته أغنت المجتمع علماً بما يحيطه .<br /> وتأسيساً على النتائج أستنتج الباحث ما يأتي .<br />1- تمثل الملصقات الجدارية مفاهيم فكرية متداولة إجتماعياً تحمل تأويلاً فردياً أو جماعياً بوصفها ترجمة لوجدان المجتمع ، لذا يمكن اعتبارها ملصقات جماهيرية التلقي .<br />2- إن فهم الملصقات إجتماعياً باعتباره تجسيداً للأشكال المرئية يكشف عن رمزيتها وذلك تجلى في سعي الفنان بإنتزاع الأشياء من قيمها المتداولة ليؤولها إلى استعارات شكلية ذات دلالة .<br />3- إن العمل الفني يفترض قراءة وإستجابة وإضافة ذاتية لمحاولة إكتماله ذهنياً ، لأن العمل الفني ولاسيما الملصق الجداري أكثر إنتشاراً وتفاعلاً مع المجتمع ، لتتأسس إستنتاجات الباحث بإقتراب عملية التلقي من التوجه الرومانتيكي في الفن الذي يؤكد على إن العمل الفني يكتمل بعملية التلقي فيصبح أكثر جاذبية وعمقاً في إمكانية إستنفاذه وتعريفه .<br /> 4- تمثل الملصقات الجدارية كغيرها من الأعمال الفنية خطاباً دلالياً مكثفاً يستقرؤه المتلقي كحالة وسط بين المنتج الفني والفنان التشكيلي فتتضح بذلك عملية التفعيل من تداخل هذه القراءة .<br />كما أفرد الباحث عدد من التوصيات التي تؤهل الدراسة أن تأخذ مكانتها التطبيقية وقد عززها بالمقترحات . <br /><br />الفصل الأول<br />الإطار العام للبحث<br />مشكلة البحث والحاجة إليه<br /> تعد العملية الإبداعية لأي إنجاز فني يفرزه الفنان المبدع ذات تماس مع المحيط ( المتلقي ) بكل تنوعاته الثقافية وتراكمات ذهنيته مابين القبول أو النفور ، الاستحسان أو الرفض ، ولأن الفن إنجاز جمالي يتناغم مع الشعور الإنساني . فهو بالضرورة يتحمل أعباء التربية الذوقية للمجتمع على وفق آليات متعددة كالدراسة الجمالية والتواصل على المشاهدة الفنية الجمالية المختلفة للمنجز التشكيلي أو سماع الموسيقى أو غيرها من قنوات الإبداع الفني . <br /> فالفن هو الرافد الأكثر إرتكازاً لبث الرقي الفني في سلوك الإنسان ومن ثم فهو القادر على طمس مظاهر الانحطاط السلوكي والأخلاقي في المجتمع ، لأن المجتمع على صلة مباشرة مع المنجز الفني ، وتكون المعادلة أكثر مشاركة وتنافذاً في الفنون التشكيلية لأن المتلقي يرى في المنجز اليدوي أكثر إتصالاً معه ، فضلاً عن تقديسه للحرفية في تنفيذ المنجز الفني إلا أن نسبية هذا الافتراض تتباين من منجز إلى آخر ضمن تفرعات التشكيل ، فالتفاعل مع اللوحة الزيتية ليس هو مع العمل النحتي أو الخزفي وإنها تتباين أكثر مع الملصقات الجدارية بوصفها أحد الفنون التشكيلية ( التصميم ) . وإنها بحكم تواجدها على الجدران في الشارع الذي لاتحده مع المجتمع آية حواجز فهي تتعامل مع شرائح المجتمع كافة . <br /> فالملصق يتصل والمتلقي دون جهد أو عناء أو قصد في السعي إلى مشاهدته ،<br />لذا أفترضت هذه الدراسة آلية تهذيب المجتمع وإلتزامه بضوابط الملصق ( المضمون ) حال مشاهدته ، وما هي آلية تفعيله لدور المجتمع بحكم التنافذ في الطرح والاستقبال التي تستنتجها وتقرها العلوم النفسية وتستقرؤها ضمن آليات التلقي والتأويل . <br /> وفي البصرة حصراً أخذت الملصقات الجدارية المتنوعة المضامين عام 2004 م مجالاً واسعاً ومطرداً في الانتشار لتصبح وسيلة إعلام تعين الفرد في المحافظة من الوقوع على مجمل الأمور السياسية والاقتصادية وغيرها ممن وضعته في الصورة الأشمل تهذيباً وإرشاداً في اتخاذ القرار على ضوء مشاهداته لأنواع الملصقات .<br /> من هنا ارتأى الباحث التطرق إلى موضوعة الملصقات الجدارية في البصرة المنفذة عام 2004 م ( أي بعد انهيار سطوة الدكتاتورية ) وتحديداً الملصقات التي تبنتها جماعة نلتقي للثقافة والفنون وتحليل آليتها في التفاعل مع المجتمع البصري .<br /> لذا سعت الدراسة إلى تحديد مشكلة البحث بوصفها موضوعة لم يتم التطرق إلى دراستها فضلاً عن إنها موضوعة نابضة بالحياة غير مستكينة لأن الملصق الجداري يتطور بتطور المجتمع ، كما إنه عمل فني تشكيلي جمالي خاضع إلى تقنيات واتجاهات الفنان المنفذ . <br /> وعلى ضوء ذلك يطرح الباحث تساؤلاته الآتية في تحديد آلية صيرورة البحث وهي : <br />1- ماهي ضوابط الملصق الجداري ؟ وماهي مرجعياته التي يلجأ إليها الفنان ؟<br />2- ماهي الأسس الاجتماعية في التفاعل معه ؟ <br /> 3- ماهي آلية تفعيله لدور المجتمع والارتقاء به ؟ <br /> أهمية البحث :<br /> تكمن أهمية البحث في كشف إمكانية تفعيل المجتمع للملصق الجداري في محافظة البصرة وقابليته في تثقيف المجتمع وإطلاعه على الحيثيات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية في البصرة والعراق الجديد .<br /><br />أهداف البحث :<br /> يرمي البحث إلى دراسة الملصق الجداري وإمكانية تفعيله إجتماعياً ، دراسة تحليلية .<br />حدود البحث : <br />يتحدد البحث بالملصقات الجدارية الفائزة بالمسابقة التي نظمتها جماعة نلتقي للثقافة والفنون في 20/ تموز/ 2004 م في البصرة وعددها (12) ملصقاً جدارياً .<br />تحديد المصطلحات :<br /> الملصق : <br /> لغــة .<br /> لصق " ل ص ق (لصِق ) به بالكسر ( لصوقاً ) بالضم و ( ألتصق ) به و ( ألصقه ) به غيره "(1)<br /> <br /> اصطلاحاً .<br /> الملصق "عبارة عن صورة كبيرة أو إعلان في مكان عام ويراد فه في اللغة الإنكليزية POSTER "( 2 )<br /> <br /> الملصق " مطبوع يصمم من أجل أن يفهم من نظرة سريعة . وهو يجمع مؤثرات بصرية مباشرة بوسائل مختصرة . ذات مقدرة على منافسة المحيط المشوش بصرياً ، ولكي يكون كذلك ينبغي أن يحتفظ بالوضوح والتميز ، فالملصق هو تعبير عن فكرة ، بسيط في تكويناته ، مكثف يتضمن عنصراً ذهنياً عميقاً"(3 ) .<br /> الملصق " واحد من الأشكال التعبيرية ، ونشير بذلك إلى الوسائل الفنية المستخدمة التي تزيد من أهميتها دينامية الحياة العصرية بأحداثها المتتابعة في ضوء الثقافة الجمالية المعاصرة بقدر ما يسعى إلى تحقيق التجانس البصري الخالص أو نقل التجربة العينية عن طريق عملية تنظيم للواقع بنفسه أو بتثكيف القدرة على التراكم الجمالي والثقافي من خلال دمجه وتحقيقه لهذه العناصر المشتركة بهدف إستكمال وجوده الحقيقي في رصده لمظاهر حياتنا اليومية بأحداثها المتلاحقة "(4) .<br /><br />التعريف الإجرائي<br /> الملصق الجداري منجز تشكيلي جمالي يعتمد التصميمية في التنفيذ ضمن ضوابط تفرضها تنوعاته ، في حين يرتقي برمزيته لطرح مضامين يستل منها الشارع مفردات معرفية تبصره بما يحيطه وترشده للتمييز والصواب .<br /><br /><br />الفصل الثاني<br />الإطار النظري<br />المبحث الأول : مفهوم الملصق وسماته الجمالية <br /> إن الإنجاز الفني الذي يفرزه الفنان لابد له من سمات تقويمية تجعل منه مادة قابلة للتأويل والقراءة ، فيمتلك الإنجاز بذلك مفهوماً جمعياً وذاتياً في آن واحد خاضعاً لمرجعية المتلقي وشخصيته وبذلك يفهم الإنجاز ويحدد عبر العديد من تعاريفه المتفق عليها ، كذلك هو الملصق فإنه فهم في قابليته الأشد تماساً لجميع الموضوعات الحياتية المتباينة ، لأن للملصق آلية طرح وإمكانية تأويل وقراءة، منها يمكن للملصق أن يحرك ذهنية المتلقي ويهذبه ويثقفه بمجريات الأحداث التي تحيطه لإتكائه على مرجعية الفنان المنفذ الذي يمتلك ذهنية متحركة تؤهله من قراءة ما يحيطه بتمعن وتكوين رأي <br />ذاتي للمجريات المحيطة بالمجتمع ، ولأن الفنان يمتلك حرية الطرح ضمن محيط يستقبل هذه الحرية فإنه يمتلك قابلية التأثير على المجتمع كما هي قابلية تأثير المجتمع على الفنان ، ولقد فرضت عملية تصميم الملصق على الفنان آلية تحليلية وتركيبية للعلاقات الشكلية والرموز المرجعية التي يفرضها المضمون باستنادها إلى الخزين الكامن في ذهنية الفنان ليصوغ <br />منها نظماً فعَلتها المدلولات التي آلت إليها على شكل علامات أيقونية ورمزية وإشارية ، ومن هذه التقسيمات العلامية وضع الفنان آلية خطابه للمجتمع .<br /> إن الملصق إنجاز جمالي له ضوابط تفرضها تنوعاته تبعاً للمضمون الذي يطرحه والقضية التي تحتويها هيكليته التنفيذية ، فالحدث السياسي يفترض آلية تنفيذ تشتمل رموزاً وأشكالاً يقتضيها المضمون السياسي فضلاً عن المفردة الكتابية التي يوائمها الفنان إستكمالاً للمضمون ، كذلك الحدث الاقتصادي والصحي والإرشادي ، إلا أن السمات الجمالية التي ينتظم بها الملصق خاضعة إلى القيم الجمالية للتكوين (الإنشاء) فتنتظم عناصر البناء الجمالي في آلية لاتختلف عنها في العمل التشكيلي الآخر لاسيما الرسم . فالملصق عمل فني تصميمي يرتكز إلى عناصر بنائية منظورة كالخط واللون والشكل والفضاء والمادة مع ارتكازه إلى عناصر بنائية غير مرئية كالتوازن والحركة إلى جانب عنصر السيادة وغيرها. فالملصق يماثل العمل الفني التشكيلي في آلية التنفيذ وإستخدام الأشكال من خلال " توزيع الخطوط والألوان بصورة معينة داخل شكل يتضمن درجة معينة من الانتظام الدقيق من أجل التعبير عن الأفكار جمالياً ووظيفياً " ( 5 ) .<br /> إن الملصق ـ بوصفه عمل فني ينحو حيال الاختزال في الخط واللون فيعتمد على أقل عدد من الألوان لإعتماده على رمزية المضمون التي تهيئ من الملصق قابلية تجعله مشاركاً في إكتمال قيمة الملصق وظيفياً ، وهذا لايعني تفرده بتقنية الإختزال ، بل لجأ معظم الفنانين المجددين إلى هكذا تقنية في أعمالهم الفنية ذات التقنية غير التصميمية . وقد تبوأت الأعمال المكانة العالمية لأن الإختزال نظام ذو قيمة جمالية عالية إلى جانب صعوبة تقنيته في إنجاز العمل الفني مما يميز الفنان المبدع عن غيره ، وقد يلجأ الفنان إلى مشاكسة عناصر التكوين وصولاً إلى الإختزال . <br /><br />ا لمبحث الثاني : الملصق الجداري والمجتمع . المرجعيات والتأويل<br /> تعد الرسوم الجدارية داخل الكهوف ، المنابع الأولى للرسم المعاصر ، وما يمثله من حالة اتصال مع المحيط ، بفرضه ضغوطات تؤثر في ذهنية الفنان تؤهله من إنتاج أعمال فنية تبث وعياً تميزه عمن سواه ، في حين يبقى الإنتاج الفني حال إكتماله محط تساؤل وتأويل يبثها المتلقي أياً كانت مرجعيته الثقافية . كما تمثل الإبداعات السومرية وخاصة الألواح <br />النذرية إحدى الوسائل الإعلانية القديمة التي أبتكرها الإنسان العراقي القديم ( 6 ) ولقد تطورت الفنون المتنوعة تبعاً للتغيرات السلوكية والاجتماعية للإنسان ، فإنتقاله من العيش المنفرد داخل الكهوف إلى العيش الجماعي خارج الكهوف فرض عليه آلية ناسبت حياته الجديدة في السلوك والإحتياجات لأن الفنون تطورت بوصفها أجزاء متكاملة لتطور الإنسان الإجتماعي والثقافي فيذكر هيجل " إن الفنون والآداب ، مثل القوانين والنظم ، ما هي إلا تعبير عن المجتمع ، ومن ثم فهي مرتبطة بسائر عناصر التوسع الإجتماعي " (7 ) كما إن تجانسه مع المجتمعات الأخرى تؤهله من العيش على وفق هذا التجانس ، لأن الإنسان بطبيعته كائن اجتماعي يكيَف ما يحيطه لمنفعته ولتسهيل آلية سلوكه لأنه ينحو حيال التكامل في الحياة الاجتماعية التي يغلب عليها طابع المشاركة بوصفه العنصر المكيف الأول "حيث تخضع حياة الفرد لرأي وتقويم المجتمع " (8 ) لذا فإن آلية الرسم أخضعت تقنياً وفكرياً إلى التطوير تبعاً لهذه المحددات ، كما إن إخضاع الرسم لهذه المحددات يعود بالأساس إلى التواشج في نسيج الإنسان السلوكي بوصفه كائناً غير مجزأ ، وإن تنامي بعض مهاراته تعود إلى فرص مؤهلة لها بالتنامي بفعل الحاجة أو بفعل التطور التقني لمعطيات تلك المهارة . هذه المهارات المتنامية للإنسان أفرزت العديد من القيم الجمالية التي أطرت الفنون التشكيلية برمتها ومنها الملصق الجداري الذي يمثل حالة أقرب إنجازاً ومفهوماً لمضمون العرض وما يبتغيه الفنان من طرح فكري لمشاركة المتلقي مع الإنجاز الفني وكيفية التعامل معه ، بمعنى أن الفنان بإستخلاصه الأسس التقنية للملصق الجداري ، لم يكن بمعزل عن الجذور التقنية للرسم الجداري داخل <br />الكهوف ، إلا أن تقنياته أخذت بالتطور تبعاً لتطور ذهنية الفنان والمتلقي المتراكمة بفعل المتغيرات السلوكية والإجتماعية لهما ، ولكون تقنيات الملصق الجداري أخذت تتسارع بالتجدد فإن التأويلات هي الأخرى أخذت تتسارع وتتباين على وفق هذا التجدد . <br /> إن المجتمع بكل شرائحه لا يتقاطع مع الفن عموماً ، بل إنه أكثر تجاوباً وتقبلاً للملصق الجداري لأنه المحفز لشحذ قابلية المتلقي بما يؤهله لطرح أفكاره على وفق مشاهداته له بدون أية حواجز ، لما للملصق من قابلية ألإنتشار ، وإن عملية التلقي لايمكن تجاوزها لأن الملصق كغيره من الفنون التعبيرية يثير في المجتمع الشعور بالحركة والتواصل الجمالي في رصد البنى الإجتماعية والسلوكية اليومية التي تحفز الذهنية الفكرية والبصرية في إستشراف المستقبل على وفق الثقافة الجمالية والأيدلوجية من خلال التراكم في الثقافة الجمالية ، فالملصق " يستكمل وجوده الحقيقي كشكل مؤثر في رصده لمظاهر حياتنا اليومية بأحداثها المتلاحقة " (10) دون الوقوف عند حدود الدهشة المجردة لما يثيره من نشاط متدفق في الذاكرة ، لاسيما إن آلية العرض ليست بحاجة إلى تحفيز مسبق مثل تحديد المكان والإنارة المنتظمة والتهيئة للافتتاح أو غيرها من مكملات العمل الفني حال عرضه للجمهور ، فإن الملصق الجداري لايكلف سوى اللصق على الجدران مهما كانت ، دون التأكيد على الفراغ ( الفضاء ) والمساحة . هذا من جانب أما الآخر فإن عملية تقبل الجمهور للملصق متأتية من عدم العناء في عملية التلقي ، فالمتلقي وفي أثناء تأديته لبعض أعماله يمكنه مشاهدة الملصقات أينما كانت . <br /> إن مدركات الإنسان ولاسيما الفنان تتنامى بنمو خبراته التجريبية ، وإستعاراته من المحيط تؤطرها تأويلاته وهي ذات مضامين إجتماعية على وفق تجانس المضمون مع الشكل ليشي بدلالات كامنة يستوحي منها البعد الإجتماعي ، فالمضامين الدينية هي حصيلة منتقاة من حياة المجتمع يفعلها الفنان في طرح إنجازات إبداعية تتكئ على القيم المرجعية الدينية وكذلك فإن المضامين الأخرى هي نواتج لحياة المجتمع يرتقي بها الفنان ويهذبها بآلية ينظم من خلالها أفكار المتلقي في كيفية قراءة البرامج التي تحاول المؤسسات طرحها عليه ، وهنا يقف المتلقي بين تأويلات متباينة قد تغفل أو تعجز تلك المؤسسات عن طرحها ، هذا التوافق بين ما تود طرحه مع الإنجاز ( الملصق الجداري ) لأن سمات الملصق الجداري ( العمل الفني ) تمتاز بخصائص إبداعية وجمالية وهما خصائص غير مقننة ومتباينة من ذهنية إلى أخرى ومن مجتمع إلى آخر تفرضه القيم السلوكية والاجتماعية للمجتمع . هنا يتحدد الإبداع بالنسبة للفنان عبر تحفيزه لمنظومات المتلقي الذهنية ، فقد حفز الفنان منظوماته الإبداعية ليؤسس خزينه المتراكم بمرجعياته نظماً تعبيرية وأنساقاً أطرتها دلالاتها فتتمحور <br />إنجازاته على رموز وتركيبات هي في ذاتها أنساقاً تفاعل معها المتلقي بنوع من الهامشية والإلغاء استطاعت الذهنية والتقنية المبدعة من تفعيل التواصل بما يفضي إلى الغائية المقصودة ، إذ حول الفنان النظم المركونة إلى نظم متحركة تحاور المجتمع ذهنياً . بوصفها نظماً جمالية أحالها الفنان إلى قيم إبداعية يؤطرها انتماؤها للمجتمع لأن " الفن السليم ينبع دائماً من وقائع الحياة الاجتماعية " (11) .<br /> إن الملصق الجداري بوصفه وثيقة حية تجاوز النقل الشفاهي أو المكتوب لما يشوبهما من تدليس أو إضافة أو حذف تفرضها أيديولوجية ما . وتأسيساً على ذلك يمكن استشفاف التواصل مابين الملصق الجداري والمجتمع على إنه يرتكز على مجموعة من القيم الفكرية والجمالية والتي يمكن تلخيصها بما يأتي .<br /> إن الملصق الجداري فرز موضوعي لمعطيات المجتمع تؤطره وتوؤله الذهنية الإبداعية للفنان ، فضلاً عن تأطيره بالتلقي الواعي وتهذيبه للذهنية الراكدة في تبنيه معطيات مرجعية وخامات متناولة . وفضلاً عن ذلك إن آلية التنفيذ ترتكزعلى الآلية التقنية في إنجاز الملصق ، والتي تتنامى تقنياً إستجابةً لمستحدثات العصر ، إذ أن جهاز الحاسوب عبر برمجياته ( الفوتوشوب PhotoShop و كورال درو CorelDraw ) حل محل التقنية اليدوية التي تعد هي الأبدع بالرغم من صعوبتها ، لأن الفن إنجاز يدوي التنفيذ ، بيد أن تقنيات الحاسوب لا تقلل من شأن الملصق الجداري مع صعوبة اشتغال معظم الفنانين على أنظمة البرمجيات مما يؤدي إلى استعانتهم بمشغلي البرمجيات الإلكترونية ذات المساحة الأوسع تجريباً في اللون والخط وميكانيكية توزيع الأشكال وغيرها من مفردات الملصق . <br /><br />الفصل الثالث<br />إجراءات البحث<br /><br />المنهج المستخدم : تبنى الباحث المنهج الوصفي كونه يحقق هدف الدراسة الحالية .<br /> أداة البحث : اعتمد الباحث الملاحظة الميدانية بعد عرض استمارة الملاحظة على الخبراء <br />مجتمع البحث : بعد حصر مجتمع البحث في ضوء المسابقة التي نظمتها جماعة نلتقي للثقافة والفنون في 20/تموز/2004 والبالغ عددها (25) ملصقاً جدارياً ، وبعد إعلان نتائج المسابقة تم فرز (12) ملصقاً جدارياً فائزاً لـ (8) فنانين منهم (4) فازوا بملصقين في حين فاز الآخرون بملصق واحد وقد علقت على جدران بنايات مدينة البصرة في الشارع بعد طباعتها .<br />عينة البحث : أختار الباحث (5) ملصقات بوصفها عينة قصدية تمثل مجتمع البحث ل(4) فنانين وهم <br />1- جنان محمد احمد ملصقان<br />2- مناف حسين ملصق واحد<br />3- حسين شعاع ملصقان<br />أسباب اختيار العينة : <br /> اختيرت العينات الخمسة للأسباب الآتية<br /> 1- تحييد وإستبعاد ملصقي الباحث توخياً للعلمية .<br /> 2- تنوع مضامين الملصقات .<br /> 3- تنوع آلية إستخدام الأشكال .<br /> 4- تنوع البناء الجمالي ( التكوين ) في الملصقات . <br /><br />تحليل العينات :<br /><br />عينة (1) العراق الجديد<br /> ملصق جداري بقياس 50سم×70سم نفذته الفنانة جنان محمد احمد بطريقة اللصق Collage وتمت معالجته في جهاز الحاسوب على برنامج ( الفوتوشوب PhotoShop ) .<br /> وقد اعتمدت آلية خطاب الملصق على التوافق مابين الطفولة بوصفها عفوية الرؤية وعفوية الانتماء للوطن ، لذا سعت الفنانة إلى كشف انتماء الطفولة للوطن عبر عفوية الرؤية وقصديتها من خلال التأكيد على زاوية النظر إلى الأعلى<br /> ( الشمس المشرقة) وقد أحالتها إلى خارطة العراق مع النص الكتابي الذي خط بنسخ المطابع وقد أستعير من جهاز الحاسوب .<br /> كما اعتمدت هيكلية الملصق إنشائياً وجمالياً إلى الإنشاء المفتوح لتجاوبه مع متطلبات المضمون ، ونظراً لعملية التلصيق فإن الإضاءة التي أصطبغ بها الملصق توحي بالبهجة مع تجاهل الدراسة الأكاديمية للظل والضوء .<br /> إن القراءة المفترضة للملصق وبالرغم من وضوح بنى ومضامين المفردات المستخدمة للمتلقي إلا إن الملصق لايمكن قراءته دون تأمل يتواءم مع المرجعية الثقافية للمتلقي ، وإنها عملية نسبية غير مقننة ، لذا أفترض الفنان البصري انتماءه لمدينته ووطنه مع انتمائه للإنسانية الأعم .<br /> لذا يعد الملصق من المنجزات التي تثير التساؤل والدهشة ، ومنه فإنه سيشير القراءة والتأويل وبالنتيجة يعد ملصقاً غير هامشي يحمل موضوعية فضلاً عن الجمالية التي أرتكز إليها بتوازن الأشكال وإستقرارها .<br /><br />عينة (2) ابتسموا يا أولادي فالمستقبل لكم <br /> ملصق جداري بقياس 50سم×70سم نفذته الفنانة جنان محمد احمد بطريقة اللصق Collage وتمت معالجته في جهاز الحاسوب على برنامج ( الفوتوشوب PhotoShop ) .<br /> أرتكز خطاب الملصق في معالجة السطح التصويري بأسلوب بسيط تنفيذاً ومضموناً لغرض تفعيل عملية التلقي بسبب التعاطف مابين المجتمع ومفردات الملصق ( الشيخ والأطفال ) وبأسلوب الجمع مابين صورة الشيخ وصور لأطفال مختلفي البيئات . <br /> تتشكل هيكلية الملصق بإبتعادها عن الإنشاء المدروس ( الأكاديمي ) إذ أفترضت الفنانة تهميش عناصر البناء الجمالي الأكاديمية لغاية وظيفية على وفق الاستجابة وتفعيلها والتحفيز على المشاهدة ولغاية مضمونية بإرتكازها على العنوان الذي أعتمدته الفنانة في النص الخطابي وحميميته ، أما الغاية التنفيذية فقد سعت إلى إلصاق صورة الشيخ وتحديدها بحجم أكبر من جميع الصور المحددة بينما وزعت صور الأطفال بأسلوب متناثر عفوي متجاهلة أكاديمية الظل والضوء إلا في إنفراد الصور عن بعضها .<br /> لقد كانت إستعارة الفنانة أيقونية عبر إدخال الصور إلى الحاسوب مما جعلها تغفل حالة التوافق في التنفيذ لاسيما أن برنامج الحاسوب المستخدم بإمكانه تجاوز هذه الحالة بإلغاء حدود كل صورة وبالخصوص صورة الشيخ .<br /> إن عملية تلقي الملصق قد تحظى بحضور وافر لما للملصق من توجه تعبيري تجسدت في الصور ، لذا أعتمدت عملية التلقي على قراءة مباشرة غير قابلة للتأويل لمعرفة المتلقي بمحلية الصور التي مهدت إلى إرتفاع نسبية التلقي . <br /><br />عينة (3) نحو أمل بالسلام<br /> ملصق جداري بقياس 50سم×70سم نفذه الفنان مناف حسين بطريقة اللصق Collage وطبع بعد معالجته على برنامج ( الفوتوشوب PhotoShop ) .<br /> يتأسس الملصق من خارطة العراق تحيط بها مجموعة من الحمائم البيضاء ، ولمعرفة المتلقي بهذه المفردات وما تعني ، يمكن قراءة الملصق بيسر من دون عناء ولشريحة كبيرة جداً من المجتمع .<br /> وتمثلت هيكلية الملصق البنائية بإعتمادها على مركزية الرؤية بمعنى توجيه النظر إلى المركز (الخارطة ) ثم ينتشر شعاعها إلى المحيط كتصور يرتئيه الفنان أن الحمائم البيضاء علامة رمزية للسلام وأن تطايرهن بهذا الشكل يوحي بإشعاع السلام والأمن من العراق ولاسيما بعد معالجة الإنارة بإشعاعها من المركز . <br /> كذلك يمثل الملصق حالة التواصل بين المجتمع وتأويلات الفنان لإنجازه الفني بمسحته البسيطة والمضمون الأعمق بعد تعضيده بكلمات خطت بنسخ المطابع المستعار من الحاسوب . كما أعتمد الفنان في إنجازه على مفردات أدخلت إلى الحاسوب كالخارطة والطيور التي تركها تسبح في فضاء مفتوح . وربما لو وضعت الخارطة أسفل الملصق ووضعت الطيور في حالة تطاير إلى الأعلى لأصبحت تقنيتها أفضل لأن الحمائم في الأسفل توحي بالتساقط والهوي نحو الأسفل .<br /> إن إستعارة الفنان الرمزية عضدت من تقبل المجتمع للملصق خلال قراءة المفردات وفقاً لخزينه المعرفي لهذه المفردات بوصفها مفردات عراقية (الخارطة ) وإنسانية ( الحمائم ) لذا إرتفعت عملية التفعيل إلى أشدها لدى المجتمع .<br /><br /><br /><br />عينة (4) أرضنا أرض الخير والعطاء<br /> ملصق جداري بقياس 50سم×70سم نفذه الفنان حسين شعاع بطريقة اللصق وقد ألغى المبرمج آلية اللصق بإلغاء حدود الأشكال ومن ثم أحالها إلى هذا الشكل وطبع بعد معالجته على برنامج ( الفوتوشوب PhotoShop ) .<br /> أعتمد الفنان في خطابه على المباشرة في الطرح من خلال محاكاة الطبيعة عبر مفردات عايشها وتآلف معها صميمياً ( الكوخ والقصب والماء والنخلة ) بوصفها معايشة وقد تآلف المجتمع البصري عليها ، وهو تعبير عن إنتماء الفنان والمجتمع للأرض والوطن بطرح سهل التقبل والقراءة ، لذا أبتعد الفنان عن المنظور السياسي الصرف وأتجه حيال التوجه الإعلاني . كما تشكلت هيكلية التصميم البنائية إلى التكوين العشوائي غير الأكاديمي لعدم إعتماده على العناصر الجمالية للبناء ، فوضع كتلة الكوخ في الأعلى ووضع بقية الأشكال بإسترسال تراتبي تحت الكوخ .مما يوحي أن الملصق أبتعد عن ذهنية الفنان وأتجه حيال آلية تصميم المبرمج .<br /> إن قراءة الملصق لا تحتمل التأويل لأنها قراءة لمفردات معاشة لا تستوجب الترميز ، لذا لايمكن للملصق أن يثقف المجتمع بمفردات يعهدها ويعرفها جيداً في حين يمكن للمجتمع أن يفعل الملصق للسبب ذاته . <br /> <br />عينة (5) البصرة بيت الفكر والتأريخ<br /> ملصق جداري بقياس 50سم×70سم نفذه الفنان حسين شعاع بطريقة اللصق Collage بعد إدخال الأشكال إلى جهاز الحاسوب ،وقد وفق المبرمج نسبياً بتوزيع الأشكال فضلاً عن إلغاء حدود صوره المركبة ،كما طبع بعد معالجته على برنامج ( الفوتوشوب PhotoShop ) .<br /> يقترب خطاب الملصق من خطاب العينة (4) ولاسيما أنهما للفنان ذاته أو المبرمج ذاته إلا إن العينة (5) تعد أكثر نضجاً في الطرح ومن جوانب عدة أهمها إبتعادها عن المحلية الصرفة ( البصرة ) وإرتكازها إلى التاريخ القديم ( المنارة المفصصة) على اعتبار إن التأريخ ملك المجتمع برمته .<br /> أما الجانب الآخر فإن التوزيع الجمالي للأشكال يحمل وعياً جمالياً ليس هو في العينة (4 ).<br /> كما أشترك الملصقان في الجانب الإعلاني على الرغم من إتصال الأخير بالجانب التأريخي والفكري للمجتمع العراقي وقد يؤطر البصرة مدينة فكر وتأريخ. لذا أبتعد الملصق عن القراءة التأويلية من خلال محاكاة الفنان للموجودات التاريخية وللطبيعة ، ولهذا يمكن تفعيل المجتمع للملصقين بنسبية معتدلة كونهما عرضا أشكالاً غير رمزية ومقروءة من دون جهد أو عناء يذكران ، وللسبب ذاته يمكن تحاشي الملصقين أو تهميشهما بسبب الخزين المتراكم لهذه المفردات لدى المجتمع . <br /><br /><br />الفصل الرابع<br />النتائج والاستنتاجات<br />النتائج ومناقشتها<br /> خلص الباحث إلى النتائج الآتية .<br />1- نفذت جميع الملصقات على أجهزة الحاسوب على برنامج (الفوتوشوبPhotoShop ) وطبعت بقياس واحد 50سم ×70سم.وذلك لمعرفة الفنانين وما ستؤول إليه الملصقات تقنياً لأن التنفيذ الآلي يفضي إلى نتائج جمالية .<br />2- اعتمدت بعض الملصقات في النص الكتابي على خط نسخ المطابع في حين ظهرت الأخرى بخطوط أخرى وجميعها مستخرج من خطوط جهاز الحاسوب توخياً للدقة والجمالية التي تمتاز بها خطوط الحاسوب . وفي الفقرتين ( 1 ، 2) لايمكن الركون إلى مسألة ابتعاد الملصقات عن الإبداع على أساس أن الفنانين لم يباشروا العمل على برامجيات الحاسوب ولم ينفذوا عملية كتابة الخطوط لأنهم لا يعدون من الخطاطين ن، لذا فإنهم يلجأون إلى آخرين في عملية التنفيذ . <br />3- تبين أن الملصقات جميعها تشترك بنظام فيه ثبات من حيث المفردات المستخدمة لأنها تشترك بمرجعية واحدة . غنى هذه المرجعية يعد نضوجاً في ذهنية الفنان في حال استعاراته منها .<br />4- سعت الملصقات إلى تعضيد الصور الأيقونية بقصدية كامنة في بنية الصورة الطبيعية الكامنة في ذهنية الفنان المتقدة وذهنية المتلقي على حد سواء ، سوى أن الفنان يفعلها بما تؤول إليه عملية تفعيل رؤية المتلقي .<br />5- اعتمدت الملصقات على بناء جمالي غير أكاديمي بإلغاء معظم عناصر التكوين . فالملصق يتجاوز بقدراته التنفيذية بتحفيز تقنية الفنان للملصق فتؤدي إلى الاختزال بوصفه قيمة جمالية تجاوز المألوف .<br />6- بالرغم من إستخدام أشكال أدخلت إلى الحاسوب إلا أن الاستعارات تباينت مابين الأيقونية والرمزية والإشارية .كتحصيل حاصل لخزين الفنان والمتلقي .<br /><br /><br /><br /> أما ما يخص تفعيل المجتمع للملصق الجداري ، فإن الباحث توصل إلى النتائج التالية .<br />1- بفعل الاستعارات التي استخدمها الفنانون فإن عملية التلقي أزاحت التأكيدات الأخرى كاللون والخط والكتابة من خلال قراءة المفردات وتأويلها .بوصفها قيماً عرضها الفنان على المتلقي بغية التوافق معها . <br />2- ناقشت الملصقات الجدارية المضامين الإنسانية مما أسست لها تفاعلاً جماهيرياً أغنى الملصقات ، وفي الوقت ذاته أغنت المجتمع علماً بما يحيطه . لأنها نتيجة متوخاة تفترضها إنسانية الفنان ومشاركته المجتمع همومه . وبوصفه قادراً على قراءة ما يحيطه بصورة أكثر موضوعية ، مما يؤدي إلى مخاطبة المجتمع بأدواته الفكرية والجمالية .<br />الاستنتاجات<br /> وتأسيساً على النتائج أستنتج الباحث ما يأتي .<br />1- تمثل الملصقات ألجدارية مفاهيم فكرية متداولة إجتماعياً تحمل تأويلاً فردياً أو جماعياً بوصفها ترجمة لوجدان المجتمع ، لذا يمكن اعتبارها ملصقات جماهيرية التلقي .<br />2- إن فهم الملصقات إجتماعياً باعتباره تجسيداً للأشكال المرئية يكشف عن رمزيتها وذلك تجلى بسعي الفنان بإنتزاع الأشياء من قيمها المتداولة ليؤولها إلى استعارات شكلية ذات دلالة .<br />3- إن العمل الفني يفترض قراءة وإستجابة وإضافة ذاتية لمحاولة إكتماله ذهنياً ، لأن العمل الفني لاسيما الملصق الجداري أكثر إنتشاراً وتفاعلاً مع المجتمع ، لتتأسس إستنتاجات الباحث بإقتراب عملية التلقي من التوجه الرومانتيكي في الفن الذي يؤكد على إن العمل الفني يكتمل بعملية التلقي لأن العمل الفني غير المكتمل أكثر جاذبية وعمقاً لعدم إمكانية إستنفاذه وتعريفه . <br />4- تمثل الملصقات الجدارية كغيرها من الأعمال الفنبة خطاباً دلالياً مكثفاً يستقرؤه المتلقي على إنه حالة وسط بين المنتج الفني والفنان التشكيلي فتتضح بذلك عملية التفعيل من تداخل هذه القراءة .<br /><br />التوصيات<br /> بالنظر لأهمية النتائج التي خلص لها الباحث يوصي بما يفعَل الملصق إجتماعياً وكما يأتي .<br />1- إستحداث قسمين تخصصيين للتصميم والطباعة ( الكرافيك ) في كلية الفنون الجميلة وتهيئة الكوادر المتخصصة ، وعدم الإكتفاء بدرس (الكرافيك) الذي لايفي بالغرض المنشود لعدم وجود المتخصص منذ تأسيس الكلية في جامعة <br /> البصرة . مع حث الطلبة على الإنضمام إلى هذا القسم لما يحمل من مضامين جمالية في التنفيذ والعرض قد تفوق الأقسام التشكيلية الأخرى .<br />2 - تهيئة كوادر متخصصة في تشغيل برامجيات الحاسوب ضمن استحداث قسم التصميم مع توسيع دائرة المعرفة عبر دورات مكثفة وموسعة للعمل على برامجيات التصميم في الحاسوب ..<br />3- يوصي الباحث بدراسة الأسس الجمالية لتجميل المحافظة وتفعيلها .كما هو معتمد في معظم بلدان العالم ل وبالأخص دول المغرب العربي التي زينت جدران مدنها بالتصميمات والرسوم الجدارية من قبل الفنانين .ولآلية العمل يجب التنسيق بين المحافظة وكلية ومعهد الفنون وجمعية الفنانين التشكيليين في البصرة والإعداد لهذه الدراسة وعدم تهميشها بالاعتماد على مجموعة تدَعي الفن والإبداع .<br /><br />المقترحات <br />1- يقترح الباحث أن تكلف لجان متخصصة من المؤسسات الفنية في المحافظة وبالتعاون مع الجهات الإعلامية في المؤسسات الأخرى للمحافظة لوضع ضوابط آلية في عملية تثبيت الملصقات على الجدران في الشارع ، وأن تكون مدروسة ،لا كيفية ، مع توعية الجميع من عدم كتابة الشعارات ولصق الصور الشخصية فضلاً عن تحديد الوسائل <br />2- الإعلانية ولاسيما أسماء المحلات التجارية بالضوابط ذاتها لما لها من مظاهر ليست جميلة ، كما يستوجب توعية أصحاب الشأن جمالياً في تثبيت الملصقات في أماكن مناسبة بالنسبة للضوء والفضاء وغيرها .<br />3- يقترح الباحث باستكمال دراسة الجوانب الأخرى في التصميم الجداري كل حسب فهمه .<br /><br /><br /><br /><br /><br />الملاحق<br />ملحق 1<br />جماعة نلتقي : مؤسسة من مؤسسات المجتمع المدني تمتلك شخصية مستقلة وتسعى لبناء ثقافة وطنية ديمقراطية حرة لا ترتبط بأي أيديولوجية أو صيغة مؤسساتية .<br />تأسست بعد أن اتفق مؤسسوها على أن تكون مصدر اللقاء لفناني وأدباء ومثقفي البصرة .. لكي يعبروا في هذا الزمن الرمادي عن أملهم المنشود في الحرية . وقد أسهمت هذه الجماعة من خلال نشاطاتها في إبراز أهمية المجتمع المدني في بناء العراق الجديد ومن نشاطاتها إقامة معرض البوستر السياسي في20 تموز 2004 على قاعة فندق المربد في البصرة لنشر الوعي الاجتماعي بين أبناء المجتمع من خلال حملة لصق البوسترات التي تتحدث مواضيعها عن الإنسان العراقي الجديد . إذ عرض (25 ) ملصقاً في مسابقة فازت منها (12) ملصقاً ل (8) فنانين من البصرة. وأعيد عرض البوسترات الفائزة ال (12) في 25 ايلول 2004 على قاعة افكار في بغداد. <br /><br /><br /><br /><br />ملحق 2<br /><br />الأستاذ الفاضل المحترم<br />يروم الباحث بناء أداة بحثه الموسوم ( الملصق الجداري وإمكان تفعيله إجتماعياً- البصرة أنموذجاً – دراسة تحليلية ) وهي استمارة ملاحظة ميدانية ، وةد تم تثبيت بعض البنود للأداة حيث ارتأينا أن نعرض عليكم هذه الأداة لما نعهدكم فيه من خبرة علمية ، فضلاً عن كونكم أكثر المعنيين إتصالاً وإهتماماً بهذه العملية ولما تتصفون به من تعاون في المجالات التي تعود بالفائدة العلمية .<br />لذا يضع الباحث هذه الأداة أمامكم ونرجو أن يكون تعاونكم معنا خدمة للبحث العلمي .<br /><br /><br /> المدرس<br /> أزهر داخل محسن<br /><br />إستمارة ملاحظة<br />يروم الباحث تقصي الجوانب الجمالية والتقنية ( فيما يخص آلية التنفيذ ) والجانب الإجتماعي (فيما يخص عملية التلقي) على وفق ما يأتي :<br /> أولاً : آلية التنفيذ يصلح لا يصلح الملاحظات<br />أ- الجانب الجمالي <br /> * العناصر الجمالية للتكوين <br /> الإنشاء <br />1- مغلق<br />2- مفتوح<br />3- مركزي<br />4- أخرى تذكر<br /> الخط واللون والظل والضوء والتوازن والفضاء<br />1- دراسة أكاديمية<br />2- عشوائية<br />3- أخرى تذكر<br />* الكتابة <br /> 1- الخط حسب القاعدة<br /> 2- خط نسخ المطابع<br /> 3- غير خاضع لقاعدة<br /> ب – الجانب التقني <br />1- استخدام مفردة الحاسوب<br />2- استخدام مفردة خارجية <br />3- تحوير المفردة<br />4- استعارة العلامة <br />ثانياً : عميلة التلقي<br /> أ – اعتمد المتلقي على<br />1- محاكاة المفردة <br />2- تأويل المفردة<br />3- تهميش المفردة<br />4- التأكيد على اللون<br />5- التأكيد على الكتابة <br />6- التأكيد على الكتابة واللون<br />ب- الجانب الإجتماعي . تعامل المجتمع مع الملصقات على وفق ما يأتي <br />1- محلية صرفة<br />2- عراقية صرفة<br />3- إنسانية <br />4- سياسية<br />5- تاريخية<br />6- غيرها تذكر<br /> ج - نسبية عملية التلقي<br /><br /> <br /> <br /> <br />المصادر<br /><br />1- محمد بن أبي بكر بن عبدالقادر الرازي. مختار الصحاح.رتبه محمود خاطر .دار التراث العربي للطباعة والنشر. القاهرة.السنة بلا .ص 597 .<br />2 OXFORD word power. University press. P (571). –<br />3 - ضياء العزاوي . فن الملصقات في العراق .وزارة الإعلام . السلسلة الفنية (26) . مطبعة الأديب .بغداد 1974 ص 11.<br />4- محمد تعبان .قوة الملصق. مجلة الرواق العدد/6 تموز 1979 .مؤسسة رمزي للطباعة .دائرة الفنون التشكيلية .بغداد ص 24 .<br />5 -د. أياد حسين عبدالله الحسيني . التكوين الفني للخط العربي وفق أسس التصميم . دار الشوؤن الثقافية العامة . مطابع دار الشوؤن الثقافي . بغداد .2002 .ص11.<br />6 - د. زهير صاحب .الفنون السومرية . إيكال للطباعة والنشر . بغداد 2004 ص 141 .<br />7 - توماس مونرو . التطور في الفنون ج 1 .ترجمة محمد علي أبو درة ،لويس اسكندر جرجس ،عبدالعزيز توفيق جاويد . راجعه ، أحمد نجيب هاشم . الهيئة المصرية العامة للتأليف والنشر 1971 ص 129.<br />8 - د. زهير صاحب .الفنون السومرية. ص 51.<br />9 - د .ثروت عكاشة الفن العراقي القديم .سومر وبابل وآشور . المؤسسة العربية للدراسات والنشر . مطبعة فينيقيا . بيروت السنة بلا ص 158-160.<br />10 - محمد تعبان .قوة الملصق. ص 24 .<br />11 - توماس مونرو. التطور في الفنون ج 1.ص 241.<br />12 - دليل جماعة نلتقي .<br /><br /><br /> 2006أزهر داخل محسنhttp://www.blogger.com/profile/03098343134480779083noreply@blogger.com1tag:blogger.com,1999:blog-6609888417791380236.post-24262274340406421152010-06-02T11:35:00.000-07:002010-06-02T11:40:21.713-07:00جمالية الشكل في الألواح النذرية السومرية " دراسة تحليلية "ملخص البحث<br /> الشكل عنصر من العناصر البنائية التي تؤطر العمل الفني لاسيما التشكيلي بقابليته على إضفاء الجمال مع البعد الفلسفي والفكري بمعية العناصر الأخرى المتوافقة بطريقة يفترضها الفنان المنتج للعمل الفني ، والفنان حينما يتوصل إلى تجسيد الشكل تقنية ً ومعنىً فهو بالضرورة يبث قابلية التعامل الوجداني مع العمل على أساس أن للشكل قدرة في إيحاء وتأمل المتلقي للفهم الذاتي والجمعي ، ولأن المفهوم ظهر متأخراً عدت الدراسات التي تبنت المنجز القديم في تعالق فلسفي ومضموني مع الشكل ، من هنا حاول الباحثان مقاربة المفهوم مع المنجز السومري وبالخصوص الألواح النذرية السومرية التي تعد منجزاً ظهر في الفترة ( بداية عصر فجر السلالات السومرية الأول حتى أواخر عصر فجر السلالات الثالث 3000 _ 2370 ق . م ) لغايات وظيفية أنجزها الفنان العراقي القديم كنوع من تجاوز الزمن واستشفاف المستقبل جمالياً وعقائدياً . والألواح النذرية قطع حجرية هندسية بعضها مهذبة الحدود الخارجية ، وهي أما مربعة الشكل أو مستطيلة مثقوبة في الوسط بثقب دائري أو مربع لغرض تثبيتها أو تعليقها على جدران المعابد أو القصور ، وهي تمثل البواكير الأولى لفن الإعلان ، مضامين الألواح احتفالية الزواج المقدس التي تقام سنوياً لتنشيط مظاهر الطبيعة . تأسس البحث من فصول أربعة ، الأول ( الإطار العام للبحث ) وتضمن مشكلة البحث والحاجة إليه وأهمية البحث وهدفه ثم حدود البحث وتحديد المصطلحات . وتكون الفصل الثاني (الإطار النظري ) من مبحثين ، الأول . مفهوم الشكل في النظريات الفلسفية . والمبحث الثاني . الشكل وجماليته في العمل الفني . أما الفصل الثالث ( إجراءات البحث ) وتضمن المنهج المستخدم وأداة البحث ومجتمع البحث وعينته ومن ثم تحليل العينة وهي ستة ألواح نذرية . وفي الفصل الرابع ( النتائج والاستنتاجات ) وكانت النتائج كالآتي : <br />1ـ يرى الباحثان أمران مهمان وهما أن الألواح إن كانت قد نفذت بيد فنان واحد فذلك يعني امتلاكه وعياً إبداعياً تجاوز حدود الأسلوبية بوصفها مصطلحاً معاصراً لتنوع مضامين الألواح وتنوع الأساليب التقنية فضلاً عن استخدام التنوع الشكلي لاسيما البناء الجمالي التكويني ، أما الأمر الثاني فهو تعدد الفنانين وذلك يعني أن هناك نضجاً جمعياً للقيم الجمالية والفكرية يكتنفها المجتمع السومري . <br />2ـ إن الشكل بوصفه عنصراً بنائياً يعد أساساً في الألواح النذرية مما يضفي طابعاً جمالياً يفيض قيمة فكرية كامنة . <br />3ـ يفترض الفنان العراقي القديم في الألواح النذرية بعداً فلسفياً يعد محركاً للقيم المرجعية الطقوسية مما يبث نصاً درامياً يشكله البناء الجمالي التكويني للأشكال في اللوح النذري .<br />4ـ رغم التصوير الواقعي للأشخاص ( الإله ، الملك ، الرعية ) ، إلا أن هذا التصوير لم يكن لغاية النقل الحرفي المحاكاتي ، بل يكتنز داخل هذه الشخصيات بعداً فكرياً يؤطر الواقع الاجتماعي والسياسي للمرحلة .<br />5ـ إن الثقوب التي تتوسط الألواح يراها الباحثان لا للتعليق أو لبث الإعلان حصراً ، إنما تؤكد على سيادة الشكل الهندسي وتضايفه مع الأشكال الأخرى ( الشخوص والكتابة والزخارف ) وهي بمجملها تتضايف مع العمارة أو المعابد .<br />6ـ يعد اللوح النذري مرحلة مهمة في التاريخ السومري وبالخصوص تاريخ التشكيل في سومر ، وهو انجاز إبداعي متميز يمثل الحقيقة الصورية ، وان الفنان لم يحاك الطبيعة ويستنسخها بل استنطق القيمة الفكرية والجمالية للواقع .<br />7ـ تبث الألواح النذرية أنظمة متعالقة بشكل يمكن تأملها وقراءتها وتأويلها بأكثر من اتجاه ، منها النظام البنائي وقابلية الإيحاء الجمالي للشكل بفعل العلاقات بين السطوح والأشكال والتأكيد على الخط الخارجي ( التحديد ) ليؤكد على أسس الرسم على الحجر أو الطين ، فضلاً عن التوهج التعبيري والسردي للعمل الفني الذي منه يجعل الشكل إشعاعاً جمالياً . <br /> وقد استنتج الباحثان أن تدارس وتحليل الإبداع الإنساني لاسيما الإبداع السومري بكل تمرحلاته الزمنية والمكانية يفترض الركون إلى الأسس المرجعية العقائدية والسياسية والاجتماعية والسلوكية ، وعلاقة هذه المرجعيات فيما بينها ، لأن الأثر الناتج يمثل صورة للمنظومة الثقافية الواعية في سومر ، وهو بذلك منفذاً للثقافة العراقية القديمة وفلسفتها الجمالية والفكرية ، وإن التحليل الشكلي للأثر السومري وما يؤولا إليه يمكن توافقه على منهج متقارب ، إن لم يكن منهجاً واحدا ً، فالرؤية الشكلية تفترض العمل الفني إغراقه في مخابئ الصورة المنظورة دون النظر إلى الهيئة الخارجية المحيطية للصورة ، وإن المضمون لم يعد إحساساً ظاهرياً إنما تقصياً لذات المنجز الفكرية عبر التقنية التعبيرية للأشكال ، لذا افترضت قصدية الفنان في منجزه الآيلة إلى تحطيم الصورة الطبيعية ( الأيقونية ) لتوسيع حركة انفتاح العلامة الكامنة في بنية العلاقة بين الشكل الظاهر ( الدال ) والمضمون الكامن ( المدلول ) فسعى إلى إزاحة الشكل الطبيعي المرئي إلى مخابئه الجوهرية وصولاً لعدم محدودية الدلالة ، وهو تسامي في الطرح والإبداع لما هو فوق الواقع لكشف الصيغة الحقيقية ، فكان التباين في زوايا النظر وإلغاء المنظور . كما اقترح الباحثان وأوصيا وختما بحثهما بثبت المصادر حسب ورودها في المتن .<br /><br /><br /><br /><br />الفصل الأول<br />الإطار العام للبحث<br />مشكلة البحث والحاجة إليه : يحظى الشكل في الفنون التشكيلية بأهمية خاصة لأنه يضفي جمالاً مضافاَ إلى العمل الفني ، إلى جانب بثه للبعد الفلسفي والفكري بوصفه يدعّم وسيلة الاتصال التي تنقل الأفكار والغايات إلى المتلقي وهذه الصورة القصدية كانت تصاغ في الفنون القديمة بأسلوب خاص وفق مفهوم سيسيولوجي ونفسي غالباً ما كانت تؤدي الغرض الوظيفي المراد إيصاله " الهدف الأول للمصور هو تحويل عناصر الشكل والمكان والإيقاع واللون وغيرها من المكونات إلى تعبير متماسك ومتناسق يضمن الفنان من خلاله رسالة توضحها مادته ، وقد تمثل شيئا ، أو توحي به أو ترمز إليه ( م 1 ، ص 14 ) .<br /> وقد وعى الفنان السومري هذه الحاجة منذ البدء ، فأخذ يؤسس مفاهيمه الخاصة في بناء الشكل وصياغة مفردات تلك العناصر بحيث يُؤسَس الشكل بحدود عناصره وبنيته التركيبية )الرسالة البصرية( المقصودة للتأثير في وعي المتلقي وإحالة تلك الشفرة إلى مفهوم نفسي وسيكولوجي عام في المجتمع ، وأن أساليب صياغته وتجسيد هذه الصورة الفنية في الفنون السومرية اتخذت أسس وقواعد تحدد بنائية التكوين الفني بالنسبة لصانع العمل ولذلك نجدها أنتجت على وفق مفاهيم جمالية من خلال تكوين الهيئة الخارجية ، وما هذا البحث إلا محاولة للكشف والتعريف بهذه الجماليات وأسس تكوينها .<br /> إن الشكل يعد من العناصر البنائية الجمالية التي يفرض وجوده نظاماً يحفز الذات الواعية على استنطاق وقراءة القيم الجمالية في العمل الفني فضلاً عن إمكانيته تحويل علاقة التلقي إلى كيان مادي وشعوري في اللحظة ذاتها لاسيما إذا كانت هذه العلاقة تبث جانباً من الوعي المتبادل مابين العمل الفني وبين المتلقي بوصفهما محور عملية الوعي والإبداع " إن للشكل ( form ) طاقة تأثيرية في الإفصاح عن ماهية المدركات الحسية البصرية في الفن والحياة معاً ، بوصفه تنظيماً شكلياً للعناصر البنائية المؤسسة لداخلية العمل الأدبي أو الفني على السواء " ( م 2 ، ص 35 ) .<br /> وتأسيساً على ماسبق فان للشكل كيان مؤثر وسيادة كاملة في كل عمل فني يسعى الفنان إلى إظهاره لجملة غايات منها البث الجمالي والقيمة المضمونية الفكرية ، وقد تجسد هذا المفهوم لاشعورياً في العمل الفني حتى ولدت النظرية الشكلية مع بواكير المدارس الفنية المعاصرة في نهايات القرن التاسع عشر، لذا تولدت مشكلة البحث على ضوء التساؤل الآتي . كيف تجسدت القيم الجمالية للشكل في العمل الفني العراقي القديم لاسيما الألواح النذرية السومرية ؟ <br />أهمية البحث : على وفق التعالق الفلسفي بين العمل الفني وجمالية الشكل يرى الباحثان أن البحث يمثل نافذة لتسليط الضوء على هذا الاتصال من خلال دراسة مفهوم الشكل وجماليته بوصفه مفهوماً فلسفياً عُنُي به كمصطلح في بواكير الفلسفة اليونانية ومازال يعنى به إلى جانب ذلك يعد الشكل عنصراً مؤثراً في البناء الجمالي التكويني للعمل الفني التشكيلي ، لذا تكمن أهمية البحث من قياس المصطلح رغم عصرنته في عمل فني يعود إلى الألف الثالث قبل الميلاد .<br />هدف البحث : يسعى الباحثان إلى دراسة جمالية الشكل في الألواح النذرية السومرية ـ دراسة تحليلية ـ<br />تحديد المصطلحات : <br /> الجمالية <br /> لغـةً : الجمال " و( الجمال ) الحسن وقد ( جمل ) الرجل بالضم ( جمالاً ) فهو ( جميل ) والمرأة ( جميلة ) و ( جملاء ) أيضاً بالفتح والمد " (م 3 ، ص 111 ) .<br /> " الجمال ( علم ) في الانكليزية (Aesthetics ) وفي اليونانية ( Aisthètikos ) ، علم الجمال علم يبحث في شروط الجمال ، ومقاييسه ، ونظرياته ، وفي الذوق الفني ، وفي أحكام القيم المتعلقة بالآثار الفنية ، وهو باب من الفلسفة ... والجمالي ( Esthètique, adj. ) هو المنسوب إلى الجمال ، تقول الشعور الجمالي ، والحكم الجمالي ، والنشاط الجمالي ... ) ( م 4 ، ص 408 ـ 409 ) .<br /> اصطلاحاً : الجمالية ، الجمال عند هربرت ريد " الجمال هو وحدة للعلاقات الشكلية بين الأشياء التي تدركها حواسنا " (م 5 ،ص 37 ) .<br /> الشكل<br /> لغـةً : الشكل " ش ك ل ـ ( الشكل ) بالفتح المثل والجمع ( أشكال ) و ( شكول ) ... وقوله تعالى " قل كل يعمل على شاكلته " أي على جديلته وطريقته وجهته .... و( ألمشاكلة ) الموافقة و ( التشاكل ) مثله (م 6 ، ص 344 ـ 345 ) .<br /> اصطلاحاً: الشكل عند جون ديوي بأنه " عملية تنظيم للعناصر المكونة أو الأجزاء المركبة " ( م 7 ، ص 193 ) .<br /> وعرفه أرنست فيشر إن " مانسميه شكلاً إنما هو تجميع للمادة بطريقة معينة ، ترتيب معين لها ، حالة نسبية من حالات استقرارها " ( م 8 ، ص 164 ) .<br />ألألواح النذرية : " قطع حجرية هندسية بعضها مهذبة الحدود الخارجية ، وهي أما مربعة الشكل أو مستطيلة مثقوبة في الوسط بثقب دائري أو مربع لغرض تثبيتها أو تعليقها على جدران المعابد أو القصور ، وهي تمثل البواكير الأولى لفن الإعلان ، مضامين الألواح احتفالية الزواج المقدس التي تقام سنوياً لتنشيط مظاهر الطبيعة ، شخوصها بمثابة رموز تؤدي ممارسات طقوسية بوصفها نشاطاً اجتماعياً " ( م 9 ، ص 140 ) .<br /><br /><br /><br /><br /><br />الفصل الثاني<br /> الإطار النظري <br />المبحث الأول : مفهوم الشكل في النظريات الفلسفية<br /> للشكل وجماليته مكان مؤثر في الفكر الفلسفي منذ أن وجدت الفلسفة وأصبح علم الجمال أحد أقطابها الثلاثة ، وربما عدت الفلسفة اليونانية الرائدة في دراسة الشكل منذ أفلاطون ( 427 – 347 ق . م ) الذي صور الفن بمثابة محاكاة للصورة الطبيعية الواقعية وأن الشكل المجرد هو ما دعا إليه كتقسيم أولي وتبعه بالشكل الحقيقي ثم القسم الثالث وأسماه بالشكل الحاكي ، إجمالاً ميز افلاطون بين الشكل النسبي والمطلق فالنسبي هو ما كانت نسبته وجماله موروثة في طبيعة الأشياء وطبيعة الصورة المقلدة ( محاكاة ) ، أما المطلق فهو يراه الصورة أو التجريد الذي يتكون من الأشكال الهندسية ( الخطوط والمساحات والكتل ) ( م 10 ، ص 75 ) ، بينما يراه أرسطو ( 384 – 322 ق . م ) إن الفن وبالخصوص الشكل هو غير ما كان ظاهراً في الواقع ، بل انه يبث ما يكتنز من معنى وهو التركيب الملموس القابل للإحساس الخاص بشيء ما بمعنى أنها محاكاة لجوهر الأشياء بغية اكتمالها ( م 11 ، ص 243 ) <br /> وخلاصة فقد اعتبر الفلاسفة اليونانيون " إن الشكل يستحيل إلى أقصى غايات الجمال عندما يبتعد عن تصوير الموجودات و يبقى شكلاً هندسياً مجرداً ، اذ يرى سقراط أن الأشكال الهندسية هي أشكال جميلة دائماً وبالطبيعة وعلى وجه الإطلاق ، إما أفلاطون فيرى أن ما يجعل الشيء جميل هو الشكل وليس المضمون " (م 12 ، ص8 ) .<br /> ويبقى رأي جيروم ستولينتز مهماً في تبنيه لمعنى الشكل فيحدد بذلك وظائفه بجلاء فيجملها بأن " الشكل يضبط إدراك المشاهد ويرشده ، ويوجه انتباهه في اتجاه معين بحيث يكون العمل واضحاً ومفهوماً وموحداً في نظره ، وأنه يرتب عناصر العمل على نحو من شأنه إبراز قيمتها الحسية والتعبيرية ، وإن التنظيم الشكلي له في ذاته قيمة جمالية كاملة " ( م 13ص 353 ) .<br /> وتحدَدَ رأي سوزان لانكر للشكل بصفتها جمالية معاصرة من اهتمامها الأساس بالصورة الفنية Artistic Image ) ) لأنها ترى الفن شكلاً أو صورةً مهمته التعبير عن القيم الوجدانية ، وأن الفهم الوجداني للفن يتطلب انزياحاً نحو التجريد الملتصق فهمه أساساً على الرمز ، والعكس صحيح ، لذا فالتعبير عن الحقيقة تقتضي التجريد من الحقيقة ذاتها في قابليته التعبير عن القيم الوجدانية بصيغة إبداع معبر وهو خلاصة رأيها في الفن ( م 14 ، ص 41 ) .<br /> أما موقف الجماليين الشكلانيين في دفاعهم عن الفن الأوروبي أوائل القرن العشرين ابتداءاً من الانطباعية التي حجمت التقاليد الفنية السابقة وثارت عليها ، وذلك لأن هؤلاء الفنانين قللوا من قدسية المحاكاة للموضوع الواقعي وأكدوا على التصميم الشكلي وتركز اهتمامهم على إظهار مكامن الشيء الذي يرسمونه لا على ما يمثله ، ولقد تبنى كل من ( كلايف بل Clive Bell و روجر فراي Roger Fry ( أهم الشكلانيين الانكليز موقفاً مضاداً لمبدأ المحاكاة في التصوير أنها تفتقر إلى التجربة الجمالية ، واتخذوا موقفاً داعماً للفن الحديث في أوروبا وقد حددا إن تعالق عناصر الفن فيما بينها يؤدي إلى عمل فني متكامل وصفوه بالشكل المعبر أو بالشكل ذي الدلالة ( significant form ) الذي يبث التجربة من خلال العلاقة الشكلية في إثارتها الانفعال الجمالي للمتلقي المنزه عن الغرض النفعي ، ولإدراك الشكل لابد من الإحساس بالشكل واللون والخط فكرة وامتزاج الخط بطريقة تحفز عواطفنا الجمالية وهي الخصيصة الوحيدة المشتركة في الفنون البصرية كافة (م 15 . ص 204 ) .<br /> في حين ترى النظرية الشكلية إن الفن منفصل عن الأفعال والموضوعات التي تتألف منها التجربة المعتادة ، لأن الفن كيان قائم بذاته وإن أشكاله لاتمثل الطبيعة من قريب أو بعيد ن لكن تنظيم هذه الأشكال يوحي بالمعاني وهذا ما تجسد بالفنون القريبة من التجريد أو التجريدية لذا توجه البناء الجمالي حيال البناء الشكلي الخالص (م 16 ، ص 49 ) .<br /> والنظرية الجمالية الشكلية قد أعقبت الرؤية الإغريقية للفن على انه محاكاة وطرح يوافق الطبيعة والواقع مع الفوارق الذاتية بين فلاسفة الإغريق ورؤيتهم لنظرية المحاكاة بين التمثيل المباشر الحرفي واقتران الشكل الطبيعي وبين السمو به فوق ماهو متصور فيه ، وهذه مقارنة أنتجت رأيين متقاربين مابين افلاطون وأرسطو مع الفارق السابق ، لذا جاءت النظرية الشكلية تلاحقها لتُشكِل عليها وتفندها وتمثل رد فعل للتطور الحاصل في المجتمع والفنون وتزيحها من أماكنها تنفيذاً بيد الفنان وتأويلاً من قبل المتلقي ، فعمدت إلى تفعيل الرؤية الجديدة للفن ، وقد تزامن هذا الطرح مع انبثاق موجة الانطباعيين الجمالية ورؤيتهم الفلسفية للفن والعمل الفني ، فحرروا ذواتهم من القيود الصارمة رغم المعارضة الشديدة والإقصاء من قبل منظري وفناني السلوك السائد آنذاك لذا أهملوا المضمون السردي والأسطوري المتعارف عليه ، واتجهوا حيال الشكل والتنظيم الجديد لبنية العمل الفني ، وما تولد من فلسفات جمالية دعت إلى نخبوية الفن والى عزوفه عن الطرح والتلقي الساذج توافقاً مع الفلسفات التي ظهرت في الربع الأخير من القرن التاسع عشر وبواكير القرن العشرين وبالخصوص مبدأ تحليل الفن لأجل الفن بعيداً عن الغرض النفعي والوظيفي ، وعلى وفق ما تقدم ترى النظرية الشكلية إن الفن ينافي النقل الحرفي ومحاكاة الواقع لقابليته على استشفاف الواقع وقراءته وتصويره بطريقة ليست عشوائية إنما يبحث في دقائق ومكنونات الواقع ليقدم لنا صورة ذات قيمة جمالية بعيدة عن الغرض النفعي ، وهذا الفهم توضح عند الفيلسوف الجمالي ( عمانوئيل كانت ) الذي يعد " الشكل هو العنصر الأساس في بعث الجمال في العمل الفني وان البناء الشكلي تمثل أهم المرتكزات التنظيرية التي يستمدها النقد الحديث " ( م 17 ، ص 37 ) . <br /> أن المضمون يبقى هامشياً ما لم يكن للشكل دلالة ، كما دعا إليها الشكلانيون أو صورة رمزية عند ( سوزان لانكر ) أو علامة أو إشارة كما في الدراسات السيميائية ، لذا فإن سلطة الشكل تمحورت في الخطاب الجمالي مابين الظهور بقوة أو الخفوت حد الإهمال . مؤكدين على وجوده وتبادله الأدوار مع المضمون أو مشاكلته الواقع . <br /><br />المبحث الثاني : الشكل وجماليته في العمل الفني<br /> يعد الشكل من العناصر الجمالية للتكوين ذا أهمية بالغة لما له من تأثير مباشر على بث الجمال في العمل الفني وإحالته إلى قيمة تعبيرية يجد فيها الفنان ضالته في الولوج إلى أكثر من عالم كامن في المنظومة الجمالية منها القيمة التعبيرية والرؤية الفكرية التي يبثها المنجز ، فضلاً عن تأكيده واستشرافه للمنظومات البصرية والمدركات الحسية ، هذه القابلية البصرية قد تشترك فيها معظم عناصر العمل الفني بيد إنها تختص بعمق في قابلية الشكل عن الإيحاء والإفصاح عن ماهية العمل الفني ، لذا يعد الشكل بمثابة الإطار الجامع لكل العناصر الداخلة في تفاصيل العمل الفني ولابد لهذه العناصر أن تلتقي ضمن منظومة علاقات تبث معنىً يوحي به الشكل ، وبالضرورة الحتمية تبقى الأعمال الفنية الخالدة تعبر عن خصوصيتها من خلال الأشكال التي تتوحد لتخلق شكلاً يثير حواسنا ويمتعنا جمالياً عبر اشتراك وتوحد كل العناصر ودراستها مجزأةً ومن ثم قابلية ارتباطها مع بعضها (م 18 ، ص 63 ) .<br /> فمن خلال تعريف ( هربرت ريد ) فلم يفرق بين الشكل وبين الهيئة التي تجسد العمل الفني ، فهو يرى أن البناء المعماري والعمل التشكيلي والمنجز الأدبي والموسيقي جميعها لها شكلاً معيناً وهو يمثل الهيئة التي يتخذها العمل الفني (19 . ص 11 ) ، بينما يفرق ( أرنهايم ) بين الشكل ( Form ) وبين الهيئة Shape) ) التي يصفها بأنها الجوانب المكانية التي تؤطر المظهر الخارجي للأشياء ، وان الهيئة هي شكل لمحتوى ما ، مع إن المحتوى أو المضمون ليس بالضرورة أن يكون مادة الموضوع أو خامته ( م 20 . ص243 ) . <br /> الشكل Form ) ) هو أحد العناصر التي يشترط ترتيبها لتحقيق الغاية الجمالية ، وإن رؤية الفنان في تبنيه لهذه العناصر وهي ما تعطي للعمل صورته النهائية لكن هذه العناصر مترابطة ومتعالقة بشكل كبير ، وبالخصوص فإن الشكل لايمكن توضيح بنيته ما لم يمكن الإحساس بالفضاء Space لاسيما في العمل النحتي ، على الرغم من أن الفضاء يتحدد بجلاء في وجود العمل النحتي المجسم أو بوجود الشكل ذي الأبعاد الثلاثة ، وان هذه العلاقة مابين الشكل والفضاء لها دور أساسي في إضفاء النسق الجمالي ، فضلاً عن وجود عناصر أخرى يبلورها النحات للوصول إلى المنجز النحتي النهائي كالنسيج Texture) ) والمادة أو اللون في بعض الأعمال النحتية والخط الذي يعد جزءاً من عنصر الشكل ، وخلاصةً فإن العناصر التشكيلية بالنسبة للفنان هي وسائل مساعدة للوصول إلى المنجز النهائي ، وعملية انتقاء هذه العناصر ووضعها في بوتقة متمازجة يفضي بالعمل الفني إلى ابتعاده عن العشوائية مما يزيد من التجربة والاستجابة الجماليتين (م 21 ، ص 86 _ 95 ) <br /> ومع نهاية القرن التاسع عشر أصبح العمل الفني ينحو خارج نسق المحيط والجنوح إلى مشاكسة المتلقي فأصبح الشكل بمثابة الإشكالية الأهم ظهوراً في الفن ، فلم يعد محاكاة لما تراه العين الباصرة ، وعليه لم يعد الشكل حينها عنصراً وصفياً ، بل قيمة تعبيرية تنشّط قابلية التلقي في قراءة الدلالات وما تبث من معنى ، لذا تبوء الفن مكانة أهّلته في تنمية القابلية الثقافية والفلسفية للمجتمع " الفن وسيلة ومحاولة لإيصال الأفكار والخلجات الإنسانية " ( م 21 ، ص 33 ) ، ولأن الشكل منظومة جذب في البنى التكوينية الجمالية للعمل الفني فقد يغفل استيضاحه في بعض المنجزات الفنية لاسيما إذا كانت هيمنة الفنان على المادة والخامة ليست ذات تأثير واضح ، وبالتالي قد تخفت قابلية الشكل على الظهور بقوة فتقل قيمته في الخطاب البصري بفعل تناقص إمكانيات الفنان لأدواته الفنية التي تقلل من هيمنة المادة عنده . وعلى الإجمال فان الانزياح النسبي للاتجاه الواقعي لمنظومة الفن أهّلَ الاتجاه الشكلي للظهور كرد فعل للمتغيرات التي طرأت في المجتمع الغربي فلسفياً وعلمياً وسياسياً فتركز الاتجاه الشكلي بوصفه تأصيلاً لمنظومة الباعث الجمالي سمة النظرية الشكلية التي مهدت لظهور الفن المعاصر المحمول بالقيمة التعبيرية والجمالية ، فتحققت بذلك القدرة التعبيرية التي تمفصلت على الشكل بوصفه خط الشروع مابين القيم السائدة وماآل إليه التطور في الفن كإبداع تجاوز حدود المألوف ، فلم يعد حينها الشكل نظاماً أزاح التفصيلات الدقيقة أومحاكاة حصراً إنما تضمن العمل الفني علاقات مترابطة من الكتل والألوان والخطوط أرست للموضوع أن يتجاوز حدوده باتجاه القيم التعبيرية بعيداً عن الصورة البصرية الحرفية ، فضلاً عن ذلك أن الاتجاه الشكلي في منظومة الفن لاتعني بالضرورة تحطيم الصورة الأيقونية في العمل الفني بالكامل ، إنما هو تأهيل للرؤية البصرية بوصفها خارجة عن منظومة النتاج الفني لسبر أغوار العمل الفني واستنطاقه وقراءته وتأويله على وفق النضج البصري والذهني لدى المتلقي <br /> وبفعل الملكة الإبداعية عند ( سيزان ) فقد اتخذ الشكل لفظاً جمالياُ ومنه ظهرت تسمية النظرية الشكلية فقد خلق تجاوباً انطباعياً متيناً بين العلاقات المكانية الممتدة خلال السطح البصري إلى المتلقي فيشعر بالحركة والتوتر ، ونتيجة العلاقات الشكلية بين الكتل المصورة أخذت تؤلف جزءاً من معنى الشكل عند الفنان كخطوة من الإقلال من أهمية الموضوع والتخلي عن المحاكاة ، يشاطره النحات ( رودان ) في تعليقه عن الموضوع " إن امرأة أو جبلاً أو حصاناً تتساوى كلها في الأهمية بالنسبة إلى أغراض النحت "( م 22 ، ص 198 - 199 ) .<br /><br /><br /><br /><br /><br />الفصل الثالث<br /> إجراءات البحث<br />المنهج المستخدم : استخدم الباحثان المنهج الوصفي والتاريخي . <br />أداة البحث : الملاحظة هي الأداة الأكثر توافقاً مع البحث . <br />مجتمع البحث وعينته : بعد الاطلاع على العديد من المصادر التي تطرقت للفن العراقي القديم ولاسيما الفنون النحتية السومرية المدورة والبارزة والاستعانة بالصور ضمن تلك المصادر تمت ملاحظة ( 6 ) ستة ألواح نذرية فقدت أجزاء بعضها وقد تم اختيارها جميعها كعينة للبحث . <br />تحليل العينة .<br />اللوح ( 1 ) : تتمحور الأشكال في هذا اللوح على وفق مفاهيم قصدية وفلسفية ترتبط مباشرة بالمنتج الفني ، فقد استغل الفنان السومري الحاجة الوظيفية في تقسيم الناتج ليؤسس النتيجة الوظيفية والروحية له باعتباره الحد الفاصل بين الطبقتين المهمتين في ذلك الوقت ( الآلهة _ الملك ) واستغل الزاوية العليا من اللوح المربع غير المنتظم الأبعاد وقد وضع الدائرة في مركز المربع ( ويعتقد أن الثقب وضع لغاية وظيفية وهي التعليق وهذا ما قد يخالفه الباحثان لأن الفنان السومري ليس عاجزاً أن يصل إلى وسيلة لتعليق منجزه فيلجأ إلى ثقب منجزه في الوسط إن لم يكن له غاية أخرى يعزوها الباحثان إلى الفلسفة العقائدية السومرية حيال مركز الأشياء والكتل والكون التي تتحد فيها العناصر لمقصد عقائدي لاهوتي ، لذا أصبح الثقب جزءاً مكملاً للبناء الشكلي والجمالي .<br /> وزعت الأشكال بأسلوب يبين الوظيفة القصدية لكل شخص على وفق الحجم والملمس فضلاً على المادة المستخدمة ، وان أسلوب التكرار بان بشكل ملموس كأحد خصائص التكوين الشكلي للفنون العراقية القديمة مما يهيئ إيقاعاً متواتراً ومتناسقاً وقد توضح ذلك في حركة أيدي المتعبدين وهم يضمونها إلى صدورهم كما يمتاز اللوح بمستويين الأعلى مستوى اللوح الأصلي والأسفل هو ما حذف من المادة بشكل بسيط وغير منتظم مما يظهر ويراه الباحثان انه كالرسم على الحجر أقرب منه إلى النحت البارز .<br /> التوازن في اللوح ظهر في التقابل بين الشخوص الكبيرة الحجم لأنهما في وضعية جانبية ( الملك واقفاً والإله في جلسة وقورة متميزة بينما تظهر الشخوص الصغيرة في وضعية أمامية وهم متماثلي الوقفة . وإجمالاً تظهر الأشكال في حوارية سردية تختزل الموضوع العقائدي في شكل مبسط . <br /><br /><br />اللوح ( 2 ) : بأسلوب واع قسم الفنان السومري اللوح إلى أقسام ثلاثة متساوية تقريباً فوضع الثقب المربع في منتصف القسم الأوسط ، ورغم عدم اكتمال اللوح لفقدان أقل من الربع الأسفل في جزءه الأيسر، بني القسم الأعلى من شخوص آدمية فقط وهي تقدم القرابين إلى الإله بينما اشتركت الأشكال الحيوانية مع الأشكال الآدمية في الجزأين السفليين .<br /> يمثل البناء الجمالي قيمة تجسدت في التكرار للشخوص وهم يمارسون بعض الأعمال العقائدية كتقديم القرابين والنذور إلى الآلهة بغية كسب رضاها ، والتكرار اسلوباً مارسه الفنان العراقي القديم واستطاع إنضاجه شكلاً وموضوعاً وخصوصاً في الأختام الاسطوانية ، ليوحي لنا بمنظومة درامية سردية لما يحصل في المعابد ، وبذلك تعد توثيقاً شكلياً وصورياً للحدث الاجتماعي في المعابد والقصور ، ويمثل اللوح التراتب الوجاهي للمتعبدين في مقابلتهم الملك أو الإله ، لذا وضعت الشخوص في القسم الأعلى دلالة لرفعتها بينما وضعت الشخوص الأخرى بجانب الحيوانات في القسمين السفليين بوصفهم من عامة الشعب والعمال والخدم . <br /><br />اللوح ( 3 ) : مربع لم تهذب زواياه فظهر عدم التهذيب على الشكل العام للّوح فاقترب من الشكل الدائري بينما وضعت الدائرة المنتظمة الأبعاد في وسطه وليس لها إطار يحددها ، تحيطه الأشكال الآدمية وهى متوجهة بزاوية نظر نحو جهة اليمين وقد كتبت على اللوح كتابة بحروف مسمارية ملأت المساحات التي خلت من الشخوص ، وربما تبين وضعية الرعية ( الشخوص ذات الأحجام الصغيرة ) بمرتبتين يراهما الباحثان انه انتظار متراتب للقاء الإله ( ذو الحجم الكبير ) مما يوحي التنظيم السلوكي الاجتماعي ، وربما يغاير هذا اللوح بقية الألواح العينة انه لم يؤطّر بإطار خارجي ، وربما لأن القصد من تكوينه التوصل إلى الشكل الدائري مما توضحت هيئته الخارجية انه ذو مستويين لاغير . <br /><br />اللوح ( 4 ) : يتكون اللوح من شخصيتين على جانبيه يتوسطهما إناءاً نذرياً يفيض عطاءاً ، يستند إلى أحد أضلاع المربع الذي يتوسط اللوح مما يهيئ للثقب المربع أن يكون جزءاً أساسياً شكلاً ومضموناً فيعزز رأينا إن الثقب لم يكن لغاية وظيفية حصراً كالتعليق ، إنما يتيح للمتلقي استنطاق البعد الميتافيزيقي خارج الرؤية البصرية الطبيعية المحاكاة ) .<br /> حُدد المنجز بإطار يميزه عن الجزء الخارجي ، كما أُطر المربع الداخلي بإطار يهيئ للمتلقي رؤيتين في آن واحد الأولى تجسد حالة المنظار عند تصور المربع الصغير يندفع إلى العمق ، بينما تتجسد الحالة القدسية إذا تصورنا المربع يندفع إلى الأمام ( الأعلى ) فتتضح الزقورة لغاية طقوسية وهو افتراض يراه الباحثان يسندهما التصور الطقوسي والسمو إلى السماء لاسيما إن الألواح النذرية تعد إعلاناً للتقرب إلى الله وكسب رضاه ، أما التصور الثالث فهو أن اللوح يمثل حالة الزواج المقدس داخل المعابد وإيقاد النيران ومحاولة إسالة الماء لبث حالة السرور المقدس .<br /> إن الجمالية التي يفترضها اللوح تكمن في تخطيه للتكثيف الصوري المحاكاتي للشكل وإمكانية قراءته وتأويله لمل سيؤول إليه الزواج المقدس ، مما يعد العمل الفني انجازاً أقرب للمعاصرة والحداثة التشكيلية لاسيما في العمل التكعيبي من خلال رؤية الشكل في أكثر من زاوية ، فضلاً عن التسطيح الناجم عن إغفال المنظور وإلغاء التشريح . <br />اللوح ( 5 ) : الصورة البصرية للوح مكونة من مقطعين علوي وسفلي بينهما شريط فاصل وضع الثقب المربع وسط الشريط وبذلك يكون مركز اللوح لغرض تعليقه وتثبيته على جدران المعابد ، وقد حصرت الأشكال في اللوح بصفتها محور الخطاب البصري للوح ( عملية تقديم القرابين من الملك والرعية للإله وهو في حالة جلوس) ، يوحي اللوح بعميلة ترتيب التقرب إلى الإله وهي تبدأ من المستوى الأسفل وتنتهي عند الإله ذو الحجم الكبير ، إن القيمة التشكيلية والتأثيرية للشخص تبدأ من حجمه الصغير والكبير لذا رتبت الأحجام وأهميتها كل حسب وقربها من الملك أو الإله . ويمثل الثقب المربع الذي يتمركز اللوح بعداً جمالياً في الإنشاء التصويري ، لأنه يأخذ مساحة في فضاء المنجز ويتناسب وإيقاع الشكل مع تفاصيل اللوح الأخرى ، فيحيل الثقب في الإطار الفاصل بين المستويين من مساحة صماء جامدة إلى كتلة حيوية متحركة تبث معنىً يعزز البناء الشكلي جمالياً ووظيفياً . <br /><br />اللوح ( 6 ) : البناء الجمالي للوح يختلف شكلاً ومضموناً عن الألواح النذرية الأخرى ( عينة البحث ) مرده الغنى الفكري والجمالي لحضارة العراق القديم وقدرة الفنان في تجسيد الصورة الطقوسية وإمكانيته في بث رسائله عبر منظومة من الدلالات الصورية للمشهد ، وقد قسم اللوح إلى ثلاث أقسام مستطيلة وأفقية تقريباً ، وقد تضمنت الأقسام خطوط هندسية متموجة ومتداخلة وحيوان بجسد ثور ورأس نسر ونقوش بحروف مسمارية . الثقب في اللوح يؤطره شكل مربع يغاير الألواح الأخرى لأنه ثقب دائري ينحدر إلى العمق . وكسمة لصيقة بالفن السومري مثل إلغاء المنظور والتشريح تظهر الأشكال الآدمية والحيوانية بوجه جانبي وجسد أمامي . <br /><br />الفصل الرابع<br />النتائج والاستنتاجات<br />النتائج :<br />من تحليل الألواح النذرية الستة ( عينة البحث ) توصل الباحثان إلى النتائج الآتية :<br />1ـ يرى الباحثان أمران مهمان وهما أن الألواح إن كانت قد نفذت بيد فنان واحد فذلك يعني امتلاكه وعياً إبداعياً تجاوز حدود الأسلوبية بوصفها مصطلحاً معاصراً لتنوع مضامين الألواح وتنوع الأساليب التقنية فضلاً عن استخدام التنوع الشكلي لاسيما البناء الجمالي التكويني ، أما الأمر الثاني فهو تعدد الفنانين وذلك يعني أن هناك نضجاً جمعياً للقيم الجمالية والفكرية يكتنفها المجتمع السومري . <br />2ـ إن الشكل بوصفه عنصراً بنائياً يعد أساساً في الألواح النذرية مما يضفي طابعاً جمالياً يفيض قيمة فكرية كامنة . <br />3ـ يفترض الفنان العراقي القديم في الألواح النذرية بعداً فلسفياً يعد محركاً للقيم المرجعية الطقوسية مما يبث نصاً درامياً يشكله البناء الجمالي التكويني للأشكال في اللوح النذري .<br />4ـ رغم التصوير الواقعي للأشخاص ( الإله ، الملك ، الرعية ) ، إلا أن هذا التصوير لم يكن لغاية النقل الحرفي المحاكاتي ، بل يكتنز داخل هذه الشخصيات بعداً فكرياً يؤطر الواقع الاجتماعي والسياسي للمرحلة <br />5ـ إن الثقوب التي تتوسط الألواح يراها الباحثان لا للتعليق أو لبث الإعلان حصراً ، إنما تؤكد على سيادة الشكل الهندسي وتضايفه مع الأشكال الأخرى ( الشخوص والكتابة والزخارف ) وهي بمجملها تتضايف مع العمارة أو المعابد .<br />6ـ يعد اللوح النذري مرحلة مهمة في التاريخ السومري وبالخصوص تاريخ التشكيل في سومر ، وهو انجاز إبداعي متميز يمثل الحقيقة الصورية ، وان الفنان لم يحاك الطبيعة ويستنسخها بل استنطق القيمة الفكرية والجمالية للواقع .<br />7ـ تبث الألواح النذرية أنظمة متعالقة بشكل يمكن تأملها وقراءتها وتأويلها بأكثر من اتجاه ، منها النظام البنائي وقابلية الإيحاء الجمالي للشكل بفعل العلاقات بين السطوح والأشكال والتأكيد على الخط الخارجي ( التحديد ) ليؤكد على أسس الرسم على الحجر أو الطين ، فضلاً عن التوهج التعبيري والسردي للعمل الفني الذي منه بجعل الشكل إشعاعاً جمالياً . <br /><br /><br />الاستنتاجات<br />من خلال النتائج استنتج الباحثان ما يأتي :<br /> إن تدارس وتحليل الإبداع الإنساني لاسيما الإبداع السومري بكل تمرحلاته الزمنية والمكانية يفترض الركون إلى الأسس المرجعية العقائدية والسياسية والاجتماعية والسلوكية ، وعلاقة هذه المرجعيات فيما بينها ، لأن الأثر الناتج يمثل صورة للمنظومة الثقافية الواعية في سومر ، وهو بذلك منفذاً للثقافة العراقية القديمة وفلسفتها الجمالية والفكرية ، وإن التحليل الشكلي للأثر السومري وما يؤولا إليه يمكن توافقه على منهج متقارب ، إن لم يكن منهجاً واحدا ً ، فالرؤية الشكلية تفترض العمل الفني إغراقه في مخابئ الصورة المنظورة دون النظر إلى الهيئة الخارجية المحيطية للصورة ، وإن المضمون لم يعد إحساساً ظاهرياً إنما تقصياً لذات المنجز الفكرية عبر التقنية التعبيرية للأشكال ، لذا افترضت قصدية الفنان في منجزه الآيلة إلى تحطيم الصورة الطبيعية ( الأيقونية ) لتوسيع حركة انفتاح العلامة الكامنة في بنية العلاقة بين الشكل الظاهر ( الدال ) والمضمون الكامن ( المدلول ) فسعى إلى إزاحة الشكل الطبيعي المرئي إلى مخابئه الجوهرية وصولاً لعدم محدودية الدلالة ، وهو تسامي في الطرح والإبداع لما هو فوق الواقع لكشف الصيغة الحقيقية ، فكان التباين في زوايا النظر وإلغاء المنظور ( الوجه جانبي ، العينان أمامية ، الصدر أمامي ، الساقين جانبيين ) <br /><br />المقترحات : يقترح الباحثان الاهتمام بالمنجز العراقي القديم والعناية بالألواح النذرية خاصة ووضعها في متحف خاص بها بعد استقدامها من غربتها .<br />التوصيات : يوصي الباحثان بدراسة الألواح النذرية من جوانب أخرى يمكن لها أن تكمل ما بدأت به الدراسة الحالية .<br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br />ثبت المصادر<br />ثبتت المصادر حسب ورودها في متن البحث : <br /> <br />1 ـ د .شاكر عبد الحميد ، العملية الإبداعية في فن التصوير ، سلسلة عالم المعرفة ، مطابع الرسالة ، الكويت 1987 . <br />2 ـ د. باسم عبدالأمير الأعسم ، مفهوم الشكل في الخطاب المسرحي ، المجلة القطرية للفنون العدد 1 السنة الأولى وزارة التعليم العالي والبحث العلمي ، بغداد ، جمهورية العراق 1422 هـ 2001 م <br />3 ـ الشيخ الإمام محمد بن أبي بكر بن عبدالقادر الرازي ، مختار الصحاح ، دار التراث العربي للطباعة والنشر ، السنة بلا . <br />4ـ الدكتور جميل صليبا ، المعجم الفلسفي ، الجزء الأول ، مطبعة سليمان زاده الطبعة الأولى ، قم ، إيران ، 1385 . <br />5ـ هربرت ريد ، معنى الفن ، ترجمة سامي خشبة ، ط 1 ، طبع ونشر دار الشؤون الثقافية العامة ، بغداد 1986 .ص 37 .<br />6ـ الشيخ الإمام محمد بن أبي بكر بن عبدالقادر الرازي ، المصدر نفسه . <br />7ـ جون ديوي ، الفن خبرة ، ترجمة زكريا إبراهيم ، دار النهضة العربية ، القاهرة 1963 <br />8ـ ارنست فيشر ، ضرورة الفن ، ترجمة اسعد حليم ، القاهرة ، الهيئة المصرية العامة للتأليف والنشر ، 1971 .<br />9ـ د. زهير صاحب ، الفنون السومرية ، سلسلة عشتار الثقافية ، إصدار جمعية الفنانين التشكيليين العراقيين ، طبع في دار إيكال للطباعة والتصميم ، بغداد 2005 . <br />10ـ هربرت ريد ، المصدر نفسه . <br />11ـ د. شاكرعبدالحميد ، المصدر نفسه . <br />12ـ شاكر عبد الحميد ، التفضيل الجمالي دراسة في سيكولوجيا التذوق الفني ، سلسلة عالم المعرفة العدد 267 ، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب ، مطابع الوطن ، الكويت ، 2001 . ص 8 . <br />13ـ جيروم ستولنتز ، النقد الفني دراسة جمالية وفلسفية ، ترجمة فؤاد زكريا ، جامعة عين شمس 1974 <br /><br />14ـ ناثان نوبلر ، حوار الرؤية مدخل إلى تذوق الفن والتجربة الجمالية ، ترجمة فخري خليل ، دار المأمون ، بغداد 1987. <br />15ـ دولف رايسر ، بين الفن والعلم ، ترجمة سلمان الواسطي ، دار المأمون ، بغداد ، 1986 . <br />16ـ د. باسم عبدالأمير الأعسم ، المصدر نفسه . <br />17ـ راضي حكيم ، فلسفة الفن عند سوزان لانكر ، ط1 ، دار المأمون ، بغداد 1986 . <br />18ـ هربرت ريد ، المصدر نفسه . <br />19ـ هربرت ريد ، الفن اليوم ، ترجمة محمد فتحي ، دار المعارف القاهرة . <br />20ـ د. شاكرعبدالحميد ، العملية الإبداعية في فن التصوير ، المصدر نفسه. <br />21ـ ناثان نوبلر ، المصدر نفسه . <br />22ـ جيروم ستولنتز ، المصدر نفسه .<br /><br /><br /><br /><br />شارك في المؤتمر العلمي الثالث لجامعة واسط<br />2009 <br />بمشاركة المدرس حسين ماجد عباسأزهر داخل محسنhttp://www.blogger.com/profile/03098343134480779083noreply@blogger.com0tag:blogger.com,1999:blog-6609888417791380236.post-82906891149133474732010-06-02T11:25:00.000-07:002010-06-02T11:31:17.409-07:00الصورة الدرامية في أعمال الفنان محمود صبريملخص البحث<br /> تتقارب الفنون عامة في مجمل عناصرها البنائية ، مما تلتقي وتتآلف في إطارها الجامع لها ، والمسرح الذي يضم كل تلك العناصر لأن المسرح وكما يطلق عليه ( أبو الفنون ) ، لذا عدت المشاهد ( الصور المسرحية ) بمثابة لوحات تشكيلية . وترجمة المسرح لغوياً ( دراما ) ، وهي فعل يحاكي المحيط بواقعية ، فعمد معظم الفنانين إلى تفعيل الحدث الدرامي في منجزهم التشكيلي ذي التوجه التقني القريب من الواقعية كالواقعية التسجيلية والانطباعية والتعبيرية وغيرها من التوجهات التشكيلية التي تشتغل وتقترب من منطقة الواقعية ، ومن هؤلاء الفنان العراقي الرائد محمود صبري في معظم لوحاته ، لذا سعى الباحث إلى دراسة الصورة الدرامية في أعماله ، وشمل البحث أربعة فصول . الأول ( الإطار العام للبحث ) وشمل مشكلة البحث والحاجة إليه وتمثلت بالإجابة عن التساؤل الآتي . كيف جسد الفنان الصورة الدرامية في أعماله التشكيلية ؟ ، وحدد أهمية البحث بتعالق الدراما مع اللوحة التشكيلية ، كما حدد الباحث حدود بحثه موضوعياً بأعمال الفنان ، وأنهى الفصل بتحديد مصطلح الدراما لغوياً واصطلاحياً ثم عرفها إجرائياً ، كما عرف الصورة الدرامية إجرائياً بالركون إلى التعريف الاصطلاحي للعرض المسرحي ، أما الفصل الثاني فقد احتوى مبحثين ، الأول . تاريخ الدراما وعناصرها في العرض المسرحي وآلية بنائها ، والمبحث الثاني شمل الصورة الدرامية في الفنون التشكيلة العراقية . بينما شمل الفصل الثالث إجراءات البحث وتضمن المنهج المستخدم وأداة البحث ومجتمع البحث وعينته وتحليل العينة التي اختيرت قصدياً وهي لوحة ملحمة الجزائر ولوحة نعش الشهيد ولوحة نساء في الانتظار ، أما الفصل الرابع فقد شمل نتائج البحث ومناقشتها ومنها :<br /> أولا : تبنى الفنان في مضامين لوحاته القيمة المعنوية للإنسان بوصفه محور الكون الذي بنت كل تلك الإشكاليات أسسها عليه ، ولم يكن الفنان هو الوحيد في تصدي موضوعة الإنسان ، بيد انه سلط عليه الضوء من جوانب خاصة سياسية أم اجتماعية أم فكرية .<br />ثانيا : سعى الفنان في أعماله إلى مزاوجة الصورة التشكيلية مع الصورة المتحركة فبثت الصورة الدرامية بوضوح .<br />ثالثا : كما سعى إلى مشاكسة المتلقي من خلال الانفعال الذي يولده العمل على إن الصورة التشكيلية تمس المتلقي في دقائق حياته التفصيلية ليرى المتلقي ذاته في كل عمل .<br />رابعا : لم يفصل الفنان موضوعه السياسي عن الهاجس الاجتماعي ، لذا جسد حالة الحرمان المتسلط على المجتمع بفعل الضغوط السياسية .<br />خامسا : يرى الباحث أن الأعمال لاتكتمل صورتها التشكيلية إلا بوجود الثالوث وهو انفعال المتلقي .<br />سادسا : اعتمد الفنان اسلوب الإنارة المسرحية في أعماله لغاية وظيفية ينبغي منها استثارة الفعل الدرامي بوصفه الطريق الأصوب والأيسر في تفعيل المجتمع .<br />سابعا : لم يجسد الفنان القيمة الدرامية بشقيها الدرامي والتراجيدي لتلتقي بالتراجيديا لأن المضامين المأساوية التي يعرضها الواقع السياسي المتأزم تنحو حيال التراجيديا ، لذا عمد إلى استثارة العواطف لغاية تعبوية .<br />ثامناً : وبفعل الخلفية الأيدلوجية للفنان وقراءته للواقعية الاشتراكية أدباًً وفناً وسياسة استطاع أن يوظف منجزه ضمن هذا السياق . <br /> كما اقترح الباحث وأوصى ببعض الأمور وقبل ختام بحثه بثبت المصادر تطرق الباحث إلى سطور مختصرة تعريفية بالفنان أفرد لها ملحقا خاصاً بها . <br /><br />الفصل الأول<br /><br />الإطار العام للبحث<br />مشكلة البحث والحاجة إليه :<br /> لاريب أن الفنون بكل تنوعاتها تتقارب وتتداخل في معظم عناصرها ، فعناصر المسرح والسينما والتشكيل والموسيقى والأدب ، جميعها تتداخل مع بعضها ، ولعل المسرح بوصفه الإطار العام لمجمل الفنون الأخرى ، فهو الجامع لكل العناصر التي تختص بها تلك الفنون ، ولأن الدراما نسغ الفنون التي تحاكي الواقع لأنها تمثل الفعل المتحول في المشاهد المصورة كما في المسرح والسينما بفعل تعاقب الصور المرئية أو في الشعر والأدب كما في الصور المتخيلة ، هذه الصور مؤطرة بعناصر جمالية ، في كل جزئياتها هي لوحات تشكيلية . فالمسرحية مجموعة لوحات تشكيلية تراتبت فشكلت الدراما ، لذا يعمد بعض الفنانين إلى إذكاء الفعل الدرامي وعناصر بنائه في العمل التشكيلي لاسيما جداريات الرسم أو النحت أو الخزف . وكان الفنان محمود صبري أحد الفنانين العراقيين الرواد ممن وظفوا الصورة الدرامية في أعماله التشكيلية ( الرسم ) . لذا تولدت مشكلة يسعى الباحث إلى الكشف عن آلياتها على وفق تعالقات الفنون مع بعضها لاسيما تعالق الدراما مع التشكيل .<br /> وعلى ضوء مشكلة البحث تتولد إجابات الباحث عن التساؤل الآتي : <br /> كيف جسد الفنان الصورة الدرامية في أعماله ؟<br />أهمية البحث : <br /> تتحدد أهمية البحث من خلال تعريف المتلقي بعلاقة الفنون البصرية مع الفنون التشكيلية ، لاسيما تعالق الصورة الدرامية مع التشكيل .<br />هدف البحث :<br /> يهدف الباحث إلى الكشف عن الصورة الدرامية في أعمال الفنان العراقي الرائد محمود صبري .<br />حدود البحث :<br /> الحدود الموضوعية : أعمال الفنان محمود صبري .<br />تحديد المصطلحات : <br />الدراما :<br /> لغــةًً <br />" (dra.ma) . الدراما ( أ ) المسرحية ، ( ب ) الفن والأدب المسرحي ، ( ج ) حالة . أو سلسلة أحداث تنطوي على تضارب عنيف أو مشوق بين قوى مختلفة . <br />) dra . mat . ic ) ( أ ) درامي ، مسرحي ، ( ب ) مفاجئ ، مثير ، دراماتيكي .<br />( dram . a . tize ) يمسرح ( أ ) يفرغ في قالب مسرحي ، ( ب ) يصور . أو يعبر عن ، بطريقة مسرحية " ( م 1. ص37 ) .<br />ـ والدراما مصطلح يدل على كتابة الحوار نثراً أو شعراً ، أو تمثيلية إيمائية تروي قصة صراع أو مقارنة بين شخصيتين ، وهي باب من أبواب الأدب ، وفي اللاتينية تعني ( تمثيلية ) وفي الإغريقية تعني ( التمثيلية والفعل المسرحي ) ( م2 . ص 365 ) .<br />والدراما حسب القاموس The oxford companion To The Theatre هي " اصطلاح يطلق على أي موقف ينطوي على صراع ، ويتضمن تحليلاً لهذا الصراع عن طريق افتراض وجود شخصيات ... وأي حوار بدائي يتضمن غناءً ورقصاً يمكن اعتباره دراما " ( م 3 . ص 28 ) .<br /><br /> <br /> اصطلاحاً<br /> الدراما " لفظة تطلق " على مثل تلك المنظومات - المسرحيات – التي تقدم أشخاصاً وهم يؤدون أفعالاً ( م 4 . ص 73 )<br />الدراما " شكل فني مبني على فعل يستند إلى المحاكاة " ( م 5 . ص 9 ) .<br />" الدراما محاكاة لحدث واحد كامل . تترابط أجزاؤه بعضها مع البعض بحيث لو حذف بعضها أو تغير مكانه تغير الحدث كله أو انعدم . فمن البديهي إن الجزء الذي يمكن حذفه أو تغييره من دون أن يؤثر هذا على الكل ليس جزءاً من الكل .. " ( م 6 . ص 17 ) .<br />وهي " اصطلاح يطلق على أي موقف أدبي أو فني ينطوي على صراع ، ويتضمن تحليلاً له عن طريق افتراض وجود أشخاص ، أو بأنها مجموعة مسرحيات تتشابه في الأسلوب أو في المضمون " ( م 7 . ص 67 ) .<br />التعريف الإجرائي <br /> الدراما فعل محاكاتي يبتغى منه نقل الواقع بصدق للمتلقي ومحاولة استثارته وتفعيله انسجاماً مع المحيط . وقد اتصل مع الفعل الحركي أكثر من اتصاله مع الصورة بيد إن الباحث افترض أن الفعل الحركي مجموعة صور متراتبة ، كل واحدة منها تمثل لوحة تشكيلية تمتلك مقومات العمل التشكيلي الجمالي .<br /><br /> الصورة الدرامية :<br /> التعريف الإجرائي <br /> لم يجد الباحث تعريفاً دقيقاً لمصطلح الصورة الدرامية لذا استقى من تعريف المبارك للعرض المسرحي " انه فعل مزدوج يمثل حالة انتقال من نظام لغوي مكتوب إلى نظام ثنائي لغوي وغير لغوي بفعل الإنتاج " ( م 8 . ص 1 ) ويمكن للباحث أن يؤسس تعريفاً إجرائياً من توافق العرض المسرحي مع الصورة الدرامية . وهي عملية مزاوجة بين الرؤية البصرية والفعل المتولد من العملية الإخراجية للنص المسرحي بوصفه نتاجا أدبيا فأحاله إلى منجز تشكيلي ، لأنه يمثل حالة انتقال من المنجز اللغوي إلى المنجز البصري المتأتي من النظام اللغوي وغير اللغوي .<br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br />الفصل الثاني<br />الإطار النظري<br /> المبحث الأول <br /> 1 _ الدراما . نبذة تاريخية .<br /> أشارت الدراسات التاريخية إلى المنبع الأساس للدراما وعزتها إلى نتاج أغنية تقليدية ورقص لسلوك طقوسي ديني يبث قوة الحياة وانتصارها على الفناء والموت ، وتوصلت تلك الدراسات إلى أن أصل الدراما في مصر يعود إلى الفترة مابين 4000 وسنة 3000 ق . م من خلال الرسومات الجدارية الفرعونية ، كما ظهرت مصاحبة للطقوس الدينية في آسيا وجنوب شرق آسيا إلا أن تطورها الأكثر اتساعاً كان في اليونان ليعد منها أصل الفكر الدرامي الأوروبي في المسرح الروماني كما أوضحها أرسطو في كتابه الشعر وعليه فإن الدراما والدين تلازما بقوة في التاريخ ولهما جذر مشترك بحيث يمكن تفسير تلاقيهما من خلال استحالة تحليل أحدهما دون الرجوع إلى الآخر ( م 9 . ص 23 _ 33 ) .<br /> الدراما جنس أدبي تخطى حدود الأدب ليتحقق في الفنون الأخرى كالمسرح والسينما والتلفزيون ، كما تعداها إلى العمل التشكيلي ، وتعد انعكاساً قيمياً للمجتمع الذي ولدت فيه ومنه ، فضلاً عن تقويمها لسلوكيات وثقافة المجتمع ، إلى جانب تصويرها للمثل العليا والجمالية على وفق عصرنة مواقفها وتنوع توجهاتها ( م 10 . ص 175 ) . ولكون الدراما ذات قدرة على هيكلة العلاقات الإنسانية وبنائها من خلال تأثيرها الاجتماعي واتصالها مع المتلقي ، مما يفرز مفاهيماً على ضوء مشاهداته للأحداث وإمكانية استجابته نفسياً واجتماعياً لتؤول بذلك إلى تبني الحلول التي أفرزتها تلك المشاهدات أو رفضها تبعاً للذائقة الجمالية والفلسفية والأخلاقية مما يتحلى بها المتلقي ، ويتم ذلك عبر عملية تحليل النص الدرامي سواء أكان صورياً تشكيلياًُ أم صورياً حركياً مسرحياً تدعمه عناصر التكوين الأخرى التي تنظم النص جمالياً ( م 11 . ص 19 ) .<br /> الدراما فن أدائي قديم جداً يعتمد الحركة واللغة في توصيل فكرة ما ، وقد عرفها الإنسان ترادف الشعر لأن المسرح القديم ( الروماني والإغريقي ) وفي محاولة بحثه عن أداة التعبير لجأ إلى اللغة التي بنت الشعر وقد تعاضد مع الحركة والإيماءة والرقص لتكون الدراما بشكلها الأكمل ، وجسدها فعلاً ( أسخيلوس ) في المسرح الإغريقي ، كما بنيت الدراما تدريجياً وعلى تعاقب الأجيال ، ونشأت بصورة غريزية في الانسان ومحاكاته ، مما يتعذر تحديد البدايات الأولى لنشوء الدراما بوصفها فناً تمثيلياً ، بيد أن الإغريق هم أول من أنشأ الدراما وعندهم تطورت . وقد زودت الطبيعة الانسان القديم بمقومات الدراما كما زودت الفنون الأخرى ، وإن الفكر الديني والسلوك الطقوسي لايمكن فصله عن الدراما لأنها صراع بين المتناقضات والأضداد ( م 12 . ص 9 _ 17 ) . <br /> لقد شهدت الدراما في عصر النهضة تطوراً ملحوظاً جسد روح العصر وفلسفته الاجتماعية ، دون أن يكون أسيراً لأسس هوراس أو قوانين أرسطو . وقد تعاضدت ثلاث قوى لتنتج قوة واحدة هي المسرح الكلاسيكي الشكسبيري وروح العصر والتقاليد الفنية للدراما في العصر الوسيط . وتطورت التراجيديا في عصر النهضة بفعل الطباعة في ايطاليا عام 1465 فنشرت المسرحيات الإغريقية والرومانية ، وفي انكلترا فقد اهتمت الدراما بالتراث الكلاسيكي بشكل كبير في القرن السادس عشر بفضل الجامعات والمدارس التي درست المسرحيات القديمة وعرضتها ومنه نشرت المفاهيم الكلاسيكية للشكل والصورة الدرامية ، وتمثل العصر الذهبي للدراما في اسبانيا من خلال المسرحيات الشعرية النابضة بالحياة الواقعية ، كما اهتمت الكلاسيكية في نقاء النماذج الدرامية ، أهداف الدراما ، محاكاة الواقع أو الإيهام به ومفهوم اللائق ، ثم وحدات الحدث والمكان والزمان ، وقد اقتصرت الأشكال الدرامية على التراجيديا والكوميديا ، وفي اسبانيا ظهرت عملية مزج العناصر المحلية مع النظرية الكلاسيكية فسادت الكلاسيكية في فرنسا على أساس قيام وحدة الزمان والمكان والفعل مع بقاء الالتزام بحرفية القوانين الأرسطية ( م 13 . ص 42 ) بينما سميت الدراما بالعاطفية فتطورت أكثر في شمال أوروبا وشرقها ، وسادت المشاعر والأفعال ومردها غرائز الإنسان وساد مفهوم إن الحقيقة يمكن إدراكها بادراك الكون في صوره المختلفة التي خلقها الله سبحانه ، وهو مفهوم رومانسي يرى في حاجة الكاتب أي شيء أكثر من القواعد ، لذا حلت الأساطير الإغريقية محل قصص القرون الوسطى والحكايات التاريخية والأساطير الشعبية ، وقد تمردوا على النظم والقوانين الاجتماعية والأخلاقية في عصرهم ، وأدت الموضوعات والأشكال والثيمات الجديدة إلى خلق دراما مضادة لما سبقها ( م 14 . ص 59 _ 60 _ 66 _ 76 _ 94 ) .<br /> أما في البلاد العربية فقد عرفت الدراما بصيغتها اللفظية دون أن يكون لها معنى واضح ، لكنها ارتبطت مع الأدب السردي مع اختلافها عنه في تصوير الصراع كجزء رئيس في مفهومها فضلاً عن تجسيد الحدث واشتداد العقدة وتكثيفها ، لأن الـدراما بالأساس تعد أكثر عنفاً من الأدب الروائي والقصصي ( م 15 . ص 7 ) . والدراما مصطلح جامع للأشكال الفنية والأدبية كالتراجيديا والكوميديا والميلودراما ، وقد عرفت هذه المصطلحات جميعا ً لتبث المصطلح الشامل للدراما ( م 16 . ص 18 ) .<br /><br /> 2 _ عناصر الدراما في العرض المسرحي وآلية بنائها .<br /> لاريب أن المحاكاة إطار جامع ترتكز إليه معظم الفنون وتتفق عندها ، رغم إنها تختلف في الوسيلة ، ولأن المحاكاة لها واسطة ( اللغة والموسيقى ) وطريقة عرض ( المنظر المسرحي ) والموضوع ( الحبكة والشخصيات والفكرة ) ، لذا شخصت عناصر الدراما على ضوء هذه المفردات ، ولهذا يضع الباحث توصيفاً للصورة الدرامية البصرية بالركون إلى عناصر الدراما المسرحية . فالوسيلة تمثل قابلية التعبير وهو التوصيف الذي يبثه المنجز التشكيلي للمتلقي ، بينما يجسد المنظر المسرحي طريقة لإظهار العمل الفني ، أما الموضوع فهو المرادف للفعل والحدث والفكرة نتاج الشخصية . ومن خلال الاطلاع ومتابعة العديد من المصادر التي تطرقت للدراما في العرض المسرحي وعناصرها ، توصل الباحث إلى آلية تحديد تلك العناصر أو مايسمى بعناصر العرض المسرحي وهي كالآتي : <br />1- الشخصية : وهي عنصر أساسي مكون للدراما تتطور بفعل التطور الاجتماعي لأنها أداة تعبيرية تفرض نفسها لتقيم أثراً تشترك معها معظم عناصر الصورة الدرامية الأخرى ، وهي عند أرسطو ليست تصويراً للشخصيات ، وإنما تمثل الإطار الذي يتفاعل معه المتلقي ( م 17 . ص 23 ) .<br />2- الحبكة ( الفعل والصراع والنغم ) : وتعني بناء الفعل تراتبياً والذي يؤدي إلى اغناء الفكرة وتأكيدها وصولاً للتشويق ، وهي الرابط المتسلسل للأحداث والحالات التي تغني المشاهد تشويقاًَ وإثارةً حتى الخاتمة التي تمثل النتيجة اللاحقة للأسباب السابقة ( م 18 . ص 561 ) . فالحبكة هي البناء المتكامل في نسج الأفعال المبنية بتناسق كالأصوات الموسيقية التي تتناغم في إنشاء جملة موسيقية مقبولة رغم تعدد الآلات أو هي الهيكل العام للعمل التشكيلي رغم تباين الخامات المكونة له ( م 19 . ص 22 ) وهي التقنية التي تعطي شكلاً معيناً للفعل الدرامي ( م 20 . 15 ) .<br />3- اللغة والموسيقى : وهما واسطتا التعبير عن الأفكار والكلمات في الأدب ويراها الباحث كالخط الوهمي المتين الواصل بين العمل التشكيلي والمتلقي ، أي إنها وسيلة الاتصال المباشر لفظياً كانت أم بصرياً ( م 21 . ص 13 ) .<br /> 4- الفكرة وهي ما يتصوره المؤلف تجاه مجتمعه ومنها يباشر المؤلف في إنتاج عمله الفني وتتكون مما يحمله المؤلف وكيفية بثه للمتلقي ، كما تمثل العلاقة مع الفعل الدرامي وصولاً للحبكة وكيفية وصولها للمتلقي ( م 22 . ص 15 ) .<br />5-المرئيات . وهي العناصر المكملة للعمل الفني كالكتلة والإضاءة واللون والتوازن وغيرها ، وهي بمجملها عناصر تكوين العمل الفني .<br /> 6-المحيط . أو ما يسمى الجو النفسي العام . وهي عملية تواصل بين العمل الفني والمتلقي ، ففي المسرحية تشكل مجموع اللقطات والمشاهد حواراً نفسياً مع المتلقي ويحدث ذلك في الموسيقى إذ تشكل مجموع النغمات المتولدة من الآلات ذوات الغرض لاسيما إذا انفردت بعض تلك الآلات ، وفي العمل التشكيلي فان الأجزاء التي تكون العمل تولد تفاعلاً استجابة أم تنافراً مع خزين المتلقي الثقافي والمعرفي . <br /> إن التنظيم الذي يوحد عناصر الدراما في العرض المسرحي ضمن سياق العمل الفني من خلال آلية ربط الفعل مع الشخصية في أحداث العمل التصويري الحركي أم البصري ( مسرح ، سينما ، منجز تشكيلي ) يطلق عليه الصورة الدرامية للعمل الفني وقد تناغمت الصورة الدرامية على وفق اتجاهات المحيط والعصر الذي ولدت فيه ومنه ، كما لاقت تبدلات واستهجانات من قبل المنتج حينما تتناقض مع أعرافه وقوانينه ليصل إلى مبتغاه ومثله العليا ، وقد تجاوز الفنان الصورة الدرامية المألوفة المتمثلة بأسس الحدث ابتداءاً من البداية ( الاستهلال ) والعقدة ( الأزمة والذروة ) والوصول إلى الحل وقد لخصها أرسطو في مفهومه للحبكة بوصفها أهم عناصر الدراما لاسيما التراجيديا فعدها عقدة وحلاً لهذه العقدة ( م 23 . ص 50 ) . <br /><br /> المبحث الثاني . الصورة الدرامية في التشكيل العراقي .<br /> لقد ارتبط التصوير بالأدب ارتباطا مباشرا لاسيما ارتباطه مع القصص الشعبية والمقامات التي صورها الواسطي في القرن الثالث عشر الميلادي ، إذ صور مقامات الحريري متتبعا ومسجلا الأحداث التي جرت آنذاك ، وقد صور الفنان التشكيلي العراقي المعاصر القصائد والدواوين الشعرية بأسلوب درامي بعد أن تجاوز حدود الشعر ، ولاشك إن التشكيل المعاصر في العراق افرز العديد من الأعمال الفنية التي جسدت الوقائع والأحداث القديمة والمعاصرة بتنوعات وتقنيات مختلفة ، ولأن المجتمع العراقي غني بالأحداث السياسية والاجتماعية والفكرية مما حفز الفنان أن يضمن أعماله هذه الأحداث منذ البدايات التشكيلية ومازال ، ولأن التاريخ اغفل كماً كبيراً من المنجزات التشكيلية المعاصرة ولم يوثقها ، عدت مرحلة الرواد أقدم التجمعات المؤثرة في التشكيل العراقي ، ولإلقاء الضوء على قيم الصورة الدرامية في التشكيل العراقي المعاصر نجد الراحل جواد سليم كيف بث الصورة الدرامية في العديد من أعماله في الرسم والنحت لاسيما في النصب الخالد ( نصب الحرية ) الذي قسمه إلى أربعة عشر جزءاً توحي بتكاملها لتجسد صورة درامية متسلسلة لحياة مجتمع وكذلك أعماله ( كيد النساء ، صبيان يأكلان الرقي ، السجين السياسي ) كذلك الفنان الراحل فائق حسن في واقعياته الأكاديمية وحياة البداوة والخيول ومنها عمليه ( بقايا مناضل ، الفرس النائم ) وفيصل لعيبي وهاشم حنون وعبد الصاحب الركابي وعلاء بشير وموضوعات الشهادة والمنحوتات ذات المرجعية الأسطورية للفنان محمد غني حكمت وأعمال الراحل سعد شاكر الأسطورية وموضوع الفدائي ( م 24 . ص 55 _ 57 ) ، في حين صور الفنان إسماعيل الشيخلي القرية بواقعية حالمة وأضفى عليها الملمح الدرامي بتقنية تعبيرية أو أقرب للتجريد باختزاله السطح التصويري إلى ابسط حالاته رغم غناه اللوني ، أما خالد الرحال فقد جسدت أعماله النحتية الصورة الدرامية بأسلوب يتوخى منه مشاركة المتلقي وجدانياً وعمله ( حاملة القناع ) ( م 25 . ص 142 ) ، ومحمد راضي عبدالله في بعض تخطيطاته ذات الأسلوب السريالي ، ورافع الناصري وكاظم حيدر وماهود احمد حينما جسدوا ثورة الإمام الحسين ( ع ) في كربلاء درامياً بأعمال فنية متباينة في الاتجاه التقني والأسلوب بين الواقعية والتعبيرية والتجريد ( م 26 . ص ) . <br /><br /><br />ما أسفر عنه الإطار النظري <br /> إشارةً إلى التتبع التاريخي لنشوء الدراما وتطورها ودراسة عناصرها ، فان الإطار النظري تضمن تحديد العناصر من خلال متابعة العديد من الدراسات التي حددت هذه العناصر ، وعلى ضوء موائمتها مع موضوعة البحث أشار الباحث إلى بعضها في العرض المسرحي لغرض تحليل عينة البحث ، ومن خلالها تمثلت أهميتها في العمل التشكيلي وهي .<br />1 _ الشخصية بوصفها العنصر الأكثر تعبيرية ومنه يفترض الباحث مراكز السيادة في العمل الفني .<br />2 _ الحبكة وبفعلها يحتدم الصراع والإيقاع بين التنامي والخفوت ، ومن خلالها يمكن إعطاء العمل الفني بعداً درامياً .<br />3 _ واسطة التعبير أو وسيلة الاتصال المباشر في العمل الفني البصري واللفظي وتجسدت باللغة والموسيقى .<br />4 _ الموضوع الذي يسعى الفنان إلى توصيفه بمنجز بصري كطرح لفكرة يبغي منها حدثاً درامياً وصولاً للحبكة .<br />5 _ الأجزاء المكملة للعمل الفني الدرامي وهي ذاتها متواجدة في العمل التشكيلي ، وبمجموعها تولد تنظيماً يوحدها في العرض المسرحي وكذلك في المنجز التشكيلي لأن العرض المسرحي هو مجموعة صور بصرية متراتبة .<br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br />الفصل الثالث<br />إجراءات البحث<br /><br />المنهج المستخدم : لقد استخدم الباحث المنهج التاريخي والمنهج الوصفي توافقاً مع سير البحث .<br />أداة البحث : اعتمدت الملاحظة أداةً للبحث .<br /> مجتمع البحث : أعمال الفنان محمود صبري وعددها عشرة أعمال فنية .<br />عينة البحث : 1- ملحمة الجزائر ، 2 – نعش الشهيد ، 3 ـ نساء في الانتظار .<br /> وقد اختيرت العينة قصدياً لأنها صورت درامياً لما يفرضه الواقع على الفنان . <br /><br /> تحليل العينة :<br /> <br /> 1 ـ ملحمة الجزائر .<br /> <br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /> <br /> <br /><br /> عمل تشكيلي جداري نفذه الفنان بتعالق وتناص مع ( الجرنيكا للفنان بيكاسو الذي نفذها اثر مجزرة حدثت في قرية الجرنيكا عام 1937 ) .<br /> نفذ العمل بالزيت على خشب المعاكس وتضمن شخوصاً متعددة ( فكرات ) توحي بالعدم والبؤس والجريمة . <br /> لجأ الفنان في البناء الجمالي إلى الإنشاء المفتوح الخالي من الحدود المؤطرة للفكرة مما وضع شخوصه المؤثرة في مركز العمل ، كما ألغى المنظور وعالج التشريح وتصرف به بحرية ، بمعنى انه لم يفقد شخوصه أسس التشريح لكنه بالغ فيه مابين الاستطالة للأيدي والأرجل والرقاب والعيون .<br /> تصرف الفنان بالسطح التصويري كفضاء تغوص فيه الأشكال هائمة تفكر بالخلاص من المأساة . كما حمل العمل بين جنباته تقنية استعارها الفنان من الموروث الحضاري القديم كتصرفه بالتشريح وإهمال المنظور ، فضلا عن تصرفه بالرؤوس إذ وضعها بصورة جانبية بالنسبة لموقعها إزاء المشاهد .<br /> عناصر الدراما<br /> # الشخصية : وقد لجأ الفنان إلى تكثيف شخوصه على مساحة العمل ، وأعطى لكل واحد منه دوره المؤثر في المنجز استقراءاً واقعياً متحرراً ينحو حيال التعبيرية في الخط واللون وبعض العناصر الأخرى كالملمس الحاد بفعل الخطوط وصلابتها وعدم مرونتها . <br /> # الحبكة : وهنا سبك الفنان تسلسل الأحداث بتناغم مع الموضوع الذي أحدث هزة إنسانية في المجتمع ، ولأن الفنان أكثر تواصلاً مع المجتمع جسد هذه المجزرة بمأساوية جمالية ، ولأن الحبكة تنتظم على وفق أحداث متسلسلة تحوي سبباً ونتيجة فقد أهمل السبب بوصفه حدثاً وقع ، واستعرض النتيجة التي تفرزها مأساوية المشهد ، كما لم يركز الفنان على شخصية محورية بوصفها هدفاً ثابتاً للحبكة ، إنما أعطى لكل شخصية حضورها الفاعل لاشتراكهما في الموقف ، أما الهدف الثالث والمتضمن انتظام المادة حول الفكرة الأساسية ، فسعى إلى ترابط شخوصه مع بعضها . <br /> # اللغة : جهد الفنان أن يختزل مفرداته إلى مرحلة توحي بحوارية المنجز مع المتلقي بلغة مشتركة بسيطة .<br /> # الفكرة : مثلت الفكرة الإطار العام للمنجز بوصفها النسغ الواصل بين الحادثة الواقعية وما يحمله الفنان من تداعيات واستنهاضات ذاتية حيال المشهد .<br /> أما الصورة الدرامية فقد نحى الفنان في بناء أحداث العمل بناءاً ملحمياً انبثقت منه تسمية العمل ، فتولدت من فكرته ذروة العمل وحبكته ضمن سياق منتظم لم يتضح فيه الجانب المضاد للقيم الإنسانية ( مجرمو المجزرة ) فعمد إلى إخراج رمزية الاحتلال خارج العمل ولا وجود للمحتل ضمن هيكلية المنجز . <br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br />2 ـ نعش الشهيد .<br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /> عمل نفذه الفنان بتناص مع تقنية أعمال الفنان بيكاسو في بعض أعماله التكعيبية وان كان الفنان هنا ينفرد بخصوصية الطرح التكعيبي والفنان جواد سليم في بعض منحوتاته .<br /> يتأسس العمل من كتلتين كبيرتين ، كل واحدة تضم عدداً من الشخوص ، لذا عمد في بنائه الجمالي إلى التوازن ليعتمد الإنشاء المستطيل .<br /> كما لجأ إلى التسطيح والمساحات بفعل إلغاء المنظور ومحاولة التصرف بالتشريح مما يتجه إلى التعبيرية والتكعيبية .<br /> كذلك وضع شخوصه لاسيما ( حاملي النعش ) وبتبسيط يقترب من الختم الاسطواني كأحد عناصر الفن العراقي القديم بتكرار الشخوص . واختزل مساحة السطح التصويري في الخط واللون .<br /> عناصر الدراما<br /> # الشخصية :سعى الفنان إلى تنظيم شخوصه بشكل متوازن فتوضحت في الكتلتين قيمة هذا التوازن لاسيما ( حاملي الشهيد ) وكتلة الجندي المقابلة ، رغم انه سعى إلى توزيع الأدوار على شخصياته بشكل معتدل مابين الانتكاسة والانهيار النفسي وبين سمو القيمة الإنسانية ورفعتها ، ويعد هذا العمل لواقعيته توظيفاً مقروءاً للمشاهد وليس دخيلاً على ذهنيته وسلوكه اليومي . <br /> # الحبكة : ارتكز العمل إلى الفعل الإنساني السامي المتولد من بذل الأرواح والمهج دون القيم الأخلاقية فعمد الفنان إلى تأصيل شخصية الجندي في استقباله لشخصية الشهيد لتبقى الشخصيات محور الفعل الدرامي في المشهد .<br /> # اللغة : واللغة هنا هي ذاتها في كل منجز فني جمالي تشكيلي صوري محال من مشهد العرض المسرحي وخاصة في هذا المنجز ، فاللغة مقروءة للمتلقي لأن المشهد بمأساويته يكاد لايفا رق مخيلته .<br /> # الفكرة : فكرة العمل واقعية سعى الفنان إلى إضفاء القيمة التعبيرية تقنياً ليبث حالة التوافق العاطفي الوجداني والفكري مع المشهد رغم تماس المتلقي لهذا المشهد باستمرار .<br />أما الفعل الدرامي فقد بناه على أسس معرفية مسبقة أن الشهادة تسبقها حرب أو فعل معادي إجرامي ، وبقصدية أخرج الفعل المعادي من اللوحة إلا انه ركز على الفعل المأساوي الناتج وتأثيره على المجتمع ، وتتمثل في إنه وضع الجندي في مركز العمل لغاية وظيفية افترض فيها الفعل الناتج من وجوده لأن الجندي هنا يمثل الفعل المقاوم والفعل المتصدي للعدو فضلاً عن انه ينظر وينتظر الكتلة المقابلة ( حاملي النعش ) انه سائر في ركب الشهادة ولامناص من الرجعة .<br /><br />3 ـ نساء في الانتظار .<br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /> <br /><br /> عمل فني بتقنية تعبيرية يستنطق فيها الفنان بؤس المجتمع لأنه يعالج موضوعة اجتماعية شديدة الحساسية والأهمية ، ويفرز نتيجة ( الانحطاط الخُلُقي ) بسبب ( الفقر ) ، فصور النساء في حالة مزرية ، لذا نقل لنا مشهداً يوحي بالازدراء لأن السقوط في أشده يكمن في ان الإنسان يباع كسلعة مباحة وبثمن بخس . <br /> لقد عالج الفنان موضوعته بناءاً على التكوين المغلق مكيفاً عناصر التكوين لغاية وظيفية ترتقي بالعمل جمالياً . فحدد بخطوطه السود نسائه وقد اختزل اللون صريحاً بحال يكاد يقترب من التجريد ، ومع انه تصرف بالتشريح لكنه لم يهمل المنظور كلياً ، إلى جانب استخدامه خطوطاً حادة وبغزارة ، وهذا يعد استقراءاً للأعمال الوحشية لاسيما رائدها ( ماتيس ) في الربع الأول من القرن العشرين .<br /> عناصر الدراما<br /> # الشخصية : أكد الفنان على الشخصية المركزية ( ذات الرداء الأزرق ) وتأثيرها على الشخصيات الأخرى ، ولم يغفل دور تلك الشخصيات في المجتمع وتأثيرها ، كما انه ولغاية وظيفية درامية وضع إحدى شخصياته واقفة في سعي لتجسيد الواقعية عبر ازدرائها للمجتمع ( المتلقي ) فحادت عن مقابلته .<br /> # الحبكة : وتركزت على الفعل الرئيس وهي الممارسات المشبوهة في بيوت الدعارة وما تمارسه هؤلاء النسوة في إغواء الشباب وحرفهم عن جادة الخلق لرغبة في اللهو واستحصال الأموال منهم ، وركز الفنان على شخصية مركزية وهي المسؤولة عن كل مايدور في هذه الأماكن ، وتبقى الشخصيات الأخرى تابعة لها لذا فهي تحظى بخشية الأخريات .<br /> # اللغة : هنا الفنان افترض لغة العمل بأنها لاتختلف عن نموذجيه السابقين على إنها لغة بصرية يمكن الاتصال معها بيسر ، <br /> # الفكرة : فكرة العمل واقعية تعالج موضوعة اجتماعية تمس المجتمع بحساسية لتردي المفهوم القيمي وماتفرزه عملية بيع شريحة من البشر لقيمهم بثمن زهيد . <br /> أما الصورة الدرامية فقد جسدها الفنان في حالة يستهجنها المتلقي بسبب الآلية التي وضعت عليها النساء وهن ينسلخن من عفافهن ، إذ جردن أرجلهن من الملابس التي تسترهن وفي هذا دلالة عن انزياح الخلق عن مساره المتعارف عليه فضلا عن جلستهن المريبة بانتظار القادم الجديد ( ضحية أو زائر مفسد ) بعد تقديمهن الإغراءات والاغواءات ، والى جانب هذا التشرذم الأخلاقي يظهر لنا الفنان صورة معلقة على الجدار يراها الفنان وكذلك الباحث إنها الشخصية الحامية لهذا الانزلاق ليفترض الفنان من هذه الصور أن الفعل الدرامي تجسد بتآلف الشخوص مع بعضها على أساس الكسب المادي غير المشروع ، وان قيم الإنسان تتهاوى بمجرد وجوده كسلعة يمكن أن تشترى وتباع .<br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br />الفصل الرابع<br />نتائج البحث<br /><br />النتائج ومناقشتها : <br /> من خلال تحليل العينة والاطلاع على بعض الأعمال ( مجتمع البحث ) توصل الباحث إلى النتائج الآتية .<br /> أولا : تبنى الفنان في مضامين لوحاته القيمة المعنوية للإنسان بوصفه محور الكون الذي بنت كل تلك الإشكاليات أسسها عليه ، ولم يكن الفنان هو الوحيد في التصدي إلى موضوعة الإنسان ، بيد انه سلط عليه الضوء من جوانب خاصة سياسية أم اجتماعية أم فكرية . لذا جسد الفنان الصورة الدرامية في منجزه التشكيلي لدرايته وفهمه العميق للقيم الروحية الإنسانية فضلا ً عن إيحائه للمتلقي في التعامل العاطفي التلقائي مع المنجز الحدث .<br />ثانيا : سعى الفنان في أعماله إلى مزاوجة الصورة التشكيلية مع الصورة المتحركة فبثت الصورة الدرامية بوضوح .<br />ثالثا : كما سعى إلى مشاكسة المتلقي من خلال الانفعال الذي يولده العمل على إن الصورة التشكيلية تمس المتلقي في دقائق حياته التفصيلية ليرى المتلقي ذاته في كل عمل .<br />رابعا : لم يفصل الفنان موضوعه السياسي عن الهاجس الاجتماعي ، لذا جسد حالة الحرمان المتسلط على المجتمع بفعل الضغوط السياسية .<br />خامسا : يرى الباحث أن الأعمال لاتكتمل صورتها التشكيلية إلا بوجود الثالوث الفنان والعمل الفني وانفعال المتلقي .<br />سادسا : اعتمد الفنان اسلوب الإنارة المسرحية في أعماله لغاية وظيفية ينبغي منها استثارة الفعل الدرامي بوصفه الطريق الأصوب والأيسر في تفعيل المجتمع .<br />سابعا : لم يجسد الفنان القيمة الدرامية بشقيها الدرامي والتراجيدي لتلتقي بالتراجيديا لأن المضامين المأساوية التي يعرضها الواقع السياسي المتأزم تنحو حيال التراجيديا ، لذا عمد إلى استثارة العواطف لغاية تعبوية . <br />ثامناً : وبفعل الخلفية الأيدلوجية للفنان وقراءته للواقعية الاشتراكية أدباًً وفناً وسياسة استطاع أن يوظف منجزه ضمن هذا السياق .<br /><br />الاستنتاجات :<br /> <br /> على ضوء النتائج التي توصل لها الباحث يمكن استنتاج مايأتي :<br /> إن الفعل الدرامي يؤطر مضامين معظم الخطاب البصري للفنان الراشد محمود صبري مرتكزاً إلى الانسان كقيمة معنوية بغية استمالة المتلقي للتعاطي مع الحدث برفعة واحترام ، على إن الفنان والباحث يؤمنان بان عملية التلقي تكتمل بحضور الحالة الانفعالية للمتلقي ، وان القيمة الدرامية لاسيما الجانب التراجيدي تفترض استثارة العواطف لغاية تعبوية تتلازم مع الطرح الأيدلوجي للفنان محمود صبري .<br /> <br /><br />المقترحات <br /> يقترح الباحث أن تثبت الأعمال الفنية ذات المضامين الدرامية في دور العرض المسرحي وإن لم تكن ففي قاعات عرض المسرحيات لكليات ومعاهد الفنون الجميلة .<br />التوصيات <br />يوصي الباحث بدراسة أعمال الفنان الرائد محمود صبري لاسيما المرتبطة بالنظرية العلمية المسماة ( واقعية الكم ) .<br /><br /><br /><br />الملحق<br />الفنان في سطور<br /> محمود صبري مفكر وفنان عراقي ولد سنة 1927 ، حصل على شهادة الدبلوم في علم الاجتماع سنة 1949 في انكلترا ، درس الفن بشكل شخصي ولم تكن دراسته في معهد أو أكاديمية للفنون, لكنه استطاع بجهوده الذاتية أن يكون اسماً بين أقرانه من الذين درسوا الفن بالأكاديميات وقد لعب دورا ريادياً بارزاً في حركة الفن التشكيلي المعاصر في العراق .<br /> بدأ اهتمامه باللون ونظريات اللون سنة 1967 حتى توصل في سنة 1971 إلى فكرة ( واقعية الكم ) حيث أقام معرضاً له تحت هذا العنوان في براغ ونشر بيانها الأول بالانكليزية .<br /> وفي سنة 1973 جرى نشر البيان بالعربية مع ملاحق إضافية تحت اسم بيان ( واقعية الكم ) .<br />شارك في معارض جماعة الرواد حتى عام 1962 ( م 27 . ص ) . <br />شغل مناصب مهمة آخرها مدير عام مؤسسة المعارض العراقية بعد ثورة تموز 1958 . <br />استقر في العاصمة الجيكية ( براغ ) منذ عام 1963 وله اهتمامات سياسية وفنية منها مؤتمر بيروت للقوى والحركات والشخصيات العراقية المعارضة للنظام الدكتاتوري ، وكتب العديد من المقالات في هذا الشأن وبلغات عالمية مختلفة .<br /> يعد من الفنانين العراقيين المعاصرين المثقفين وهو صاحب نظرية ( واقعية الكم ) العلمية وتعني " مزج الفن بوظيفته الاجتماعية التي تميز بها عبر العصور : تمكين الانسان من السيطرة على الطبيعة وتغييرها _ وبالتالي تغيير نفسه " ( م 28 . ص 154 ) . <br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br />المصادر<br /> حسب ماوردت في متن البحث<br />1 - منير البعلبكي ، د. رمزي منير البعلبكي ، المورد الحديث. قاموس انكليزي – عربي حديث ، دار العالم للملايين ، ط / 2 ، طبع في لبنان ، كانون الثاني – يناير 2009 .<br />2 – C.L.BARNHART, JESS STEIN. THE AMERICAN COLLEGE DICTIONARY. RANDOM HOUSE .NEW YORK , L.W.SINGER COMPANY.SYRACUSE .<br />3 ـ حسين رامز محمد رضا . الدراما بين النظرية والتطبيق . الطبعة ( 1 ) .المؤسسة العربية للدراسات والنشر . بيروت . لبنان . آب ( أغسطس ) 1972 .<br />4 ـ أرسطو . فن الشعر . ترجمة وتقديم وتعليق د. ابراهيم حمادة . مكتبة الأنجلو المصرية . 1977 . <br />5 - مارتن أسلن . تشريح الدراما . ترجمة يوسف عبد المسيح ثروت . وزارة الثقافة والفنون . سلسلة الكتب المترجمة ( 51 ) .الجمهورية العراقية 1978.<br />6 - د. رشاد رشدي . نظرية الدراما من أرسطو إلى الآن . دار العودة . بيروت . السنة بلا . ص 17 .<br />7 – د. فايز ترحيبي . الدراما ومذاهب الأدب . ط 1 . المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع . بيروت . 1988 .<br />8 ـ عبد الكريم عبود عودة المبارك . بنية النص وتحولاتها في تشكيل العرض المسرحي . أطروحة دكتوراه . كلية الفنون . جامعة بغداد . تمثيل وإخراج . 2000.<br />9 ـ حسين رامز محمد رضا . المصدر السابق .<br />10 - ميشال ليور . فن الدراما . ترجمة احمد بهجت . منشورات عويدات . بيروت 1965 .<br />11 – مصطفى عبيد دفاك التميمي ، تناول شخصية المرأة العراقية في الدراما التلفزيونية 1968- 1988 . رسالة ماجستير غير منشورة . كلية الفنون الجميلة . جامعة بغداد . 1989. <br />12 – د. عبدالعزيز حمودة . الصورة الدرامية . مكتبة الانجلوالمصرية . السنة بلا . <br />13 - حسين رامز محمد رضا . المصدر السابق . <br />14 – د. رشاد رشدي . المصدر السابق . <br />15 – س.و. داوسن . الدراما والدرامية . ترجمة جعفر صادق الخليلي . منشورات عويدات . بيروت . السنة بلا . <br />16 – أرسطو طاليس . فن الشعر . ترجمة عبدالرحمن بدوي . دار الثقافة . بيروت . 1973 . <br />17 - ثامر مهدي ، دراسة تحليلية لبعض النصوص المسرحية المقدمة على المسرح المدرسي (1978- 1979 ) . جامعة بغداد . مركز البحوث التربوية والنفسية . <br />18 - د. ميشال عاصي ، د. أميل بديع يعقوب . المعجم المفصل في اللغة والأدب . دار العلم للملايين . بيروت .1987 .<br />19 – مصطفى عبيد دفاك التميمي ، المصدر السابق .<br />20 - سامي عبد الحميد . تقديم أولي للملامح الدرامية في مسرحيات جليل القيسي ، المجلة القطرية للفنون . العدد 1 . كلية الفنون الجميلة . جامعة بغداد . وزارة التعليم العالي والبحث العلمي . جمهورية العراق . كانون الأول 2001 .<br />21 - سامي عبد الحميد . المصدر السابق . <br />22 - سامي عبد الحميد . المصدر السابق . <br />23 - أرسطو . المصدر السابق . <br />24 – أزهر داخل محسن . الفن بين مفهومي التشكيل والحرفة الشعبية ( دراسة في عناصر التكوين ) . مجلة فنون البصرة العدد ( 2 ) . كلية الفنون الجميلة . جامعة البصرة . 2005 . <br />25 - عادل كامل . الحركة التشكيلية المعاصرة في العراق ، مرحلة الرواد . وزارة الثقافة والإعلام . دار الحرية للطباعة . 1980. <br />26 – أزهر داخل محسن . المشهد الحسيني في الرسم العراقي المعاصر . مؤتمر العلوم الإنسانية . جامعة الكوفة . النجف الأشرف . جمهورية العراق . 2008 . <br />27 - فن جديد لعصر جديد- بمناسبة المؤتمر الأول للتشكيليين العرب\نيسان 1973/ بغداد .<br />28 – ملف الفنان محمود صبري . مجلة الثقافة الجديدة .العدد 328 . 2008 . www.quantumrealism.co.uk .<br /><br /><br />شارك في المؤتمر العلمي الحادي عشر لجامعة بابل 2009أزهر داخل محسنhttp://www.blogger.com/profile/03098343134480779083noreply@blogger.com0tag:blogger.com,1999:blog-6609888417791380236.post-16810614553449402602010-06-02T11:10:00.000-07:002010-06-02T11:23:07.607-07:00الفن بين مفهومي التشكيل والحرفة الشعبية (دراسة في عناصر التكوين )ملخص البحث<br /> إن الفنون البصرية بوصفها فنوناً متشاكلة بفعل الجهد الإنساني وامكانية تفعيلة على وفق ضرورات الوعي الذاتي المرتبط بالمجموع كتفاعل سليقي تفرضه البنية السيكولوجية والسوسيولوجية للمجتمع لاسيما أن تشاكل الفنون واتصالها فيما بينها يولد بالضرورة قيماً إبداعية وانساقاً جمالية تشي بها خبرات متراكمة ولدتها ظروف التنامي المعرفي والحاجة للجديد والتصور الفرداني كتوجه إبداعي. من هنا يتولد من تلك القيم الإبداعية والأنساق الجمالية انحياز الإبداع حيال التشكيل دون الحرفة (الصنعة) مع تعالقهما المباشر بمفردات تكوينية متماثلة (عناصر البناء الجمالي). فيتولد من هذا التعالق اللبس ما بين المفهومين (التشكيل والحرفة الشعبية) و الى أيهما يندفع الفن. لهذا تحقق البحث لتمييز المفهومين ضمن آلية تضمنت فصول أربعة. الأول (الإطار العام للبحث) وتطرق الى مشكلة البحث والحاجة إليه واهداف البحث، ثم الفصل الثاني ( الإطار النظري) وتضمن مباحث ثلاث الأول يستعرض الفن التشكيلي، البدايات والأسس الجمالية لتكوين العمل الفني وكيفية تنظيم عناصره جمالياً ثم التطرق الى القيم الجمالية للعمل الفني، بينما يستعرض المبحث الثاني مفهوم الحرفة من خلال المعطيات واتصالها بالحاجة والجمالية، فضلاً عن العناصر المكونة للعمل الحرفي. أما المبحث الثالث فقد ناقش مفهوم الإبداع بين التشكيل والحرفة. أما الفصل الثالث (إجراءات البحث) فتضمن اختيار المنهج المناسب وأداة البحث ومجتمع وعينة البحث ومن ثم تحليل العينات البالغة (5) عينات موزعة ما بين الرسم والنحت والخزف. أما الفصل الرابع فقد خلص الباحث الى النتائج والاستنتاجات الآتية:-<br /><br />1ـ يرتبط مفهوما التشكيل والحرفة الشعبية بنماذج متباينة من المجتمع، لاسباب أهمها ارتباط المنفعة المادية والحرف الشعبية دون التشكيل.<br />2ـ يتضاد المفهومان على وفق المحورين الأساسيين (الحرفية في الفن) و(الفن في الحرفة).<br />3ـ يتباين توظيف العناصر البنائية للعمل الفني من العمل الحرفي.<br />4ـ لا يشترط إناطة الإبداع بالعمل المنظم جمالياً بل بعملية التجريب والجدة في شحذ قابلية المخيلة.<br />5ـ إن قوة تأثير العمل الفني تكمن في تأمله وجدانياً ونفسياً على غيرها في العمل الحرفي.<br />6ـ الحرفة هي الصنعة المتناقلة من الآباء الى الأبناء وتكون خالية من الإبداع الفني.<br /><br /><br />الفصل الأول<br />الإطار العام للبحث<br /><br />مشكلة البحث والحاجة إليه :-<br /> على وفق تقسيمات الفنون :جميلة (تشكيل ، مسرح ، سينما)، وتطبيقية حرفية يتولد مفهومان متوافقان فيما يتعلق بالرؤية البصرية الشكلية والتكوينية هما(الحرفة والتشكيل ) يوصف من خلالهما الإنجاز "بأنه نتاج أنساني يملك شكلاً ونظاماً معيناً ويقوم بإيصال التجربة الإنسانية. وانه يتأثر بالتحكم الحاذق في المواد المستخدمة في بنائه من اجل إبراز الأفكار الشكلية والمعبرة فيشمل هذا التعريف العمل المنجز فنيا كان أم حرفياً (م1) ، توافق يتعذر توصيف التباين ما بينهما, فتطلق جزافاً لفظة فنان وصفا للحرفي ( الصانع)الذي يرقى بإمكانياته وذاته كفنان بفعل الإتقان الذي يفوق الفنان المتمرس اوالأكاديمي تعززها رؤية المجتمع، كما يعززها متذوقو الفنون بينما تكون رؤية الفنان (رسام أو نحات أو خراف ) مغايرة عند مشاهدة نتاج الحرفي (ممتهن الصنعة) (النجار والحداد وصانع الفخار والنساج).<br />ولغرض المقارنة الدقيقة ما بين الحرفة الشعبية والتشكيل يفضي الباحث الى تمييز اللبس ما بين المفهومين من خلال التطرق الى محورين هامين هما (الحرفية في الفن ) و( الفن في الحرفة ) يتعلق المحور الأول بالفنان الذي يجرد العمل الفني من قيمته الخلاقة، أما الآخر فهو لصيق بالحرفي الصانع الذي يضفي القيمة الجمالية والابتكارية على مصنوعاته المتقنة . وما يراه الباحث لا يكون على هذه الشاكلة دوما لان النتاجات لا تنتمي الى حقل <br /><br /><br />الفن ( كإبداع ) مـــا لم تكن ذات عناصر يتضمنها العمل الفني التشكيلي من تقنية في عمل ومضمون وشكل في موضوع وإدراك فنان ووعي يشي بقابليته في الخلق والإبداع تؤطرها بمجملها عناصر تكوينية جمالية. وبخلافه فان النتاجات لا تعدو أن تكون صنعة لها شكل ومضمون تفقد قيمتها الفنية حال الانتفاع بها وظيفياً. وكهدف يسعى البحث من تقصيه تتكشف المشكلة التي تعرض لها الباحث فأوجزها بالتساؤلات الآتية:-<br />1-ما هي القيم الواجب اتباعها للتمييز ما بين المفهومين؟<br />2- متى يتداخل المفهومان في النتاج المنجز ؟<br />3- على أيهما يقتصر الإبداع الفني ؟<br /><br /> أهداف البحث :-<br /> تتجسد أهداف البحث في تفسير وتحليل المفهومين عبر الكشف عما يأتي :-<br />1)-دراسة العناصر التكوينية وكيفية تنظيمها جماليا .<br />2)-كيفية توصيف العمل المبدع وتمييزه عمن سواه وعن العمل الحرفي .<br />3)-تحليل الأعمال الفنية ضمن الحدود كعينة بحث على وفق العناصر التكوينية <br /> <br /> <br />الفصل الثاني<br />الإطار النظري<br /><br />المبحث الأول : <br />الفن التشكيلي .البدايات والأسس الجمالية <br /> إن الرسم ، تصرف اهتدى أليه الإنسان بهدف تصوره الباحثون والمنقبون الاثاريون يعود الى أسباب نفسية ، فالخطوط والألوان البدائية والحزوز التي يضعها الإنسان القديم على جدران الكهوف تمثل إحدى الحوافز التي توهمه بالسيطرة على الحيوانات المفترسة والطبيعة. والرسم ببدائيته داخل الكهوف بعد نضجاً في ذهنية الإنسان تفوق ما اهتدى إليه في صناعته الآلات الحجرية والعظمية والفخارية لان الرسم لم يكن حاجة لها علاقة بديمومة الحياة على غيرها في صناعة النبال والسكاكين والأواني الفخارية لأنها حاجات ضرورة تلزم تواجدها ، وعلى وفق تطويع المادة قسمت الفنون التشكيلية الى أقسام ثلاثة هي الرسم والنحت والفخار ما تلبث ان تتشعب الى تقسيمات أخرى يتعذر حصرها في الوقت الحالي، وقد اهتدى إليها الفنان على مر العصور وفقاً لتطور المجتمع والفنان بدوره يهتدي الى استخلاص روافد تشكيلية جديدة من تلاقح تلك التقسيمات، ومن تجاربه المتكررة <br /><br />وإنها تشترك جميعاً بثوابت تكوينية لا يمكن إغفالها وتجاوزها، أطلق عليها العوامل التكوينية للعمل الفني وأنها متى ما انتظمت وتآلفت وصولاً لوحدة بنائية، تولد تعبيراً فنياً جمالياً (م2)، والفنون التشكيلية بتنوعاتها تتضمن قيماً جمالية يفترضه التكوين الفني الذي يثري المنجز جمالياً، لان العمل الفني يتأسس في تنظيمه الى أسس بنائية كالشكل والتوازن والحركة والهارموني والوحدة، وإنها متى ما اتصلت وتآلفت في علاقتها تعطي إيقاعاً جمالياً لان "علاقة تلك العناصر مع بعضها وما تشتمل عليه من إيقاع هي التي تعطي العمل صفة الجمال " (م3) .لذا فان العناصر التشكيلية هي العناصر المفضية الى هيكلية بصرية تعبيرية على وفق تنوعات الفنون التشكيلية، كما تعد عناصر التكوين في العمل التشكيلي أساسية في نضج العمل، وبها يتكامل الجانب الجمالي، وقد رافقت الفنون البصرية منذ وجودها، وبها تتباين الفنون التشكيلية من مجتمع لاخر ومن مرحلة لأخرى . وبها يتأسس العمل الفني كوسائل مساعدة في الوصول الى تكامله، واختيار تلك العناصر يتوقف على الموضوع والمادة والشكل وكيفية صهرها في تنظيم ما بغية مشاركة المتلقي مع المنجز الفني واستجابته ، وبالضرورة فان تلك العناصر تنتظم على وفق عناصر تكوينية أخرى من هنا حدد (هربرت ريد) خمسة مضامين رئيسة في الفن التصويري هي "إيقاع الخطوط وتكثيف الأشكال والفراغ والأضواء والظلال والألوان "(م4) ،يشاطره معظم النقاد التشكيليين والفنانين. بيد انهم حددوها بشكل آخر وبتقسيمات أخرى تقترب منها، فحددوا العناصر التشكيلية في الفنون التصويرية (ذي البعدين والثلاثة أبعاد )كالرسم والنحت والفخار من خط ولون وشكل وفضاء ونسيج ومادة، إذ لا يمكن فصل هذه العناصر في أي عمل فني حتى يتعذر على المشاهد إدراك ماهيتها وكيفية تمازجها وهي ذات قابلية في زيادة التجربة الجمالية (م5) حينما تنتظم في العمل الفني بوصفها وسائلاً تعين الفنان التشكيلي، وبهدف الإحاطة ببنية التكوين لابد من دراسة العناصر التكوينية وعلاقتها فيما بينها كي يتسنى لنا تحليل أي عمل فني من خلال ما يبثه التنظيم الجمالي لتلك العناصر وهي كما يأتي:-<br /><br />1-الخط LINE <br />وهو العنصر الأساس في الفنون التشكيلية كافة ومن الوسائل المهمة في التعبير بأيسر السبل وبأي مادة تتحرك على سطح مستو، وتتمايز قيمه التعبيرية وفقا إلى اتجاهاته ومرونته وسمكه وتنوعه في شكله ومادتهويمكن تجسيده عن طريق الحزوز بأية مادة على سطح ما أو عن طريق اللون، ويتضح الخط في الفن ذي البعدين اكثر من وجوده في الشكل ذي الثلاثة أبعاد حتى أهملت دراسته في النحت المدور بينما هو يمثل جزءاً <br /><br /><br />من عنصر الشكل ، وتتحدد قيمه التخطيطية عند حافة الشكل <br />الحادة(م6) . فجسده الفنان خالد الرحال في منحوتة ( البعد الرابع) (عينة 1)مضموناً بفعل التراتب في الظلال المتولدة من الشكل الأصلي لتكشف عن منظور ايهامي (بعد رابع ) يعد افتراضاً فلسفياً رمزياً، ليس له وظيفة واقعية للمنظور مما يجسد الخط شكلاً جلياً في العمل النحتي أو الخزفي المدور .كما تظهر قيمته في ( السجين السياسي المجهول ) (عينة 2) يحدد الفنان من خلاله الفضاء تعبيراً حقيقياً للمضمون المتوخى بينما ظهرت اختزالية في( بقايا مناضل) (عينة 3) تعبيراً دقيقاً لماهيته في تجسيد المعنى.<br /><br />2- اللون : COLOUR <br /> عنصر بنائي له أهمية في فن التصوير لانه" مصدر الثراء في اعظم الأعمال الفنية المبدعة" (م7) من خلاله يمكن تجسيد الشكل والموضوع ، إذ يصف (بول كليه) نفسه واللون شيء واحد (م8)، كما ان الشكل يكتمل باكتمال ثراء اللون، وقد مر اللون وكيفية استخدامه في العمل الفني بمراحل تاريخية هامة حددت بموجبها الفترة والاتجاه التنظيري والتقني للمدرسة يتمايز اللون في المرحلة والمدرسة التشكيلية. ومنه يمكن تقسيم الكيفية في توظيف اللون كفلسفة وتقنية الى مرحلتين الأولى ما قبل الانطباعية والثانية ما بعد الانطباعية على وفق اكتشافات نيوتن العلمية من تحليل أشعة الشمس ومعرفة الألوان الأساسية ومتمماتها في قرص نيوتن اللوني .<br />واللون عنصر أساسي في الرسم والخزف بينما هو اقل شانا في النحت لاسيما إن لون المادة المستخدمة في النحت (جبس أو برونز أو رخام) ذات مدلول نفسي ووظيفي له قيمه مؤثرة بالضرورة على مضمون العمل الفني .وقد ادخل بعض النحاتين المعاصرين قيما لونية خارجة عن كينونة المادة المستخدمة في العمل النحتي، وهي تجارب ليست كبيرة في عددها، ويعد الفنان إسماعيل فتاح الترك الأكثر تجريباً للون في العمل النحتي الجبسي. كما إن للون قابلية اختزالية تتجه حيال التجريد لاسيما في الأعمال التي ترتكز الى الألوان المنسجمة ( الهارموني) والأعمال أحادية اللون ( مونوكروم) وقد جسد هذه التقنية الفنان فائق حسن في عمله (بقايا مناضل ) (عينة 3). كما جسد لون المادة المستخدمة في العمل النحتي ( الخشب الأحمر) بعداً جماليا ًووظيفياً بافتراض الفنان الليلة المبهجة (ليلة الزفاف ) في عمل الرحال ( البعد الرابع ) (عينة 1). أو (الفدائي) (عينة 5) للخزاف سعد شاكر.<br /><br />3-الشكل: Form <br />هو عنصر تشكيلي مهم شغل الجماليون والمفكرون حول كيفية الإفصاح عنه فظهرت التعاريف الكثيرة حوله منذ وجود الفلاسفة <br /><br /><br />الإغريق (أفلاطون وار سطو ) حتى ألان، فوصف أفلاطون بان الشكل يخلق في المادة أجساماً مختلفة وحدده أرسطو بوصفه كامن في الشيء ذاته لا كما في الطبيعة بينما (كانت) يعد الشكل هو العنصر الأساس لبعث الجمال في العمل الفني (م9)، ويفصح جيروم عن الوظائف الجمالية للشكل بأنه يقوم إدراك المشاهد ويرتب عناصر العمل الفني لينبثق منه تنظيماً جمالياً ذو قيماً جمالية كاملة . بمعنى أن للشكل وظائف خارجة عن كينونة العمل الفني وأخرى داخله في محتواه يراها جيروم إنها تشترك مع بعضها في توليد عمل فني له تنظيم جمالي كامل (م10) أما سوزان لانكر فترى الفن صورة أو شكل ، وغرض الفن إبداع هذه الأشكال أو الصور، وان الشكل أساسي في التعبير عن أية فكرة أو مضمون (م11) وإزاء ذلك فان هذه الآراء وغيرها تتفق في أساس الشكل الجوهري من وجوده في العمل الفني انه يغني القابلية الجمالية لدى المتلقي عندما يبث فيه الشعور بالجمال عبر تفسير وتحليل الظواهر لان"للشكل مدى كبيراً في تفسير الظواهر فلسفياً وجمالياً "للشكل طاقة تأثيرية لا يستهان بها في التعبير عن المحمولات الفلسفية والجمالية" (م12). وتتضح قيمة الشكل في عمل فائق حسن (بقايا مناضل) من خلال اختزال الفنان للسطح التصويري متجها حيال الترميز أو التجريد مكتفياً بقميص محترق وخطوط بسيطة( أسلاك شائكة ) ليكشف العمل عن نظام تجانس فيه الواقع والايقونية والاختزال والتجريد تدعمه القابلية الأكاديمية للفنان. بينما يكون للشكل معنى وظيفي وفلسفي من خلال تحوير الصورة الطبيعية الايقونية وتأويلها الى كتل متضخمة تشغل السطح التصويري، وقد جسدها الفنان فيصل لعيبي في (المناضلون ينهضون ) (عينة 4) أو كتلة بيضوية تمثل شكلاً لوجه آدمي جسد الشكل في المضمون برمته (عينة 5). <br /><br />4-الفضاء Space <br /> تنتظم العناصر التكوينية في العمل الفني ضمن مجال يتح للفنان الاشتغال بحرية يتجسد في السطح المستوي ذي البعدين (الرسم) والمجال الذي يحيط الشكل ذي الثلاثة أبعاد (نحت , خزف ) . وعنصر الفضاء , لأهميته يذكر(ارنهايم)"إن أي فراغ هو دعوة للابتكار" (م13 )، ويظهر اللبس ما بين الفضاء والفراغ لاسيما في السطح المستوي أو لوحة الرسم، لان الإحساس بالفضاء يتضح اكثر بوجود الشكل النحتي المدور ، وانه متى ما كان تكوين الشكل فيه اكثر تعقيداً بالضرورة يكون تأثيره أقوى من تأثير الفضاء بسبب التداخل ما بينهما، مما يتعذر الفصل ما بين الشكل والفضاء كوحدات متفردة (م14)، كما يتجسد الفضاء عند اقترانه بالحركة الإيهامية في بعض جوانب تقنيات النحت الغير تقليدية بقصد تحرك المتلقي ضمن فضاء العمل وضمن خطوطه المرسومة في الفضاء المحدد , وقد جسدها <br /><br /><br />بيكاسو في عمله (أقفاص في الفضاء ) وجياكومتي في عمله (القصر في الساعة الرابعة صباحا) وجواد سليم في عمله (السجين السياسي المجهول)(عينة2) (م15).<br /><br /> 5-النسيج TEXTURE<br /> هو عنصر تشكيلي مؤثر بفاعليته في الفن ذي الثلاثة أبعاد (نحت،خزف)ولا يغيب تأثيره في الرسم، ويمكن السيطرة عليه ليكون العمل الفني ذا فاعلية عبر تقنيات الفنان المختلفة لنوع مادة النسيج (م16)، فنسيج المادة المصقولة تجسد شفافية المشهد وقدسيته في المجتمع العربي المسلم (البعد الرابع) (عينة 1) أو الفدائي (عينة 5).<br />بينما يعزز نسيج المنجز (بقايا مناضل) (عينة 3) الصورة الدرامية للمشهد المأساوي على وفق رؤية واقعية وتقنية أكاديمية عالية في الخط واللون والإنشاء ليكون تعبيراً اكثر مصداقاً ، إذ لجأ الفنان الى تكثيف العجينة في أماكن يفترض وجودها دعما" <br />للمضمون بينما أحال بعض مساحات السطح التصويري الى تقنية التقليل من العجينة أو تهميشها مكتفياً باللون في ابسط حالاته كما في اللون الرمادي في خلفية العمل Back ground والأرضية مما يسهل رؤية مسامات قماشة اللوحة للمتلقي.<br /> <br /> القيم الجمالية<br /><br /> من خلال استعراض عناصر تكوين العمل التشكيلي التي هي وحدات بنائية تعبيرية ومن خلال القيم الجمالية كمحور تتأسس عليه العملية الإبداعية في الفن، فأن العلاقات ما بين العناصر ليس لها إلا ان تتآلف وتتوحد للبث الجمالي وان الملاحظة والتحليل الدقيق لكل عمل فني تتطلب توصيف كل عنصر وعلاقته بالعناصر الأخرى، فالخط يتوحد موضوعياً بالشكل واللون، ويتوحد اللون بالشكل ونسيج المادة، كما يتوحد الشكل والفضاء ونسيج المادة واللون في بناء العمل التشكيلي، وان طريقة تنظيم هذه العناصر تفرد عملاً من آخر وتميز فناناً عن غيره. لان سعي الفنان للجمال والمضمون مرتبط بكيفية توظيف تلك العناصر في وحدة متناسقة، الوحدة التي تعطي للعمل الفني معناه، وهذه مثالية يهدف لها الفنان عند سوقه المفردة المنتقاة في المعنى الوظيفي والتعبيري والجمالي.فالفنان التشكيلي ينزع إلى اختيار الوحدة الناتجة من أي من العلاقات المتولدة ما بين العناصر سعياً إلى التنظيم الجمالي بوسائل قد لا تكون معتادة وليست ملزمة لخلق عمل فني مبدع . إن العناصر التشكيلية هي عناصر مرئية للمتلقي بينما التنظيم الذي يسعى حياله الفنان خافياً على المتلقي البسيط أو المتذوق لانه غير مرئياً.كما إن الوحدة التي يولدها التنظيم الجمالي التشكيلي ناتجة عن قواعد متعددة منها التكرار في العناصر المتشابهة ضمن العمل الفني الواحد أو من خلال التقابل <br /><br /><br />وصولاً إلى التوازن في توظيف المفردات على وفق ما يرتئيه الفنان في الشكل واللون والخط كما يتحقق التنظيم الجمالي من خلال الحركة والاستمرارية بوصفها وسائلاً تجسد الوحدة في العمل الفني"لان الهدف الأول للمصور هو تحويل عناصر الشكل والمكان والإيقاع واللون وغيرها من المكونات الى تعبير متماسك ومتناسق يضمن الفنان من خلاله رسالة توضحها مادته" (م17).أن القيم الجمالية تؤطر الفنون برمتها وأنها تضفي الشعور بالمتعة حيال المنجز الفني كما أنها تخضع الى أركان متغايرة يفرضها الوعي الثقافي الذاتي للمتلقي وما هية التأثيرات المحيطة فيه كالبيئة والتاريخ والجغرافية. كما تعد القيم الجمالية من عناصر الفن وأحد مميزاتها، كذلك يمثل تميزها تميزاً في فنون المجتمعات المتباينة لا سيما إنها غير مقننة ولا يمكن الاستدلال بها ضمن ظروف علمية ثابتة لان" الجمال قيمة لا تخضع لمعيار علمي كونه يتعلق بالجانب الوجداني" (م18).<br />ولعل من مبادئ القيم الجمالية التي ارتكزت إليها الفنون التشكيلية فيما يتعلق بالعلاقات الشكلية وإخضاعها إلى عناصر السيادة والحركة والتناسب والتوازن على وفق ما تدركه حواسنا لتلك العناصر وما تضفي من متعة جمالية يمكن إدراكها تبعاً للوعي الذاتي الجمالي للمتلقي.وارتكازاً الى الوعي وقابليته في التحليل والتعبير من خلال قيم جمالية تكوينية متوازنة ذات استقرار وسيادة لاسيما إن الجمال وقيمه لا يحيد عن فهم تلك العلاقات المدركة.<br /><br />المبحث الثاني:<br /> الحرفة الشعبية معطيات وحاجة وعناصر تكوين<br /><br /> إن الحرفة في اللغة تعني الصنعة والصناعة أو ما يقوم به الإنسان من جهد عضلي (يدوي) لانتاج شيء ما ينتفع به هو أو غيره، وقد مارسها الإنسان القديم بالفطرة في صناعة أدواته المعيشية من الطين والحجر والخشب والجلود والمعادن وغيرها من الخامات التي تعينه في ديمومة حياته، ولكون هذه الصناعات نشاطات إنسانية متناقلة من جيل إلى أخر كما انتقلت الآداب والفنون الأخرى، فقد عدت من المورثات الشعبية وبفعل المعطيات المتيسرة للإنسان القديم تنامت الحضارة مبكراً لتظهر ملامح النضج الفكري في الاستقرار التي تفرضه الزراعة وتدجين الحيوانات فظهرت الحاجة الى بعض الآلات التي لا يمكن الاستغناء عنها في ظروف المعيشة اليومية كالأواني الفخارية وغيرها.<br /> إن مجتمع العراق القديم تألف من طبقات حرفية توزعت ما بين الفلاحين والحرفيين والفنانين والنجارين وغيرهم الذين طوروا أعمالهم بتوظيف المعطيات وفقاً إلى الحاجة لتنهض منها <br /><br />الحضارة العراقية وتتطور على مر العصور فتعلموا صناعة المعادن وطرقها وحولوا المعادن الرخيصة الى اثمن وبعض خامات الأحجار إلى أحجار كريمة تشبه اللازورد (م19) . إلا إن الحرف والمصنوعات الناتجة منها لم تكن وليدة الحاجة حصراً بل إن النقوش والرسوم الموجودة على هذه المصنوعات الفخارية والنحاسية والنسيجية وغيرها ارتبطت مادياً وروحياً ما بين المجتمع والبيئة والمواد المعطاة التي لم تكن بعيدة بتأثيرها الوظيفي والدلالي المتوافق جوهرياً مع المعتقدات السحرية والطقوسية مما يؤكد إن المفردات والرموز المستخدمة لها دلالات في الفكر الشعبي حتى أطرت وظيفة المواد الأساسية دلالات سيمولوجية (م20) فضلاً عن ارتباط الحرف الشعبية في العراق القديم بالمعتقدات الدينية فقد اتصلت بالسلطة والأسطورة العراقية القديمة بافتراض إن معظم الصناعات والحرف هي هبة إله الماء والحكمة الى الدنيا بعد ما خلقها (م21). <br />كما إن ارتباط الحرف الشعبية بالإنسان روحياً ووجدانياً قبل أن يكون مادياً لأنها نتاجات أفرزت رؤى تعبر عن حالة المجتمع بسبل شتى.وقد تكون الحرف وجهاً أخراً لتعريف الفن ذلك "أن نشأة الفن تستمد من روح الصناعات التطبيقية TECHNICS … وان الفن لا يعدو أن يكون ناتجاً عرضياً للصناعات الحرفية" (م22). بمعنى إن مفهوم الفن هو امتداد طبيعي لمفهوم الحرفة من الوجهة الشمولية للفن وانه كمصطلح يشمل الحرف والصناعات اليدوية.<br />إن الأسس التي تمكن الإنسان من الرقي بذهنية المجتمع هي مؤشرات محفزة للخلق والابتكار وتشكل أرضية رحبة في تشكيل الرؤية المتجددة للحياة ومنها يستجيب المجتمع بذهنيته المتنامية للإنجازات التي يولدها أبناءه لما لها من تأثير نفسي وجمالي، منها تتشكل المقارنة ما بين العمل الحرفي كحاجة ضرورة والعمل الفني التشكيلي بوصفه حواراً انفرد منه بتعريف فلسفي شامل إنه "حوار مرئي" (م23).<br />إن البنائية التي ارتكز إليها العمل التشكيلي هي ذاتها للنتاج الحرفي الشعبي بتوظيف عناصر (الخط واللون والشكل والمادة والنسيج والفضاء) لانه نتاج يدوي متشكل، بيد إن المقارنة اختلافاً وتشابهاً تكمن في التجسيد الفلسفي للعناصر وتنظيمهاً جمالياً، فالخط يتعامل معه التشكيلي لانه قيمة تعبيرية جمالية ليس لها أي تأثير فلسفي (مضموني) في عمل الصانع الحرفي فالكرسي وقطعة البساط تتضمن الخوط التشكيلية إلا إنها ليست ذات معنى سوى تحديد الأشكال أو رسم الوحدات الهندسية والنباتية والزخرفية فيتمظهر الجمال في قطعة البساط بكليته دون تجزئة يراد بها مضمون فلسفي، أما اللون فهو في تصرف الصانع مادة صبغية تضفي المسحة الجميلة أو الوقائية للنتاج الحرفي، بينما يعد عنصر الشكل الذي افترضه أفلاطون شكلاً <br /><br /><br />مجرداً أو حقيقياً يمثله بفكرة وصنعة النجار للكرسي لاجل الاستعمال على غيره لدى الفنان عندما يرسمه إذ يطلق عليه بالشكل الحاكي (م24). أما الفضاء والمادة وغيرها من العناصر البنائية فان توظيفها نفعي وغير ذي معنى فلسفي. وما بين الاتجاهين المتناقضين في توصيف الحرفة الشعبية كونها صنعة ذات نفع او تشكيل جمالي بهدف فلسفي يبرز اتجاهاً معتدلاً يرى أن العمل التشكيلي يتعدى البعد الفلسفي ليضم في جنباته المنفعة ليؤول الرأي الى أن الجمال والمنفعة قد يشتركان في منجز تشكيلي يفيض على المتلقي قابلية التساؤل والتأمل عبر استشراف المنجز للعناصر البنائية الجمالية بمحمولاته الفكرية واتصالها بالنفع الوظيفي والمادي.وحيال ذلك تبنت مدرسة(الباوهاوس)* إحدى اتجاهات الفنون التشكيلية المعاصرة توجه مفاده إن الحرفة ذات النفع هي بالضرورة عمل تشكيلي جمالي وفلسفي.<br /><br /><br />المبحث الثالث: <br />الإبداع بين التشكيل والحرفة<br /><br /> مثلما كان الفن نضحاً للاعتبارات الفكرية الذاتية كقيم كامنة في جوهر الإنسان العراقي القديم فانه بالضرورة انعكاس لمجمل الظواهر المحيطة البيئية والعقائدية ، فالفن منذ القدم وما يزال الوسيلة الناجعة في السيطرة على الطبيعة وعلى كوامن الإنسان للارتقاء به، وهما عاملان ارتبطا بالإطار الجمالي والفكري بفعل ما يبثه العمل الفني من استفسارات وأجوبة تثير الدافع النفسي والفلسفي للفنان ، بدورها تنتقل هذه الإثارة الى الملتقى حاملاً معه إجابات قد تكون غيرها لدى الفنان ، إلا أنها ستكون مشتركة معه في التحليل الذي حفز الإنسان العراقي القديم الى ابتكار قيم الفن فضلاً عن الصنعة . فالتشكيل والحرفة الشعبية هما نتاج عقل ومهارة لهما عناصر تكوينية متماثلة ( خط و شكل ولون و مادة و فضاء و نسيج ) إلا إن الدقة في توصيف العمل الفني المبدع وتميزه عن العمل الحرفي المتقن تكمن في عنصر الخــــــيال واحاطته التقنية والجمالية بتنفيذ العمل الفني ،وتصوراً قد يشترك عنصر الخيال وتنفيذ الفكرة في العمل الحرفي الشعبي إلا إن الصفة النهائية للعمل الحرفي مخزونة بالكامل في ذهن الصانع (جاهزية النتائج) بينما تغيب الكينونة النهائية للعمل الفني الأصيل عن ذهنية الفنان لان العملية الفنية الإبداعية هي عملية بحث وتجريب واكتشاف فيتحدد الإبداع في العمل الفني والأصـالة عـلى وفـق عملية البحث والتجريب في تنفيذ الفكرة التي تفتقدها الصنعة الحرفية " فبدون تنفيذ الفكرة ليس هناك عمل فني إطلاقاً " (م26).<br />وتأسيساً على ذلك فان الإبداع مرهون بالخيال وتجسيد الفكرة، ومرهون بعملية البحث والتجريب وهي عنصران يفترض <br /><br /><br />وجودهما نسبياً في بعض الجوانب الضيقة لبعض الصناعات الحرفية تعززها المهارة التقنية التي قد تكون اكثر نضجاً لدى الصانع الحرفي، منها لدى الفنان أما الجانب الأكثر تميزاً فيكمن في موهبة الفنان إذ يرتقي بذهنيته فوق تصور الصانع الحرفي لذا حدد الإبداع في العمل الفني الجمالي ضمن محورين أحدهما يمثل البعد الذاتي الشخصي للفنان والثاني يتصل بالمجتمع وقابليته على الاستجابة وعلى بعدهما التطوري(م27) . من جانب آخر فان الإبداع يقتضي البحث في اتجاه الأصالة من خلال بحث الفنان عن الجديد وتجاوزه بقدراته (الخيال تدعمه موهبته) الشائع من التعبيرات والأفكار التي في متناول الآخرين (الحرفي يرتكز في نتاجاته إلى الأنظمة والطرق الشائعة ). لذا فالإبداع يستدعي قدرات لها صلات بالعمل والإنجاز والمجتمع وأهمها الأصالة بوصفها إضافة مبدعة إلى روح التراث، والمرونة وقابليتها في التحرر من النمطية، والطلاقة وكيفيتها في إنتاج الأفكار المبدعة، والحساسية من خلال كشف وتذليل القصور في الأشياء والنفاذ في النظر الواعي الحاد، والمواصلة في تفعيل الذهن على التركيز والديمومة (م28).<br />ومن هنا لابد من العروج الى تحديد ما هية المصطلح الذي اعتمدناه (الحرفية في الفن)* لانه إطار يحدد الكينونة الرتيبة الغير متحركة للفنان والتي تحجم مخيلته ومهارته وتضعها في قالب الأسلوب والأسلوبية كحد فاصل ما بين الفنان الحرفي والمبدع "لذلك تشكل ظاهرة التحول ضرورة لدى الفنان" (م29) لأنها ظاهرة ليس منها إلا الفصل ما بين التوجهين، إذ يتحدد من خلالها توصيف الإبداع كصلة مع الفنان بحثاً وتجريباً في منجزه الفني وقابليته على تطويره وتجاوز المألوف ضمن كينونة المجتمع التراثي والمعاصرة. هذا أولاً أما المصطلح الأخر (الفن في الحرفة) فانه يرتكز إلى هامش من القيم الإبداعية والجمالية التي تؤطر العمل الحرفي الشعبي(البسط الشعبية مثلاً) وما يضمر من قيم جمالية عبر اللون والخط والمفردة المستخدمة (غالباً موروثة) يستأثر بها المتلقي لما تشع من الحبور والبهجة حال الاتصال معها فضلاً عن رؤية الفنان المبدع لها بوصفها عملاً موروثاً يرى فيه عناصراً بنائية هي ذاتها في التشكيل، ولا تختلف عن القابلية التنظيمية الجمالية، وان غابت عن صانعها الوسائط التنظيمية أكاديمياً لان التنظيم عنده يتولد بالسليقة بفعل الخبرة، مما يفرض اقتراب الحرفي الصانع بمهارته من الفن في تجسيد حرفته ، وما بينهما يشير المصطلح الى تمييز البس ما بين المفهومين الصانع وإتقانه لمنجزه وبين الفنان الفطري الذي يرتقي بتجاربه من الفنان المبدع.وعلى ضوء ذلك فان الإبداع إضافة جديدة للأشكال المعتادة المدركة من خلال الحدس والخيال، وتعبير عن الوجدان لذا فان الإبداع يتردد في الاتصال وصفاً للعمل الحرفي الشعبي ويندفع باضطراد نحو التشكيل (م30).<br />الفصل الثالث<br />إجراءات البحث<br />* المنهج المستخدم: اعتمد الباحث المنهج الوصفي كونه يتماشى والبحث.<br />* أداة الــبحـــث : استخدم الباحث أداة الملاحظة في التحليل .<br />* مجتمع الــبحــث : حُصر المجتمع بالأعمال التشكيلية التي اعتمدت في تنظيمها الجمالي الى عناصر التكوين وقيم الجمال.<br />*عينة البحث: اختار الباحث قصدياً عيناته بـ(5) نماذج موزعة ما بين الرسم والنحت والخزف.<br /><br />أسباب اختيار العينة<br /> أن تؤدي الغرض في توصيف العمل المبدع تشكيلياً أم حرفياً.<br />1ـ أن يكون العمل مبدعاً وذو قيمة جمالية كما يراه الباحث.<br />2ـ قد تكون بعض العينات قريبة من إمكانية الحرفي في تنفيذها. <br />تحليل العينات <br />عينة (1) ( البعد الرابع )<br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /> <br /><br /><br /> منجز نحتي نفذه الفنان خالد الرحال عام 1964 من مادة الخشب الملون. يتكون من كتلتين منفصلتين لرجل وامرأة. والمنجز لم يكن نحتاً مدوراً كاملاً، ولغاية وظيفية توخى الفنان أن يكون العمل اقرب للنحت البارز، لاسيما أن الكتلتين يمكن مشاهدتهما من ثلاث جهات، إذ ألغى الفنان الجهة الخلفية مضيفاً بعض الأجزاء لكتلة الرجل والمرأة لتكرارية الجهة المطلوبة للفنان بهيأة خطوط متكررة توحي بالبعد الرابع الذي ألغاه ومنه أطلق تسمية العمل. <br /><br />كشف الفنان الحالة المقدسة ما بين الرجل والمرأة مجسداً حالة الخصوبة والعطاء في كتلة المرأة المتضخمة في الصدر والبطن والأرداف استذكاراً طبيعياً للمرجعية الفكرية لفن العراق القديم، بينما جسد الرجل نحيفاً أطول من المرأة في حالة انحناءة حيال المرأة كنوع من القوامة في المسؤولية. كما لجأ الى الملمس المصقول مجسداً شفافية المشهد، بحيث تعطي للفضاء الذي يؤطر الكتلتين قابلية التفاعل والانسجام. فلا يمكن تصور وجود كتلة أخرى تقاربهما لاكتمالهما شكلاً ومضموناً. وتأسيساً على ذلك يحق أن يكون العمل إبداعياً لاسيما إن الحرفي الصانع ذو قابلية في تشكيل مادة الخشب. إلا إن عجزه الإبداعي لن يتكامل بنقل صورة حية للعلاقة الحميمة ما بين الرجل والمرأة بكيفية كهذه تمتلك عناصر الجمال.<br /><br />عينة (2) ( السجين السياسي المجهول )<br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /> <br /><br /><br /><br /><br /><br /> عمل نحتي مصغر نفذه الفنان الراحل جواد سليم عام 1953 لمسابقة عالمية. توخى فيه المعاصرة والتجريد مع استخدامه المفردات والرموز الرافدينية كنوع من توجه الفنان الحثيث باستقراء واستنهاض قيم الموروث العراقي القديم في خطابه التشكيلي. يتأسس العمل من أربعة أعمدة غير منتظمة في الطول والشكل (النسيج،والمادة) بقصد تهاوي القضبان أمام السجين المفكر وقد اعتمد الفنان الى التوازن الشكلي في الكتلة مما <br /><br />يوحي استقرار المنجز وسيادته، وارتكازه الى الخطوط وتكرارها مولداً حركة انسيابية تفصح عن وحدة ديناميكية تضفي الى المنجز قيمة جمالية في تكامل عناصر بنائيته. أما الوظيفة المضمونية فقد جسدها الفنان معنىً عبر اختزالية الأشكال وتجريديتها وتوجهها حيال الرمز. مكتفياً بالخطوط (الأعمدة) لمشاركة المتلقي في فضاء العمل الداخلي وما يحيط العمل بكليته كنوع من الحركة الإيهامية في عمليات نحتية غير معتادة، هذه العمليات التي تميز الفنان إبداعيا عمن سواه ممن له القابلية الصناعية في تشكيل كهذا دون أية قيم معرفية لا بالتشكيل ولا بعناصره البنائية (الحرفي الصانع) فضلاً عن جهلة يقيم تجريدية موروثه وظفها الفنان في منجزه.<br /><br />عينة (3) ( بقايا مناضل )<br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /> <br /> منجز تصويري بالألوان الزيتية نفذه الفنان فائق حسن عام 1976 ليمثل موضوعاً سياسياً ضد التمييز العنصري ومناهضته من قبل الإنسان المناضل وهو يقتحم أسوار العدو لإيقاع اشد الضربات فيه. يتأسس المنجز من اختزالية السطح التصويري برمته، فقد ألغى الخلفية Back ground ليحيلها الى مساحتين ضبابيتين، في الأعلى الدخان (نتيجة العمل البطولي للفدائي) والأرضية في الأسفل. كما اختزل الكتلة الرئيسة بقميص ممزق وأسلاك شائكة مولداً من الشكل سيادة في المضمون (القميص المحترق). وارتكازاً إلى العناصر الجمالية المتوخاة في المنجز سعى الفنان الى الهارمونية اللونية، وظيفةً مضمونية حيال الترميز، رغم واقعية المشهد وأكاديمية الألوان المستخدمة. كما وظف الفنان قماشة اللوحة بإظهار النسيج عبر التقليل من العجينة الزيتية في بعض المساحات كنوع من الاختزال في اللون الى جانب الاختزال في الخط وعفويته المدروسة لخلق حالة التوازن والحركة وصولاً لوحدة العمل الفني التي تؤطر العمل جمالياً فـ(بقايا مناضل) تمثل مضموناً عولج بإبداع فضلاً عن وجودها كشاهد عيان ووثيقة تاريخية مهمة.<br /><br />عينة (4) (المناضلون ينهضون )<br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br />عمل تصويري بالألوان الزيتية نفذه الفنان فيصل لعيبي عام 1972 وقدمه للمشاركة في معرض السنتين العربي الأول في بغداد عام 1974 . جسد فيه قيم الإنسان الثوري وتطلعه للخلاص من العبودية بكل أشكالها السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية.يتأسس المنجز من تراكيب شكلية لمجموعة من الشخوص في أوضاع توحي بالصمود والإصرار والأمل. والمنجز يفرض الكثير من التساؤلات والتأويلات لانه يحتمل قراءات عدة ابتداء بالتقنية الأكاديمية كتوظيف لوني احالنا أليه الفنان مروراً بالبث الدلالي والمقاربة الايقونية للصورة الطبيعية، لذا اعتمد البناء الجمالي على نظام توفيقي ما بين الأكاديمية والرمزية، تندرج التعبيرية ما بينهما مستحضراً المرجعية الذاتية والمرجعية التاريخية. فسعى حيال الموروث الحضاري العراقي القديم لا سيما الوجوه السومرية فضلاً عن الأجنحة التي استقدمها الفنان من الثور المجنح الآشوري.<br /><br /> وتتكامل الجمالية المضمونية التي يبثها المنجز بتكامل التكوين كتقنية حاول الفنان من التوليف بينها. مما يولد بالضرورة عملاً إبداعياً أصيلاً، كما لجأ إلى التأثير الكتلي للشخوص في مقاربة للمنحوتات البارزة أو المدورة ليضفي قيمة الشكل الجمالية على السطح التصويري، يعززه مركز السيادة المؤثر في المتلقي، كما يشي المنجز بديناميكية حركية واستمرارية مولدة وحدة في التكوين العام المنجز، أما حالة التوازن فقد سعى أليها الفنان من خلال مساحات الضوء والظل، كما ر يخفى ان العمل مضموناً وتقنية يفترض عجينة لونية كثيفة تولد شعوراً بالتآلف والانحياز للعمل كموضوع حياتي.<br /><br />إجمالاً فأن (المناضلون ينهضون) يعد عملاً تشكيلياً إبداعياً عسير في تكوينه البنائي والمضموني من إمكانية الحرفي المتمرس. <br /><br />عينة (5) ( الفدائـي )<br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /> <br /><br />عمل خزفي مدور نفذه الخزاف سعد شاكر باعتماده الكتلة موضوعاً ذا دلالات لها علاقة ومفهوم مقدس في الشارع الإنساني (السلام والقتال حتى الشهادة) مستقدماً التراكمات الموروثة في روحية الخزف من الفن العراقي القديم لا سيما الرأس كمحاكاةً ليست ترديدية للوجه العراقي السومري المدور، فضلاً عن التقنية المضمونية التي تناسب موضوعاته، كالخط بخصائصه الجمالية والمضمونية أطر محيط العينين والفتحة المربعة في الأسفل كنوع من التضايف وموضوعة الحزن الآني للشهادة، وقد عزز تساميها باللون الأبيض الذي يغني المنجز بكليته كاشفاً وبقصد مرجعيته التكعيبية للفنون العراقية القديمة في التوافق اللوني الهارموني واحادية اللون ( مونو كروم) الذي أحال المنجز إلى الاختزالية والتجريدية والترميز فضلاً عن النسيج والمادة في إحالتهما المنجز إلى وظيفته المقدسة ليعد المنجز من الروائع الجمالية والإبداعية العسيرة على إمكانية الحرفي الصانع تخطيها بتكامل العمل الفني في عناصره البنائية ومضمونه.<br /><br />الفصل الرابع<br />النتائج والاستنتاجات<br /><br />1ـ يرتبط مفهوما التشكيل والحرفة الشعبية بنماذج متباينة من المجتمع، فالتشكيل ذو صلة والمجتمع تفوق متذوقي التشكيل لاسباب أهمها ارتباط المنفعة المادية (الوظيفية) والحرف الشعبية دون التشكيل.<br /><br />2ـ يتضاد المفهومان على وفق المحورين الأساسين (الحرفية في الفن، والفن في الحرفة)الأول يصف العمل الفني التشكيلي بامتلاكه المقومات البنائية كما يصف الفنان وعلاقته بالمضمون <br /><br /><br />والتقنية أما المحور الثاني فهو يصف الحرفة الشعبية بإضفاء الذهنية المتقدة لها وهي ليست ذات قابلية على الخيال وتصف الحرفي الصانع بامتلاكه أدوات الصنعة حسب.<br />3ـ العمل التشكيلي حصيلة عناصر بنائية داخلة في هيكلية تدعمها اشتراطات الموهبة والخيال وتجسيد الفكرة وصولاً إلى نتائج مبدعة غير مُسلم بها بينما العمل الحرفي له تلك الحصيلة من العناصر التكوينية الداخلة في هيكليته تدعمها المهارة وتجسيد الفكرة وصولاً إلى نتائج مسلم بها. كما إن توظيف تلك العناصر متباين بين التشكيل والحرفة فتوظيف الخط في التشكيل يتصف بأهمية ليست ذات شأن في العمل الحرفي الشعبي واللون كعنصر بنائي تشكيلي ليس منه إلا مادة طلائية أو وقائية في العمل الحرفي.<br />4ـ العملية الإبداعية في التشكيل لا يشترط إناطتها بالإنجاز الذي يرتكز في تنظيمه إلى القيم والوسائط الجمالية التكوينية حسب,بل هي منوطة بعملية البحث والتجريب والجدية في شحذ قابلية المخيلة لان العمل التشكيلي يعد أصيلاً بوجود حوافز البحث والتجريب بوصفه كينونة متحولة بتحول الذهنية الذاتية للفنان.وبعكسه يكون العمل التشكيلي تنظيماً جمالياً لا يكتنف بطياته هذه الحوافز فيتحول من عمل تشكيلي مبدع إلى عمل تشكيلي حرفي (حرفنه).<br />5ـ إن قوة تأثير العمل الفني التشكيلي تكمن في تأمله وجدانياً ونفسياً بينما يفقد التأمل معناه في تلقي العمل الحرفي الشعبي لانه خال من المضمون الفكري.<br />6ـ الحرفة هي الصنعة التي يمارسها الإنسان في فترة من فترات حياته المختلفة يتعلمها عن طريق الممارسة الفطرية عن أبيه أو معلمه (الاسطة) وتكون في اغلب الأحيان خالية من الرؤية الإبداعية التي تميز الفن التشكيلي عنه بصورة عامة لان التشكيل لم يكن انتقالاً متوارثاً إلا ما ندر. <br /><br />المصادر<br />1ـ ناثان نوبلر. حوار الرؤية، مدخل الى تذوق الفن والتجربة الجمالية. ترجمة فخري خليل. دار المأمون للترجمة والنشر،ط1 بغداد 1987 ص38.<br />2ـ د. عبد الهادي محمد علي. التكوين الفني للحباب الفخارية المزخرفة، مجموعة المتحف العراقي، المجلة القطرية للفنون، جامعة بغداد/كلية الفنون الجميلة العدد(1) كانون الأول 2001 ص127.<br />3ـ د. عبد الهادي محمد علي. المصدر السابق ص129.<br />4ـ د. شاكر عبد الحميد. العملية الإبداعية في فن التصوير. المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب. سلسلة عالم المعرفة (109) مطابع الرسالة. الكويت 1987 ص14.<br />5ـ ناثان نوبلر. المصدر السابق ص95.<br />6ـ ناثان نوبلر. المصدر السابق ص62.<br />7ـ د. شاكر عبد الحميد. المصدر السابق ص15.<br /><br />8ـ د. شاكر عبد الحميد. المصدر السابق ص15.<br />9ـ د. باسم عبد الأمير الاعسم. مفهوم الشكل في الخطاب المسرحي. مجلة الفنون القطرية. جامعة بغداد/ كلية الفنون الجميلة العدد(1) كانون الأول 2001 ص36 ، ص37.<br />10ـ جيروم ستولنتز. النقد الفني. دراسة جمالية وفلسفية. ترجمة د.فؤاد زكريا. ط2 الهيئة المصرية العامة 1981 ص15.<br />11ـ راضي حكيم. فلسفة الفن عند سوزان لانكر. دار الشؤون الثقافية العامة. مطابع الدار. بغداد 1986 ص14.<br />12ـ د. باسم عبد الأمير الاعسم. المصدر السابق. ص49.<br />13ـ د.شاكر عبد الحميد. المصدر السابق. ص68. <br />14ـ ناثان نوبلر. المصدر السابق. ص87 ، 88.<br />15ـ هربرت ريد.النحت الحديث.ترجمة فخري خليل.مراجعة جبرا إبراهيم جبرا.دار المأمون للترجمة والنشر.مطابع الدار.بغداد 1994 ص54.<br />16ـ ناثان نوبلر. المصدر السابق. ص88.<br />17ـ د. شاكر عبد الحميد. المصدر السابق. ص14.<br />18ـ د. عبد الهادي محمد علي. المصدر السابق. ص128.<br />19ـ ليو اوبنهايمر. بلاد ما بين النهرين. ترجمة سعدي فيضي عبد الرزاق. دار الحرية للطباعة. بغداد 1981 ص79،82،86.<br />20ـ باسم عبد الحميد حمودي. تنوع التراث، تعددية الإنتاج والتأثير. مجلة التراث الشعبي. دار الشؤون الثقافية. بغداد العدد(1) 2000 ص27،28.<br />21ـ هاري ساكز. الحرف والصناعات في العراق القديم. ترجمة كاظم سعد الدين مجلة التراث الشعبي. العدد (3) 1998 ص79.<br />22ـ ارنولد هاوزر. الفن والمجتمع عبر التاريخ.ج1. ترجمة فؤاد زكريا. المؤسسة العربية للدراسات. ط1 بيروت 1981 ص13،14.<br />23ـ اتش دبليو وانتوني جانسون. الفن من الحلم الى الحقيقة، تأملات في تجربة الخلق الفني. ترجمة عبد اللطيف السعدون. مجلة البحرين الثقافية. العدد (25) السنة السادسة 2000 ص150.<br />24ـ باسم عبد الامير الاعسم. المصدر السابق. ص36<br />25ـ عدنان المبارك. الشكل والوظيفة. مجلة فنون عربية. المجلد السابع. السنة الثانية 1982 ص116.<br />26ـ اتش دبليو وانتوني جانسون. المصدر السابق. ص115.<br />27ـ د.شاكر عبد الحميد. المصدر السابق. ص16.<br />28ـ د. شاكر عبد الحميد. المصدر السابق. ص85،86.<br />29ـ عاصم فرمان صيوان البديري. المتحول في الفن العراقي المعاصر. أطروحة دكتوراه غير منشورة. جامعة بغداد/كلية الفنون الجميلة 1999. ص34.<br />30ـ راضي حكيم. المصدر السابق. ص10.أزهر داخل محسنhttp://www.blogger.com/profile/03098343134480779083noreply@blogger.com0tag:blogger.com,1999:blog-6609888417791380236.post-68799124982879134842010-06-02T11:01:00.000-07:002010-06-02T11:09:06.057-07:00المحتوى الجمالي للفنون القديمة في العراق ومصر (( دراسة جمالية مقارنة ))المقدمة<br /> لاريب أن الفنون نضح الشعوب وأهم مرتكزات وجودها ، ويمثل الفن الكيان الذي يؤطر سلوكياتها ، لذا أخذت الشعوب تتراقى بفنونها وتشغل الحيز الذي يؤهلها لتسمو حضارياً ، ولأن الفنون تتلاقح بتلاقح الشعوب والمجتمعات فتضفي على الجميع قيماً تكون مشتركة بينها ، وكلما اقتربت هذه المجتمعات من بعضها ترسخ تواشجها فينعكس على مجمل القيم السلوكية للمجتمعات ، هذه القيم لاشك تبث محتوى فلسفياً وجمالياً يطغي على الأثر الفني ليفيض جمالية ، ولعل أوج هذا الفيض ما أطر الفن العراقي القديم والفن المصري القديم بأسس جمالية متقاربة في محتوى الانجاز على صعيد الشكل والتأويل الفلسفي لهما .<br /> تأسس البحث من مقدمة تضمنت مشكلة البحث وقد أجملها الباحث متسائلاً بما يأتي :<br /> 1 ـ ماهي مرتكزات المقاربة الجمالية للفن العراقي القديم مع الفن المصري القديم ؟<br />2 ـ ما هو التأويل الفلسفي للمقاربة الجمالية بينهما ؟<br /> أما الإطار النظري وقد احتوى على مبحثين ، الأول ودرس فيها الباحث المرجعيات الفلسفية للفن العراقي القديم والفن المصري القديم ومقاربتهما الجمالية وتطرق في المبحث الثاني إلى محتوى بعض القيم العلامية والرمزية في كلا الفنين . وقد توخى الباحث تجاوز السياق التأريخي في عرض وتحليل المنجزات العراقية والمصرية القديمة دون التأكيد على التوافق الزمني بينها أو على أسبقية وجود الحضارة المصرية القديمة أم الحضارة العراقية القديمة وتأثير أي منهما في الأخرى ، كما عرض المنجز وحلله ضمن الإطار النظري واضعاً المنجز المصري في جهة اليمين والمنجز العراقي عن يساره .ومنها توصل الباحث إلى عدد من النتائج والاستنتاجات وقد ناقشها كما يأتي : <br />1 ـ بفعل التقارب والتشابه بمرجعية الفنون القديمة في مصر والعراق تشابهت المفردات الشكلية المستخدمة في فنون البلدين وتقاربت تأويلاتهما فتمتلك بذلك الثيمة الإطار الديني فضلاً عن مركزية سيادة شخصية الإله أو الملك الإله. <br />2 ـ تميزت الفنون (رسماً أم نحتاً ) في البلدين بتضايفها مع النظام المعماري ، وهو تضايف لم يكن خيارياً إنما فرض حالته على الفنان القديم منذ عصر الكهوف ويعد مؤشراً إبداعياً تميز بخصوصية فرضتها قيم متعددة كالزمن والمكان والمستوى الحضاري وغيرها .<br />3 ـ يمثل الختم الاسطواني فناً متميزاً لما يحوي من قدرة إبداعية لدى الفنان العراقي القديم وإن كان الختم يحسب ضمن فن النحت لاسيما النحت البارز وقد تطور تدريجياً عبر الدول التي تعاقبت على حكم العراق القديم ، إلا إنه لم يظهر أثر للختم الأسطواني في فن النحت المصري القديم .<br />4 ـ لقد ظهرت الكتابة الهيروغليفية والمسمارية بصفتهما مدلولات أُوٌلَ تحليلها العلاماتي (إشاري و رمزي و أيقوني) عبر تطور ظهورها وذلك لاتصالها مع العلامة لغاية وظيفية كالتسجيل والتدوين ، فضلاً عن مرافقتها للرسوم على الفخاريات والرسوم الجدارية والمنحوتات البارزة والمدورة والأختام التي ظهرت في الفنون العراقية القديمة لترجمة المحتوى الجمالي والفلسفي للمنجز الفني الذي يدعم المضمون بوصفه مضموناً عقائدياً أم اجتماعياً أم سياسيا ً.<br />5 ـ تميزت الفنون القديمة في العراق ومصر بسمات شكلية محورة ومختزلة إلى أبسط صورها لغاية وظيفية عقائدية وروحية من خلال تجاوز وإلغاء بعض القيم المنظورة والتأكيد على المضمون الفكري الضاغط على الشكل بإيحاء رمزي واع والنزوع حيال التجريد وتحطيم الصورة الأيقونية كنوع من التحرر التعبيري بالاعتماد على التمثيل المألوف والمباشر . وتجلت هذه الفكرة في التماثيل الإلهية الإنثوية بوصفها تكثيف روحي ضاغط لفكرة الخصب والإنتاج والديمومة على الحياة ، ويعد ذلك تكريس للميتافيزيقية لأنها قيم دينية روحية تعتمد الخطاب البصري الذي تفرزه الفنون سواء في النحت أم الرسم أم الفخار. وقد اتصلت البنائية الشكلية للتماثيل الإنثوية مع الكتابة بوصفهما قيم منتجة للجديد كتوصيف إبداعي أغنى الحضارة . وقد تجسد هذا المفهوم بقيمه الإبداعية في الفن العراقي القديم أكثر من وجوده في الفن المصري القديم وذلك لتباين اللغة واختلافها . <br />6 ـ فرضت المضامين سطوتها على البناء التكويني للمنجزات الفنية مابين التكوين المغلق والمفتوح من خلال تحجيم عنصر الفضاء في الرسوم الجدارية والمنحوتات البارزة أكثر من المنحوتات المدورة الملكية ذوات القوة الذي جاور فيها عنصر الفضاء تلك المنحوتات بوصفه داعماً وليس تابعاً . <br /><br /><br /><br />الإطار النظري<br />المبحث الأول : المرجعيات الفلسفية للفن العراقي القديم والفن المصري القديم ومقاربتهما الجمالية . <br /> إن القيم المشتركة ما بين الفنون المصرية القديمة والفنون العراقية القديمة تفوق مفردات التباين ، ويمكن عدها مرجعية متوافقة ترتكز عليها القيم الجمالية المشتركة فيما بينهما . ومرد ذلك إلى الأثر البيئي وما يفرزه هذا التأثير على الفنون بصورة عامة. فقد أثبتت الأبحاث العلمية أن التكوين الجيولوجي لوادي النيل ووادي الرافدين ذو خصائص مشتركة . فظهور المساحة المستطيلة وجريان نهر النيل والدلتا وما نشأ عنهما من تدفق القبائل إليها لا يختلف عنه مجتمع وادي الرافدين الذي استوطن الجزر والضفاف الطينية ، فضلاً عن أسلوب المعيشة المتشابه في تربية الجاموس والأسود والخنازير وصيد الأسماك ( م 1 ص25 ـ 27 ) .<br /> لقد بني الفكر الحضاري القديم في العراق ومصر على مصادر عدة شكلت قوى ضاغطة ، وقد نضح هذا الفكر رموزاً وعلامات أسست لها موقعاً في الفنون التشكيلية ، ولا تختلف هذه المصادر بين استخدامات المجتمعين وإن اختلفت تأويلاتها أو طريقة تقديسها ، فمثلما قدس الفكر العراقي القديم الآلهة الأم ( عشتار ) بوصفها مصدر الخصب والنماء والديمومة في الإنتاج ، كذلك قدس المصريون القدماء الآلهة ، وإن فيض العطاء تحت سطوتها ، ومن هذه المصادر ( الأرض والشمس والحيوانات ) ( م 2 ص 74 ـ 76 ) .<br /> إن علاقة المحيط مع الفنون تتأتى من جدلية تأثير أحدهما في الآخر مابين الأخذ والعطاء تأثراً وتأثيراً ، لذا يعد المحيط المؤثر الفعلي في كينونة الفنون باختلاف أشكالها بالدرجة ذاتها التي تؤسس فيها الفنون منظومتها بوصفها المحتوى التسجيلي والفلسفي للمحيط ، هذه الآلية تجسدت في جدلية العلاقة بين الأثر الفني العراقي القديم والأثر المصري القديم بسبب تأثير البيئة ، كما لا يمكن تجاهل بديهة أخرى بنيت عليها الفنون العراقية القديمة والفنون المصرية القديمة تبعاً لاتصال محيطهما على وفق المجاورات المكانية والفلسفية والسلوكية بفرض قرب المنظومات التي تأسست عليها تلك العلاقة بين الفنون القديمة في العراق ومصر وارتكازهما على منظومات متقاربة في المنهج والتطبيق وفحوى هذه البديهة تمثلت في الطقوس العبادية ( الدين ) وعلاقة المجتمعين بآلهتهما ومستخرجات هذه العلاقة في الأساطير والملاحم والسلوكيات الخرافية ، لأن الدين والبيئة ( المحيط ) هما المصدران الأكثر تأثيراً مما بنيت عليهما الفنون بصورة عامة " إن إرادة الخلق في أي عصر من تاريخ الإنسان ، هي التعبير المتضايف لعلاقة الإنسان بالعالم المحيط به " ( م 3 ص12 - 10) ، كما أكدت الدراسات الآثارية أن الفنون القديمة عامة لها وظائف دينية تفوق أية وظيفة أخرى ولو بشكل نسبي وأن الفنون القديمة في كل من مصر والعراق لاتحيد عن هذا المفهوم ، فقد " كانت وظيفة الفن المصري التعبير عن القيم المجردة الدينية تعبيراً مفهوماً وخلق آثار خالدة للأشخاص والأحداث بهدف ديني وتقديم الأجواء المناسبة للطقوس الدينية " (م 4 ص 61 ) أما في العراق القديم فإن الطقوس العبادية بوصفها خطاً فكرياً مؤثراً من خلال إضفاء الروحية على الواقع ، فقد احتوت النتاجات الفنية هذا المحتوى " وعلى هذا فإن من النادر أن نجد في العراق عملاً فنياً لا يكون مادة دينية تقريباً " ( م 5 ص 94 ) .<br /> وفضلاً عن الدين والبيئة بوصفهما محركان أساسيان أفرزا فناً متميزاً في كلا البلدين القديمين يظهر هناك محرك لايقل أهمية عنهما لاتصاله مباشرة معهما مما أطر الفن بميزة تدعم ما سبق ، لذا تعد هذه المحركات الأكثر تأثيراً لترابطهما جدلياً مع بعضهم ألا وهو المحرك السياسي الذي تسلط على الوضع الاجتماعي حينها ، وهو بفعل تقاربه وتشابهه في البلدين يعد الأهم من بين المحركات الأخرى . فكما كان النظام السياسي القديم في مصر بمثابة دول تنقسم إلى عدد من الأسر لكل أسرة بداية ونهاية ولها ملوكها وخصائصها التاريخية الحضارية والفنية ، كذلك يقسم النظام السياسي القديم في العراق إلى مجموعة من الدويلات المتعاقبة ، وبفعل سطوة السلطة واستئثارها بالإلوهية أو قوة الإله يكشف عن الدور السياسي قوة أوضعفاً ، فقد بثت المنجزات الفنية في كلا البلدين مآثر خالدة يمكن أدراج بعضها وكشف محتواها في التحليل بوصفها نماذج في عينة البحث (م 6 ص 26 ) .<br /> كما تميزت الفنون في البلدين بخصوصيتها المعمارية كنوع من التضايف بين القوى الكامنة في الذهنية القديمة المتمثلة بالنظام المعماري وبين المنجز الفني وما تفرزه الصورة بوصفها نظام مرئي ( الشكل 1 ) ويعد قدم تضايف المنجز الفني ( رسماً أم نحتا) مع العمارة اسلوباً لم يكن خيارياً إنما فرض حالته على الفنان القديم منذ عصر الكهوف مع إنها تعد مؤشراً إبداعياً تميز بخصوصية فرضتها قيم متعددة كالزمن والمكان والمستوى الحضاري وغيرها " إن فكرة تضايف الرسم الجداري مع العمارة فكرة قديمة قدم نشوء الفن " ( م 7 ص 92 ) . <br /> <br /> <br /> <br /><br /><br /><br /> <br /> إن التشابه والتقارب بين مفردات الرسم والنحت في الفن القديم لكل من العراق ومصر توحي بمرجعية متشابهة إن لم تكن واحدة مع وجود بعض التمايزات الذاتية المتفردة لكل منهما عن الآخر ، وأسباب استمرارية الحفاظ على بعض المنجزات في منطقة دون الأخرى كان بفعل الطبيعة وإمكانية الاستفادة منها في ذلك ، فالمناخ الجاف في أضرحة صخرية ومباني حجرية كفيلة ببقاء العديد من تلك المنجزات كما هو في مصر بما يفوق ما يماثلها في أماكن أخرى ( م 8 ص 43 ، 55 ) فالأشكال البارزة للمحاربين العراة على مقبض سكين عاجي في مصر لا يختلف عنه في العديد من المنجزات الفنية العراقية القديمة كما في الكهنة العراة في الموكب المرسوم على الأواني وكذلك يشابه أحد أفاريز النحت البارز للإناء النذري من الوركاء ( شكل2 ) ، كما كييفت الأعمال <br />لمتطلبات الشعائر الدينية التعبدية لرجل كاهن أو أمير وزوجته لهما عيون واسعة يتطلعان للأمام بثبات كأنهما في حالة زواج مقدس العراقي أطلق عليه ( آبو وزوجته ) أما المنجز المصري فهو لا يختلف عنه بشكل كبير وأن اختلفت تأويلات البحث فيهما فيعبران عن الملك أو الإله والملكة ( الشكل 3) . بيد أن المقاربة الجمالية تكمن في التكوين البنائي للمنجزين على وفق ما يبثانهما بفعل فارق الزمن ، إذ أن المنجز العراقي يبدو أكثر قدماً كما هو ملاحظ في عنصر التشريح ، فالمنجز المصري يبدو صورة أيقونية للصورة الطبيعية الواقعية بينما المنجز العراقي امتاز بشيء من الإختزال والتحوير . <br /> إن القيمة المضمونية للمنجز الفني في العراق ومصر فرضت نظاماً بنائياً متميزاً<br /> ( وظيفياً ) . فقد فرضت الموضوعات العقائدية العبادية نظاماً بنائياً مغلقاًُ على وفق تنظيم عناصر التكوين لاسيما العناصر الثانوية كالتوازن في توزيع الأشكال بتقابل كتكريم الآلهة لملوكها في الأرض بوصفهم آلهة الأرض ، بينما يتغير البناء التكويني في المضامين الأخرى كالحروب ومناظر الصيد والاحتفالات الدنيوية لينحو النظام حيال الإنشاء المفتوح بعد تحجيم عنصر الفضاء في النظامين وعدم تحرره من سلطة المضمون ، وقد تجسد هذان النظامان في المنحوتات البارزة والرسوم الجدارية أكثر منه في المنحوتات الملكية التي تبعث القوة والهيبة والإتزان إذ تحرر الفضاء وصار عنصراً أساسياً يدعم الموضوع وليس تابعاً له ، فنجد المنحوتات المنفردة كبيرة كانت أم <br />صغيرة تجاورها فضاءات مدركة لقوة التمثال ( الشكل 4 ) ولعل من أبرز المنحوتات البارزة التي مايزت فن النحت العراقي القديم عن المصري القديم ظهور فن الأختام الأسطوانية وتطورها من أقراص حجرية ذات خطوط مستقيمة أو متقاطعة لترميز الجرار وختمها ، ومن ثم تحولت إلى أسطوانية حتى وصلت في عصر الوركاء إلى تمايزها الأشد ، وكانت نقوشها البارزة دقيقة جداً وتحمل مضامين أسطورية كالمخلوقات المركبة والحيوانات المفترسة والآلهة ، فضلاً عن التصاميم الزخرفية الهندسية والنباتية . كما تميزت مضامين مصوراتها النحتية البارزة مشاهد تقديم القرابين والمواكب العبادية والدينية ومناظر القتال والصيد ، وزاد التطور التقني والمضموني للختم الأسطواني مع التطور المعرفي والسياسي والاجتماعي . عبر مراحل وعصور الدول التي تعاقبت على حكم العراق . كما حوت بعض الأختام الأسطوانية كتابات مسمارية وصور تجريدية . ولقد جد الباحث ولم يفلح في الحصول على مصورات أو تسجيل تاريخي لوجود أختام أسطوانية حوتها الفنون المصرية القديمة مع غزارة المنحوتات البارزة المصرية ذات المضامين القريبة من المضامين من مضامين الفنون العراقية القديمة ( الشكل 5)( م 9 ص 122 ـ 153 ) <br /><br /><br /><br /><br /><br /> <br /><br /> وخلاصةً فإن أنظمة الفنون القديمة في العراق ومصر استندت إلى مرجعيات متعددة ومتداخلة مع بعضها فرضتها القيم السلوكية والاجتماعية وما أفرزته من طقوس عبادية وميثولوجية وضعت الفنون في البلدين ضمن فاعلية متميزة إن لم تكن متفردة بوضوح هويتها " إن الأسلوبية المميزة ، تشتغل ... مستندة إلى كم وكيف من المرجعيات البيئية والسيكولوجية والميثولوجية والسوسيولوجية التي أكسبتها كبنية فكرية وشكلية صفة المحلية ووضوح الهوية " (م 10 ص 87 ) .<br /><br />المبحث الثاني : المحتوى الجمالي للقيم العلامية والرمزية في الفن العراقي القديم والفن المصري القديم<br /> إن مبرزات القيم الجمالية في العمل الفني عموماً هي عناصر التكوين ( الإنشاء Composition ) ، فقد تلاقت الفنون القديمة في العراق ومصر بنظام يكاد يكون واحداً ، إذ تجلى هذا النظام في المنجز الفني ضمن آليات متعددة أبرزها إغفال المنظور ( البعد الثالث ) والتشريح مع التأكيد على القيم الجمالية الأخرى كالسيادة لبعض الأشكال والشخوص بما يناسب مكانتها الشخصية والاجتماعية والقدسية ، وبفعل تهميش هذين العنصرين ينحو المنجز الفني حيال التسطيح مما يتدانى من التكعيبية، كما إن ظهور الأشكال المركبة وما أفرزته الملاحم والأساطير والخرافة لاسيما في المنحوتات ( أبو الهول والثور المجنح وأسد بابل وغيرها ) ( الشكل 6 ) يوحي بدنو هذه الأعمال من<br />منطقة السريالية .<br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /> <br /> إن المقاربة التأويلية لهذين الأثرين هي واحدة إذ أنهما شكلين مركبين من وجهين آدميين المصري يمثل صورة أيقونية للإله خوفو ركب على جسد أسد لغاية وظيفية كحماية أهرام الجيزة ( قبور الآلهة المصرية القديمة ) ، أما الأثر العراقي القديم فهو كذلك صورة أيقونية لرأس الملك أوالإله وقد ركب على جسد ثور أو أسد لحماية القصور الملكية ، وقد عولج المنجزين بنائياً ومضمونياً من خلال السيادة المركزية لشخصية الملك الإله ، كما تدل القيم البنائية على منحى درامي تميزت به الفنون العراقية القديمة والفنون المصرية القديمة في نظام تراتبي ضمن حقول متراكبة عمودية أو تقسيمات عرضية مما يعطي للإنشاء خصوصية متفردة ( م 11 ص 100 ) .<br /> إن المحركات الفكرية لبنية الفنون القديمة سواء كانت في مصر أم في العراق<br /> ( البيئة والدين والسلطة والإسطورة ) وسلطتها على الواقع الإجتماعي تولد إنجازاً فنياً يعكس تلك السلطة عبر البنى التكوينية للأداء الفني فيحيل المنجز إلى مرتكزين هامين على مستوى التقنية الإبداعية المدركة متمثلة بالاختزال والتحوير ، وما حققته الرموز المتحكمة في الذهنية المجتمعية بفرض أن هذه البنى التكوينية بمثابة أسس أضفت أبعاداً جمالية للفنون القديمة والمعاصرة وحتى الحديثة (م 11 ص47 ) . وإنها قد عززت البناء التكويني للمنجز الفني فالاختزال وقد تمثل في الكتابة الصورية الهيروغليفية والمسمارية والتكرار تجسد في الختم الأسطواني والمركزية والتقابل والمواجهة بين الإله والملك فضلاً عن التراكيب الهندسية في الزقورات والأهرامات المرتفعة تقرباً إلى السماء محتوى الروح الإلهية والتشكيل الدرامي القصصي وعنصر السيادة إلى جانب التركيبية أو التحوير في الأشكال الأيقونية ليحيلها الفنان القديم إلى أشكال خرافية لغاية مضمونية ونفعية ذات مغزى طقوسي أو دفاعي سحري ( م 13ص 54 ) . وتعد هذه التحولات الشكلية في الفن من الصورة الواقعية المرئية إلى المجردات الهندسية مبنية على الإختزال أو التحوير أو التشذيب وصولاً لصورة الرمز كدالة بنيت على المشاهدات البصرية ليعززها بطاقة تعبيرية وروحية كامنة فيها أصلاً ، وهذا بحد ذاته رقي في البنية الذهنية والفكرية ، ونمو في البناء التكويني للمنجز الفني ، وتمثل الفكرة تواصلاً واتصالاً مع المفهوم الذي حكم باتصاله معه الدين المبني على الغيبيات " فإن ما يمثل كنتاج فني محكوم بالفكر الديني لابد أن يبنى على أساس ما هو مختزل أو محور عن الشكل المرئي " ( م 14 ص 139 ) . <br /> ومما يمكن الارتكاز عليه في دراسة المحتوى الجمالي ومقارباته بين فنون البلدين هي مسألة اختراع الكتابة دون التأكيد على أسبقية اكتشافها في مصر أم في العراق والذهاب إلى تحليل القيمة الغائية والجمالية منها . فقد ركزت الكتابة في مصر القديمة وفقاً للظروف السياسية والاجتماعية على اهتمامها بالنصب ذات المضامين التاريخية والملكية على غيرها في العراق القديم إذ اهتمت الكتابة على التدوين الإداري والمضامين الدينية (م 15 ص 33 ) . <br /> ففي بداية عصر الأسرات ( فترة توحد وجهتي مصر القبلي والبحري ) بدأت الكتابة التصويرية بمثابة رسم للأشكال ومنه ظهرت مفاهيم جديدة أسست للفن المصري فيما بعد ، فقد عبر الفنان المصري القديم عن الأشكال طبقاً لذهنيته في رؤية هذه الأشكال لا كما تبدو حال رؤيتها كدلالة علامية ( إشارية أو رمزية ) ، إذ كانت ترافق رسومهم كتابات ورموز وعلامات هيروغليفية ( نقوش مقدسة ) ، كما خصصوا رموزاً هيروغليفية تدل على الصوتيات ، وقد تلازم الرسم والكتابة لاسيما على الأواني والأوعية الحجرية ( م 16 ص 71 ـ 73 ) والهيروغليفية كتابة صورية أساسها محاكاة وتشبيه أيقوني لمفردات وصور مرئية جردت فيما بعد إلى رموز وعلامات تدل على دلالات فكرية أسهمت في رقي الفكر الحضاري المصري ومجاوراته ( م 17 ص 63 ) ، أما في العراق فإن الكتابة ومنذ ظهورها في الوركاء تطورت وانتقلت على مر العصور لتؤول في عصر جمدة نصر من التشخيص إلى مقاطع ذات منحى صوتي وإشاري (رموز وعلامات) على شكل خطوط مسمارية (م 18 ص114) . والكتابة منذ نشأتها في العراق القديم وسيلة للتدوين اللغوي وتحمل معنى دلالياً للغة في دلالتها الشكلية (المقروءة) فظهر الخط كإشارات ورموز يحمل قيماً جمالية كثيرة توائم خصوصيته وكيانه عبر طبيعته الانسيابية والتكرارية فتبرز هويته الجمالية مرتكزة إلى شكله المقترن بجذوره الجمالية والحضارية ، والرمز كان مستخدماً في البدايات الأولى للكتابة التي بدأت صورياً ما لبثت أن تحولت إلى رموز لأفكار تعبيرية بعيدة عن التشخيص وبالتالي تحول الرمز إلى اصطلاح كتابي أطلق عليه الكتابة الصورية المقطعية وبالتحديد في الفترات المتأخرة من ظهورها ومعنى الاصطلاحية أنها رمزية متطورة عن سابقتها وصوتية بمشاركة الصوت البشري مع الرمز، ويظهر أن الكتابة المسمارية تتكون من حروف تشبه المسامير( ) قوامه مثلث مقلوب قاعدته في الأعلى يستند على خط مستقيم عمودي ، والشكل استمده الفنان السومري من الشكل الأنثوي من التقاء الفخذين والعانة يتولد الشكل أعلاه ( يشابه الحرف) ( الشكل 7 ) ، لذا فأن الكتابة اقترنت بالعطاء (الكتابة ومنطقة الخصب) أنهما يغذيان الذات الفردية والمجموع بما يميزهما فكراً وعدداً كخصائص أرقى الحضارات كالحضارة المفهوم استمر ليؤطر وبقسرية فكرية وجمالية الفن التشكيلي المعاصر في العراق ( م 19 ص52 ) . <br /> <br /><br /><br /><br /><br /><br /> <br /><br /><br />النتائج <br /> لغرض كشف الأسس الجمالية ومقارباتها المرجعية والتأويلية سعى الباحث إلى تجاوز السياق ألتأريخي وتزامن المنجزات الفنية وقراءة وتحليل الفنون بوصفها كلُ غير مجزأ والهدي إلى كشف تلك المقاربات ومحتواها دون الرجوع إلى التوافق الزمني بينهما في العراق أم في مصر . وعلى وفق هذه الآلية توصل الباحث إلى النتائح التالية :<br />1 ـ بفعل التقارب والتشابه بمرجعية الفنون القديمة في مصر والعراق تشابهت المفردات الشكلية المستخدمة في فنون البلدين وتقاربت تأويلاتهما فتمتلك بذلك الثيمة الإطار الديني فضلاً عن مركزية سيادة شخصية الإله أو الملك الإله .<br />2 ـ تميزت الفنون ( رسماً أم نحتاً ) في البلدين بتضايفها مع النظام المعماري ، وهو تضايف لم يكن خيارياً إنما فرض حالته على الفنان القديم منذ عصر الكهوف ويعد مؤشراً إبداعياً تميز بخصوصية فرضتها قيم متعددة كالزمن والمكان والمستوى الحضاري وغيرها 3 ـ يمثل الختم الاسطواني فناً متميزاً لما يحوي من قدرة إبداعية لدى الفنان العراقي القديم وإن كان الختم يحسب ضمن فن النحت لاسيما النحت البارز وقد تطور تدريجياً عبر الدول التي تعاقبت على حكم العراق القديم ، إلا إنه لم يظهر أثر للختم الأسطواني في فن النحت المصري القديم .<br />4 ـ لقد ظهرت الكتابة الهيروغليفية والمسمارية بصفتهما مدلولات أُوٌلَ تحليلها العلاماتي (إشاري و رمزي و أيقوني) عبر تطور ظهورها وذلك لاتصالها مع العلامة لغاية وظيفية كالتسجيل والتدوين ، فضلاً عن مرافقتها للرسوم على الفخاريات والرسوم الجدارية والمنحوتات البارزة والمدورة والأختام التي ظهرت في الفنون العراقية القديمة وإضفاء المحتوى الجمالي والفلسفي للمنجز الفني الذي يدعم المضمون بوصفه مضموناً عقائدياً أم اجتماعياً أم سياسيا ً.<br />5 ـ تميزت الفنون القديمة في العراق ومصر بسمات شكلية محورة ومختزلة إلى أبسط صورها لغاية وظيفية عقائدية وروحية من خلال تجاوز وإلغاء بعض القيم المنظورة والتأكيد على المضمون الفكري الضاغط على الشكل بإيحاء رمزي واع والنزوع حيال التجريد وتحطيم الصورة الأيقونية كنوع من التحرر التعبيري بالاعتماد على التمثيل المألوف والمباشر . وتجلت هذه الفكرة في التماثيل الإلهية الإنثوية بوصفها تكثيف روحي ضاغط لفكرة الخصب والإنتاج والديمومة على الحياة ، ويعد ذلك تقديس للميتافيزيقية لأنها قيم دينية روحية ترتكز على الخطاب البصري التي تفرزه الفنون سواء في النحت أم الرسم أم الفخار. وقد اتصلت البنائية الشكلية للتماثيل الإنثوية مع الكتابة بوصفهما قيم منتجة للجديد كتوصيف إبداعي أغنى الحضارة . وقد تجسد هذا المفهوم بقيمه الإبداعية في الفن العراقي القديم أكثر من وجوده في الفن المصري القديم وذلك لتباين اللغة واختلافها .<br />6 ـ فرضت المضامين سطوتها على البناء التكويني للمنجزات الفنية مابين التكوين المغلق والمفتوح من خلال تحجيم عنصر الفضاء في الرسوم الجدارية والمنحوتات البارزة أكثر من المنحوتات المدورة الملكية ذوات القوة الذي جاور فيها عنصر الفضاء تلك المنحوتات بوصف داعماً وليس تابعاً . <br /><br />المصادر <br />1 ـ سيتن لويد . فن الشرق الأدنى القديم . ترجمة . محمد درويش . دار المأمون للترجمة والنشر . وزارة الثقافة والإعلام . العراق . بغداد . 1988 .<br />2 ـ د . زهير صاحب . الفنون الفرعونية . دار مجدلاوي للنشر والتوزيع ط1 . الأردن عمان . 2005 .<br />3 ـ زهير صاحب . جماليات الفن الفرعوني (2 - 3) - اخناتون أسهم في التفاعل الابداعي مع الطبيعة وشجع الفنان علي التعبير عن ذاته . جريدة (الزمان) --- العدد 1985 --- التاريخ 2004 - 12 – 10 . <br /> 4 ـ سيتن لويد . فن الشرق الأدنى القديم . المصدر السابق.<br />5 ـ اندري بارو . سومر فنونها وحضارتها . ترجمة الدكتور عيسى سلمان وسليم طه التكريتي . 1977 .<br />6 ـ د . زعابي الزعابي . الفنون عبر العصور . دار العروبة للنشر والتوزيع ط 1. الكويت . 1990 ص 26 .<br />7 ـ د . زهير صاحب . الرسوم الجدارية المصرية . المجلة القطرية للفنون . وزارة التعليم العالي والبحث العلمي . العراق . العدد الأول . كانون الأول 2001 .<br />8 ـ سيتن لويد . فن الشرق الأدنى القديم . المصدر السابق .<br />9 ـ د ثروت عكاشة . الفن العراقي القديم . سومر وبابل وآشور . المنظمة الدولية للتربية والعلوم والثقافة . مطبعة الكتاب . بيروت . السنة بلا . <br />10 ـ د . زهير صاحب . الرسوم الجدارية المصرية . المصدر السابق . <br />11 ـ د . زهير صاحب . الرسوم الجدارية المصرية . المصدر السابق . 12 ـ إيناس مالك عبدالله البشارة . تحول العلامات في الخزف العراقي المعاصر وآلية اشتغالها . رسالة ماجستير غير منشورة . كلية الفنون الجميلة . جامعة بابل . سيراميك . 2006 . <br />13 ـ شاكر محمود كريم الحميري . أنظمة الشكل الرافديني في الجداريات الخزفية العراقية المعاصرة . رسالة ماجستير غير منشورة . كلية الفنون الجميلة . جامعة البصرة . 2004 . <br />14 ـ محمد الكناني . التحوير والاختزال المفهوم والمعنى في الفن التشكيلي . المجلة القطرية للفنون . وزارة التعليم العالي والبحث العلمي . العراق . العدد الأول . كانون الأول 2001 . <br />15 ـ سيتن لويد . فن الشرق الأدنى القديم . المصدر السابق . <br />16 ـ وليم هـ . بليك . فن الرسم عند قدماء المصريين . ترجمة مختار السويفي . الدار المصرية اللبنانية . ط 1 . 1997 . <br />17 ـ د . زهير صاحب . الفنون الفرعونية . دار مجدلاوي للنشر والتوزيع ط1 . الأردن عمان . 2005 . ص63 <br />18 ـ د. احمد سوسة . حضارة وداي الرافدين بين السومريين والساميين .دار الرشيد للنشر وزارة الثقافة والأعلام دار الحرية للطباعة بغداد 1980 . <br />19 ـ أزهر داخل . الموروث الحضاري وأثره في الفن التشكيلي العراقي المعاصر . رسالة ماجستير غير منشورة . كلية الفنون الجميلة . جامعة البصرة 2002 .<br /><br /><br /> 2006أزهر داخل محسنhttp://www.blogger.com/profile/03098343134480779083noreply@blogger.com0tag:blogger.com,1999:blog-6609888417791380236.post-16938756646626156622010-05-30T05:06:00.000-07:002010-05-30T05:10:04.722-07:00الملصق الجداري وإمكانية تفعيله اجتماعياً ( البصرة أنموذجاً )ملخص البحث<br /> <br /> تعد دراسة ( الملصق الجداري وإمكانية تفعيله اجتماعياً – البصرة إنموذجاً ) دراسة تحليلية لمجمل الملصقات الجدارية التي نفذها ثمانية من فناني البصرة بواقع (12 ) ملصقاً فائزاً من أصل (25 ) ملصقاً ضمن مسابقة نظمتها (جماعة نلتقي للثقافة والفنون ) في 20/7/ 2004 في المحافظة ، ومن ثم عُرضت الملصقات الفائزة في معرض البوستر في بغداد بتاريخ 25/أيلول /2004على قاعة أفكار.<br /> وتتلخص الدراسة في كيفية تفعيل الملصق الجداري مع المجتمع فضلاً عن كيفية تهذيبه للمجتمع وإنعكاساته على مجمل الأمور التي تحيط به ( الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والصحية والإرشادية وغيرها ) . لذا سعت الدراسة إلى تحديد مشكلة البحث والحاجة إليه بوصفها موضوعة لم يتم التطرق لها مع إنها موضوعة متجددة ، كما إن الملصق الجداري يتطور وفقاً لتطور الزمن وتطور المجتمع بكل جوانبه ، ولأنه عمل فني تشكيلي جمالي فهو خاضع لتقنيات واتجاهات مختلفة يفرزها الفنان ، وعلى وفق ذلك يطرح الباحث تساؤلاته في تحديد مشكلة البحث وهي .<br /> 1- ماهي ضوابط الملصق الجداري ؟ وماهي مرجعياته التي استقرأها الفنان ؟<br />2- ماهي الأسس الاجتماعية في التفاعل معه ؟<br />3- ماهي آلية تفعيله في المجتمع والارتقاء به ؟ <br /> وقد تجلت أهمية البحث في إمكانية تفعيل الملصق الجداري إجتماعياً وقابليته في تثقيف المجتمع ، بينما تحدد هدف البحث من الدراسة ذاتها ، كما حدد الباحث حدود بحثه بالمسابقة التي نظمتها جماعة نلتقي للثقافة والفنون في 20/ تموز/2004 وعددها (12) ملصقاً جدارياً ( الباحث هو أحد المشاركين بثلاثة ملصقات فاز منها اثنان ) . وقد حدد الباحث مصطلح الملصق لغة وإصطلاحاً ثم نحت له تعريفاً إجرائياً يتماشى مع الدراسة ، كل هذه الآلية وضعت ضمن الفصل الأول (الإطار العام للبحث ) . أما الفصل الثاني (الإطار النظري ) فقد تضمن مبحثين الأول –مفهوم الملصق وسماته الجمالية ، في حين تطرق في المبحث الثاني للملصق الجداري والمجتمع ، المرجعيات والتأويل . كما تحدد الفصل الثالث بإجراءات البحث وقد اختار الباحث المنهج الوصفي كونه يحقق الهدف وقد اعتمد الباحث أداة الملاحظة ، فنظم استمارة ملاحظة وعرضها على خمسة من الخبراء ( اثنان منهم متخصصون في مناهج البحث والثلاثة الآخرون متخصصون في جماليات الفنون التشكيلية ) أما مجتمع البحث فتألف من (12) ملصقاً جدارياً أنتقى منها الباحث (5) ملصقات تمثل عينة البحث التي تم تحليلها وصفياً.<br />أما الفصل الرابع فقد خلص الباحث إلى النتائج وناقشها كما يأتي .<br />1- نفذت الملصقات في أجهزة الحاسوب على برنامج (الفوتوشوبPhotoShop ) وطبعت بقياس 50 سم ×70سم. <br />2- ظهرت جميع الملصقات أنها تشترك بنظام فيه ثبات من حيث المفردات المستخدمة لأنها تشترك بمرجعية واحدة . <br />3- سعت الملصقات إلى تعضيد الصور الأيقونية بقصدية كامنة في بنية الصورة الطبيعية .<br />4- أعتمدت الملصقات إلى بناء جمالي غير أكاديمي بإلغاء معظم عناصر التكوين .<br />5- بفعل الاستعارات التي استخدمها الفنانون فإن عملية التلقي أزاحت التأكيدات الأخرى كاللون والخط والكتابة من خلال قراءة المفردات وتأويلها .<br />6- ناقشت الملصقات الجدارية المضامين الإنسانية مما أسست لها تفاعلاً جماهيرياً أغنى عملية التلقي ، وفي الوقت ذاته أغنت المجتمع علماً بما يحيطه .<br /> وتأسيساً على النتائج أستنتج الباحث ما يأتي .<br />1- تمثل الملصقات الجدارية مفاهيم فكرية متداولة إجتماعياً تحمل تأويلاً فردياً أو جماعياً بوصفها ترجمة لوجدان المجتمع ، لذا يمكن اعتبارها ملصقات جماهيرية التلقي .<br />2- إن فهم الملصقات إجتماعياً باعتباره تجسيداً للأشكال المرئية يكشف عن رمزيتها وذلك تجلى في سعي الفنان بإنتزاع الأشياء من قيمها المتداولة ليؤولها إلى استعارات شكلية ذات دلالة .<br />3- إن العمل الفني يفترض قراءة وإستجابة وإضافة ذاتية لمحاولة إكتماله ذهنياً ، لأن العمل الفني ولاسيما الملصق الجداري أكثر إنتشاراً وتفاعلاً مع المجتمع ، لتتأسس إستنتاجات الباحث بإقتراب عملية التلقي من التوجه الرومانتيكي في الفن الذي يؤكد على إن العمل الفني يكتمل بعملية التلقي فيصبح أكثر جاذبية وعمقاً في إمكانية إستنفاذه وتعريفه .<br /> 4- تمثل الملصقات الجدارية كغيرها من الأعمال الفنية خطاباً دلالياً مكثفاً يستقرؤه المتلقي كحالة وسط بين المنتج الفني والفنان التشكيلي فتتضح بذلك عملية التفعيل من تداخل هذه القراءة .<br />كما أفرد الباحث عدد من التوصيات التي تؤهل الدراسة أن تأخذ مكانتها التطبيقية وقد عززها بالمقترحات . <br /><br />الفصل الأول<br />الإطار العام للبحث<br />مشكلة البحث والحاجة إليه<br /> تعد العملية الإبداعية لأي إنجاز فني يفرزه الفنان المبدع ذات تماس مع المحيط ( المتلقي ) بكل تنوعاته الثقافية وتراكمات ذهنيته مابين القبول أو النفور ، الاستحسان أو الرفض ، ولأن الفن إنجاز جمالي يتناغم مع الشعور الإنساني . فهو بالضرورة يتحمل أعباء التربية الذوقية للمجتمع على وفق آليات متعددة كالدراسة الجمالية والتواصل على المشاهدة الفنية الجمالية المختلفة للمنجز التشكيلي أو سماع الموسيقى أو غيرها من قنوات الإبداع الفني . <br /> فالفن هو الرافد الأكثر إرتكازاً لبث الرقي الفني في سلوك الإنسان ومن ثم فهو القادر على طمس مظاهر الانحطاط السلوكي والأخلاقي في المجتمع ، لأن المجتمع على صلة مباشرة مع المنجز الفني ، وتكون المعادلة أكثر مشاركة وتنافذاً في الفنون التشكيلية لأن المتلقي يرى في المنجز اليدوي أكثر إتصالاً معه ، فضلاً عن تقديسه للحرفية في تنفيذ المنجز الفني إلا أن نسبية هذا الافتراض تتباين من منجز إلى آخر ضمن تفرعات التشكيل ، فالتفاعل مع اللوحة الزيتية ليس هو مع العمل النحتي أو الخزفي وإنها تتباين أكثر مع الملصقات الجدارية بوصفها أحد الفنون التشكيلية ( التصميم ) . وإنها بحكم تواجدها على الجدران في الشارع الذي لاتحده مع المجتمع آية حواجز فهي تتعامل مع شرائح المجتمع كافة . <br /> فالملصق يتصل والمتلقي دون جهد أو عناء أو قصد في السعي إلى مشاهدته ،<br />لذا أفترضت هذه الدراسة آلية تهذيب المجتمع وإلتزامه بضوابط الملصق ( المضمون ) حال مشاهدته ، وما هي آلية تفعيله لدور المجتمع بحكم التنافذ في الطرح والاستقبال التي تستنتجها وتقرها العلوم النفسية وتستقرؤها ضمن آليات التلقي والتأويل . <br /> وفي البصرة حصراً أخذت الملصقات الجدارية المتنوعة المضامين عام 2004 م مجالاً واسعاً ومطرداً في الانتشار لتصبح وسيلة إعلام تعين الفرد في المحافظة من الوقوع على مجمل الأمور السياسية والاقتصادية وغيرها ممن وضعته في الصورة الأشمل تهذيباً وإرشاداً في اتخاذ القرار على ضوء مشاهداته لأنواع الملصقات .<br /> من هنا ارتأى الباحث التطرق إلى موضوعة الملصقات الجدارية في البصرة المنفذة عام 2004 م ( أي بعد انهيار سطوة الدكتاتورية ) وتحديداً الملصقات التي تبنتها جماعة نلتقي للثقافة والفنون وتحليل آليتها في التفاعل مع المجتمع البصري .<br /> لذا سعت الدراسة إلى تحديد مشكلة البحث بوصفها موضوعة لم يتم التطرق إلى دراستها فضلاً عن إنها موضوعة نابضة بالحياة غير مستكينة لأن الملصق الجداري يتطور بتطور المجتمع ، كما إنه عمل فني تشكيلي جمالي خاضع إلى تقنيات واتجاهات الفنان المنفذ . <br /> وعلى ضوء ذلك يطرح الباحث تساؤلاته الآتية في تحديد آلية صيرورة البحث وهي : <br />1- ماهي ضوابط الملصق الجداري ؟ وماهي مرجعياته التي يلجأ إليها الفنان ؟<br />2- ماهي الأسس الاجتماعية في التفاعل معه ؟ <br /> 3- ماهي آلية تفعيله لدور المجتمع والارتقاء به ؟ <br /> أهمية البحث :<br /> تكمن أهمية البحث في كشف إمكانية تفعيل المجتمع للملصق الجداري في محافظة البصرة وقابليته في تثقيف المجتمع وإطلاعه على الحيثيات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية في البصرة والعراق الجديد .<br /><br />أهداف البحث :<br /> يرمي البحث إلى دراسة الملصق الجداري وإمكانية تفعيله إجتماعياً ، دراسة تحليلية .<br />حدود البحث : <br />يتحدد البحث بالملصقات الجدارية الفائزة بالمسابقة التي نظمتها جماعة نلتقي للثقافة والفنون في 20/ تموز/ 2004 م في البصرة وعددها (12) ملصقاً جدارياً .<br />تحديد المصطلحات :<br /> الملصق : <br /> لغــة .<br /> لصق " ل ص ق (لصِق ) به بالكسر ( لصوقاً ) بالضم و ( ألتصق ) به و ( ألصقه ) به غيره "(1)<br /> <br /> اصطلاحاً .<br /> الملصق "عبارة عن صورة كبيرة أو إعلان في مكان عام ويراد فه في اللغة الإنكليزية POSTER "( 2 )<br /> <br /> الملصق " مطبوع يصمم من أجل أن يفهم من نظرة سريعة . وهو يجمع مؤثرات بصرية مباشرة بوسائل مختصرة . ذات مقدرة على منافسة المحيط المشوش بصرياً ، ولكي يكون كذلك ينبغي أن يحتفظ بالوضوح والتميز ، فالملصق هو تعبير عن فكرة ، بسيط في تكويناته ، مكثف يتضمن عنصراً ذهنياً عميقاً"(3 ) .<br /> الملصق " واحد من الأشكال التعبيرية ، ونشير بذلك إلى الوسائل الفنية المستخدمة التي تزيد من أهميتها دينامية الحياة العصرية بأحداثها المتتابعة في ضوء الثقافة الجمالية المعاصرة بقدر ما يسعى إلى تحقيق التجانس البصري الخالص أو نقل التجربة العينية عن طريق عملية تنظيم للواقع بنفسه أو بتثكيف القدرة على التراكم الجمالي والثقافي من خلال دمجه وتحقيقه لهذه العناصر المشتركة بهدف إستكمال وجوده الحقيقي في رصده لمظاهر حياتنا اليومية بأحداثها المتلاحقة "(4) .<br /><br />التعريف الإجرائي<br /> الملصق الجداري منجز تشكيلي جمالي يعتمد التصميمية في التنفيذ ضمن ضوابط تفرضها تنوعاته ، في حين يرتقي برمزيته لطرح مضامين يستل منها الشارع مفردات معرفية تبصره بما يحيطه وترشده للتمييز والصواب .<br /><br /><br />الفصل الثاني<br />الإطار النظري<br />المبحث الأول : مفهوم الملصق وسماته الجمالية <br /> إن الإنجاز الفني الذي يفرزه الفنان لابد له من سمات تقويمية تجعل منه مادة قابلة للتأويل والقراءة ، فيمتلك الإنجاز بذلك مفهوماً جمعياً وذاتياً في آن واحد خاضعاً لمرجعية المتلقي وشخصيته وبذلك يفهم الإنجاز ويحدد عبر العديد من تعاريفه المتفق عليها ، كذلك هو الملصق فإنه فهم في قابليته الأشد تماساً لجميع الموضوعات الحياتية المتباينة ، لأن للملصق آلية طرح وإمكانية تأويل وقراءة، منها يمكن للملصق أن يحرك ذهنية المتلقي ويهذبه ويثقفه بمجريات الأحداث التي تحيطه لإتكائه على مرجعية الفنان المنفذ الذي يمتلك ذهنية متحركة تؤهله من قراءة ما يحيطه بتمعن وتكوين رأي <br />ذاتي للمجريات المحيطة بالمجتمع ، ولأن الفنان يمتلك حرية الطرح ضمن محيط يستقبل هذه الحرية فإنه يمتلك قابلية التأثير على المجتمع كما هي قابلية تأثير المجتمع على الفنان ، ولقد فرضت عملية تصميم الملصق على الفنان آلية تحليلية وتركيبية للعلاقات الشكلية والرموز المرجعية التي يفرضها المضمون باستنادها إلى الخزين الكامن في ذهنية الفنان ليصوغ <br />منها نظماً فعَلتها المدلولات التي آلت إليها على شكل علامات أيقونية ورمزية وإشارية ، ومن هذه التقسيمات العلامية وضع الفنان آلية خطابه للمجتمع .<br /> إن الملصق إنجاز جمالي له ضوابط تفرضها تنوعاته تبعاً للمضمون الذي يطرحه والقضية التي تحتويها هيكليته التنفيذية ، فالحدث السياسي يفترض آلية تنفيذ تشتمل رموزاً وأشكالاً يقتضيها المضمون السياسي فضلاً عن المفردة الكتابية التي يوائمها الفنان إستكمالاً للمضمون ، كذلك الحدث الاقتصادي والصحي والإرشادي ، إلا أن السمات الجمالية التي ينتظم بها الملصق خاضعة إلى القيم الجمالية للتكوين (الإنشاء) فتنتظم عناصر البناء الجمالي في آلية لاتختلف عنها في العمل التشكيلي الآخر لاسيما الرسم . فالملصق عمل فني تصميمي يرتكز إلى عناصر بنائية منظورة كالخط واللون والشكل والفضاء والمادة مع ارتكازه إلى عناصر بنائية غير مرئية كالتوازن والحركة إلى جانب عنصر السيادة وغيرها. فالملصق يماثل العمل الفني التشكيلي في آلية التنفيذ وإستخدام الأشكال من خلال " توزيع الخطوط والألوان بصورة معينة داخل شكل يتضمن درجة معينة من الانتظام الدقيق من أجل التعبير عن الأفكار جمالياً ووظيفياً " ( 5 ) .<br /> إن الملصق ـ بوصفه عمل فني ينحو حيال الاختزال في الخط واللون فيعتمد على أقل عدد من الألوان لإعتماده على رمزية المضمون التي تهيئ من الملصق قابلية تجعله مشاركاً في إكتمال قيمة الملصق وظيفياً ، وهذا لايعني تفرده بتقنية الإختزال ، بل لجأ معظم الفنانين المجددين إلى هكذا تقنية في أعمالهم الفنية ذات التقنية غير التصميمية . وقد تبوأت الأعمال المكانة العالمية لأن الإختزال نظام ذو قيمة جمالية عالية إلى جانب صعوبة تقنيته في إنجاز العمل الفني مما يميز الفنان المبدع عن غيره ، وقد يلجأ الفنان إلى مشاكسة عناصر التكوين وصولاً إلى الإختزال . <br /><br />ا لمبحث الثاني : الملصق الجداري والمجتمع . المرجعيات والتأويل<br /> تعد الرسوم الجدارية داخل الكهوف ، المنابع الأولى للرسم المعاصر ، وما يمثله من حالة اتصال مع المحيط ، بفرضه ضغوطات تؤثر في ذهنية الفنان تؤهله من إنتاج أعمال فنية تبث وعياً تميزه عمن سواه ، في حين يبقى الإنتاج الفني حال إكتماله محط تساؤل وتأويل يبثها المتلقي أياً كانت مرجعيته الثقافية . كما تمثل الإبداعات السومرية وخاصة الألواح <br />النذرية إحدى الوسائل الإعلانية القديمة التي أبتكرها الإنسان العراقي القديم ( 6 ) ولقد تطورت الفنون المتنوعة تبعاً للتغيرات السلوكية والاجتماعية للإنسان ، فإنتقاله من العيش المنفرد داخل الكهوف إلى العيش الجماعي خارج الكهوف فرض عليه آلية ناسبت حياته الجديدة في السلوك والإحتياجات لأن الفنون تطورت بوصفها أجزاء متكاملة لتطور الإنسان الإجتماعي والثقافي فيذكر هيجل " إن الفنون والآداب ، مثل القوانين والنظم ، ما هي إلا تعبير عن المجتمع ، ومن ثم فهي مرتبطة بسائر عناصر التوسع الإجتماعي " (7 ) كما إن تجانسه مع المجتمعات الأخرى تؤهله من العيش على وفق هذا التجانس ، لأن الإنسان بطبيعته كائن اجتماعي يكيَف ما يحيطه لمنفعته ولتسهيل آلية سلوكه لأنه ينحو حيال التكامل في الحياة الاجتماعية التي يغلب عليها طابع المشاركة بوصفه العنصر المكيف الأول "حيث تخضع حياة الفرد لرأي وتقويم المجتمع " (8 ) لذا فإن آلية الرسم أخضعت تقنياً وفكرياً إلى التطوير تبعاً لهذه المحددات ، كما إن إخضاع الرسم لهذه المحددات يعود بالأساس إلى التواشج في نسيج الإنسان السلوكي بوصفه كائناً غير مجزأ ، وإن تنامي بعض مهاراته تعود إلى فرص مؤهلة لها بالتنامي بفعل الحاجة أو بفعل التطور التقني لمعطيات تلك المهارة . هذه المهارات المتنامية للإنسان أفرزت العديد من القيم الجمالية التي أطرت الفنون التشكيلية برمتها ومنها الملصق الجداري الذي يمثل حالة أقرب إنجازاً ومفهوماً لمضمون العرض وما يبتغيه الفنان من طرح فكري لمشاركة المتلقي مع الإنجاز الفني وكيفية التعامل معه ، بمعنى أن الفنان بإستخلاصه الأسس التقنية للملصق الجداري ، لم يكن بمعزل عن الجذور التقنية للرسم الجداري داخل <br />الكهوف ، إلا أن تقنياته أخذت بالتطور تبعاً لتطور ذهنية الفنان والمتلقي المتراكمة بفعل المتغيرات السلوكية والإجتماعية لهما ، ولكون تقنيات الملصق الجداري أخذت تتسارع بالتجدد فإن التأويلات هي الأخرى أخذت تتسارع وتتباين على وفق هذا التجدد . <br /> إن المجتمع بكل شرائحه لا يتقاطع مع الفن عموماً ، بل إنه أكثر تجاوباً وتقبلاً للملصق الجداري لأنه المحفز لشحذ قابلية المتلقي بما يؤهله لطرح أفكاره على وفق مشاهداته له بدون أية حواجز ، لما للملصق من قابلية ألإنتشار ، وإن عملية التلقي لايمكن تجاوزها لأن الملصق كغيره من الفنون التعبيرية يثير في المجتمع الشعور بالحركة والتواصل الجمالي في رصد البنى الإجتماعية والسلوكية اليومية التي تحفز الذهنية الفكرية والبصرية في إستشراف المستقبل على وفق الثقافة الجمالية والأيدلوجية من خلال التراكم في الثقافة الجمالية ، فالملصق " يستكمل وجوده الحقيقي كشكل مؤثر في رصده لمظاهر حياتنا اليومية بأحداثها المتلاحقة " (10) دون الوقوف عند حدود الدهشة المجردة لما يثيره من نشاط متدفق في الذاكرة ، لاسيما إن آلية العرض ليست بحاجة إلى تحفيز مسبق مثل تحديد المكان والإنارة المنتظمة والتهيئة للافتتاح أو غيرها من مكملات العمل الفني حال عرضه للجمهور ، فإن الملصق الجداري لايكلف سوى اللصق على الجدران مهما كانت ، دون التأكيد على الفراغ ( الفضاء ) والمساحة . هذا من جانب أما الآخر فإن عملية تقبل الجمهور للملصق متأتية من عدم العناء في عملية التلقي ، فالمتلقي وفي أثناء تأديته لبعض أعماله يمكنه مشاهدة الملصقات أينما كانت . <br /> إن مدركات الإنسان ولاسيما الفنان تتنامى بنمو خبراته التجريبية ، وإستعاراته من المحيط تؤطرها تأويلاته وهي ذات مضامين إجتماعية على وفق تجانس المضمون مع الشكل ليشي بدلالات كامنة يستوحي منها البعد الإجتماعي ، فالمضامين الدينية هي حصيلة منتقاة من حياة المجتمع يفعلها الفنان في طرح إنجازات إبداعية تتكئ على القيم المرجعية الدينية وكذلك فإن المضامين الأخرى هي نواتج لحياة المجتمع يرتقي بها الفنان ويهذبها بآلية ينظم من خلالها أفكار المتلقي في كيفية قراءة البرامج التي تحاول المؤسسات طرحها عليه ، وهنا يقف المتلقي بين تأويلات متباينة قد تغفل أو تعجز تلك المؤسسات عن طرحها ، هذا التوافق بين ما تود طرحه مع الإنجاز ( الملصق الجداري ) لأن سمات الملصق الجداري ( العمل الفني ) تمتاز بخصائص إبداعية وجمالية وهما خصائص غير مقننة ومتباينة من ذهنية إلى أخرى ومن مجتمع إلى آخر تفرضه القيم السلوكية والاجتماعية للمجتمع . هنا يتحدد الإبداع بالنسبة للفنان عبر تحفيزه لمنظومات المتلقي الذهنية ، فقد حفز الفنان منظوماته الإبداعية ليؤسس خزينه المتراكم بمرجعياته نظماً تعبيرية وأنساقاً أطرتها دلالاتها فتتمحور <br />إنجازاته على رموز وتركيبات هي في ذاتها أنساقاً تفاعل معها المتلقي بنوع من الهامشية والإلغاء استطاعت الذهنية والتقنية المبدعة من تفعيل التواصل بما يفضي إلى الغائية المقصودة ، إذ حول الفنان النظم المركونة إلى نظم متحركة تحاور المجتمع ذهنياً . بوصفها نظماً جمالية أحالها الفنان إلى قيم إبداعية يؤطرها انتماؤها للمجتمع لأن " الفن السليم ينبع دائماً من وقائع الحياة الاجتماعية " (11) .<br /> إن الملصق الجداري بوصفه وثيقة حية تجاوز النقل الشفاهي أو المكتوب لما يشوبهما من تدليس أو إضافة أو حذف تفرضها أيديولوجية ما . وتأسيساً على ذلك يمكن استشفاف التواصل مابين الملصق الجداري والمجتمع على إنه يرتكز على مجموعة من القيم الفكرية والجمالية والتي يمكن تلخيصها بما يأتي .<br /> إن الملصق الجداري فرز موضوعي لمعطيات المجتمع تؤطره وتوؤله الذهنية الإبداعية للفنان ، فضلاً عن تأطيره بالتلقي الواعي وتهذيبه للذهنية الراكدة في تبنيه معطيات مرجعية وخامات متناولة . وفضلاً عن ذلك إن آلية التنفيذ ترتكزعلى الآلية التقنية في إنجاز الملصق ، والتي تتنامى تقنياً إستجابةً لمستحدثات العصر ، إذ أن جهاز الحاسوب عبر برمجياته ( الفوتوشوب PhotoShop و كورال درو CorelDraw ) حل محل التقنية اليدوية التي تعد هي الأبدع بالرغم من صعوبتها ، لأن الفن إنجاز يدوي التنفيذ ، بيد أن تقنيات الحاسوب لا تقلل من شأن الملصق الجداري مع صعوبة اشتغال معظم الفنانين على أنظمة البرمجيات مما يؤدي إلى استعانتهم بمشغلي البرمجيات الإلكترونية ذات المساحة الأوسع تجريباً في اللون والخط وميكانيكية توزيع الأشكال وغيرها من مفردات الملصق . <br /><br />الفصل الثالث<br />إجراءات البحث<br /><br />المنهج المستخدم : تبنى الباحث المنهج الوصفي كونه يحقق هدف الدراسة الحالية .<br /> أداة البحث : اعتمد الباحث الملاحظة الميدانية بعد عرض استمارة الملاحظة على الخبراء <br />مجتمع البحث : بعد حصر مجتمع البحث في ضوء المسابقة التي نظمتها جماعة نلتقي للثقافة والفنون في 20/تموز/2004 والبالغ عددها (25) ملصقاً جدارياً ، وبعد إعلان نتائج المسابقة تم فرز (12) ملصقاً جدارياً فائزاً لـ (8) فنانين منهم (4) فازوا بملصقين في حين فاز الآخرون بملصق واحد وقد علقت على جدران بنايات مدينة البصرة في الشارع بعد طباعتها .<br />عينة البحث : أختار الباحث (5) ملصقات بوصفها عينة قصدية تمثل مجتمع البحث ل(4) فنانين وهم <br />1- جنان محمد احمد ملصقان<br />2- مناف حسين ملصق واحد<br />3- حسين شعاع ملصقان<br />أسباب اختيار العينة : <br /> اختيرت العينات الخمسة للأسباب الآتية<br /> 1- تحييد وإستبعاد ملصقي الباحث توخياً للعلمية .<br /> 2- تنوع مضامين الملصقات .<br /> 3- تنوع آلية إستخدام الأشكال .<br /> 4- تنوع البناء الجمالي ( التكوين ) في الملصقات . <br /><br />تحليل العينات :<br /><br />عينة (1) العراق الجديد<br /> ملصق جداري بقياس 50سم×70سم نفذته الفنانة جنان محمد احمد بطريقة اللصق Collage وتمت معالجته في جهاز الحاسوب على برنامج ( الفوتوشوب PhotoShop ) .<br /> وقد اعتمدت آلية خطاب الملصق على التوافق مابين الطفولة بوصفها عفوية الرؤية وعفوية الانتماء للوطن ، لذا سعت الفنانة إلى كشف انتماء الطفولة للوطن عبر عفوية الرؤية وقصديتها من خلال التأكيد على زاوية النظر إلى الأعلى<br /> ( الشمس المشرقة) وقد أحالتها إلى خارطة العراق مع النص الكتابي الذي خط بنسخ المطابع وقد أستعير من جهاز الحاسوب .<br /> كما اعتمدت هيكلية الملصق إنشائياً وجمالياً إلى الإنشاء المفتوح لتجاوبه مع متطلبات المضمون ، ونظراً لعملية التلصيق فإن الإضاءة التي أصطبغ بها الملصق توحي بالبهجة مع تجاهل الدراسة الأكاديمية للظل والضوء .<br /> إن القراءة المفترضة للملصق وبالرغم من وضوح بنى ومضامين المفردات المستخدمة للمتلقي إلا إن الملصق لايمكن قراءته دون تأمل يتواءم مع المرجعية الثقافية للمتلقي ، وإنها عملية نسبية غير مقننة ، لذا أفترض الفنان البصري انتماءه لمدينته ووطنه مع انتمائه للإنسانية الأعم .<br /> لذا يعد الملصق من المنجزات التي تثير التساؤل والدهشة ، ومنه فإنه سيشير القراءة والتأويل وبالنتيجة يعد ملصقاً غير هامشي يحمل موضوعية فضلاً عن الجمالية التي أرتكز إليها بتوازن الأشكال وإستقرارها .<br /><br />عينة (2) ابتسموا يا أولادي فالمستقبل لكم <br /> ملصق جداري بقياس 50سم×70سم نفذته الفنانة جنان محمد احمد بطريقة اللصق Collage وتمت معالجته في جهاز الحاسوب على برنامج ( الفوتوشوب PhotoShop ) .<br /> أرتكز خطاب الملصق في معالجة السطح التصويري بأسلوب بسيط تنفيذاً ومضموناً لغرض تفعيل عملية التلقي بسبب التعاطف مابين المجتمع ومفردات الملصق ( الشيخ والأطفال ) وبأسلوب الجمع مابين صورة الشيخ وصور لأطفال مختلفي البيئات . <br /> تتشكل هيكلية الملصق بإبتعادها عن الإنشاء المدروس ( الأكاديمي ) إذ أفترضت الفنانة تهميش عناصر البناء الجمالي الأكاديمية لغاية وظيفية على وفق الاستجابة وتفعيلها والتحفيز على المشاهدة ولغاية مضمونية بإرتكازها على العنوان الذي أعتمدته الفنانة في النص الخطابي وحميميته ، أما الغاية التنفيذية فقد سعت إلى إلصاق صورة الشيخ وتحديدها بحجم أكبر من جميع الصور المحددة بينما وزعت صور الأطفال بأسلوب متناثر عفوي متجاهلة أكاديمية الظل والضوء إلا في إنفراد الصور عن بعضها .<br /> لقد كانت إستعارة الفنانة أيقونية عبر إدخال الصور إلى الحاسوب مما جعلها تغفل حالة التوافق في التنفيذ لاسيما أن برنامج الحاسوب المستخدم بإمكانه تجاوز هذه الحالة بإلغاء حدود كل صورة وبالخصوص صورة الشيخ .<br /> إن عملية تلقي الملصق قد تحظى بحضور وافر لما للملصق من توجه تعبيري تجسدت في الصور ، لذا أعتمدت عملية التلقي على قراءة مباشرة غير قابلة للتأويل لمعرفة المتلقي بمحلية الصور التي مهدت إلى إرتفاع نسبية التلقي . <br /><br />عينة (3) نحو أمل بالسلام<br /> ملصق جداري بقياس 50سم×70سم نفذه الفنان مناف حسين بطريقة اللصق Collage وطبع بعد معالجته على برنامج ( الفوتوشوب PhotoShop ) .<br /> يتأسس الملصق من خارطة العراق تحيط بها مجموعة من الحمائم البيضاء ، ولمعرفة المتلقي بهذه المفردات وما تعني ، يمكن قراءة الملصق بيسر من دون عناء ولشريحة كبيرة جداً من المجتمع .<br /> وتمثلت هيكلية الملصق البنائية بإعتمادها على مركزية الرؤية بمعنى توجيه النظر إلى المركز (الخارطة ) ثم ينتشر شعاعها إلى المحيط كتصور يرتئيه الفنان أن الحمائم البيضاء علامة رمزية للسلام وأن تطايرهن بهذا الشكل يوحي بإشعاع السلام والأمن من العراق ولاسيما بعد معالجة الإنارة بإشعاعها من المركز . <br /> كذلك يمثل الملصق حالة التواصل بين المجتمع وتأويلات الفنان لإنجازه الفني بمسحته البسيطة والمضمون الأعمق بعد تعضيده بكلمات خطت بنسخ المطابع المستعار من الحاسوب . كما أعتمد الفنان في إنجازه على مفردات أدخلت إلى الحاسوب كالخارطة والطيور التي تركها تسبح في فضاء مفتوح . وربما لو وضعت الخارطة أسفل الملصق ووضعت الطيور في حالة تطاير إلى الأعلى لأصبحت تقنيتها أفضل لأن الحمائم في الأسفل توحي بالتساقط والهوي نحو الأسفل .<br /> إن إستعارة الفنان الرمزية عضدت من تقبل المجتمع للملصق خلال قراءة المفردات وفقاً لخزينه المعرفي لهذه المفردات بوصفها مفردات عراقية (الخارطة ) وإنسانية ( الحمائم ) لذا إرتفعت عملية التفعيل إلى أشدها لدى المجتمع .<br /><br /><br /><br />عينة (4) أرضنا أرض الخير والعطاء<br /> ملصق جداري بقياس 50سم×70سم نفذه الفنان حسين شعاع بطريقة اللصق وقد ألغى المبرمج آلية اللصق بإلغاء حدود الأشكال ومن ثم أحالها إلى هذا الشكل وطبع بعد معالجته على برنامج ( الفوتوشوب PhotoShop ) .<br /> أعتمد الفنان في خطابه على المباشرة في الطرح من خلال محاكاة الطبيعة عبر مفردات عايشها وتآلف معها صميمياً ( الكوخ والقصب والماء والنخلة ) بوصفها معايشة وقد تآلف المجتمع البصري عليها ، وهو تعبير عن إنتماء الفنان والمجتمع للأرض والوطن بطرح سهل التقبل والقراءة ، لذا أبتعد الفنان عن المنظور السياسي الصرف وأتجه حيال التوجه الإعلاني . كما تشكلت هيكلية التصميم البنائية إلى التكوين العشوائي غير الأكاديمي لعدم إعتماده على العناصر الجمالية للبناء ، فوضع كتلة الكوخ في الأعلى ووضع بقية الأشكال بإسترسال تراتبي تحت الكوخ .مما يوحي أن الملصق أبتعد عن ذهنية الفنان وأتجه حيال آلية تصميم المبرمج .<br /> إن قراءة الملصق لا تحتمل التأويل لأنها قراءة لمفردات معاشة لا تستوجب الترميز ، لذا لايمكن للملصق أن يثقف المجتمع بمفردات يعهدها ويعرفها جيداً في حين يمكن للمجتمع أن يفعل الملصق للسبب ذاته . <br /> <br />عينة (5) البصرة بيت الفكر والتأريخ<br /> ملصق جداري بقياس 50سم×70سم نفذه الفنان حسين شعاع بطريقة اللصق Collage بعد إدخال الأشكال إلى جهاز الحاسوب ،وقد وفق المبرمج نسبياً بتوزيع الأشكال فضلاً عن إلغاء حدود صوره المركبة ،كما طبع بعد معالجته على برنامج ( الفوتوشوب PhotoShop ) .<br /> يقترب خطاب الملصق من خطاب العينة (4) ولاسيما أنهما للفنان ذاته أو المبرمج ذاته إلا إن العينة (5) تعد أكثر نضجاً في الطرح ومن جوانب عدة أهمها إبتعادها عن المحلية الصرفة ( البصرة ) وإرتكازها إلى التاريخ القديم ( المنارة المفصصة) على اعتبار إن التأريخ ملك المجتمع برمته .<br /> أما الجانب الآخر فإن التوزيع الجمالي للأشكال يحمل وعياً جمالياً ليس هو في العينة (4 ).<br /> كما أشترك الملصقان في الجانب الإعلاني على الرغم من إتصال الأخير بالجانب التأريخي والفكري للمجتمع العراقي وقد يؤطر البصرة مدينة فكر وتأريخ. لذا أبتعد الملصق عن القراءة التأويلية من خلال محاكاة الفنان للموجودات التاريخية وللطبيعة ، ولهذا يمكن تفعيل المجتمع للملصقين بنسبية معتدلة كونهما عرضا أشكالاً غير رمزية ومقروءة من دون جهد أو عناء يذكران ، وللسبب ذاته يمكن تحاشي الملصقين أو تهميشهما بسبب الخزين المتراكم لهذه المفردات لدى المجتمع . <br /><br /><br />الفصل الرابع<br />النتائج والاستنتاجات<br />النتائج ومناقشتها<br /> خلص الباحث إلى النتائج الآتية .<br />1- نفذت جميع الملصقات على أجهزة الحاسوب على برنامج (الفوتوشوبPhotoShop ) وطبعت بقياس واحد 50سم ×70سم.وذلك لمعرفة الفنانين وما ستؤول إليه الملصقات تقنياً لأن التنفيذ الآلي يفضي إلى نتائج جمالية .<br />2- اعتمدت بعض الملصقات في النص الكتابي على خط نسخ المطابع في حين ظهرت الأخرى بخطوط أخرى وجميعها مستخرج من خطوط جهاز الحاسوب توخياً للدقة والجمالية التي تمتاز بها خطوط الحاسوب . وفي الفقرتين ( 1 ، 2) لايمكن الركون إلى مسألة ابتعاد الملصقات عن الإبداع على أساس أن الفنانين لم يباشروا العمل على برامجيات الحاسوب ولم ينفذوا عملية كتابة الخطوط لأنهم لا يعدون من الخطاطين ن، لذا فإنهم يلجأون إلى آخرين في عملية التنفيذ . <br />3- تبين أن الملصقات جميعها تشترك بنظام فيه ثبات من حيث المفردات المستخدمة لأنها تشترك بمرجعية واحدة . غنى هذه المرجعية يعد نضوجاً في ذهنية الفنان في حال استعاراته منها .<br />4- سعت الملصقات إلى تعضيد الصور الأيقونية بقصدية كامنة في بنية الصورة الطبيعية الكامنة في ذهنية الفنان المتقدة وذهنية المتلقي على حد سواء ، سوى أن الفنان يفعلها بما تؤول إليه عملية تفعيل رؤية المتلقي .<br />5- اعتمدت الملصقات على بناء جمالي غير أكاديمي بإلغاء معظم عناصر التكوين . فالملصق يتجاوز بقدراته التنفيذية بتحفيز تقنية الفنان للملصق فتؤدي إلى الاختزال بوصفه قيمة جمالية تجاوز المألوف .<br />6- بالرغم من إستخدام أشكال أدخلت إلى الحاسوب إلا أن الاستعارات تباينت مابين الأيقونية والرمزية والإشارية .كتحصيل حاصل لخزين الفنان والمتلقي .<br /><br /><br /><br /> أما ما يخص تفعيل المجتمع للملصق الجداري ، فإن الباحث توصل إلى النتائج التالية .<br />1- بفعل الاستعارات التي استخدمها الفنانون فإن عملية التلقي أزاحت التأكيدات الأخرى كاللون والخط والكتابة من خلال قراءة المفردات وتأويلها .بوصفها قيماً عرضها الفنان على المتلقي بغية التوافق معها . <br />2- ناقشت الملصقات الجدارية المضامين الإنسانية مما أسست لها تفاعلاً جماهيرياً أغنى الملصقات ، وفي الوقت ذاته أغنت المجتمع علماً بما يحيطه . لأنها نتيجة متوخاة تفترضها إنسانية الفنان ومشاركته المجتمع همومه . وبوصفه قادراً على قراءة ما يحيطه بصورة أكثر موضوعية ، مما يؤدي إلى مخاطبة المجتمع بأدواته الفكرية والجمالية .<br />الاستنتاجات<br /> وتأسيساً على النتائج أستنتج الباحث ما يأتي .<br />1- تمثل الملصقات ألجدارية مفاهيم فكرية متداولة إجتماعياً تحمل تأويلاً فردياً أو جماعياً بوصفها ترجمة لوجدان المجتمع ، لذا يمكن اعتبارها ملصقات جماهيرية التلقي .<br />2- إن فهم الملصقات إجتماعياً باعتباره تجسيداً للأشكال المرئية يكشف عن رمزيتها وذلك تجلى بسعي الفنان بإنتزاع الأشياء من قيمها المتداولة ليؤولها إلى استعارات شكلية ذات دلالة .<br />3- إن العمل الفني يفترض قراءة وإستجابة وإضافة ذاتية لمحاولة إكتماله ذهنياً ، لأن العمل الفني لاسيما الملصق الجداري أكثر إنتشاراً وتفاعلاً مع المجتمع ، لتتأسس إستنتاجات الباحث بإقتراب عملية التلقي من التوجه الرومانتيكي في الفن الذي يؤكد على إن العمل الفني يكتمل بعملية التلقي لأن العمل الفني غير المكتمل أكثر جاذبية وعمقاً لعدم إمكانية إستنفاذه وتعريفه . <br />4- تمثل الملصقات الجدارية كغيرها من الأعمال الفنبة خطاباً دلالياً مكثفاً يستقرؤه المتلقي على إنه حالة وسط بين المنتج الفني والفنان التشكيلي فتتضح بذلك عملية التفعيل من تداخل هذه القراءة .<br /><br />التوصيات<br /> بالنظر لأهمية النتائج التي خلص لها الباحث يوصي بما يفعَل الملصق إجتماعياً وكما يأتي .<br />1- إستحداث قسمين تخصصيين للتصميم والطباعة ( الكرافيك ) في كلية الفنون الجميلة وتهيئة الكوادر المتخصصة ، وعدم الإكتفاء بدرس (الكرافيك) الذي لايفي بالغرض المنشود لعدم وجود المتخصص منذ تأسيس الكلية في جامعة <br /> البصرة . مع حث الطلبة على الإنضمام إلى هذا القسم لما يحمل من مضامين جمالية في التنفيذ والعرض قد تفوق الأقسام التشكيلية الأخرى .<br />2 - تهيئة كوادر متخصصة في تشغيل برامجيات الحاسوب ضمن استحداث قسم التصميم مع توسيع دائرة المعرفة عبر دورات مكثفة وموسعة للعمل على برامجيات التصميم في الحاسوب ..<br />3- يوصي الباحث بدراسة الأسس الجمالية لتجميل المحافظة وتفعيلها .كما هو معتمد في معظم بلدان العالم ل وبالأخص دول المغرب العربي التي زينت جدران مدنها بالتصميمات والرسوم الجدارية من قبل الفنانين .ولآلية العمل يجب التنسيق بين المحافظة وكلية ومعهد الفنون وجمعية الفنانين التشكيليين في البصرة والإعداد لهذه الدراسة وعدم تهميشها بالاعتماد على مجموعة تدَعي الفن والإبداع .<br /><br />المقترحات <br />1- يقترح الباحث أن تكلف لجان متخصصة من المؤسسات الفنية في المحافظة وبالتعاون مع الجهات الإعلامية في المؤسسات الأخرى للمحافظة لوضع ضوابط آلية في عملية تثبيت الملصقات على الجدران في الشارع ، وأن تكون مدروسة ،لا كيفية ، مع توعية الجميع من عدم كتابة الشعارات ولصق الصور الشخصية فضلاً عن تحديد الوسائل <br />2- الإعلانية ولاسيما أسماء المحلات التجارية بالضوابط ذاتها لما لها من مظاهر ليست جميلة ، كما يستوجب توعية أصحاب الشأن جمالياً في تثبيت الملصقات في أماكن مناسبة بالنسبة للضوء والفضاء وغيرها .<br />3- يقترح الباحث باستكمال دراسة الجوانب الأخرى في التصميم الجداري كل حسب فهمه .<br /><br /><br /><br /><br /><br />الملاحق<br />ملحق 1<br />جماعة نلتقي : مؤسسة من مؤسسات المجتمع المدني تمتلك شخصية مستقلة وتسعى لبناء ثقافة وطنية ديمقراطية حرة لا ترتبط بأي أيديولوجية أو صيغة مؤسساتية .<br />تأسست بعد أن اتفق مؤسسوها على أن تكون مصدر اللقاء لفناني وأدباء ومثقفي البصرة .. لكي يعبروا في هذا الزمن الرمادي عن أملهم المنشود في الحرية . وقد أسهمت هذه الجماعة من خلال نشاطاتها في إبراز أهمية المجتمع المدني في بناء العراق الجديد ومن نشاطاتها إقامة معرض البوستر السياسي في20 تموز 2004 على قاعة فندق المربد في البصرة لنشر الوعي الاجتماعي بين أبناء المجتمع من خلال حملة لصق البوسترات التي تتحدث مواضيعها عن الإنسان العراقي الجديد . إذ عرض (25 ) ملصقاً في مسابقة فازت منها (12) ملصقاً ل (8) فنانين من البصرة. وأعيد عرض البوسترات الفائزة ال (12) في 25 ايلول 2004 على قاعة افكار في بغداد. <br /><br /><br /><br /><br />ملحق 2<br /><br />الأستاذ الفاضل المحترم<br />يروم الباحث بناء أداة بحثه الموسوم ( الملصق الجداري وإمكان تفعيله إجتماعياً- البصرة أنموذجاً – دراسة تحليلية ) وهي استمارة ملاحظة ميدانية ، وةد تم تثبيت بعض البنود للأداة حيث ارتأينا أن نعرض عليكم هذه الأداة لما نعهدكم فيه من خبرة علمية ، فضلاً عن كونكم أكثر المعنيين إتصالاً وإهتماماً بهذه العملية ولما تتصفون به من تعاون في المجالات التي تعود بالفائدة العلمية .<br />لذا يضع الباحث هذه الأداة أمامكم ونرجو أن يكون تعاونكم معنا خدمة للبحث العلمي .<br /><br /><br /> المدرس<br /> أزهر داخل محسن<br /><br />إستمارة ملاحظة<br />يروم الباحث تقصي الجوانب الجمالية والتقنية ( فيما يخص آلية التنفيذ ) والجانب الإجتماعي (فيما يخص عملية التلقي) على وفق ما يأتي :<br /> أولاً : آلية التنفيذ يصلح لا يصلح الملاحظات<br />أ- الجانب الجمالي <br /> * العناصر الجمالية للتكوين <br /> الإنشاء <br />1- مغلق<br />2- مفتوح<br />3- مركزي<br />4- أخرى تذكر<br /> الخط واللون والظل والضوء والتوازن والفضاء<br />1- دراسة أكاديمية<br />2- عشوائية<br />3- أخرى تذكر<br />* الكتابة <br /> 1- الخط حسب القاعدة<br /> 2- خط نسخ المطابع<br /> 3- غير خاضع لقاعدة<br /> ب – الجانب التقني <br />1- استخدام مفردة الحاسوب<br />2- استخدام مفردة خارجية <br />3- تحوير المفردة<br />4- استعارة العلامة <br />ثانياً : عميلة التلقي<br /> أ – اعتمد المتلقي على<br />1- محاكاة المفردة <br />2- تأويل المفردة<br />3- تهميش المفردة<br />4- التأكيد على اللون<br />5- التأكيد على الكتابة <br />6- التأكيد على الكتابة واللون<br />ب- الجانب الإجتماعي . تعامل المجتمع مع الملصقات على وفق ما يأتي <br />1- محلية صرفة<br />2- عراقية صرفة<br />3- إنسانية <br />4- سياسية<br />5- تاريخية<br />6- غيرها تذكر<br /> ج - نسبية عملية التلقي<br /><br /> <br /> <br /> <br />المصادر<br /><br />1- محمد بن أبي بكر بن عبدالقادر الرازي. مختار الصحاح.رتبه محمود خاطر .دار التراث العربي للطباعة والنشر. القاهرة.السنة بلا .ص 597 .<br />2 OXFORD word power. University press. P (571). –<br />3 - ضياء العزاوي . فن الملصقات في العراق .وزارة الإعلام . السلسلة الفنية (26) . مطبعة الأديب .بغداد 1974 ص 11.<br />4- محمد تعبان .قوة الملصق. مجلة الرواق العدد/6 تموز 1979 .مؤسسة رمزي للطباعة .دائرة الفنون التشكيلية .بغداد ص 24 .<br />5 -د. أياد حسين عبدالله الحسيني . التكوين الفني للخط العربي وفق أسس التصميم . دار الشوؤن الثقافية العامة . مطابع دار الشوؤن الثقافي . بغداد .2002 .ص11.<br />6 - د. زهير صاحب .الفنون السومرية . إيكال للطباعة والنشر . بغداد 2004 ص 141 .<br />7 - توماس مونرو . التطور في الفنون ج 1 .ترجمة محمد علي أبو درة ،لويس اسكندر جرجس ،عبدالعزيز توفيق جاويد . راجعه ، أحمد نجيب هاشم . الهيئة المصرية العامة للتأليف والنشر 1971 ص 129.<br />8 - د. زهير صاحب .الفنون السومرية. ص 51.<br />9 - د .ثروت عكاشة الفن العراقي القديم .سومر وبابل وآشور . المؤسسة العربية للدراسات والنشر . مطبعة فينيقيا . بيروت السنة بلا ص 158-160.<br />10 - محمد تعبان .قوة الملصق. ص 24 .<br />11 - توماس مونرو. التطور في الفنون ج 1.ص 241.<br />12 - دليل جماعة نلتقي .<br /><br />2006<br /><br />نشر في مجلة دراسات البصرة 2006أزهر داخل محسنhttp://www.blogger.com/profile/03098343134480779083noreply@blogger.com0tag:blogger.com,1999:blog-6609888417791380236.post-18059407237108634292010-05-30T05:00:00.000-07:002010-05-30T05:04:14.122-07:00الموروث الشعبي في الفن التشكيلي لدول مجلس التعاون الخليجيملخص البحث<br /> <br /> إن دراسة الخطاب التشكيلي لدول مجلس التعاون الخليجي وكيفية تعامله مع الموروث الشعبي تكشف عن حالة من الضغط البصري يؤطره المنجز التشكيلي بصيغ جمالية . تعد وثيقة صادقة للعديد من الظواهر التي غيبت بعضها جوانب المدنية والمعاصرة ، وان كانت المعاصرة تزداد غنىً بهذه الظواهر المجسدة كخطاب تشكيلي إبداعي أنجزها فنانون تشربوا بواقع تسوده الآلفة والطمأنينة بفعل تمازج النسيج الاجتماعي واعتدال التوازن الاقتصادي ، لذا كانت وما زالت القيم المتأصلة في المجتمع الخليجي هي ذاتها وان غزتها المدنية من أوسع الأبواب وبكل صنوفها، ولغرض الدراسة الموضوعية أشتمل البحث أربعة فصول. تضمن الأول الإطار العام للبحث محدداً فيه المشكلة والتساؤلات التي أسفرت عنها ثم الأهمية وآلية تحديدها ، وحددت أهداف البحث من خلال استشراف القيم الفكرية والجمالية في تحليل المنجز بمرجعياته الفكرية والتقنية عبر تقصي الموروث الشعبي لدول مجلس التعاون الخليجي في المنجز التشكيلي المعاصر .<br /> وقد اقتصرت حدود البحث على ثلاث من دول المجلس ما بين الخمسينيات حتى نهاية القرن العشرين .<br /> أما الفصل الثاني. الإطار النظري تطرق الباحث الى مفهوم الموروث الشعبي ضمن المبحث الأول أما المبحث الثاني فتطرق الباحث إلى الفن التشكيلي في دول المجلس على وفق الأسس والمعطيات وارتكازه الى المحيط بوصفه عملية ضاغطة في الخطاب الجمالي الخليجي .<br /> بينما تضمن الفصل الثالث إجراءات البحث والمنهج المستخدم ومجتمع البحث وعينته وأداة تحليل العينة والية التحليل التي اقتصرت على عدد عينات البحث البالغة ( 7 ) توزعت بعدد ( 3 ) عينات من دولة الكويت وعينتان لكل من المملكة العربية السعودية ومملكة البحرين .<br /> أما الفصل الرابع تضمن نتائج البحث والاستنتاجات وهي كالآتي :-<br /> 1- إن التشكيل الخليجي ارتكز الى قيم فكرية تكمن في كينونة المجتمع .<br /> 2- انتهج الفنان الخليجي تقنيات غربية معاصرة بفعل المشارب الأكاديمية التي <br /> تلقاها .<br /> 3- المزاوجة بين التقنيات المعاصرة والثيمات الواقعية والموتيفات الشكلية <br /> والأساطير المحلية لتؤول الى قيم تشكيلية جمالية متفردة .<br /><br /><br /><br /><br />ثبت المحتويات<br /><br /><br />ملخص البحث …………………………………………………<br />الفصل الأول : الإطار العام للبحث 1 <br /> مشكلة البحث والحاجة إليه ………………………...1 – 2 <br /> أهمية البحث ……………………………………..2 _ 3 <br /> حدود البحث ……………………………………...3 <br />الفصل الثاني : الإطار النظري 4 _ 10 <br /> المبحث الأول : مفهوم الموروث الشعبي …………….4 _ 7 <br /> المبحث الثاني : الفن التشكيلي في دول مجلس التعاون<br /> الخليجي ………………………… 7 _ 10 <br />الفصل الثالث : إجراءات البحث 11 _ 18 <br /> منهج البحث ……………………………………11 <br /> أداة البحث ……………………………………...11 <br /> مجتمع البحث ……………………………………11 <br /> عينة البحث ……………………………………..11 <br /> أسباب إختيار العينة ……………………………….11 <br /> تحليل العينات ……………………………… 12 _ 16 <br />الفصل الرابع : النتائج والاستنتاجات 17 _ 18 <br /><br /><br /> المصادر 19 _ 20 <br /> النماذج ( عينة البحث ) 21 _ 24 <br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br />الفصل الأول<br />الإطار العام للبحث<br /> مشكلة البحث والحاجة إليه :<br /><br /> إن الإنجازات التي خلفتها الشعوب المتجذرة عبر العصور كبير جدا ، يتداول قيمها ابناء المجتمع في الوقت الحاضر بوصفها مفردات حضارية موروثة تداولاً لا ينحصر في طبقة معينة ، والتعامل معه يتم بطرق عدة عبر الفنون والآداب ، فالموروث الشعبي لأي مجتمع كبيراً كان أم صغيراً يمثل الأساس الذي يرتكز إليه المجتمع المعاصر في النهوض والنمو ، ومنه يمكن دراسة القيم الثقافية والإبداعية لأي مجتمع بوصفها منتجات إنسانية فضلا عن قيمتها الوطنية . <br /> ولقد أُثريت دول مجلس التعاون بالقيم التراثية المتراكبة والمتراكمة بفعل الجغرافية إذ اتصل تأريخها بأخصب المجتمعات حضارة وتراثا تلاقحت فيما بينها مؤطرة لمجتمع الخليج والجزيرة العربية بعدا حضاريا متميزا يعد نضحًا للحضارات التي اتصلت به وقد تفاعلت مع البيئة المحلية ليتجسد منها الموروث الشعبي مادة غنية تثري الباحثين بالاستزادة في معرفة ماهية المفردات الحياتية للمجتمع.كان نصيب منطقة دول المجلس العديد من الموروثات الشعبية جراء تعدد المصادر المولدة لهذه الموروثات التي تتصل بطبيعة المجتمع كالحرف والمهن فضلا عن الأساطير القديمة والحكايات الشعبية ذات البعد الواقعي والخيالي تبرزها روايات تغذي المبدعين في البحث عن ماهيتها الاجتماعية ، ويعد المجتمع المعاصر في دول مجلس التعاون اكثر اتصالاً بالموروث مع تنامي الحالة الاجتماعية والاقتصادية لان الموروث يمثل هوية الفرد وهوية مجتمعه ، لذا يندر تجاوز الفرد الخليجي لعناصر الموروث ، فإقتناء الموروثات الحرفية من قبل المجتمع الخليجي تتنامى فضلاً عن مزاولته للطقوس الفلكلورية من موسيقى وغناء ورقص وشعر ، أما اتصال أبنائه والأماكن التراثية لا تنقطع لان الإنسان في الخليج مهما تنامى اقتصادياً واجتماعياً لا نراه ينسلخ عما توارثه عن أجداده ، لإيمانه بهم واعتزازه الكبير بالأجداد ، فيرى وجوده في اتصاله بالموروث المحلي .<br /> والفنان التشكيلي عنصر فاعل سعى الى قراءة المورث وتسجيله ضمن تقنيات وأساليب نهجية معاصرة وفقا الى المشارب التي نهل منها تقنيته ورؤيته للفن إذ كانت خطاباته التشكيلية خير مستلهم وموثق لتركيبة المجتمع المتوارثة بكل دلالاته العميقة أسطورية كانت أم فلكلورية ، لإيمانه المطلق بالتقاء المبدع والمادة التراثية لان " التراث هو تراكم حياتي وطاقة روحية جياشة ، زمن محتقن بالدلالات والغنى والتوتر …والتراث معين مهم من الناحية الجمالية والفنية واستلهامه يؤكد وحدة التجربة الإنسانية في الماضي والحاضر والمستقبل ".(م1ص34 )<br /> إن مشكلة البحث ذات صلة بالمجتمع وعلاقته بالتشكيل الخليجي يتكشف من خلالها مدى قابلية الفنان في تسجيل الموروث الشعبي وماهيته في تعزيز صلة الفرد بمجتمعه وتراثه . <br /><br /> أهمية البحث : <br /> <br /> وفقاً لمشكلة البحث تتحدد أهمية البحث في تعريف المتلقي بالقيم التشكيلية المعاصرة لفناني دول مجلس التعاون الخليجي واتجاهاتهم التقنية والنهجية في رصد الموروث الشعبي المحلي .<br /><br /> أهداف البحث :<br /> <br /> تتحدد أهداف البحث للتوصل الى ما يأتي :-<br />1- استشراف القيم الفكرية والجمالية في الموروث الشعبي الخليجي .<br />2- تحليل المنجز التشكيلي بمرجعياته الفكرية والتقنية .<br />3- تقصي الموروث الشعبي في المنجز التشكيلي المعاصر . <br /><br /><br /> حدود البحث :<br /> <br /> حدد البحث بـ<br /> أ- الحدود المكانية : اقتصر على ثلاث من دول مجلس التعاون الخليجي وهي <br /> دولة الكويت والمملكة العربية السعودية ومملكة البحرين .<br /> ب- الحدود الزمانية : شملت الفترة المحصورة ما بين الخمسينيات من القرن <br /> العشرين وحتى نهايته .<br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br />الفصل الثاني<br />الإطار النظــري <br /><br />المبحث الأول : مفهوم الموروث الشعبي<br /> الموروث الشعبي قيم إنسانية تعامل معها الإنسان منذ القدم عن طريق الممارسات الحياتية والطقوس الدينية ، وقد انتقلت إلى الأجيال اللاحقة عبر آليات عديدة، استطاعت الفنون أن تفعّلها بعمق على وفق أساليب ومناهج مختلفة في المسرح والسينما والموسيقى والتشكيل والحركات الراقصة . هذا التفعيل تولّد من قناعات مرتكزة في ذهنية الفنان .أن الموروث يعد بنية المجتمع وهيكليته الأساسية اجتماعياً وتاريخياً وسياسياً وفلسفياً وخلقياً ،كما لاتحيد السلوكيات الموروثة عن كونها جهد إبداعي حفّز الفنان المعاصر من استقصائه محاولاً تجديد رؤيته الإبداعية وصولاً إلى الأصالة ، وإن كانت أصالة الموروث متأتية من تجاوزه الأنظمة السياقية الزمنية وديمومته تعد أحد مرتكزاته في الأصالة .<br /> لذا ظهرت الدراسات التي تعنى بالموروث منذ زمن بعيد حينما فُعّلت العلوم التي تتقصى العلاقات والسلوكيات الإنسانية والتي تبحث خصائص الإنسان وارتباطاته مع ما يحيطه من كائنات ، وقد ارتبط مصطلح الموروث ومفردة (الفولكلور ) عام 1877إبان تأسيس جمعية الفولكلور الإنكليزية في لندن ، وكان علم الاجتماعSOCIOLOGY ) ) وعلم الإنسان (INTHROBOLOGY ) من العلوم التي عضّدت دراسات الموروث وعدته علماً أكاديمياً عام 1955 في المؤتمر التخصصي بوصفه القيم المتناقلة شفاها إذ تعتمد هذه المفردة على تقصي ودراسة العادات المأثورة والمعتقدات التي تسمى بالآثار الشعبية القديمة أو بالموروث الشعبي (م 2 ص 15).<br /> وقد حظي الموروث الشعبي بتعاريف معاصرة عدة لم تكن قاصرة على الآثاريين ومتتبعيه حصراً . إنما شمل الأدباء والفلاسفة والفنانين وتجاوز ذلك إلى أن عرفه العلماء النظريين والتطبيقيين بما يوافق تتبعهم للأصول العلمية التي درسها وتطرق لها السلف ، لذا فقد عُرّف الموروث أنه "تسجيل أمين لبنية البيئة التي أنتجته وعليه ترتسم خصائصها أصالة وأعمقها تمثيلاً لمواصفات تلك البيئة " (م 3 ص 7) . <br /> فتعريف الموروث الاصطلاحي يتحدد بما تداوله المجتمع القديم في أزمنة متباعدة وقيمته تتجلى باستمراريته في التداول من قبل المجتمعات اللاحقة ، وتقسم طرق انتقال الموروث الشعبي إلى نوعين ، أما بالكتابة والتدوين والبحوث المنهجية أو النقل بالتداول أو شفاهاً عن طريق الرواية والحكاية الشعبية والأمثال والشعر والغناء وغيرها(م 4 ص 9) .<br /> إن التداخل مابين مصطلحي الموروث الشعبي والفولكلور متأتياً من تشابه السلوكيات الثقافية والطقوس والمعتقدات الاجتماعية التي تناقل من جيل إلى آخر ذلك أن المصطلحان يدخلان ضمن الدراسات الأنثروبولوجية أو ما يسمى بدراسات علم الإنسان الذي يتقصى خبرات الإنسان الإبداعية في الفن وغيرها من الآثار والطقوس والأعراف ، كما إن تداخل المصطلحان وتأريخ الفكر الإنساني ناتج بفعل التأثر والتأثير مع العلوم الأخرى لأن النتاج الإنساني موضوع دراستنا يحتم دراسة خصائص الإنسان السلوكية (م 5 ص 172) . <br /> من هنا تطلبت دراسة الموروث الشعبي للمجتمع دراسة للجوانب الفكرية والفلسفية وانعكاسه في النشاط التشكيلي من خلال توظيف الفنان لمفردات الموروث الشعبي سلوكياً وتقنياً أو رمزياً في منجزه الفني المعاصر عبر تقنيات واتجاهات تشكيلية متنوعة مابين الواقعية والأكاديمية والانطباعية والتعبيرية والسريالية والتكعيبية والتجريدية. <br /> إن تعامل الفنان التشكيلي مع الموروث الشعبي لم يكن تسجيلاً أو نقلاً للواقع ورموزه ذات الاتصال وبنية السلوكيات الاجتماعية والعقائدية والاقتصادية للمجتمع القديم ، إنما هو انتماء وتواصل تفرضه هيكلية المجتمع بروحية وهاجس متواصل مع مفردات المجتمع المتجذر ، لذا فإن توظيف الفنان التشكيلي للموروث الشعبي يحمل مرجعيات فكرية وفلسفية أعمق من بعض تصورات التحليل لأنها تولدت مع ولادة المجتمع وتعايشت معه بقسرية فرضتها البنية السلوكية والحياتية للمجتمع ، ويعد هذا التعايش أشد قسرية في منطقة الخليج العربي لأن الموروثات الشعبية هي " العناصر السلوكية والحركية والكلامية والضمنية التي يؤلفها مجتمع من المجتمعات "(م 6 ص 21) .<br /> هذه العناصر المتنوعة التي يؤطرها الموروث الشعبي ذات تأثير مباشر في المجتمع الخليجي المعاصر الذي لم ينقطع عن قراءة موروثه الشعبي لالتزامه السلوكي والأخلاقي بتأريخه وجذوره الطاعنة في التأصيل لاسيما أن "الفن إبداعاً، يعبر عن جماع الفكر والعقيدة والحس والذوق "(م 7 ص 22)، لذا كانت النتاجات التشكيلية في دول مجلس التعاون الخليجي وإن كانت معاصرة فهي إطارات فكرية وتسجيلية إستكمالية للموروث ، متلازمة معه غير منفصلة لأن المعاصرة في قراءة الموروث تتعامل معه على أساس من الفارق الزمني الكبير في حين إن تكامل رؤية الفنان التشكيلي الخليجي في تحليل الموروث الشعبي يعد استكمالا للموروث ومعاصرته . <br /> <br /><br /><br />المبحث الثاني : الفن التشكيلي في دول مجلس التعاون الخليجي :<br /> <br /> لا يمكن تصنيف بنية مجتمع دول مجلس التعاون الخليجي لتماسك مكوناته الاجتماعية فيما بينها ، مما يتعذر حسابه على وفق أزمنة متغايرة تفترضها هزة انتقالية تسبب افتراقه اجتماعياً وسلوكياً ، ولعل قراءة أهم تحول في الخليج تمثل باكتشاف النفط كدافع اقتصادي يحتم قياس كل المتغيرات الاجتماعية تبعا له .<br /> ولدراسة ظواهر وإفرازات المجتمع الخليجي قسم الباحثون هيكلية المجتمع الى ما قبل النفط وما بعده تقسيماً لا يفترض فيه حصول هوة ما بين المجتمعين لا سيما اجتماعياً وسلوكياً ، فأنها لم تزل بحيويتها في استمرار تدفق وصميمية الإنسان الخليجي في التعامل مع مفردات ما قبل النفط بذات الروحية ( أخلاقية ) فنرى المجتمع المعاصر باستقراره الاقتصادي والاجتماعي ينقاد باندفاع شديد وحيوي نحو الموروث اعتزازاً به وإيماناً مطلقا بالأصالة المتولدة من رواسب متجذرة في صلب المجتمع . <br /> إن المضامين الفكرية للموروث الشعبي في دول مجلس التعاون متشعبة على وفق مبدأ التأثر والتأثير والانعكاس فيه ، لذا يعزى تعدد الاتجاهات في الموروث الشعبي الى المناهل التي وجد فيها وعليها ، فمنها الاجتماعية ذات المساس والحكايات الفلكلورية والأساطير التي تَداولها وزاولها أفراد المجتمع ومازال فضلا عن الأعراف والتقاليد المستقدمة من الموروث العربي الإسلامي ، كما انعكس الموروث المعماري ( البيوت القديمة ) ليبقى حاضراً في ذهنية المجتمع المعاصر وجداناً حياً ، أما الحرف والمهن التي امتهنها الخليجي فقد اتصلت والحالة الاقتصادية كالصيد والغوص في البحر والعديد من المفردات التي لم تزل ماثلة أمام المجتمع ، وقد هيأت للفن لا سيما التشكيلي الديمومة في الارتقاء والإبداع المتأصل عبر تسجيل التراث واعادته روحاً وشكلاً لانه الأساس في الانطلاق الى رحاب العالمية . <br /> إن إعادة تسجيل الفنان الخليجي للتراث ليس استذكاراً متواصلاً غايته الديمومة في العطاء ، بل هو تعبير وجداني ورؤية محفزة في الثقافة والفن بقيمتهما السامية لأن معطيات التواصل تمثل إضافة روحية ووجدانية من خلال سبر أغوار التاريخ وإدراك محتواه، فتتكشف الأصالة من تحفيزِ لقدرات الفنان الذهنية الذاتية تعززها قدراته وتجاربه التقنية فيكون الطرح الفني مؤطراً بجوانب عدة منها خزين تراكم في وجدان الفنان عبر قراءته للتاريخ بعقلانية ومنها دراسته التقنية تدعمه رؤيته لكيفية الطرح وشكليته ، ينقسم منها المنجز الى محاور عدة منها النقل الحرفي المحاكاتي أو الاستفادة من الوقائع المحيطة تقنياً وتكوينياً فتكون المزاوجة غنية بينما يكون الطرح الآخر مشوباً بالتشويه لقصور في الفهم والإمكانيات التقنية.<br /> وإزاء ذلك يظهر محتوى الاتصال بين الفنان والمحيط بوصفه كينونة لا يمكن إغفالها فتظهر حقيقة تواصل الفن التشكيلي والموروث الشعبي الخليجي.<br /> منذ الخمسينات حتى نهاية القرن العشرين كفترة حاول الباحث التصدي لها في تمييز الفن التشكيلي المعاصر في دول مجلس التعاون بكل اتجاهات وتجارب فنانيه، فيرى السعي والجدة في الاغتراف من المكنون الشعبي مبيناً مدى التأثير البيئي وقابليته في الضغط على الخطاب التشكيلي، فيرتقي منها التشكيل في الروح المعاصرة والاشتغال معها في حدود التأصيل كونها إضافة مبدعة الى روح التراث، كما ان المفردات البصرية هي إنجازات فنية تستمد رؤيتها من المحيط بوعي ذاتي للفنان لان المحيط هو القادر على إعطائها قابلية النمو،وان العمل الفني تجربة جمالية مستمدة بتأثيرها من مقومات الواقع والمجتمع كبديهة طالما أكد عليها التشكيلي الملتزم بمقومات ليست دخيلة حتى أصبحت معالجاته التقنية صياغة إبداعية أفاض عليها الموروث المحلي بعداً جمالياً و فكرياً اكثر تصديقاً.<br /> في الكويت منذ الخمسينات التي تميزت بتجارب تشكيلية ليست كبيرة أهمها المعرض الذي أقيم أثناء انعقاد مؤتمر الأدباء العرب 1958 مروراً بإنشاء المرسم الحر مطلع الستينات ليتوج التشكيل المعاصر في الكويت عام 1978 بالمعرض الذي أقامته الجمعية الكويتية للفنون التشكيلية التي تأسست <br />عام 1967 ، وقد افرز معرض 1978 رؤى تشكيلية استنهضت قيمه الجمالية والفكرية باستشراف الموروث المحلي والخليجي والعربي الإسلامي، فجسدت المعروضات الفنية مجمل الأعراف والتقاليد والحكايات والأساطير والحرف الشعبية ذات النفس الشعبي الملتصق وجدانياً بالفنان والمجتمع(م8 ص98).<br /> ولا يختلف عنها في المملكة العربية السعودية إذ ارتقى فيها الفن التشكيلي الى مرحلة متميزة تجسيداً لصلة الفنان بمجتمعه ومحيطه فأستخلص الفنان تجربته على وفق رؤيته للتراث الشعبي لمنطقة الخليج والجزيرة على حد سواء حتى تميز العقد ما بين 1395-1405 هـ (1975-1985م) بإنتاج خطابات تشكيلية التصقت بالتراث كلياً بتقنيات واتجاهات متعددة إذ أن "المنابع التي يستقي منها الفنان السعودي رموزه في التعبير …تميل الى الاستفادة من التراث الشعبي السعودي"(م9ص169)، كما لا يمكن قراءة عمل تشكيلي يستمد رؤيته بعيداً عن الموروث الحضاري والشعبي في البحرين مستنيراً بحضارة دلمون وآثارها، فكان الموروث الخليجي حافزاً مشعاً للفنان في البحرين ، وان لـ(جماعة الفن المعاصر) الأثر البالغ قي هذا التوجه العارم نحو استيقاظ روح الموروث الخليجي والعربي.كذلك تحقق هذا التلاحم ما بين الموروث والتشكيل القَطَري من خلال معالجة الموضوعات المتعلقة بالبحر وفن صناعة السفن الخشبية والبناء المعماري الشعبي والزخارف والألوان وفن صناعة البسط والسجاد وغيرها من الحرف الشعبية. أما في الإمارات و سلطنة عمان لا يمكن للفن التشكيلي إلا أن يكون قريباً من هذا التوجه حيال الموروث الشعبي بفعل تقارب الأسس الاجتماعية في منطقة الخليج، بل ان دراسة أي مجتمع في المنطقة بالضرورة هي عينة صادقة في تمثيل المجتمع الكلي. لأن الخليج كمجتمع لا يمكن تجزئته بحال يتيسر للباحث من دراسته واستخلاص النتائج للأسباب الجغرافية والتاريخية والاجتماعية والاقتصادية المتماثلة، بيد ان النهج الذي ينتهجه الفنان يتفرد عن غيره في البلد الواحد بسبب المرجعية الأكثر ذاتية للبلد وللفنان في دراسته الأكاديمية للتجارب التشكيلية المعاصرة في العالم واختلاف مشاربهم الذاتية ورؤاهم .<br /><br /><br />الفصل الثالث<br />إجراءات البحث<br /><br />*منهج البحث : للتوصل إلى أهداف البحث اعتمد الباحث المنهج الوصفي من خلال تحليل العينات.<br /><br />*أداة البحث : سعى الباحث في استخدام افضل أداة تناسب وبحثه وهي (الملاحظة) في تحليل الأعمال عينة البحث .<br /><br />*مجتمع البحث : شمل الأعمال التشكيلية المصورة لفناني دول مجلس التعاون الخليجي التي حاول الباحث تقصيها بوصفها ذات مساس والقيم التراثية الشعبية <br /><br />*عينة البحث :الأعمال التشكيلية التي اختيرت قصديا.البالغة (7)أعمال موزعة لثلاثة أعمال من دولة الكويت وعملان لكل من المملكة العربية السعودية ومملكة البحرين .<br /><br />أسباب اختيار العينة .<br /> وقد اختيرت على وفق الضوابط الآتية :-<br /> 1- التنوع في الاتجاه التقني .<br /> 2- استبعاد الأعمال المتكررة.<br /> 3- الأعمال ذات المساس والحالة الاجتماعية لمجتمع دول المجلس.<br /> 4- التنوع في اختصاصات الفنانين.<br /><br /><br /><br /><br /><br /><br />تحليل العينات:<br />عينة(1) :نادر عبد الحميد / 1956 / الكويت (الختمة)<br /> صور الفنان موضوعة ذات مساس بالمجتمع المسلم في عملية تحفيظ القرآن الكريم للأولاد في سن مبكرة، وحتى يكتمل حفظه من أحدهم تعم الفرحة والأعياد عموم الأهالي.لذا جسد الفنان اللحظة تجسيداً واقعياً محاكاتياً مرتكزاً الى الرؤى التكوينية بمعالجة السطح التصويري في اللون (الاوكر) المستلهم من الواقع المحلي والبيئة الشعبية (الرمال).كما يتشكل البعد المعماري والوحدات الزخرفية للبيئة فضلاً عن تجسيد الملامح والأزياء الشعبية الخليجية.<br /> كما اعتمد الفنان في توزيع مفردات السطح التصويري الى مركزية العمل ( الطفل بيده القرآن الكريم في المركز).<br /> إجمالاً يستعرض الفنان السلوك الاجتماعي والبعد المعماري الشعبي مجسدا" المحلة في معظم المفردات,ليبقى العمل الفني وثيقة مسجلة لسلوك اجتماعي تضاءل وجوده في المجتمع العربي في الوقت الحاضر.<br /><br /><br />عينة (2) : سامي محمد / 1943 / الكويت (فتاة كويتية)<br /> يتفرد الفنان في منحوتاته ذات البعد الجمالي والتعبيري في استكشاف كوامن الإنسان وإرهاصاته وهو العارف بحيوية مادته المستخدمة وقابليته في تطويعها وفق ما يرتئي ،وقد اقتفى الفنان في معظم أعماله النحتية تقنية جياكومتي عبر استطالات شخوصه ونحافتها رغم واقعيتها، وفي عمله( فتاة كويتية) جسد بواقعية أكاديمية مفردة محلية لم تزل متواجدة في مجتمع الخليج بهيئة حلة ترتديها النساء في الأفراح والمناسبات (الهاشمي) ، وقد أشرك تقنية التصديف استذكاراً للبحر ,فضلاً عن اتصال اللباس الهاشمي تقنياً وشبكة الصيد(السلية) .<br /> وقد تجسدت المزاوجة التقنية المعاصرة والدراسة الأكاديمية للعمل ليرتقي منها الى حدود التأصيل والإبداع مما يشير الى ان الفنان يعد من قمم النحت المعاصر في الوطن العربي .<br /><br /><br />عينة (3) يوسف القطامي 1950 / الكويت / (لعبة شعبية)<br /> ينقلنا في منحوتته الى روح الموروث الشعبي الخليجي باستشفاف مفرداته بتركيبة ورؤية معاصرة موظفاً الشكل باستحضار من الموروث الرافديني السومري عبر تهميش الملامح وتجاوزها للوجوه الآدمية لا سيما المنحوتات المعبودة(م10ص25-26)، فأعاد صياغة الأشكال ليهذبها على وفق استيعاب الجوانب الشعبية الخليجية فيشير العمل الفني الى تسجيل مفردة سلوكية محلية مارسها المجتمع كنوع من التسلية الجماعية معتمداً مبدأ التناظر والتماثل والحركة المتولدة من دورانية المنجز بكليته يدعمه التوازن والتكرار وصولاً الى الوحدة التكوينية الجمالية.(م11ص88).<br /><br /><br /><br />عينة (4) محمد السليم / السعودية (موضوع)<br />إن قراءة العمل تنقلنا إلى الأجواء اللونية الخليجية المنسجمة (الهارموني) ليجسد حالة المجتمع الخليجي قبل ظهور النفط إذ المصاعب الاقتصادية وقسوة العيش، فيستعرض لنا امرأة تفترش الطريق للرزق بيدها طفلها الرضيع.كما نقل البعد المعماري الخليجي ببساطته وبدائيته (بيوت الطين).<br /> أما التقنية التي اعتمدها الفنان فهي توليفية ما بين ( انطباعية سيزان أو سورا ) في ضربات الفرشاة التي مهدت للتكعيبية وتعبيرية (ماتيس) باستخدام اللون الأسود بمعية الألوان الصريحة وثالثهما تعبيرية ما بعد (ماتيس) مجسداً فيها التعبيرية ضمن منطقة الاختزال والتجريد فبرز العمل تحفة لا يمكن للتشكيل العربي تجاوزها.<br /><br /><br /><br />عينة (5) محمد سيام 1374 هـ/السعودية (بيوت)<br /> منجز بالألوان الزيتية للفنان السعودي محمد سيام تحت عنوان (بيوت) ينتمي إلى المدرسة السريالية كتقنية تبناها الفنان فضلاً عن التصميمية المعمارية التي سعى إليها.<br /> يتأسس المنجز من كتل معمارية تقترب من القيم التراثية الشعبية في الخليج وأحاطتها بالزخرف (المربعات والدوائر) والنوافذ المستطيلة ، كما لجأ الفنان الى التضادات اللونية ما بين الكتل والخلفية ( Back Ground ) بافتراضات الحلم، كما يقترب السطح التصويري من تقنية التلصيق (كولاج) لا سيما في منطقة البناء المعماري ليحيل المتلقي الى المدرسة التكعيبية .<br /> إن المفردات الزخرفية المستخدمة يمكن تأويلها الى بساط مزركش بموتيفات شعبية ذات ألوان براقة كنوع من التعويض اللوني الذي يفتقده الإنسان الخليجي المتشرب بألوان الرمال والصحراء والبحر (الاوكرات والالوان الباردة) لذا لجأ الى الألوان الحارة (الأحمر والأصفر) بمعية الألوان المعتادة للإنسان الخليجي مما يعطي للمنجز صفة التوازن البنائي جمالياً.<br /> إن العمل يمثل قيمة تشكيلية استنهضت الموروث الشعبي الخليجي بتقنية مزدوجة تنامت عند الفنان عبر دراسته للفن الأوربي المعاصر . وهذه قيمة طالما لجأ إليها الفنان العربي بصورة عامة والخليجي بخاصة لينبري منها منجزه بتفرد متميز يرتقي صفة الأصالة والإبداع.<br /><br /><br /><br />عينة (6) راشد العريفي / البحرين (موضوع)<br /> ينزع إلى تآلف الرسومات الطفولية الأقرب الى الفطرية و استشراف الموروث و (الموتيفات) الشعبية مع العناصر الواقعية الإسلامية بزخرفيتها, وهو اتجاه الفنان الى قراءة التاريخ وحضارة (دلمون) والرسوم الجدارية ذات الاتصال بالرسوم الجدارية الرافدينية.<br /> وقد تصرف بالسطح التصويري كفضاء تسبح فيه الأشكال مولداً أشكالاً زخرفية كما اتجه الى التبسيط والاختزال بتقصي منهج غربي(بول كليه وخوان ميرو وحتى بيكاسو) . كما يمكن تصور الزخرفية على شكل بساط مزركش فضلاً عن الهندسية كتوجه حروفي تشكيلي, ومن خلال الربط ما بين المفردات في المعنى <br />(منائر، قباب، أهلة) يمكن توصيف الشكل برمته ليمثل شخصاً متعبداً رافعاً يديه وهو راكع.<br /> إن العمل يحمل بين تلافيفه مجمل التقنيات العربية الإسلامية في امتلاء السطح بالزخرفية وغياب المنظور وإهمال التشريح .<br /> فان المزاوجة التي سعى إليها الفنان مكنت المتلقي من توصيف العمل بوصفه عملاً إبداعياً من خلال استنهاضه القيم الجمالية الموروثة والتقنية التي انتهجها عبر دراسته ورؤيته .<br /><br /><br /><br /> عينة (7) عبد الكريم البوسطة / البحرين (فتاتان)<br /> يعرض الفنان عمله في شكل فتاتين بنهج تعبيري اقرب الى الوحشية مؤكداً على قيمة اللون الأسود بتحديد المساحات على وفق تقنية (ماتيس) المنعكسة على أعمال العديد من الفنانين العرب، وبحكم مرجعية الفنان الى حضارة كبيرة (دلمون) واتصالها والحضارة الرافدينية السومرية.فقد وظف الفنان ملامح الوجهين على وفق مرجعيته الحضارية والتاريخية كقيم جمالية ما زالت منبعاً يثري التشكيليين في الاغتراف منه.<br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br />الفصل الرابع<br /> النتائج والاستنتاجات<br /><br /><br />النتائج ومناقشتها<br />1. أن التشكيل الخليجي ارتكز الى قيم فكرية بوصفها قيما تكمن في كينونة المجتمع. سعى الفنان الخليجي من تفعيلها على وفق تقنياته الى خطابات جمالية وتوثيقية تمثل علامات ذات خصوصية وتفرد في التشكيل الخليجي .<br />2. بفعل المشارب الغربية للفنان الخليجي ، انتهج تقنيات غربية معاصرة لمضامين اجتماعية محلية ، مخلفا توليفة جمالية ما بين التقنية والموضوع ، حتى الأعمال ذات النهج التجريدي والأشد حداثة فإنها لا تبتعد عن تجسيدها للواقعية الخليجية .<br />3. توصل الفنان الخليجي الى تقنيات معاصرة على وفق (الثيمات ) الواقعية و(الموتيفات ) الشكلية والأساطير لتتحدد منها تقنيته الذاتية وتفرده في الإنجاز والتنفيذ، بل ان توصله الى هكذا تقنيات وان كانت مرجعيتها رؤيته المتحررة وموهبته المتقدة، إلا إنها لا تخلو من مرجعيتها في الموروث الشعبي بكل تنوعاته المتولدة في المجتمع الخليجي.<br />4. أستعرض الفنان الخليجي صور الواقع المحلي مقتفياً سلوكيات المجتمع الخليجي والعربي المسلم إذ عالج موضوعاته وما تحمل من معان اجتماعية وطقوس فلوكلورية محلية يزاولها أهالي المحلة (الفريج) بكل مستوياته الاقتصادية وإن اختلفت بعض الشيء.<br /><br /><br /><br /><br /><br />الاستنتاجات<br /><br /> وخلاصة ما تم التوصل إليه واستنتاجه من الإطار النظري والتحليل لعينات البحث فأن الموروث الشعبي لدول مجلس التعاون الخليجي يشمل المجتمع برمته من خلال التعايش الآمن معه لانه نابع من كينونة الأرض والرمال والبحر والصيد والممارسات الشعبية الأخرى كالرقص والموسيقى، بل أن المجتمع لم يزل يحفز من التعامل والتقرب من الموروث الشعبي .<br /> ولإدراك الفنان التشكيلي الخليجي بقيمة الموروث الشعبي كانت مراقبته له وتصديه كبيرة جداً لأنه يتعامل مع قيم لم تزل خالدة في المجتمع. وأن الخطاب التشكيلي كان بحق صورة حقيقية لمفردات تراثية قد اندثر بعضها لينقلها الى المجتمع المعاصر بجمالية وتفرد تمثل نضجاً في الرؤية البصرية للموروث ونضجاً في الخطاب التشكيلي في دول مجلس التعاون الخليجي العربي.<br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br />المصادر<br /><br />المصادر حسب ورودها في متن البحث<br />1- عاصم فرمان صيوان البديري. المتحول في الفن العراقي الحديث. أطروحة دكتوراه غير منشورة. جامعة بغداد. كلية الفنون الجميلة 1999.<br />2- فوزي العنتيل . الفولكلور ماهو . دار المعارف . القاهرة 1965 .<br />3- لطفي الخوري . في علم التراث . الموسوعة الصغيرة . وزارة الثقافة والإعلام . بغداد 1979 .<br />4- عبد المجيد لطفي . التراث الشعبي هل هو شيء منعزل ؟ . مجلة التراث الشعبي . العددان 11 ، 12 . وزارة الثقافة والإعلام . دائرة الشؤون الثقافية العامة بغداد 1984 ة.<br />11/12 . وزارة الثقافة والإعلام . دائرة الشؤون الثقافية العامة 1984 .<br />5- د. نبيلة إبراهيم . الدراسات الشعبية بين النظرية والتطبيق . دار المريخ للنشر . الرياض . 1985 .<br />6- صفاء الدين حسين جمعة التميمي . توظيف الأسطورة والحكاية الشعبية في المسرح العراقي المعاصر . رسالة ماجستير غير منشورة . كلية الفنون الجميلة . جامعة بغداد 1989 .<br />7- صفوت كمال . مدخل لدراسة الفولكلور الكويتي . شركة ذات السلاسل للطباعة والنشر ط3 . الكويت 1986 . <br />8- شوكت الربيعي. الفن التشكيلي المعاصر في الوطن العربي 1885 –1985.دار الشؤون الثقافية العامة. بغداد 1986ز<br />9- سمير ظريف. الفن التشكيلي السعودي خلال عقد من الزمن. مجلة الفيصل العدد100 /السنة 9 / تموز (يوليو)/1985.<br />.10- طارق عبد الوهاب مظلوم. النحت في عصر فجر السلالات حتى العصر البابلي الحديث. حضارة العراق ج4. نخبة من الباحثين. دار الحرية للطباعة. بغداد 1985.<br />11- ناثان نوبلر. حوار الرؤية. مدخل الى تذوق الفن والتجربة الجمالية. ترجمة فخري خليل. دار المأمون للترجمة والنشر ط1 بغداد 1987.<br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br />عينة 1<br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /> عينة 2 عينة 3<br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br />عينة 4<br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br />عينة 5<br /><br />عينة 6<br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /> عينة 7<br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br />نشر قي العدد الثاني مجلة دراسات البصرة 2006أزهر داخل محسنhttp://www.blogger.com/profile/03098343134480779083noreply@blogger.com0tag:blogger.com,1999:blog-6609888417791380236.post-33404905766762684712010-05-30T04:49:00.000-07:002010-05-30T04:51:48.840-07:00الصورة الدرامية في أعمال الفنانملخص البحث<br /> تتقارب الفنون عامة في مجمل عناصرها البنائية ، مما تلتقي وتتآلف في إطارها الجامع لها ، والمسرح الذي يضم كل تلك العناصر لأن المسرح وكما يطلق عليه ( أبو الفنون ) ، لذا عدت المشاهد ( الصور المسرحية ) بمثابة لوحات تشكيلية . وترجمة المسرح لغوياً ( دراما ) ، وهي فعل يحاكي المحيط بواقعية ، فعمد معظم الفنانين إلى تفعيل الحدث الدرامي في منجزهم التشكيلي ذي التوجه التقني القريب من الواقعية كالواقعية التسجيلية والانطباعية والتعبيرية وغيرها من التوجهات التشكيلية التي تشتغل وتقترب من منطقة الواقعية ، ومن هؤلاء الفنان العراقي الرائد محمود صبري في معظم لوحاته ، لذا سعى الباحث إلى دراسة الصورة الدرامية في أعماله ، وشمل البحث أربعة فصول . الأول ( الإطار العام للبحث ) وشمل مشكلة البحث والحاجة إليه وتمثلت بالإجابة عن التساؤل الآتي . كيف جسد الفنان الصورة الدرامية في أعماله التشكيلية ؟ ، وحدد أهمية البحث بتعالق الدراما مع اللوحة التشكيلية ، كما حدد الباحث حدود بحثه موضوعياً بأعمال الفنان ، وأنهى الفصل بتحديد مصطلح الدراما لغوياً واصطلاحياً ثم عرفها إجرائياً ، كما عرف الصورة الدرامية إجرائياً بالركون إلى التعريف الاصطلاحي للعرض المسرحي ، أما الفصل الثاني فقد احتوى مبحثين ، الأول . تاريخ الدراما وعناصرها في العرض المسرحي وآلية بنائها ، والمبحث الثاني شمل الصورة الدرامية في الفنون التشكيلة العراقية . بينما شمل الفصل الثالث إجراءات البحث وتضمن المنهج المستخدم وأداة البحث ومجتمع البحث وعينته وتحليل العينة التي اختيرت قصدياً وهي لوحة ملحمة الجزائر ولوحة نعش الشهيد ولوحة نساء في الانتظار ، أما الفصل الرابع فقد شمل نتائج البحث ومناقشتها ومنها :<br /> أولا : تبنى الفنان في مضامين لوحاته القيمة المعنوية للإنسان بوصفه محور الكون الذي بنت كل تلك الإشكاليات أسسها عليه ، ولم يكن الفنان هو الوحيد في تصدي موضوعة الإنسان ، بيد انه سلط عليه الضوء من جوانب خاصة سياسية أم اجتماعية أم فكرية .<br />ثانيا : سعى الفنان في أعماله إلى مزاوجة الصورة التشكيلية مع الصورة المتحركة فبثت الصورة الدرامية بوضوح .<br />ثالثا : كما سعى إلى مشاكسة المتلقي من خلال الانفعال الذي يولده العمل على إن الصورة التشكيلية تمس المتلقي في دقائق حياته التفصيلية ليرى المتلقي ذاته في كل عمل .<br />رابعا : لم يفصل الفنان موضوعه السياسي عن الهاجس الاجتماعي ، لذا جسد حالة الحرمان المتسلط على المجتمع بفعل الضغوط السياسية .<br />خامسا : يرى الباحث أن الأعمال لاتكتمل صورتها التشكيلية إلا بوجود الثالوث وهو انفعال المتلقي .<br />سادسا : اعتمد الفنان اسلوب الإنارة المسرحية في أعماله لغاية وظيفية ينبغي منها استثارة الفعل الدرامي بوصفه الطريق الأصوب والأيسر في تفعيل المجتمع .<br />سابعا : لم يجسد الفنان القيمة الدرامية بشقيها الدرامي والتراجيدي لتلتقي بالتراجيديا لأن المضامين المأساوية التي يعرضها الواقع السياسي المتأزم تنحو حيال التراجيديا ، لذا عمد إلى استثارة العواطف لغاية تعبوية .<br />ثامناً : وبفعل الخلفية الأيدلوجية للفنان وقراءته للواقعية الاشتراكية أدباًً وفناً وسياسة استطاع أن يوظف منجزه ضمن هذا السياق . <br /> كما اقترح الباحث وأوصى ببعض الأمور وقبل ختام بحثه بثبت المصادر تطرق الباحث إلى سطور مختصرة تعريفية بالفنان أفرد لها ملحقا خاصاً بها . <br /><br />الفصل الأول<br /><br />الإطار العام للبحث<br />مشكلة البحث والحاجة إليه :<br /> لاريب أن الفنون بكل تنوعاتها تتقارب وتتداخل في معظم عناصرها ، فعناصر المسرح والسينما والتشكيل والموسيقى والأدب ، جميعها تتداخل مع بعضها ، ولعل المسرح بوصفه الإطار العام لمجمل الفنون الأخرى ، فهو الجامع لكل العناصر التي تختص بها تلك الفنون ، ولأن الدراما نسغ الفنون التي تحاكي الواقع لأنها تمثل الفعل المتحول في المشاهد المصورة كما في المسرح والسينما بفعل تعاقب الصور المرئية أو في الشعر والأدب كما في الصور المتخيلة ، هذه الصور مؤطرة بعناصر جمالية ، في كل جزئياتها هي لوحات تشكيلية . فالمسرحية مجموعة لوحات تشكيلية تراتبت فشكلت الدراما ، لذا يعمد بعض الفنانين إلى إذكاء الفعل الدرامي وعناصر بنائه في العمل التشكيلي لاسيما جداريات الرسم أو النحت أو الخزف . وكان الفنان محمود صبري أحد الفنانين العراقيين الرواد ممن وظفوا الصورة الدرامية في أعماله التشكيلية ( الرسم ) . لذا تولدت مشكلة يسعى الباحث إلى الكشف عن آلياتها على وفق تعالقات الفنون مع بعضها لاسيما تعالق الدراما مع التشكيل .<br /> وعلى ضوء مشكلة البحث تتولد إجابات الباحث عن التساؤل الآتي : <br /> كيف جسد الفنان الصورة الدرامية في أعماله ؟<br />أهمية البحث : <br /> تتحدد أهمية البحث من خلال تعريف المتلقي بعلاقة الفنون البصرية مع الفنون التشكيلية ، لاسيما تعالق الصورة الدرامية مع التشكيل .<br />هدف البحث :<br /> يهدف الباحث إلى الكشف عن الصورة الدرامية في أعمال الفنان العراقي الرائد محمود صبري .<br />حدود البحث :<br /> الحدود الموضوعية : أعمال الفنان محمود صبري .<br />تحديد المصطلحات : <br />الدراما :<br /> لغــةًً <br />" (dra.ma) . الدراما ( أ ) المسرحية ، ( ب ) الفن والأدب المسرحي ، ( ج ) حالة . أو سلسلة أحداث تنطوي على تضارب عنيف أو مشوق بين قوى مختلفة . <br />) dra . mat . ic ) ( أ ) درامي ، مسرحي ، ( ب ) مفاجئ ، مثير ، دراماتيكي .<br />( dram . a . tize ) يمسرح ( أ ) يفرغ في قالب مسرحي ، ( ب ) يصور . أو يعبر عن ، بطريقة مسرحية " ( م 1. ص37 ) .<br />ـ والدراما مصطلح يدل على كتابة الحوار نثراً أو شعراً ، أو تمثيلية إيمائية تروي قصة صراع أو مقارنة بين شخصيتين ، وهي باب من أبواب الأدب ، وفي اللاتينية تعني ( تمثيلية ) وفي الإغريقية تعني ( التمثيلية والفعل المسرحي ) ( م2 . ص 365 ) .<br />والدراما حسب القاموس The oxford companion To The Theatre هي " اصطلاح يطلق على أي موقف ينطوي على صراع ، ويتضمن تحليلاً لهذا الصراع عن طريق افتراض وجود شخصيات ... وأي حوار بدائي يتضمن غناءً ورقصاً يمكن اعتباره دراما " ( م 3 . ص 28 ) .<br /><br /> <br /> اصطلاحاً<br /> الدراما " لفظة تطلق " على مثل تلك المنظومات - المسرحيات – التي تقدم أشخاصاً وهم يؤدون أفعالاً ( م 4 . ص 73 )<br />الدراما " شكل فني مبني على فعل يستند إلى المحاكاة " ( م 5 . ص 9 ) .<br />" الدراما محاكاة لحدث واحد كامل . تترابط أجزاؤه بعضها مع البعض بحيث لو حذف بعضها أو تغير مكانه تغير الحدث كله أو انعدم . فمن البديهي إن الجزء الذي يمكن حذفه أو تغييره من دون أن يؤثر هذا على الكل ليس جزءاً من الكل .. " ( م 6 . ص 17 ) .<br />وهي " اصطلاح يطلق على أي موقف أدبي أو فني ينطوي على صراع ، ويتضمن تحليلاً له عن طريق افتراض وجود أشخاص ، أو بأنها مجموعة مسرحيات تتشابه في الأسلوب أو في المضمون " ( م 7 . ص 67 ) .<br />التعريف الإجرائي <br /> الدراما فعل محاكاتي يبتغى منه نقل الواقع بصدق للمتلقي ومحاولة استثارته وتفعيله انسجاماً مع المحيط . وقد اتصل مع الفعل الحركي أكثر من اتصاله مع الصورة بيد إن الباحث افترض أن الفعل الحركي مجموعة صور متراتبة ، كل واحدة منها تمثل لوحة تشكيلية تمتلك مقومات العمل التشكيلي الجمالي .<br /><br /> الصورة الدرامية :<br /> التعريف الإجرائي <br /> لم يجد الباحث تعريفاً دقيقاً لمصطلح الصورة الدرامية لذا استقى من تعريف المبارك للعرض المسرحي " انه فعل مزدوج يمثل حالة انتقال من نظام لغوي مكتوب إلى نظام ثنائي لغوي وغير لغوي بفعل الإنتاج " ( م 8 . ص 1 ) ويمكن للباحث أن يؤسس تعريفاً إجرائياً من توافق العرض المسرحي مع الصورة الدرامية . وهي عملية مزاوجة بين الرؤية البصرية والفعل المتولد من العملية الإخراجية للنص المسرحي بوصفه نتاجا أدبيا فأحاله إلى منجز تشكيلي ، لأنه يمثل حالة انتقال من المنجز اللغوي إلى المنجز البصري المتأتي من النظام اللغوي وغير اللغوي .<br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br />الفصل الثاني<br />الإطار النظري<br /> المبحث الأول <br /> 1 _ الدراما . نبذة تاريخية .<br /> أشارت الدراسات التاريخية إلى المنبع الأساس للدراما وعزتها إلى نتاج أغنية تقليدية ورقص لسلوك طقوسي ديني يبث قوة الحياة وانتصارها على الفناء والموت ، وتوصلت تلك الدراسات إلى أن أصل الدراما في مصر يعود إلى الفترة مابين 4000 وسنة 3000 ق . م من خلال الرسومات الجدارية الفرعونية ، كما ظهرت مصاحبة للطقوس الدينية في آسيا وجنوب شرق آسيا إلا أن تطورها الأكثر اتساعاً كان في اليونان ليعد منها أصل الفكر الدرامي الأوروبي في المسرح الروماني كما أوضحها أرسطو في كتابه الشعر وعليه فإن الدراما والدين تلازما بقوة في التاريخ ولهما جذر مشترك بحيث يمكن تفسير تلاقيهما من خلال استحالة تحليل أحدهما دون الرجوع إلى الآخر ( م 9 . ص 23 _ 33 ) .<br /> الدراما جنس أدبي تخطى حدود الأدب ليتحقق في الفنون الأخرى كالمسرح والسينما والتلفزيون ، كما تعداها إلى العمل التشكيلي ، وتعد انعكاساً قيمياً للمجتمع الذي ولدت فيه ومنه ، فضلاً عن تقويمها لسلوكيات وثقافة المجتمع ، إلى جانب تصويرها للمثل العليا والجمالية على وفق عصرنة مواقفها وتنوع توجهاتها ( م 10 . ص 175 ) . ولكون الدراما ذات قدرة على هيكلة العلاقات الإنسانية وبنائها من خلال تأثيرها الاجتماعي واتصالها مع المتلقي ، مما يفرز مفاهيماً على ضوء مشاهداته للأحداث وإمكانية استجابته نفسياً واجتماعياً لتؤول بذلك إلى تبني الحلول التي أفرزتها تلك المشاهدات أو رفضها تبعاً للذائقة الجمالية والفلسفية والأخلاقية مما يتحلى بها المتلقي ، ويتم ذلك عبر عملية تحليل النص الدرامي سواء أكان صورياً تشكيلياًُ أم صورياً حركياً مسرحياً تدعمه عناصر التكوين الأخرى التي تنظم النص جمالياً ( م 11 . ص 19 ) .<br /> الدراما فن أدائي قديم جداً يعتمد الحركة واللغة في توصيل فكرة ما ، وقد عرفها الإنسان ترادف الشعر لأن المسرح القديم ( الروماني والإغريقي ) وفي محاولة بحثه عن أداة التعبير لجأ إلى اللغة التي بنت الشعر وقد تعاضد مع الحركة والإيماءة والرقص لتكون الدراما بشكلها الأكمل ، وجسدها فعلاً ( أسخيلوس ) في المسرح الإغريقي ، كما بنيت الدراما تدريجياً وعلى تعاقب الأجيال ، ونشأت بصورة غريزية في الانسان ومحاكاته ، مما يتعذر تحديد البدايات الأولى لنشوء الدراما بوصفها فناً تمثيلياً ، بيد أن الإغريق هم أول من أنشأ الدراما وعندهم تطورت . وقد زودت الطبيعة الانسان القديم بمقومات الدراما كما زودت الفنون الأخرى ، وإن الفكر الديني والسلوك الطقوسي لايمكن فصله عن الدراما لأنها صراع بين المتناقضات والأضداد ( م 12 . ص 9 _ 17 ) . <br /> لقد شهدت الدراما في عصر النهضة تطوراً ملحوظاً جسد روح العصر وفلسفته الاجتماعية ، دون أن يكون أسيراً لأسس هوراس أو قوانين أرسطو . وقد تعاضدت ثلاث قوى لتنتج قوة واحدة هي المسرح الكلاسيكي الشكسبيري وروح العصر والتقاليد الفنية للدراما في العصر الوسيط . وتطورت التراجيديا في عصر النهضة بفعل الطباعة في ايطاليا عام 1465 فنشرت المسرحيات الإغريقية والرومانية ، وفي انكلترا فقد اهتمت الدراما بالتراث الكلاسيكي بشكل كبير في القرن السادس عشر بفضل الجامعات والمدارس التي درست المسرحيات القديمة وعرضتها ومنه نشرت المفاهيم الكلاسيكية للشكل والصورة الدرامية ، وتمثل العصر الذهبي للدراما في اسبانيا من خلال المسرحيات الشعرية النابضة بالحياة الواقعية ، كما اهتمت الكلاسيكية في نقاء النماذج الدرامية ، أهداف الدراما ، محاكاة الواقع أو الإيهام به ومفهوم اللائق ، ثم وحدات الحدث والمكان والزمان ، وقد اقتصرت الأشكال الدرامية على التراجيديا والكوميديا ، وفي اسبانيا ظهرت عملية مزج العناصر المحلية مع النظرية الكلاسيكية فسادت الكلاسيكية في فرنسا على أساس قيام وحدة الزمان والمكان والفعل مع بقاء الالتزام بحرفية القوانين الأرسطية ( م 13 . ص 42 ) بينما سميت الدراما بالعاطفية فتطورت أكثر في شمال أوروبا وشرقها ، وسادت المشاعر والأفعال ومردها غرائز الإنسان وساد مفهوم إن الحقيقة يمكن إدراكها بادراك الكون في صوره المختلفة التي خلقها الله سبحانه ، وهو مفهوم رومانسي يرى في حاجة الكاتب أي شيء أكثر من القواعد ، لذا حلت الأساطير الإغريقية محل قصص القرون الوسطى والحكايات التاريخية والأساطير الشعبية ، وقد تمردوا على النظم والقوانين الاجتماعية والأخلاقية في عصرهم ، وأدت الموضوعات والأشكال والثيمات الجديدة إلى خلق دراما مضادة لما سبقها ( م 14 . ص 59 _ 60 _ 66 _ 76 _ 94 ) .<br /> أما في البلاد العربية فقد عرفت الدراما بصيغتها اللفظية دون أن يكون لها معنى واضح ، لكنها ارتبطت مع الأدب السردي مع اختلافها عنه في تصوير الصراع كجزء رئيس في مفهومها فضلاً عن تجسيد الحدث واشتداد العقدة وتكثيفها ، لأن الـدراما بالأساس تعد أكثر عنفاً من الأدب الروائي والقصصي ( م 15 . ص 7 ) . والدراما مصطلح جامع للأشكال الفنية والأدبية كالتراجيديا والكوميديا والميلودراما ، وقد عرفت هذه المصطلحات جميعا ً لتبث المصطلح الشامل للدراما ( م 16 . ص 18 ) .<br /><br /> 2 _ عناصر الدراما في العرض المسرحي وآلية بنائها .<br /> لاريب أن المحاكاة إطار جامع ترتكز إليه معظم الفنون وتتفق عندها ، رغم إنها تختلف في الوسيلة ، ولأن المحاكاة لها واسطة ( اللغة والموسيقى ) وطريقة عرض ( المنظر المسرحي ) والموضوع ( الحبكة والشخصيات والفكرة ) ، لذا شخصت عناصر الدراما على ضوء هذه المفردات ، ولهذا يضع الباحث توصيفاً للصورة الدرامية البصرية بالركون إلى عناصر الدراما المسرحية . فالوسيلة تمثل قابلية التعبير وهو التوصيف الذي يبثه المنجز التشكيلي للمتلقي ، بينما يجسد المنظر المسرحي طريقة لإظهار العمل الفني ، أما الموضوع فهو المرادف للفعل والحدث والفكرة نتاج الشخصية . ومن خلال الاطلاع ومتابعة العديد من المصادر التي تطرقت للدراما في العرض المسرحي وعناصرها ، توصل الباحث إلى آلية تحديد تلك العناصر أو مايسمى بعناصر العرض المسرحي وهي كالآتي : <br />1- الشخصية : وهي عنصر أساسي مكون للدراما تتطور بفعل التطور الاجتماعي لأنها أداة تعبيرية تفرض نفسها لتقيم أثراً تشترك معها معظم عناصر الصورة الدرامية الأخرى ، وهي عند أرسطو ليست تصويراً للشخصيات ، وإنما تمثل الإطار الذي يتفاعل معه المتلقي ( م 17 . ص 23 ) .<br />2- الحبكة ( الفعل والصراع والنغم ) : وتعني بناء الفعل تراتبياً والذي يؤدي إلى اغناء الفكرة وتأكيدها وصولاً للتشويق ، وهي الرابط المتسلسل للأحداث والحالات التي تغني المشاهد تشويقاًَ وإثارةً حتى الخاتمة التي تمثل النتيجة اللاحقة للأسباب السابقة ( م 18 . ص 561 ) . فالحبكة هي البناء المتكامل في نسج الأفعال المبنية بتناسق كالأصوات الموسيقية التي تتناغم في إنشاء جملة موسيقية مقبولة رغم تعدد الآلات أو هي الهيكل العام للعمل التشكيلي رغم تباين الخامات المكونة له ( م 19 . ص 22 ) وهي التقنية التي تعطي شكلاً معيناً للفعل الدرامي ( م 20 . 15 ) .<br />3- اللغة والموسيقى : وهما واسطتا التعبير عن الأفكار والكلمات في الأدب ويراها الباحث كالخط الوهمي المتين الواصل بين العمل التشكيلي والمتلقي ، أي إنها وسيلة الاتصال المباشر لفظياً كانت أم بصرياً ( م 21 . ص 13 ) .<br /> 4- الفكرة وهي ما يتصوره المؤلف تجاه مجتمعه ومنها يباشر المؤلف في إنتاج عمله الفني وتتكون مما يحمله المؤلف وكيفية بثه للمتلقي ، كما تمثل العلاقة مع الفعل الدرامي وصولاً للحبكة وكيفية وصولها للمتلقي ( م 22 . ص 15 ) .<br />5-المرئيات . وهي العناصر المكملة للعمل الفني كالكتلة والإضاءة واللون والتوازن وغيرها ، وهي بمجملها عناصر تكوين العمل الفني .<br /> 6-المحيط . أو ما يسمى الجو النفسي العام . وهي عملية تواصل بين العمل الفني والمتلقي ، ففي المسرحية تشكل مجموع اللقطات والمشاهد حواراً نفسياً مع المتلقي ويحدث ذلك في الموسيقى إذ تشكل مجموع النغمات المتولدة من الآلات ذوات الغرض لاسيما إذا انفردت بعض تلك الآلات ، وفي العمل التشكيلي فان الأجزاء التي تكون العمل تولد تفاعلاً استجابة أم تنافراً مع خزين المتلقي الثقافي والمعرفي . <br /> إن التنظيم الذي يوحد عناصر الدراما في العرض المسرحي ضمن سياق العمل الفني من خلال آلية ربط الفعل مع الشخصية في أحداث العمل التصويري الحركي أم البصري ( مسرح ، سينما ، منجز تشكيلي ) يطلق عليه الصورة الدرامية للعمل الفني وقد تناغمت الصورة الدرامية على وفق اتجاهات المحيط والعصر الذي ولدت فيه ومنه ، كما لاقت تبدلات واستهجانات من قبل المنتج حينما تتناقض مع أعرافه وقوانينه ليصل إلى مبتغاه ومثله العليا ، وقد تجاوز الفنان الصورة الدرامية المألوفة المتمثلة بأسس الحدث ابتداءاً من البداية ( الاستهلال ) والعقدة ( الأزمة والذروة ) والوصول إلى الحل وقد لخصها أرسطو في مفهومه للحبكة بوصفها أهم عناصر الدراما لاسيما التراجيديا فعدها عقدة وحلاً لهذه العقدة ( م 23 . ص 50 ) . <br /><br /> المبحث الثاني . الصورة الدرامية في التشكيل العراقي .<br /> لقد ارتبط التصوير بالأدب ارتباطا مباشرا لاسيما ارتباطه مع القصص الشعبية والمقامات التي صورها الواسطي في القرن الثالث عشر الميلادي ، إذ صور مقامات الحريري متتبعا ومسجلا الأحداث التي جرت آنذاك ، وقد صور الفنان التشكيلي العراقي المعاصر القصائد والدواوين الشعرية بأسلوب درامي بعد أن تجاوز حدود الشعر ، ولاشك إن التشكيل المعاصر في العراق افرز العديد من الأعمال الفنية التي جسدت الوقائع والأحداث القديمة والمعاصرة بتنوعات وتقنيات مختلفة ، ولأن المجتمع العراقي غني بالأحداث السياسية والاجتماعية والفكرية مما حفز الفنان أن يضمن أعماله هذه الأحداث منذ البدايات التشكيلية ومازال ، ولأن التاريخ اغفل كماً كبيراً من المنجزات التشكيلية المعاصرة ولم يوثقها ، عدت مرحلة الرواد أقدم التجمعات المؤثرة في التشكيل العراقي ، ولإلقاء الضوء على قيم الصورة الدرامية في التشكيل العراقي المعاصر نجد الراحل جواد سليم كيف بث الصورة الدرامية في العديد من أعماله في الرسم والنحت لاسيما في النصب الخالد ( نصب الحرية ) الذي قسمه إلى أربعة عشر جزءاً توحي بتكاملها لتجسد صورة درامية متسلسلة لحياة مجتمع وكذلك أعماله ( كيد النساء ، صبيان يأكلان الرقي ، السجين السياسي ) كذلك الفنان الراحل فائق حسن في واقعياته الأكاديمية وحياة البداوة والخيول ومنها عمليه ( بقايا مناضل ، الفرس النائم ) وفيصل لعيبي وهاشم حنون وعبد الصاحب الركابي وعلاء بشير وموضوعات الشهادة والمنحوتات ذات المرجعية الأسطورية للفنان محمد غني حكمت وأعمال الراحل سعد شاكر الأسطورية وموضوع الفدائي ( م 24 . ص 55 _ 57 ) ، في حين صور الفنان إسماعيل الشيخلي القرية بواقعية حالمة وأضفى عليها الملمح الدرامي بتقنية تعبيرية أو أقرب للتجريد باختزاله السطح التصويري إلى ابسط حالاته رغم غناه اللوني ، أما خالد الرحال فقد جسدت أعماله النحتية الصورة الدرامية بأسلوب يتوخى منه مشاركة المتلقي وجدانياً وعمله ( حاملة القناع ) ( م 25 . ص 142 ) ، ومحمد راضي عبدالله في بعض تخطيطاته ذات الأسلوب السريالي ، ورافع الناصري وكاظم حيدر وماهود احمد حينما جسدوا ثورة الإمام الحسين ( ع ) في كربلاء درامياً بأعمال فنية متباينة في الاتجاه التقني والأسلوب بين الواقعية والتعبيرية والتجريد ( م 26 . ص ) . <br /><br /><br />ما أسفر عنه الإطار النظري <br /> إشارةً إلى التتبع التاريخي لنشوء الدراما وتطورها ودراسة عناصرها ، فان الإطار النظري تضمن تحديد العناصر من خلال متابعة العديد من الدراسات التي حددت هذه العناصر ، وعلى ضوء موائمتها مع موضوعة البحث أشار الباحث إلى بعضها في العرض المسرحي لغرض تحليل عينة البحث ، ومن خلالها تمثلت أهميتها في العمل التشكيلي وهي .<br />1 _ الشخصية بوصفها العنصر الأكثر تعبيرية ومنه يفترض الباحث مراكز السيادة في العمل الفني .<br />2 _ الحبكة وبفعلها يحتدم الصراع والإيقاع بين التنامي والخفوت ، ومن خلالها يمكن إعطاء العمل الفني بعداً درامياً .<br />3 _ واسطة التعبير أو وسيلة الاتصال المباشر في العمل الفني البصري واللفظي وتجسدت باللغة والموسيقى .<br />4 _ الموضوع الذي يسعى الفنان إلى توصيفه بمنجز بصري كطرح لفكرة يبغي منها حدثاً درامياً وصولاً للحبكة .<br />5 _ الأجزاء المكملة للعمل الفني الدرامي وهي ذاتها متواجدة في العمل التشكيلي ، وبمجموعها تولد تنظيماً يوحدها في العرض المسرحي وكذلك في المنجز التشكيلي لأن العرض المسرحي هو مجموعة صور بصرية متراتبة .<br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br />الفصل الثالث<br />إجراءات البحث<br /><br />المنهج المستخدم : لقد استخدم الباحث المنهج التاريخي والمنهج الوصفي توافقاً مع سير البحث .<br />أداة البحث : اعتمدت الملاحظة أداةً للبحث .<br /> مجتمع البحث : أعمال الفنان محمود صبري وعددها عشرة أعمال فنية .<br />عينة البحث : 1- ملحمة الجزائر ، 2 – نعش الشهيد ، 3 ـ نساء في الانتظار .<br /> وقد اختيرت العينة قصدياً لأنها صورت درامياً لما يفرضه الواقع على الفنان . <br /><br /> تحليل العينة :<br /> <br /> 1 ـ ملحمة الجزائر .<br /> <br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /> <br /> <br /><br /> عمل تشكيلي جداري نفذه الفنان بتعالق وتناص مع ( الجرنيكا للفنان بيكاسو الذي نفذها اثر مجزرة حدثت في قرية الجرنيكا عام 1937 ) .<br /> نفذ العمل بالزيت على خشب المعاكس وتضمن شخوصاً متعددة ( فكرات ) توحي بالعدم والبؤس والجريمة . <br /> لجأ الفنان في البناء الجمالي إلى الإنشاء المفتوح الخالي من الحدود المؤطرة للفكرة مما وضع شخوصه المؤثرة في مركز العمل ، كما ألغى المنظور وعالج التشريح وتصرف به بحرية ، بمعنى انه لم يفقد شخوصه أسس التشريح لكنه بالغ فيه مابين الاستطالة للأيدي والأرجل والرقاب والعيون .<br /> تصرف الفنان بالسطح التصويري كفضاء تغوص فيه الأشكال هائمة تفكر بالخلاص من المأساة . كما حمل العمل بين جنباته تقنية استعارها الفنان من الموروث الحضاري القديم كتصرفه بالتشريح وإهمال المنظور ، فضلا عن تصرفه بالرؤوس إذ وضعها بصورة جانبية بالنسبة لموقعها إزاء المشاهد .<br /> عناصر الدراما<br /> # الشخصية : وقد لجأ الفنان إلى تكثيف شخوصه على مساحة العمل ، وأعطى لكل واحد منه دوره المؤثر في المنجز استقراءاً واقعياً متحرراً ينحو حيال التعبيرية في الخط واللون وبعض العناصر الأخرى كالملمس الحاد بفعل الخطوط وصلابتها وعدم مرونتها . <br /> # الحبكة : وهنا سبك الفنان تسلسل الأحداث بتناغم مع الموضوع الذي أحدث هزة إنسانية في المجتمع ، ولأن الفنان أكثر تواصلاً مع المجتمع جسد هذه المجزرة بمأساوية جمالية ، ولأن الحبكة تنتظم على وفق أحداث متسلسلة تحوي سبباً ونتيجة فقد أهمل السبب بوصفه حدثاً وقع ، واستعرض النتيجة التي تفرزها مأساوية المشهد ، كما لم يركز الفنان على شخصية محورية بوصفها هدفاً ثابتاً للحبكة ، إنما أعطى لكل شخصية حضورها الفاعل لاشتراكهما في الموقف ، أما الهدف الثالث والمتضمن انتظام المادة حول الفكرة الأساسية ، فسعى إلى ترابط شخوصه مع بعضها . <br /> # اللغة : جهد الفنان أن يختزل مفرداته إلى مرحلة توحي بحوارية المنجز مع المتلقي بلغة مشتركة بسيطة .<br /> # الفكرة : مثلت الفكرة الإطار العام للمنجز بوصفها النسغ الواصل بين الحادثة الواقعية وما يحمله الفنان من تداعيات واستنهاضات ذاتية حيال المشهد .<br /> أما الصورة الدرامية فقد نحى الفنان في بناء أحداث العمل بناءاً ملحمياً انبثقت منه تسمية العمل ، فتولدت من فكرته ذروة العمل وحبكته ضمن سياق منتظم لم يتضح فيه الجانب المضاد للقيم الإنسانية ( مجرمو المجزرة ) فعمد إلى إخراج رمزية الاحتلال خارج العمل ولا وجود للمحتل ضمن هيكلية المنجز . <br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br />2 ـ نعش الشهيد .<br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /> عمل نفذه الفنان بتناص مع تقنية أعمال الفنان بيكاسو في بعض أعماله التكعيبية وان كان الفنان هنا ينفرد بخصوصية الطرح التكعيبي والفنان جواد سليم في بعض منحوتاته .<br /> يتأسس العمل من كتلتين كبيرتين ، كل واحدة تضم عدداً من الشخوص ، لذا عمد في بنائه الجمالي إلى التوازن ليعتمد الإنشاء المستطيل .<br /> كما لجأ إلى التسطيح والمساحات بفعل إلغاء المنظور ومحاولة التصرف بالتشريح مما يتجه إلى التعبيرية والتكعيبية .<br /> كذلك وضع شخوصه لاسيما ( حاملي النعش ) وبتبسيط يقترب من الختم الاسطواني كأحد عناصر الفن العراقي القديم بتكرار الشخوص . واختزل مساحة السطح التصويري في الخط واللون .<br /> عناصر الدراما<br /> # الشخصية :سعى الفنان إلى تنظيم شخوصه بشكل متوازن فتوضحت في الكتلتين قيمة هذا التوازن لاسيما ( حاملي الشهيد ) وكتلة الجندي المقابلة ، رغم انه سعى إلى توزيع الأدوار على شخصياته بشكل معتدل مابين الانتكاسة والانهيار النفسي وبين سمو القيمة الإنسانية ورفعتها ، ويعد هذا العمل لواقعيته توظيفاً مقروءاً للمشاهد وليس دخيلاً على ذهنيته وسلوكه اليومي . <br /> # الحبكة : ارتكز العمل إلى الفعل الإنساني السامي المتولد من بذل الأرواح والمهج دون القيم الأخلاقية فعمد الفنان إلى تأصيل شخصية الجندي في استقباله لشخصية الشهيد لتبقى الشخصيات محور الفعل الدرامي في المشهد .<br /> # اللغة : واللغة هنا هي ذاتها في كل منجز فني جمالي تشكيلي صوري محال من مشهد العرض المسرحي وخاصة في هذا المنجز ، فاللغة مقروءة للمتلقي لأن المشهد بمأساويته يكاد لايفا رق مخيلته .<br /> # الفكرة : فكرة العمل واقعية سعى الفنان إلى إضفاء القيمة التعبيرية تقنياً ليبث حالة التوافق العاطفي الوجداني والفكري مع المشهد رغم تماس المتلقي لهذا المشهد باستمرار .<br />أما الفعل الدرامي فقد بناه على أسس معرفية مسبقة أن الشهادة تسبقها حرب أو فعل معادي إجرامي ، وبقصدية أخرج الفعل المعادي من اللوحة إلا انه ركز على الفعل المأساوي الناتج وتأثيره على المجتمع ، وتتمثل في إنه وضع الجندي في مركز العمل لغاية وظيفية افترض فيها الفعل الناتج من وجوده لأن الجندي هنا يمثل الفعل المقاوم والفعل المتصدي للعدو فضلاً عن انه ينظر وينتظر الكتلة المقابلة ( حاملي النعش ) انه سائر في ركب الشهادة ولامناص من الرجعة .<br /><br />3 ـ نساء في الانتظار .<br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /> <br /><br /> عمل فني بتقنية تعبيرية يستنطق فيها الفنان بؤس المجتمع لأنه يعالج موضوعة اجتماعية شديدة الحساسية والأهمية ، ويفرز نتيجة ( الانحطاط الخُلُقي ) بسبب ( الفقر ) ، فصور النساء في حالة مزرية ، لذا نقل لنا مشهداً يوحي بالازدراء لأن السقوط في أشده يكمن في ان الإنسان يباع كسلعة مباحة وبثمن بخس . <br /> لقد عالج الفنان موضوعته بناءاً على التكوين المغلق مكيفاً عناصر التكوين لغاية وظيفية ترتقي بالعمل جمالياً . فحدد بخطوطه السود نسائه وقد اختزل اللون صريحاً بحال يكاد يقترب من التجريد ، ومع انه تصرف بالتشريح لكنه لم يهمل المنظور كلياً ، إلى جانب استخدامه خطوطاً حادة وبغزارة ، وهذا يعد استقراءاً للأعمال الوحشية لاسيما رائدها ( ماتيس ) في الربع الأول من القرن العشرين .<br /> عناصر الدراما<br /> # الشخصية : أكد الفنان على الشخصية المركزية ( ذات الرداء الأزرق ) وتأثيرها على الشخصيات الأخرى ، ولم يغفل دور تلك الشخصيات في المجتمع وتأثيرها ، كما انه ولغاية وظيفية درامية وضع إحدى شخصياته واقفة في سعي لتجسيد الواقعية عبر ازدرائها للمجتمع ( المتلقي ) فحادت عن مقابلته .<br /> # الحبكة : وتركزت على الفعل الرئيس وهي الممارسات المشبوهة في بيوت الدعارة وما تمارسه هؤلاء النسوة في إغواء الشباب وحرفهم عن جادة الخلق لرغبة في اللهو واستحصال الأموال منهم ، وركز الفنان على شخصية مركزية وهي المسؤولة عن كل مايدور في هذه الأماكن ، وتبقى الشخصيات الأخرى تابعة لها لذا فهي تحظى بخشية الأخريات .<br /> # اللغة : هنا الفنان افترض لغة العمل بأنها لاتختلف عن نموذجيه السابقين على إنها لغة بصرية يمكن الاتصال معها بيسر ، <br /> # الفكرة : فكرة العمل واقعية تعالج موضوعة اجتماعية تمس المجتمع بحساسية لتردي المفهوم القيمي وماتفرزه عملية بيع شريحة من البشر لقيمهم بثمن زهيد . <br /> أما الصورة الدرامية فقد جسدها الفنان في حالة يستهجنها المتلقي بسبب الآلية التي وضعت عليها النساء وهن ينسلخن من عفافهن ، إذ جردن أرجلهن من الملابس التي تسترهن وفي هذا دلالة عن انزياح الخلق عن مساره المتعارف عليه فضلا عن جلستهن المريبة بانتظار القادم الجديد ( ضحية أو زائر مفسد ) بعد تقديمهن الإغراءات والاغواءات ، والى جانب هذا التشرذم الأخلاقي يظهر لنا الفنان صورة معلقة على الجدار يراها الفنان وكذلك الباحث إنها الشخصية الحامية لهذا الانزلاق ليفترض الفنان من هذه الصور أن الفعل الدرامي تجسد بتآلف الشخوص مع بعضها على أساس الكسب المادي غير المشروع ، وان قيم الإنسان تتهاوى بمجرد وجوده كسلعة يمكن أن تشترى وتباع .<br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br />الفصل الرابع<br />نتائج البحث<br /><br />النتائج ومناقشتها : <br /> من خلال تحليل العينة والاطلاع على بعض الأعمال ( مجتمع البحث ) توصل الباحث إلى النتائج الآتية .<br /> أولا : تبنى الفنان في مضامين لوحاته القيمة المعنوية للإنسان بوصفه محور الكون الذي بنت كل تلك الإشكاليات أسسها عليه ، ولم يكن الفنان هو الوحيد في التصدي إلى موضوعة الإنسان ، بيد انه سلط عليه الضوء من جوانب خاصة سياسية أم اجتماعية أم فكرية . لذا جسد الفنان الصورة الدرامية في منجزه التشكيلي لدرايته وفهمه العميق للقيم الروحية الإنسانية فضلا ً عن إيحائه للمتلقي في التعامل العاطفي التلقائي مع المنجز الحدث .<br />ثانيا : سعى الفنان في أعماله إلى مزاوجة الصورة التشكيلية مع الصورة المتحركة فبثت الصورة الدرامية بوضوح .<br />ثالثا : كما سعى إلى مشاكسة المتلقي من خلال الانفعال الذي يولده العمل على إن الصورة التشكيلية تمس المتلقي في دقائق حياته التفصيلية ليرى المتلقي ذاته في كل عمل .<br />رابعا : لم يفصل الفنان موضوعه السياسي عن الهاجس الاجتماعي ، لذا جسد حالة الحرمان المتسلط على المجتمع بفعل الضغوط السياسية .<br />خامسا : يرى الباحث أن الأعمال لاتكتمل صورتها التشكيلية إلا بوجود الثالوث الفنان والعمل الفني وانفعال المتلقي .<br />سادسا : اعتمد الفنان اسلوب الإنارة المسرحية في أعماله لغاية وظيفية ينبغي منها استثارة الفعل الدرامي بوصفه الطريق الأصوب والأيسر في تفعيل المجتمع .<br />سابعا : لم يجسد الفنان القيمة الدرامية بشقيها الدرامي والتراجيدي لتلتقي بالتراجيديا لأن المضامين المأساوية التي يعرضها الواقع السياسي المتأزم تنحو حيال التراجيديا ، لذا عمد إلى استثارة العواطف لغاية تعبوية . <br />ثامناً : وبفعل الخلفية الأيدلوجية للفنان وقراءته للواقعية الاشتراكية أدباًً وفناً وسياسة استطاع أن يوظف منجزه ضمن هذا السياق .<br /><br />الاستنتاجات :<br /> <br /> على ضوء النتائج التي توصل لها الباحث يمكن استنتاج مايأتي :<br /> إن الفعل الدرامي يؤطر مضامين معظم الخطاب البصري للفنان الراشد محمود صبري مرتكزاً إلى الانسان كقيمة معنوية بغية استمالة المتلقي للتعاطي مع الحدث برفعة واحترام ، على إن الفنان والباحث يؤمنان بان عملية التلقي تكتمل بحضور الحالة الانفعالية للمتلقي ، وان القيمة الدرامية لاسيما الجانب التراجيدي تفترض استثارة العواطف لغاية تعبوية تتلازم مع الطرح الأيدلوجي للفنان محمود صبري .<br /> <br /><br />المقترحات <br /> يقترح الباحث أن تثبت الأعمال الفنية ذات المضامين الدرامية في دور العرض المسرحي وإن لم تكن ففي قاعات عرض المسرحيات لكليات ومعاهد الفنون الجميلة .<br />التوصيات <br />يوصي الباحث بدراسة أعمال الفنان الرائد محمود صبري لاسيما المرتبطة بالنظرية العلمية المسماة ( واقعية الكم ) .<br /><br /><br /><br />الملحق<br />الفنان في سطور<br /> محمود صبري مفكر وفنان عراقي ولد سنة 1927 ، حصل على شهادة الدبلوم في علم الاجتماع سنة 1949 في انكلترا ، درس الفن بشكل شخصي ولم تكن دراسته في معهد أو أكاديمية للفنون, لكنه استطاع بجهوده الذاتية أن يكون اسماً بين أقرانه من الذين درسوا الفن بالأكاديميات وقد لعب دورا ريادياً بارزاً في حركة الفن التشكيلي المعاصر في العراق .<br /> بدأ اهتمامه باللون ونظريات اللون سنة 1967 حتى توصل في سنة 1971 إلى فكرة ( واقعية الكم ) حيث أقام معرضاً له تحت هذا العنوان في براغ ونشر بيانها الأول بالانكليزية .<br /> وفي سنة 1973 جرى نشر البيان بالعربية مع ملاحق إضافية تحت اسم بيان ( واقعية الكم ) .<br />شارك في معارض جماعة الرواد حتى عام 1962 ( م 27 . ص ) . <br />شغل مناصب مهمة آخرها مدير عام مؤسسة المعارض العراقية بعد ثورة تموز 1958 . <br />استقر في العاصمة الجيكية ( براغ ) منذ عام 1963 وله اهتمامات سياسية وفنية منها مؤتمر بيروت للقوى والحركات والشخصيات العراقية المعارضة للنظام الدكتاتوري ، وكتب العديد من المقالات في هذا الشأن وبلغات عالمية مختلفة .<br /> يعد من الفنانين العراقيين المعاصرين المثقفين وهو صاحب نظرية ( واقعية الكم ) العلمية وتعني " مزج الفن بوظيفته الاجتماعية التي تميز بها عبر العصور : تمكين الانسان من السيطرة على الطبيعة وتغييرها _ وبالتالي تغيير نفسه " ( م 28 . ص 154 ) . <br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br />المصادر<br /> حسب ماوردت في متن البحث<br />1 - منير البعلبكي ، د. رمزي منير البعلبكي ، المورد الحديث. قاموس انكليزي – عربي حديث ، دار العالم للملايين ، ط / 2 ، طبع في لبنان ، كانون الثاني – يناير 2009 .<br />2 – C.L.BARNHART, JESS STEIN. THE AMERICAN COLLEGE DICTIONARY. RANDOM HOUSE .NEW YORK , L.W.SINGER COMPANY.SYRACUSE .<br />3 ـ حسين رامز محمد رضا . الدراما بين النظرية والتطبيق . الطبعة ( 1 ) .المؤسسة العربية للدراسات والنشر . بيروت . لبنان . آب ( أغسطس ) 1972 .<br />4 ـ أرسطو . فن الشعر . ترجمة وتقديم وتعليق د. ابراهيم حمادة . مكتبة الأنجلو المصرية . 1977 . <br />5 - مارتن أسلن . تشريح الدراما . ترجمة يوسف عبد المسيح ثروت . وزارة الثقافة والفنون . سلسلة الكتب المترجمة ( 51 ) .الجمهورية العراقية 1978.<br />6 - د. رشاد رشدي . نظرية الدراما من أرسطو إلى الآن . دار العودة . بيروت . السنة بلا . ص 17 .<br />7 – د. فايز ترحيبي . الدراما ومذاهب الأدب . ط 1 . المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع . بيروت . 1988 .<br />8 ـ عبد الكريم عبود عودة المبارك . بنية النص وتحولاتها في تشكيل العرض المسرحي . أطروحة دكتوراه . كلية الفنون . جامعة بغداد . تمثيل وإخراج . 2000.<br />9 ـ حسين رامز محمد رضا . المصدر السابق .<br />10 - ميشال ليور . فن الدراما . ترجمة احمد بهجت . منشورات عويدات . بيروت 1965 .<br />11 – مصطفى عبيد دفاك التميمي ، تناول شخصية المرأة العراقية في الدراما التلفزيونية 1968- 1988 . رسالة ماجستير غير منشورة . كلية الفنون الجميلة . جامعة بغداد . 1989. <br />12 – د. عبدالعزيز حمودة . الصورة الدرامية . مكتبة الانجلوالمصرية . السنة بلا . <br />13 - حسين رامز محمد رضا . المصدر السابق . <br />14 – د. رشاد رشدي . المصدر السابق . <br />15 – س.و. داوسن . الدراما والدرامية . ترجمة جعفر صادق الخليلي . منشورات عويدات . بيروت . السنة بلا . <br />16 – أرسطو طاليس . فن الشعر . ترجمة عبدالرحمن بدوي . دار الثقافة . بيروت . 1973 . <br />17 - ثامر مهدي ، دراسة تحليلية لبعض النصوص المسرحية المقدمة على المسرح المدرسي (1978- 1979 ) . جامعة بغداد . مركز البحوث التربوية والنفسية . <br />18 - د. ميشال عاصي ، د. أميل بديع يعقوب . المعجم المفصل في اللغة والأدب . دار العلم للملايين . بيروت .1987 .<br />19 – مصطفى عبيد دفاك التميمي ، المصدر السابق .<br />20 - سامي عبد الحميد . تقديم أولي للملامح الدرامية في مسرحيات جليل القيسي ، المجلة القطرية للفنون . العدد 1 . كلية الفنون الجميلة . جامعة بغداد . وزارة التعليم العالي والبحث العلمي . جمهورية العراق . كانون الأول 2001 .<br />21 - سامي عبد الحميد . المصدر السابق . <br />22 - سامي عبد الحميد . المصدر السابق . <br />23 - أرسطو . المصدر السابق . <br />24 – أزهر داخل محسن . الفن بين مفهومي التشكيل والحرفة الشعبية ( دراسة في عناصر التكوين ) . مجلة فنون البصرة العدد ( 2 ) . كلية الفنون الجميلة . جامعة البصرة . 2005 . <br />25 - عادل كامل . الحركة التشكيلية المعاصرة في العراق ، مرحلة الرواد . وزارة الثقافة والإعلام . دار الحرية للطباعة . 1980. <br />26 – أزهر داخل محسن . المشهد الحسيني في الرسم العراقي المعاصر . مؤتمر العلوم الإنسانية . جامعة الكوفة . النجف الأشرف . جمهورية العراق . 2008 . <br />27 - فن جديد لعصر جديد- بمناسبة المؤتمر الأول للتشكيليين العرب\نيسان 1973/ بغداد .<br />28 – ملف الفنان محمود صبري . مجلة الثقافة الجديدة .العدد 328 . 2008 . www.quantumrealism.co.uk .<br /><br /><br /><br /> 2009 <br /><br /><br />المؤتمر العلمي الحادي عشر لجامعة بابلأزهر داخل محسنhttp://www.blogger.com/profile/03098343134480779083noreply@blogger.com0tag:blogger.com,1999:blog-6609888417791380236.post-14651584094036793552010-05-30T04:37:00.000-07:002010-05-30T04:43:50.571-07:00الدلالات الفلسفية والجمالية للرمز في الفن العراقي القديميمتد تأثير المتغيرات البيئية في بنية أي مجتمع إلى جميع منافذ الحياة كالفن والميثولوجيا* لاسيما أن منافذ الحياة تتضح تأثيراتها وتتعالق فيما بينها كتأثير أو تعالق العقائد والفن والميثولوجيا أو تأثرها اجتماعياً بالمعطيات المتوافرة، فلولا وجود دجلة والفرات لما ظهر فن الفخار والنحت بهذا الشكل الذي يساوي أو يفوق تقنياً وجمالياً ما تواجد في أية منطقة أخرى مجاورة . واستحداث نظام الري عبر شق القنوات كامتداد للأنهر التي تُغني الزراعة وتنميها لأن قوة نفوذ الحضارة يكمن في المعطيات ، وأهمها الماء ، وبدونه تفقد الحضارة من محتواها الجزء الكبير إن لم تكن قد فقدت كيانها برمته لأن الماء عنصر الخلق والإبداع الفكري الحضاري ، واستناداً إلى ذلك فأن المرجعية المعرفية التي ترى الماء أصل الوجود الحضاري وقابليته في صهر الفعل الإنساني والطبيعة ضمن نسق واحد أساسه نزعة فلسفية أغنت الفكر العراقي القديم – أن الخليقة تلد من الأصل – كتصور فلسفي علته اندماج الطبيعة والذات الإنسانية (م 27 ص 14،15) ، والماء كمعنى دلالي للحياة ، تزداد به الأرض خصوبة وإنتاجا ً، أكدته الميثولوجيا العراقية القديمة في قوة عناصر استنزال المطر كالفتوة والشباب خصيصتا الإله (تموز) كارتباط نفسي بهذه القوى، وبفعل انصهار الفنون والواقع الفكري توصلت الفنون والآداب إلى كينونتها بتصوير الكهنة وقسوة الحياة عقب الفشل في إنزال المطر سحرياً، فصورت المعاناة مصداقاً لعزوف الفنان الرافديني عن الواقعية إلى التجريد والرمز في تصوير الأشكال الآدمية اختلفت عنها في التصوير الواقعي للحيوانات (م32 ص 2،3) لأن " الفن .. يتسامى فوق مستوى الواقع، والتعبير عن الجمال يقتضي علوه عن الطبيعة والواقع، والجمال هو التجلي المحسوس للفكرة" (م 20 ص 90) بافتراضات مسلْمة أن الفن العراقي تناغم للجمال والبعد الفكري فيه . تسعى الدراسة إلى استكناه نتائج توظيف الفن العراقي القديم للرمز من الناحيتين الفلسفية والتقنية كتطورية جمالية ، واستشفافاً لمقتضيات الفنان العراقي القديم بتفعيل الرمز كمحفز اجتماعي وطقوسي تبوء الرمز مكانة ذات مغزى . <br />وتحديداً لتعريف الرمز كمصطلح فقد ورد صريحاً في القرآن الكريم في الآية (41) من سورة آل عمران بقوله تعالى ((..آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزاً …)) تنويه لأمر الخالق إلى زكريا بكف لسانه عن الكلام والنطق ، والتعامل مع الآخرين مكتفياً بالإشارة والإيماء بالشفتين عرفاناً لاستجابة رب العالمين دعاءه أن يرزقه غلاماً (م26 ص 74) ، إلا أنه ورد بألفاظ أخرى متباينة ولصفات أشد تبايناً كالتين والزيتون والفجر والعاديات والشمس والقمر وغيرهما مما أزدان بهم القرآن الكريم ( م13 ص42) ، ويسمى الرمز في كلام العرب (فن اللَحْن) من الفطنة والبديهة والتورية (لحن زيد لعمر) قال له ما يفهمه دون غيره (م 35 ص33) وظهر معنى اللحن في القرآن الكريم في الآية (30) من سورة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) بقوله تبارك وتعالى (( .. وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ ..)) ، دلالة لمعرفة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) المنافقين أصحاب القلوب المريضة في تلاعبهم بالألفاظ وصرف الكلام عن صيغه المعتادة (م 26 ص571) ، والرمز ورد بمعنى الإشارة والإيماءة بالشفتين والحاجبين (م 17 ص256) ،أو الإيماءة بالحواس والأعضاء لدى الكائنات الحية (م 13 ص 39) وجاءت كلمة الرمز (Symbol ) عبارة عن صورة أو تمثال أو إشارة أو علامة تدل على معنى الرمز ، والرمز فن قائم بذاته يُدّل به على الأشياء المعنوية بدافع التشابه والتماثل فيما بينها وقد تداوله الأقدمين في الأمور العقائدية والأدبية وعُدَّ الصينيون من الأوائل الذين استخدموا الرموز في زمن سابق غير محدد (م 8 ص668) ، والرمز تعبير اصطلاحي يحل محل غيره ويصبح بديلاً عنه كعلاقة اصطلاحية رمزية تستخدم استخداماً متصاعداً لتمثل مجموعة من الأشياء أو نوعاً من أنواع العلامات (م 38 ص289) ، والرمز عند الجماليين ومنهم الفيلسوف الألماني هيغل (1770 – 1831 م) هو أُولى مراحل الفن (م 14 ص255) ، فيرى أن ابتكار الشرق للرمز كان البدايات الفعلية للفن دعاها " الرمزية اللاواعية" وأن للرمز دلالة ما بين المدلول والشكل ، وربط الإبداع الرمزي بالميثولوجيا التي تعد إبداعاً روحياً تنطوي عليه رموز عميقة بالتأصل وأفكاره عامة (م37 ص10،11-20) ، وتراه (سوزان لانكر) بوصفها " أن الفن رمز …" (م 18 ص10) ، أما يونك فالرمز عنده "أفضل صيغة ممكنة للتعبير عن حقيقة مجهولة نسبياً ولا يمكن أن توضح أكثر من ذلك بأية وسيلة أخرى" ¬(م7 23 ص8) . يبرز الرمز كنظام جديد مطابق لموضوع مستخرج من التشخيصية التي لا تتغير هويتها بتكرار الشكل أو تجديد تصويره (م4 ص23) لأن التشخيصية ظاهرة معتادة تحولت بفعل التغير في الذهنية المتحفزة إلى نظام جديد خفي في الشكل المعبر عن الطبيعة فكان التجريد ذو القيم الجمالية التي تخدم الغرض الفني (م21 ص23) وأن الإشارة والإيماءة والرمز تمثل إحدى طرق الدلالة ولها معنى غير مباشر في الكشف عن هدف ما بأسلوب لفظي وارتباطه مع صفة الخفاء (م13 ص41) ، أما التعريف الشائع للرمز هو تنويه بإشارة مرئية إلى شيء خفي (م7 ص54) ، فهو دلالة خارجية تحتوي على مضمون ينبغي استحضاره وهو غير ملزم أن يكون مطابقاً للمعنى حتى أن الفنان حين يستحضر الصفة باختياره الرمز لا يفترض عليه أن تكون الصفة مطلقة لشيء ما أو محددة به إلا أنها تكون الغالبة فصفة المخادع غالبة على الصفات الأخرى (م37 ص 12،13) ، وأن الرموز شملت العلوم كافة كالرياضيات ، أما في الفنون التشكيلية فقد سميت إحدى اتجاهات الفن التشكيلي الحديث بالرمزية يفترض أساسها التقني والفكري ما يفرزه العقل الباطن عن طريق اللاوعي، والإنسان الرافديني استخدم الرمز كدلالة اجتماعية عقائدية أفرزته منجزات فنية تعبر عن توجهات المجتمع الفكرية ونوازعه تلتقي عندها الطقوس التعبدية والسحرية ليرتقي فيها المنجز بالمضمون على الشكل (م 9 ص30) ، وتوخياً للحماية تعددت آلهة السومريين لتؤول إلى رموز أثرْت الفن بروحانية طافحة بالحياة للواقع ضمن العالم الديني الأوسع لأن الفن الديني يشمل الدنيويات والمقدسات،وأن المقدسات ذات الهيئة الحيوانية لها دلالات رمزية تقارب في تصويرها الطبيعة كما توضح الرمز في المجسمات الحجرية في عصر الوركاء وما تلاها لينبثق ( الشكل 1) <br />كتعويذة في مجسم فيه ثقبين دائريين في الرأس رمزاً لآلهة العين استخدمت <br /> للأغراض الروحانية والطقوسية ، تعد من التأويلات الشكلية للطبيعة (الواقعية) <br />نحو تجريدها من خلال قراءة بنية الشكل في المعنى (م 11 ص 128،129) .<br /> أن الفن العراقي القديم بتأكيده على التجريد أمام انحسار الشكل الطبيعي<br /> (اللاشكلية في الفن) ، أدت إلى أن تخبو قيمه في الرمز، لأن العقائد العراقية<br /> القديمة كعلة ميتافيزيقية خارج حدود الإدراك البصري آلت ذهنيته إلى تصوير الآلهة<br /> على ما يرمز لها ولأنه الوجه الأخر للفكر الإنساني فهو زاخر بالرموز التي تمثلت<br /> بتباينها في الشكل والمعنى بفرض اجتماعي ونفسي ووظيفي، والمرأة في المنجزالرافديني يتراقى فيها الرمز ويُعلي منها كقيمة خصبية ، صورت (الآلهة الأم) كرمز ديني يبثه المنجز لشكل امرأة بدينة واضعة يديها على صدرها، مبالغ في حجم ثدييها ووشمت* أجسادها يجسدها شكل الأم والطفل (الشكل 2) فضلاً عن الرموز الخصبية الأخرى الدائرة والمثلث للحيوان والشكل المعيني رمزاً للسمكة والخط المنكسر ثم الشكل المربع للنباتات، وأن اختزال الصورة إلى الشكل المجرد البسيط اتجاه تقني وفلسفي أتبعه الفنان الحديث في رسم الطبيعة (سيزان، ما بعد الانطباعية)، وما الزخارف في النتاجات الفنية إلا تجريدات اعتمدت إلى عناصر منها تضاؤل الشكل الطبيعي وتحقيق الشكل الهندسي تعبيراً لغاية لها بنية اختزالية (م21 ص 41،42،43) .<br />أما رمزية تشابك الأيدي سمة الفن السومري في عصره الذهبي وما بعده (الشكل 3) كدلالة للصلاة وللعبادة المطولة مفادها صفة الخلود ضالة الإنسان العراقي القديم ، وتدفق الماء من الإناء التي تحمله الأيدي المتشابكة في بعض تماثيل الآلهة كتذكير بمنافع السماء على الأرض (الشكل 4) (م 5 ص41) . <br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /> أما القيم الجمالية فأنها كما رافقت الإنسان العراقي منذ صناعاته الأولى للفخاريات وتحسيناته في الشكل والمادة واغنائها بالزخارف والأصباغ للمحافظة عليها (م 22 ص 29). كذلك الرمز قد حظي بالإطار الجمالي الذي فرضته المعطيات عليه ومنها استبدال الصور والأشكال بالرموز والتجريدات عبر أدراك قيمة الفن بابتعاده أن يكون شيئاً مادياً استذكارياً وأصبح تنويراً عقلياً انحسر التشخيص منه ليصبح اختزالاً لا يمت للشكل التصويري أو التشخيصي بأية صلة عينية ¬(م 4 ص 72) وهنا يظهر سبق الفنان العراقي القديم كآلية اشتغلت في (الفن الحديث) الذي ظهر في نهاية القرن التاسع عشر في أوروبا أبان ظهور حركة الانطباعيين الفرنسيين في الفن والأدب التي ساندتها النظرية الشكلية* إحدى النظريات النقدية في الفن الحديث إذ جاءت كرد فعل وتحد مباشر لنظرية المحاكاة الجمالية التي ترى الفن مرآة للواقع في محاولة ترديدية غايتها إيضاح الصورة في الشكل والمضمون (م 16 ص253) . <br />ومنذ أن ظهرت الكتابة في الوركاء تطورت وانتقلت على مر العصور لتؤول في عصر جمدة نصر من التشخيص (الرموز والعلامات) إلى مقاطع ذات منحى صوتي وإشاري على شكل خطوط مسمارية (م 3 ص114) والكتابة منذ نشأتها وسيلة للتدوين اللغوي الذي يحمل معنى دلالياً للغة في دلالتها الشكلية (المقروءة) فظهر الخط كإشارات ورموز يحمل قيماً جمالية كثيرة توائم خصوصيته وكيانه عبر طبيعته الانسيابية والتكرارية فتبرز هويته الجمالية مرتكزة إلى شكله المقترن بجذوره الجمالية والحضارية (م 21 ص77 ،82) ، والرمز كان مستخدماً في البدايات الأولى للكتابة التي بدأت صورياً ما لبثت أن تحولت إلى رموز لأفكار تعبيرية بعيد عن التشخيص<br /> وبالتالي تحول الرمز إلى اصطلاح كتابي أطلق عليه الكتابة الصورية المقطعية وبالتحديد في <br />الفترات المتأخرة من ظهورها ومعنى الاصطلاحية أنها رمزية متطورة عن سابقتها وصوتية<br /> بمشاركة الصوت البشري مع الرمز، ويظهر أن الكتابة المسمارية تتكون من حروف تشبه <br />المسامير ( ) قوامه مثلث مقلوب قاعدته في الأعلى يستند على خط مستقيم عمودي ،<br /> والشكل استمده الفنان السومري من الشكل الأنثوي من التقاء الفخذين والعانة يتولد الشكل <br />أعلاه( يشابه الحرف) ، لذا فأن الكتابة اقترنت بالعطاء (الكتابة ومنطقة الخصب) أنهما يغذيان <br />الذات الفردية والمجموع بما يميزهما فكراً وعدداً كخصائص أرقى الحضارات كالحضارة العراقية <br />القديمة (الشكل 5) (م25 ص359) .<br /> جسد العراقيون القدامى الرمز بهيئة صور حركية باتجاهين على وفق صوره الظاهرة في المنجز<br /> كعلاقة الإنسان مع الإله (العروج) وأفضل ما تمثله أسطورة كلكامش بشخصه بينما يكمن الاتجاه الثاني<br /> وفق صورة الإنسان والحيوان في شخصية انكيدو أو ما يسمى بـ(الإشراق) ، ويتجلى في الاتجاهين تكامل موضوعي ذو قيمة جمالية وفلسفية ومثالية * ، لا سيما أن المثالية في الفن العراقي القديم متأتية من التكامل الجمالي في إغناء العلاقة بين الطبيعة والثقافة والعلم والإنسان، وتكون أكثر اتضاحاً في الطرح الميثولوجي عبر التقنية التجريدية التي تتضمن بين طياتها المعالجة التركيبية للأشياء (الشكل الآدمي والحيواني والإله ) وحكاية كلكامش وانكيدو نضوج في الشخصية الأسطورية ذات القيمة الجمالية من خلال الوضع المثالي لعلاقات عناصر الأسطورة فيما بينها(م 21 ص 25،26) ، والسومريون في مراحلهم المبكرة توصلوا إلى مشاهد معقدة كرموز حركية حجرية وفخارية برزت خلالها ممارسات طقوسية وسحرية انبثقت منها المنحوتات الآدمية ذات المغزى الديني أو السحري كالتماثيل المعبودة (الشكل 6) وانبثق (الشكل 7) يجسد تمثالاً <br />حجرياً لوحش أسطوري آدمي ذو رأس لبوة، وتعاود ظهور الرموز المركبة في<br /> طقوسيات المجتمع الرافديني عبر المنحوتات المجسمة والبارزة بتصويرها الأشكال<br /> الآدمية وارتباطاتها بالطبيعة تحرزاً ورهبة مما يحيطه (م 22 ص 44، 49، 51) ،<br /> وتفرض الميثولوجيا السومرية أن الإنسان صَنعة الآلهة يفنى ، وحياته مرهونة بها<br /> لذا اعتقد أن البطل (الشخص الرمز) أستسلم للأمر، فجاءت معتقداتهم الدينية تؤكد<br /> على تأمين النموذج لما بعد الفناء فانصبت فلسفتهم الحياتية على مبدأ الخلق والبعث<br /> والإخصاب. <br /> كما حصن السومريون أنفسهم مما يحيطهم بفعل التغيرات المناخية فارتبطت<br /> قابلياتهم الذهنية والإرادية بالضد عن عناصر الطبيعة أطرتها طقوسهم التعبدية في<br />الصلاة، وتواصلاً مع القابليات الذهنية أكدتها الميثولوجبا السومرية على مبدأ الخصب<br /> والنماء التي تعد من أسس البركة والعرفان السومرية وقد تنامت الفلسفة العراقية <br />القديمة والمعتقدات لتكون في إطار جمالي عبر الفنون كالنحت والفخار والرسم، ينبري<br /> الرمز منها كرد فعل للرهبة يصورها رأس الأسد المرتبط بالنسر( أيمدوكود)* دلالة <br />على عاصفة المطر الخيرة الملبدة بها سحب السماء السوداء متمثلة بجناحي النسر<br /> المفتوحان على الجانبين (الشكل 8) ، وصور الإله المحتضر في كتاب الغصن الذهبي** تموز يهبط من الجبل عند اصفرار النباتات دلالة لقرب موتها جراء حرارة الصيف جالباً معه الخير والبركة بزواجه من اينانا (عشتار) في الربيع حيث خصوبة الأرض وانتعاش القطعان الحيوانية (م 22 ص 89،90،91،93) . <br /> يفترض المنطق الميثوبي (mythopeic) تمازج الشيء وهويته (شبيه الشيء هو الشيء نفسه) ، فالرجل<br /> كقوة طبيعية يشبه أحد الإلهة ويتلبس هويته ليمثل دور الإله كما تقمص <br />الملك (دموزي) هوية الإله (دموزي) الذي تزوج (اينانا) فأصبح (دموزي)<br /> آله الخضرة والحشائش فكان الإله (دموزي) يحضر عند حلول الربيع (الشكل 9)<br /> (م 36 ص 236) ، فصورت الآلهة بأوضاع مختلفة منها ما يحمل فأساً يمزق<br /> السحب وإطلاق عواصف المطر، والثور كعنصر تذكير وفحولة تعالق برمزيته<br /> والطبيعة والإنسان المؤله كرمز خصبي ديني (م 5 ص 98) . <br /> إن سيطرة القوة الإلهية الخالقة لدى العراقيين القدماء على عناصر الطبيعة وما ينتج<br /> عنها من ظواهر جعلها ذات كلمة فصل في إصدار الأوامر ، على الإنسان تنفيذها<br /> (م 25 ص 156) ، وهو جوهر الفكر التأملي العراقي القديم في انقياد الإنسان للقوى <br />الكونية الكبرى يخدمها ويطيعها ويتضرع لها بالصلاة وتقديم القرابين (م 36 ص 237) ،<br /> وأشارت العقائد إلى المعجزات التي تكرم الموتى وتهيأهم للحياة بعد الموت حتى أن الدلائل<br /> قد أبانتها في قلة عدد أضرحة الملوك بالقياس إلى العدد الكبير من الملوك الذين حكموا <br />بلاد النهرين (م 22 ص 93) ، وتذهب البدايات الأولى للوجود في العقائد العراقية القديمة<br />إلى امتزاج الماء العذب (أبسو) بالماء الأجاج (تعامت) * ومنه كان الخلق الأول المتمثل<br /> بالإلهة (م 11 ص 77) وإليه يرجع الاعتقاد في أصل معالم الكون الرئيسية وكيفية تأسيس <br />العالم وفي وصف الكون أشارت القصيدة <br />" … عندما في الأعالي لم يكن للسماء ذكر<br />ولم يخطر بالبال اسم لليابسة تحتها ،<br />عندما لم يكن إلا ابسو ، والدهمــا،<br />وحمو وتعامت – هي التي ولدتهم جميعاً<br />يمزجون أمواههم معاً ،<br /> … عندئذ تكون الإلهة فيهم " ( م 36 ص 200 ، 201) .<br /><br /> أن فلسفة الحياة لدى الفنان القديم أطرت رموزه بمعان غنية بتعبيراتها ، فالمعزاة الدائرة والصليب المعقوف المؤلف من شعر النسوة (الشكل10) دلالة ذات معنى في ديمومة الحياة جسدها في اشكال بشرية وحيوانية ضمن حلقة دائرية لا نهاية لها (م 5 ص 92). كما أكد الفنان على<br /> المرأة مشخصاً فيها المناطق الخصبة بعد أن زينت النساء بالقلائد<br /> والأزرار ووشمت الخدود وقد صورت الإلهة على هيئة الأم<br /> (الشكل 11) (م 6 ص 34،35) .<br /> وقد عثر على مجسمات لنساء عاريات بولغ بتجسيم<br /> أعضاء أنوثتها كرمز عقائدي مقدس (الشكل 5) <br /> (م 31 ص21) وما عثر عليه في النصوص القديمة<br /> كشف عن الدلالات العقائدية الدينية بارتباط الدين<br /> والسياسة فصورت الملوك في قبضة الإلهة، والملوك<br /> هم وكلاء الإلهة في الأرض، أما العبادة عند العراقيين مبعثها<br /> الخوف من شرور الحياة، وأن الحياة الهانئة الآمنة تشغل تفكيرهم<br /> فاتجهوا إلى الصلاة وتقديم القرابين لدفع الأذى والمرض وطلب<br /> العيش الآمن أملاً في العصمة من الكوارث كما افرطوا في<br /> الخضوع للكهنة حتى أضحت عقائدهم دنيوية خالصة بعيدة عن<br /> الرؤية الأخروية، فوضعوا أنفسهم وعوائلهم في أمرة الكهنة وكانوا<br /> يتفاخرون بخدمتها (م 11 ص 52-56) .<br /> أن العقائد العراقية القديمة تميزت بالديمومة في وجودها، فالديانات التي اعتقدها ومارس طقوسها العراقيون المتأخرون هي ذات الديانات التي ظهرت في عصور ما قبل التاريخ، وأنها ارتبطت بعلاقة الإلهة فيما بينها خلال علو شأن إله دون غيره تبعاً للنظام السياسي وتبعاً للاستقلالية السياسية فظهر مبدأ التفريد ، كما ظهر مبدأ الشرك والتشبيه الذي ظهر واضحاً في العقائد البابلية ، فالشرك جاء من تعدد الإلهة (Polytheism) (م 28 ص 227) ، أما التشبيه فقد صور الإله كالإنسان في ممارساته الحياتية، له ما للبشر من نوازع وأحاسيس من قوة ومن ضعف وإن للإله قيماً أخلاقية فضلى عجز الإنسان عن إدراك ماهيتها لاسيما أن التشبيه يعد من أوليات المنطق في الميثولوجيا (م 25 ص169) .<br /> إن العبادات العراقية القديمة هي رد فعل للتفسير العقلائي لعملية خلق الإنسان ، فلجأ إلى عبادة الإلهة والانصياع لأوامرها والخوف من عقابها فظهرت المعابد لمزاولة الطقوس العبادية التي تعددت وتباينت من فترة إلى أخرى، كما تعلم العرافة لطرد الشياطين والجن من جسد الإنسان وشفائه منها لأن المرض يعد نوعاً من المس الجنوني فظهر عالم السحر كارتباط الفعل الأرضي بما وراء المنظور العقلي أو ما يسمى بالمصطلح المعاصر (الباراسايكولوجي)، وتمثل الفعل الأرضي برموز وإشارات متداولة أثناء ممارسة الطقوس العبادية كرفع اليدين ابتهالاً للآلهة واستغفاراً لها من الذنوب كما شخصتها الفنون في المنحوتات والرسوم كممارسة الركوع أمام الآلهة أو ممارسة ذبح وتقديم القرابين (الشكل 12) (م28 ص 256) .<br /> ولقد كان يقين العراقيين القدامى بنفعية الإلهة من خلق الإنسان <br />الذي تيقن أن الحكم الإلهي جارٍ لا محالة وأن الموت قدر صائر <br />والخلود للإلهة حسب، إليها ترجع كل الفضائل الأخلاقية ولذا فأن <br />الإنسان العراقي القديم قد جُبل على فطرته أن يكون أسيراً<br /> لرغبات الآلهة ومتطلباتها وأن حب الإنسان للخير والعدالة ما هو<br /> إلا امتداد لحب الآلهة للخير (م25 ص 191) . <br /> وظهرت تماثيل الأسس السومرية ذات الطابع التجريدي والرمزي<br /> من خلال عناصرها التي عملت منها كالثور المضطجع وحامل السلة<br /> ذات الشكل المستدق في الأسفل وغيرها غايتها جلب الخير والسرور<br /> إلى الأرض بعد أن تُختزن بقوة خفية تدفع الأشرار إلى ما تحت<br /> الأرض وتمنعها من إلحاق الأذى بالبشر (الشكل 13) (م 5 ص292) . <br /> إن التكوين الفسلجي للإنسان بوصفه ذا عقل مفكر حتماً ستولد لديه <br />الرغبة في التعبير المرتبط بالعقائد وبخاصة أن الفن القديم كان لصيقاً<br /> بالدين ودونه يفقد الإنسان ذاتياً للحياة من أفكاره الملهمة لاسيما أن<br /> الفكر السومري الديني ما هو إلا تأملاً ذاتياً للحياة ، وأن الديانة<br /> السومرية توضح أهمية الفكرة القائمة على الحياة بعد الموت ، كما <br />يمتلك الملك السومري السلطة الدنيوية حسب، وأن المشاهد المصورة<br /> للآثار السومرية وما تلاها من حقب حضارية تظهر الملك في مواجهة<br /> الإله طلباً للمعونة والحماية (الشكل 12) ، كما سجل الفنان العراقي القديم<br /> الموضوعات ذات التأثير السحري والديني في المنحوتات التي وظفت الشكل<br /> الإنساني حصراً ، جعلها مغزاها موضع المنحوتات التي تعبد (الشكل 6) <br />(م 11 ص 18،19،22،23) .<br /> <br /><br /><br /><br /><br /><br /> <br /><br /><br /><br /> أن ارتباط الفن العراقي القديم بالعقائد لم يكن بمعزل عن الحس الجمالي للفنون عامة لذا يرى الباحث استناداً إلى ما ورثناه من مآثر الفن القديم مخالفته رأي (أندريه بارو) بإنكاره اهتمام الفنان العراقي القديم بالحس الجمالي في نتاجاته الإبداعية التي تشمل الرمز كأحد منافذ التقنية الذهنية في الفنون (م5 ص42) " لأن الخبرة الجمالية مظهر لحياة الحضارة ..وهي وسيلة لترقية تطورها …" (م14 ص 547) وأن القيم الجمالية شملت معظم النماذج الفنية الإبداعية عبر عناصر التكوين الجمالي كالتماثل والتناظر والإنشاء المتوازن بتوزيع الكتل وتوظيفها في الموضوعات الدرامية الأسطورية (م21 ص29) وبرزت الخطوط والأشكال الهندسية والتكرار بالخطوط المنحنية والوصول إلى الواقعية في النسب ووشمت بعض وجوه التماثيل النسائية لغاية رمزية وجمالية عن طريق التقنية في العمل كالضغط على الطين وعمل أشكالاً مدورة أو مثلثة ، وتجلى ظهور الطابع الجمالي عبر تنظيم العناصر الجمالية (م29 ص366) واستشرفت الجمالية للصور الميثولوجية في العديد من المنحوتات البارزة. و (الشكل 14) يوضح ختمان أسطوانيان يصوران مشاهد لحيوانات مفترسة وأشكال آدمية خيالية وأنهما يمتازان بجمالية تكوينية بفعل التوازن في الأشكال التي ملأت اللوحين دون أية مساحة فارغة بأسلوب درامي متطور فظهرت الرموز متداخلة مع بعضها دون الإقلال من القيمة الجمالية بتحليل يفوق التصور المعاصر (م22 ص 104،106) رغم جهل الفنان القديم بقواعد المنظور إلا أنه كان يرسم وينحت الأشجار والجبال بتناسق كما في (الشكل 15) (م5 ص29) وكما للخطوط والأشكال دلالات رمزية وجمالية كذلك للألوان دلالات ورموز قد تفوق الخط في وصفها عبر تماسك وبنية الإنسان وانفعالاته ، فالألوان لم تغب عن مشاهدات الإنسان القديم لاحتواء الطبيعة لها كما بالغت الألوان في تأثير مفعولها على حواس الإنسان وانفعالاته الذاتية ولو نسبياً من لون لأخر تبعاً للحالة النفسية وتأثيرها، لذا كان استخدام الإنسان لعدد يسير من الألوان كالأحمر والأخضر والأصفر وفقاً لما يمليه المستوى الذهني والنفسي من دلالات ومعان لهذه الألوان ذات المدلول المعروف سلفاً ، فالأحمر يشير إلى الصور الحياتية المتضادة كالحب والخطر والحياة والموت في حين أن السلامة والأمان لها دلالات لونية يعكسها الأخضر، أما الأصفر فهو نذير الشؤم والغيرة ، والتركيز على هذه الألوان لا يعني ترك بقية الألوان فالأبيض للنقاء والبنفسجي والأزرق للأمل وغيرها (م 33 ص 150،151) ، كما أن مصادر الألوان التي استخدمها الإنسان القديم تتمثل بالزئبق ووهج النار والزرنيخ الأصفر واللازورد وقد استخدمها في تلوين التماثيل وتلوين الكتابة والرسوم الجدارية وتزجيج الرسوم (م 19 ص 59،60) كما مثل السومريون اللون الذهبي رمزاً للإلهة (شمش) كما استخدم البابليون اللون الأحمر بشكل أقل (م 24 ص 275) .<br />المـصـــادر<br /><br /> 1ـ القرآن الكريم .<br />2ـ الاعسم . د.باسم عبد الأمير . مفهوم الشكل في الخطاب المسرحي . مجلة الفنون القطرية.وزار التعليم العالي والبحث العلمي . العدد 1 . كانون الأول 2001 .<br />3ـ د. احمد سوسة . حضارة وداي الرافدين بين السومريين والساميين .دار الرشيد للنشر . وزارة الثقافة والأعلام . دار الحرية للطباعة . بغداد 1980 .<br />4ـ أرنولد هاوزر . الفن والمجتمع عبر التأريخ . ج1 . ترجمة : فؤاد زكريا . المؤسسة العربية للدراسات . ط2 . بيروت 1981 .<br />5ـ اندريه بارو . سومر فنونها وحضارتها . ترجمة وتعليق : د. عيسى سلمان . سليم طه التكريتي . سلسلة الكتب المترجمة . دار الحرية للطباعة . بغداد . 1980 .<br />6ـ البدري . هالة . الفنان والمرأة المتحف العراقي . مجلة الإذاعة والتلفزيون . وزارة الأعلام . الدار الوطنية للنشر والتوزيع . بغداد 1978.<br />7ـ برنارد مايرز . الفنون التشكيلية وكيف نتذوقها . ترجمة : د. سعد المنصور وفهد القاضي . مكتبة النهضة المصرية . القاهرة 1966 .<br />8ـ البستاني . فؤاد افرام . منجد الطلاب . دار المشرق . بيروت . ط 31 . السنة بلا .<br />9ـ البياتي . زينب كاظم صالح . الموروث الفني التشكيلي وإنعكاسه في الخزف العراقي المعاصر . رسالة ماجستير غير منشورة . جامعة بغداد كلية الفنون الجميلة . قسم الفنون التشكيلية اختصاص الفخار . 2001 .<br />10ـ توماس مونرو . التطور في الفنون وبعض نظريات أخرى في تاريخ الثقافة . ج1 . ترجمة : محمد على أبو دره ، اسكندر جرجس ، عبدالعزيز توفيق جاويش مراجعة احمد نجيب هاشم . الهيئة المصرية العامة للتأليف والنشر . 1971 <br />11ـ د. ثروت عكاشة . الفن العراقي القديم سومر وآشور وبابل . المنظمة الدولية للتربية والعلوم والثقافة . مطبعة الكتاب . بيروت . السنة بلا .<br />12ـ آل جنديل . د.نجم عبد حيدر . المثال والمثالية في الفن . المجلة القطرية للفنون . وزارة التعليم العالي والبحث العلمي .بغداد 2001 .<br />13ـ الجندي . درويش . الرمزية في الأدب العربي . مكتبة النهضة . مصر 1958 .<br />14ـ جون ديوي . الفن خبرة . ترجمة : إبراهيم زكريا . مراجعة : د. زكي نجيب محفوظ . دار النهضة العربية . مؤسسة فرانكلين للطباعة والنشر . القاهرة . نيويورك 1963.<br />15ـ جون . ب . فيكيزي . الرمز والأسطورة. مجموعة مؤلفين . ترجمة : جبرا إبراهيم جبرا . وزارة الأعلام . سلسلة الكتب المترجمة.دار الحرية للطباعة . بغداد 1973.<br />16ـ جيروم ستولنتيز . النقد الفني دراسة جمالية وفلسفية . ترجمة : د. فؤاد زكريا . ط2 . الهيئة المصرية العامة 1981 <br />17ـ الرازي .محمد بن أبي بكر بن عبدالقادر . مختار الصحاح . دار الكتاب العربي . بيروت 1979 .<br />18ـ راضي حكيم . فلسفة الفن عند سوزان لانكر . دار الشؤون الثقافية العامة . مطابع دار الشؤون العراقية العامة . بغداد 1986 .<br />19ـ الربيعي . عبد الجبار حميدي خميس . موجز تاريخ وتقنيات الفنون . ط1 . دار البشير . مطابع الدار . الأردن 1998 <br />20ـ زهير صاحب . الرسوم الجدارية المصرية . دراسة تحليلية المجلة القطرية للفنون . وزارة التعليم العالي والبحث العلمي . بغداد 2001 .<br />21ـ آل سعيد. شاكر حسن . الأصول الحضارية والجمالية للخط العربي . دار الشؤون الثقافية العامة . مطابع دار الشؤون الثقافية العامة . بغداد 1988 .<br />22ـ سيتون لويد . فن الشرق الأدنى القديم . ترجمة : محمد درويش . دار المأمون للترجمة والنشر . دار الحرية للطباعة بغداد 1988 .<br />23ـ د.شاكر عبد الحميد . العملية الإبداعية في فن التصوير . المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب .سلسلة عالم المعرفة 109 . مطابع الرسالة . الكويت 1987 .<br />24ـ الصراف . عباس . آفاق النقد التشكيلي . دار الرشيد للنشر . دار الحرية للطباعة . بغداد 1979 .<br />25ـ صموئيل كرايمر . من الواح سومر . ترجمة : طه باقر . مراجعة : د.احمد فخري . مؤسسة فرانكلين للطباعة والنشر .السنة بلا .<br />26ـ الطباطبائي .العلامة . مختصر تفسير الميزان . أعداد كمال مصطفى شاكر .<br />27ـ الطعان . د. عبد الرضا . أشكالية تأثير الفكر العراقي القديم في الفكر الأغريقي . دوريات آفاق عربية . العدد 2. السنة 2 . مايس 1985 .<br />28ـ طه باقر . مقدمة في تاريخ الحضارات . الوجيز في حضارة وادي الرافدين . ط /2 . دار البيان للنشر . بغداد 1973 .<br />29ـ عادل ناجي . الأختام الأسطوانية في عصر فجر السلالات حضارة العراق . ج4 . تأليف نخبة من الباحثين . دار الحرية للطباعة . بغداد 1985 .<br />30ـ عاصم عبد الأمير . الموروث الشعبي في الفن العراقي الحديث . آفاق عربية . العدد 1 . كانون 2 . السنة 14 . مطابع دار الشؤون الثقافية العامة . بغداد 1989 .<br />31ـ د.عامر سليمان . أحمد مالك الفتيان . محاضرات في التاريخ القديم . وزارة التعليم العالي والبحث العملي . مطابع جامعة الموصل 1978 .<br />32ـ فوزي رشيد . تموز في الفن العراقي القديم . مجلة الرواق . وزارة الثقافة والفنون . العدد3 . تموز ، آب . مؤسسة رمزي للطباعة 1978 .<br />33 ـ ـــــــــــــــــــ . الألوان ودلالاتها . آفاق عربية . العدد 11. ت2 . السنة 16 . 1991 .<br />34ـ كلود ليفي شتراوس . مقالات في الأناسة . أختارها ونقلها للعربية د. حسن قبيسي . سلسلة الفكر المعاصر . دار التنوير للطباعة والنشر . ط 1 . لبنان 1983 .<br />35ـ الهلالي . محمد مصطفى . الجفر (الشفرة) والرسائل السرية عند المسلمين . مجلة الفيصل . العدد 123 . السنة 11 أيار دار . الفيصل للطباعة 1987 .<br />36ـ هنري فرانكفورت وآخرون . ما قبل الفلسفة . الإنسان في مغامراته الفكرية الأولى . ج1 . ترجمة : جبرا إبراهيم جبرا . المؤسسة العربية للدراسات والنشر . ط 2 . بيروت 1980 .<br />37ـ هيجل . الفن الرمزي . ترجمة : جورج طرابيشي . دار الطليعة للطباعة والنشر . بيروت . آذار 1979 .<br />38ـ يوسف خياط . معجم المصطلحات العلمية والفنية . دار لسان العرب .المطبعة العربية 1974 .أزهر داخل محسنhttp://www.blogger.com/profile/03098343134480779083noreply@blogger.com0tag:blogger.com,1999:blog-6609888417791380236.post-39863293116158002862010-05-30T04:28:00.001-07:002010-05-30T04:34:16.937-07:00الإبداع في التشكيل العراقي واستنهاض القيم الرافدينية الموروثةالإبداع في التشكيل العراقي واستنهاض القيم الرافدينية الموروثة<br /> <br /> بلاد النهرين ، ارض تنامت عليها القيم الإنسانية بوصفها نتاجات إبداعية في (التشكيل والأدب والأسطورة) أفرزتها البنية الذهنية والمعرفة الذاتية، فضلاً عن الوعي الجمعي للمجتمعات المتعاقبة على هذه الارض، تدعمها المعطيات الرافدة لتتكامل أهميتها بما يثري تلك المعرفة، وان ديمومة التطلع الإنساني كفيلة بتكامل رؤية قيمة المستقبل المعنوية والمادية وربطه جدلياً بجذوره واستنطاق الأثر كذاكرة متجددة باستخلاص العناصر المكنونة. هذه العناصر المتجذرة تمثل موروثاً حضارياً أثرى الفنان ليرتقي بمنجزه التشكيلي عبر العديد من الاستعارات، متجاوزاً عمقه الحضاري وديناميته في الآخذ والعطاء وتطلعه إلى تجارب الآخرين وبالخصوص التجارب الأوربية .<br /> ان الأثر الحضاري وارتباطه والتشكيل العراقي المعاصر، ظاهرة أفرزتها توجهات الفنان المعاصر الواعية في إعادة تنظيم وتركيب نظم العلاقات كرموز موروثة بوصفها قيماً معطاة سلفاً لتمثل له استعارات شكلية وفكرية باشتراطاتها التراكمية الجمالية ليحيلها الى منجز تشكيلي إبداعي. وهي انتباهه واعية وارتباط صميم بالتاريخ دونما تسجيل حرفي بتلك الظاهرة، لا سيما ان ملامح التشكيل العراقي المعاصر اطرتها جملة امور، منها ما يتعلق ببنية الموروث الحضاري وطبيعة الطرح الفكري الذي يمثله على وفق صيغ معاصرة. المعاصرة التي تتأصل حينما يكون ارتباطها بكيفية إيجاد خصائصها في بلورة الموروث برؤية صائبة ذات مردود فكري متلازم وحياة المجتمع وحريته فتصبح المعاصرة إمكانية متفاعلة مع قيم الحاضر، فضلاً عن نهج الفنان العراقي للقيم الفنية العالمية. لذا فان الرؤية الفنية تمثل انعكاساً لطبيعة الموروث واثره، لان ظواهر الفن المتشردة بقيم الموروث الحضاري لها القابلية في إبراز مدى تماسك الفنان المبدع بأصالته. ويتحدد موقفه الفكري ورؤيته بما قدمه من نتاج. وكما ان الإبداع حالة ناتجة من تنشيط العقل (طبيعة الطرح الفكري) الذي أنضجته المخيلة والخبرات المتراكمة لذا فان الأصالة تمثل الجانب الأكثر نضوجاً في العملية الإبداعية يصفها الفنان (بول كليه) كالشجرة " ينهض النسغ من الجذور عالياً داخل الفنان ويجري خلاله وخلال عينيه". إنها إشارة الى كينونة الفنان ضمن فلكين هما الإبداع الذاتي وما يوازيه ويرتكز إليه في تأصيل العملية الجمالية.<br /> ان المنجز الفني الأصيل هو نتاج مزدوج لسيكولوجية الفنان (مشاعره وانفعالاته) وتجاربه المكتسبة في الشخصية. يكون الموروث ناشطاً فيها سواء وعى الفنان ذلك ام لم يعه. لذا فتنشيط الأثر يضفي بجوانب مشرقة الى العمل الفني، بتعاظمه يكون الغور في أعماقه واستنفاذه أصعب. بيد ان الاستزادة في اكتشافه أشد انفتاحاً وأغزر.<br />ومثلما يكون الموروث أحد مكونات الشخصية المبدعة بعد تواصل كل منهما للآخر أصبحت المواقف والآراء المبدعة (النتاج المبدع) ذات قيمة مؤثرة بالإيجاب في تحليل ماهية الموروث عن وعي ودراية يرتقي بها المبدع لغرض التمييز ما بين الغث من السمين وما بين الميت الساكن من الحي النابض وتبقى عملية وكيفية انتقاء الأجزاء الحية في الموروث عملية ذاتية لا تقل شأناً من عملية توظيفه.<br /> ان النتاجات المبدعة المعاصرة بارتكازها الى الموروث الحضاري بعلمية متحررة من خلال استحضار جوهر شخصية الماضي وإيصاله الى المتلقي بمفهوم معاصر هي إضافات الى روح الموروث، هذا الاستحضار يتوقف عند ثلاثة محاور منها ما كان موفقاً يرتقي صفة الإبداع والأصالة أو مفتعلاً يتعذر عليه كشف الملامح المتميزة في الموروث مما يحجم الظاهرة فتصبح مجرد أسماً ظاهراً أو تجربة ذات كيان هش ارتبطت بإمكانيات قليلة الشأن لم تمتلك أدوات الإبداع. ويعد الفنان الراحل (جواد سليم ) الرائد في تأسيس جماعة بغداد للفن الحديث من الأوائل الذين زخرت إنجازاتهم التشكيلية بجماليات الموروث الرافديني إذ استقى أعماله من توظيف الرموز والأساطير والقيم الجمالية وإضفاها الى مضامينه ذات البنية الاجتماعية حتى توجت إنجازاته في الرسم والنحت بتأطير الأصالة لها لمراقبته وامتلاكه أدوات تفعيل الموروث القديم (السومري والآشوري والبابلي) تدعمها رؤيته لمتغيرات المجتمع المعاصر (السياسية والاجتماعية والاقتصادية). وقد تجلت جميعها في عمله الخالد نصب العراق الكبير (نصب الحرية) المتكون من أربعة عشر رمزاً كأنها تولدت من طبعة ختم أسطواني على السطح لتكشف عن لافتة خُط عليها عبارات يراد بها تاريخ شعب.<br /> كما عمقت الدراما والقيم الجمالية للنحت السومري أعمال الفنان (محمود صبري) في تكرار الأشكال ذات الطابع النحتي والرليفات الجانية الرؤوس لتفيض أعماله بمضامين واقعية واتجاه تعبيري في الخط واللون، وعمله (نعش الشهيد) صورة واضحة لأثر الختم الأسطواني اذ التكرار والتسلسل في الحدث الدرامي مع خلوها من المحاكاة الحرفية للأعمال النحتية الموروثة لان الفنان ارتكز في معالجاته التقنية المعاصرة للجانب الجمالي الذاتي.<br /> وكان الفنان (فائق حسن) عميق الاستخدام للألوان ذات الهيئة المحروقة (الاوكر والبرتقالي) في واقعياته وأعماله الأكاديمية وحتى التجريدية التي تعد تأثر مباشراً بالألوان السومرية التي دونت ونوقشت بها الفخاريات. فضلاً عن معالجته المعاصرة للحرف المسماري كقيمة عليا تناهض الجوانب السلبية ذات المردود الفكري المعادي وعمله (الاستسلام ) يؤكد جوانب هذه الحوارية كما ان استلهام الموروث واستحضاره في تجارب وتعبيريات الفنان (ضياء العزاوي) تجلت من خلال دراسته للآثار العراقية القديمة، فاسقط سمات النحت السومري والأساطير البابلية على نتاجاته بتوظيف الرموز القديمة إذ صور الإله السومري (آبو) رمزاً مناهضاً للقيم والأعراف البالية فوضعه وجداناً حضارياً معاصراً في لوحته (شاهد من هذا العصر) فاستقدم تفاصيل الوجه العراقي القديم – وان لم يكن الوحيد- بخصيصته الدورانية وسعة حدقتا العينين وما تحمل من آسى داخلي له جمالية وشفافية دون ترديد ونسخ، بل بتوظيف ذاتي معاصر يرتكز الى التراكمات الحضارية والثقافية التراثية وعمله (الحلم والحالم )يمثل تلك الدراسة والمعالجة للواقع الاجتماعي والسياسي عبر استشفاف الموروث ودراسته وجدانياً وتعبيرياً.<br /> وكغيره الفنان (فيصل لعيبي) لم يكن بعيداً عن التوجه الفكري والتقني للموروث الرافديني في معظم أعماله وعمله (المناضلون ينهضون) تمثل تحفة جمالية لا يمكن للتشكيل العراقي تجاوزها فقد ولف بين التقنية اللونية الأكاديمية وقربها حيال الألوان التعبيرية كضرورة مضمونية وبين تركيبة الأشكال المستمدة من سمات الموروث العراقي القديم بكل تمرحلاته، فوجوه الكتل جانبي بهيئة نحتية متضخمة واتصال أشكاله بأجنحة استقدمت من أجنحة الثور المجنح الآشوري دلالة لقوة المناضلون والشهداء وتساميهم، كاشفاً عن تناغم المناخ الواقعي وموسيقاه المترفعة عن الرذائل الدنيوية أما الفنان (محمد غني حكمت) فارتباطه وقيم الموروث الرافديني تجلى في منحوتاته ونصبه الغزيرة منتبهاً الى تراكمات الأساطير والملاحم السومرية ليسجلها بتقنية ذاتية وما عمله (ختم أسطواني) إلا تأكيداً لهذا التلاحم اذ شكله على هيئة أسطوانية على سطحها خمسة أفاريز لتمثل قراءة معاصرة للإناء النذري الكبير كأحد رموز الحضارة السومرية في الوركاء كذلك اقتفى دورانية وجوه معظم الشخوص النسائية في نصبه مثل (كهرمانة) معتمداً سعة حدقتا العينين والتحام الحاجبين فتمثل معالجة ذاتية جمالية لاثر شمولي. أما خزفيات (عبلة العزاوي) فكانت قراءة لمقتنيات المتحف العراقي القديم وعملها (الأمومة) يمثل دراسة أيقونية للرموز الرافدينية التي تجسد قيم العطاء والخصب والنماء في تضخيم مفاتن الشكل الأنثوي وتجسيد حالة الديمومة والإنجاب كذلك تقصى الخزاف (ماهر عبد اللطيف) القيم الجمالية في عمله (الحضارة) الذي شكله على هيئة كرة (العالم) مغطاة برقائق من الأسفل والأعلى تاركاً منطقة الوسط لكتابات بالحروف المسمارية التي انبثقت من العراق القديم قبل خمسة آلاف سنة ليصبح منها العراق مركز الإشعاع الفكري الحضاري.<br /> ان تجارب الفنان العراقي وعائديتها الى دراسته لمناهج الفن الأوربي لم تمنعه من التفرد برؤية فنية ذاتية مستمدة من تاريخ حضارته في النحت السومري والآشوري والبابلي، فكانت رؤيته تفاعل للموروث والمعاصرة حتى امتلكت أعماله أصالة متجذرة واصبحت علائم الفنان واضحة في صرح الفن العراقي والدولي بارتباطه الصميم بالماضي المشرق عبر حريته المطلقة في أسلوب الطرح والتقنية كتعبير عن نماء التاريخ ووعي الشخصية الفنية. فتوظيف الموروث تمثل قضية وطنية وعملية إبداعية جمالية غايتها تهذيب القيم الروحية، كما ان الفنان في استنهاضه قيم الموروث تيقن ان الإبداع والأصالة في العمل الفني المعاصر مرتبطان بتعقب النتاج الإبداعي لمراحل التاريخ السابق لان (العمل الخلاق يستلزم توافر مرحلة تاريخية سابقة تمهد له كما يستلزم إمكانيات ذهنية ملائمة) فان تجربة الفنان الذاتية خلصت الى أيجاد أساليب فنية تشير الى المضامين الحضارية القديمة برؤية معاصرة وأشكال اكثر عصرية الى جانب توظيف الحرف العراقي السومري والزخارف الهندسية والحيوانية والأسطورة.<br /> ان الفنان التشكيلي المعاصر يعد من الشرائح الواعية المفكرة بتصديه وترقبه لحالات المجتمع، فهو على دراية بأهمية الموروث العراقي القديم في استنهاض قيم المجتمع وان سيعه من توظيف الأثر بدلالاته الشكلية والفكرية تمثل نضجاً للإفرازات البيئية غايته إيجاد خطابات تشكيلية ذات ركائز متجذرة ، كما انصب وعي الفنان التشكيلي العراقي المعاصر إلى قراءة الموروث ومعايشته على وفق النتائج المستحصلة من التجارب التشكيلية العالمية في قراءتها الموروث الحضاري الرافديني وتعقبها المراحل التطورية في تقنيات الفن ومن ثم ابتداع إنجازات تشكيلية لأساطين الفن العالمي. لذا تدارس الفنان العراقي بنية موروثه الحضاري بحميمية أوصلته الى العالمية بركائز محلية على وفق حقيقة (عالمية المحلية) في الفن سواء كانت المعالجة اجتماعية أم سياسية أم تزيينية. <br /><br /> <br /><br /><br /><br /> نُشر في الملحق الثقافي لجريدة الأخبار الصادرة في البصرة . العدد / 3 / نيسان 2004أزهر داخل محسنhttp://www.blogger.com/profile/03098343134480779083noreply@blogger.com0