الأربعاء، 2 يونيو 2010

مقالات متفرقة

( سنوبل ) في حديقة الانسان
يلجأ السرديون في كتابة سرودهم كالرواية والقصة من التعرض لمفردات المجتمع الحياتية ، وبنائها بشكل سردي يتفق وما يذهب إليه الكاتب ، فيخضعها إلى آليةٍ تصل بغيته باتباع هيكلية عامة للسرد وإغنائه بالذاتية الابداعية ، محاولاً دراسة جوانب الواقع ونقدها وتقويمها من زوايا متعددة قد تفضي إلى حلول أو وثائق تأريخية هامة . لذا فإن للسرود دوراً بارزاً وحساساً في الكشف عن المعالجات الانسانية للمجتمعات عبر تشخيص الخلل أو تقويمه .
كما أن قراءة الرواية أو القصة تفتح آفاق المعرفة بالاطلاع على خصوصيات المجتمعات ومقارنتها مع بعضها .
هذه مقدمة نسوقها لا لتحليل العمل الروائي ، ولا بصدد تحليل ومناقشة رواية كـ( حديقة الحيوان ) للروائي ( جورج أوريل ) ، إنما لمقارنة الصياغة السردية مع النمط السلوكي لتركيبة المجتمع وعلاقته برجال سياسة الدولة .
تتعرض الرواية افتراضاً إلى حياة وسلوكيات مجموعة من الحيوانات داخل غابة ترزح تحت وطأة ظلم الانسان وقهره ، ولنفاذ صبر الحيوانات قررت جميعها الانتفاضة ضد الانسان والتخلص منه وطرده خارج حدود غابتها ، لتباين الجنس وتباين البنية الحياتية بينهما .
وبعد أن استقر رأي الحيوانات على التخلص من الانسان أصدرت قانوناً( دستوراً ) ينظم حياتها في الحقوق والالتزامات والسلوكيات . قانوناً إلزامياً لجميع الحيوانات حتى الخنازير التي تبوأت السلطة الادارية العليا في الغابة باختيار الجميع ، فالخنازير ملزمة باحترام القوانين كبقية الحيوانات ومماثلتها في الهيكلية الحياتية .
كُتب القانون على لائحة علقت في الغابة ، تنص بنوده ( إن ذوات الاربع تنام على الارض فقط ، وتنام مبكراً لتستيقظ مبكراً ، ولا تجلس على المقاعد ، ولا تحتسي الخمر ، وأن يحرم التعامل مع بني البشر ) .
فوجئت الحيوانات في إحدى الليالي بصياح يصدر من حظيرة الخنازير وعند تقصي الامر وجد أن الخنازير تتراقص بنشوة الخمر . توجهت الحيوانات حينها صوب لائحة الدستور فوجدتها محورةً إلى غير ما كانت عليه . فإن ذوات الاربع تنام على الارض ما عدا الخنازير ، وأن تنام مبكراً وتستيقظ مبكراً ما عدا الخنازير ، ولا تجلس على المقاعد ما عدا الخنازير ، ,ان لا تحتسي الخمر ما عدا الخنازير .
وبمرور الايام ألغيت الفقرة التي تحرم التعامل مع الانسان باستئناف الخنازير علاقتها مع الانسان للمتاجرة وتزويدها بالخمور . كما فوجئت الحيوانات أن الخنازير هيأت الكلاب لحراستها أثناء النوم أو الخروج إلى الغابة .
( ولنقل الصورة المقروءة للرواية إلى مرئية حولت فيلماً كارتونياً ، ولشد ما أثارني تجسيد الكلاب لمهمتها في الحراسة ، تجسيدأً حياً يشابه كلاب حراسة الطغاة ) في الترقب والحذر والالتفات إلى جميع الجهات خوفاً على أسيادها الخنازير من حيوانات الغابة .
استمرت تجاوزات الخنازير وكلاب الحراسة للقانون بحال أفقد الحيوانات الضعيفة صبرها ، فاستجمعت ما تبقى من قوتها وانتفضت ضد الخنازير وحرسها. تناثرت من بعدها الخنازير والكلاب هاربةً – ما اشبه هروبها بهروب الطاغية ورفاقه وكلاب حراسته .
أطمح أن تكتمل الرؤية بقراءة الرواية أو مشاهدة الفيلم الكارتوني .
وإذ احاول إلقاء الضوء على الصياغة السردية للرواية ومقارنتها مع النمط السلوكي للمجتمع وعلاقته برجال سياسة الدولة فيما يتعلق بآلية تطبيق الدستور بوصفه قمة الهرم في القوانين الوضعية ، واحترامه إلزام أخلاقي ومبدئي للمجتمع برمته دون أية فوارق علمية أو طبقية أو عقائدية . فلا دستور لدولة يغير بموت رئيسها عطفاً على الابن ليخلفه كي يجيز عمره الصغير لرئاسة الدولة ، ولا دستور لدولة قانونها مطاط بين يدي رئيسها لصلاحياته غير المتناهية .
فالدستور لا يحابي الصغير أو الكبير ، ولا يفرق الاسكافي من الوزير ، لإنه قمة والمجتمع قاعدة ، والخطوط من قمة الهرم متساوية الاطوال إلى القاعدة ، وشعاع قمة الهرم يفيض بالتساوي إلى قاعدته . كما أن الدستور أعمى تجاه الطوائف والاعراق والنَسب والتوجه السياسي ، يراه المستقل قريباً منه كما يراه الليبرالي أو اليساري أو الإسلامي أو المعارض .
هذا هو الدستور بالمفهوم المدني تتحمل صياغته النخب المعتدلة ذوات التخصص والكفاءة ، يشاركها المجتمع في مناقشته والمصادقة عليه فينال شرف المساهمة في صياغته ليتأسس منه أنتماؤه له واحترامه وتقديسه .
وحينما يصادق المجتمع على الدستور وكيفية صياغته بديمقراطية ، فهو بالضرورة يرفض تحويره تحت أية ضغوطات شخصية أو إيديولوجية .
لقد غيرت الخنازير دستور حديقة الحيوان كما تلاعبت خنازير البشر بدستور حديقة الانسان . وإذا كانت نسبة الانتخابات الديمقراطية ( 50 % ) أهلت الخنازير لتعبث في المقدرات والمصائر وتلجأ إلى سياسة الترغيب والترهيب والسياسة الجوفاء ( أنا القوي ذو الهيبة وعليكم احترامي ) فليس لنا معارضة لديمقراطية ( 99,99 % ) التي لاتجيز ترشيح سوى الخنزير سنوبل ( بطل الرواية ).
فكما حديقة الحيوان انتفضت ضد سنوبل وكلابه ، فإن مصير خنازير البشر لن يكون بأفضل حال من سنوبل .







الجهاز الأمني خيار بين سلوكين
ثمة قطيعة مابين المجتمع العراقي الطيب وبين رجال الأمن تعود إلى العقدين الأخيرين وما نتج عنهما من إرتكابات وضغوطات مارسها الجهاز الأمني المتعدد الأسماء والأشكال بحق المجتمع .
جهاز الأمن والأمن الخاص والمخابرات والاستخبارات والحرس الجمهوري وقوات الطوارئ والقوة الضاربة لما يسمى بالجيش الشعبي وأشبال وفتيان وفدائيو صدام وغيرها ، والقائمة تطول حتى تصل إلى الجار البعثي والرفيق الصفيق وهو يُودي بجاره الذي ( يصلي ) إلى المقصلة عبر ورقة بيضاء يلوثها بقذارته .
حلقات تفرط عقدها بين ليلة وضحاها ، لاناصر ولامعين . هرب البطل الأوحد والأسد المغوار وترك عرينه للمحتل ، هربت أقزامه ومن كانت تلوذ به ، هرب الضابط وهرب الجندي والشرطي حتى الدفاع المدني والمرور .كلهم هربوا وقد تركهم الشعب الجريح لمحنتهم يلوذون بعباءات نسائهم السوداء .
قطيعة أدت إلى هروبهم جميعاً تهيكلت بسببها القوى الأمنية الصارمة لخشيتها من رد الفعل الجماهيري تجاه ما اقترفته أياديهم الملوثة بدماء العراقيين .
هربوا مرتين ، الأولى في الانتفاضة الشعبانية المباركة بعد طردهم من الكويت ( منتصرين )، والثانية في الثورة الجماهيرية وقد تركتهم الجماهير المضطَهدة لمصيرهم الأسود في حرب حرية العراق . أراها ثورة جماهيرية لأن الشعب الحر لايرتضي للغرباء بتدنيس أرضه حتى يفنى برمته ، إلا أن الشعب آثر السكوت فتفرج على سقوط الدكتاتور وصنمه بفرحة تشوبها غصة الاحتلال.
وما أن عادت الحياة الطبيعية إلى العراقيين ظهر شرطي المرور بخجل وضعف أمام المجتمع لإحساسه بقسوته التي يستمدها من جبروت السلطة فكان قرين لشرطي البعث وشرطي صدام بعلم أو دونه ، إذ كان سوط المرتزقة على ظهر الشعب المحروم ، مع إن المرور في كل أنحاء العالم يعد سلطة تنظيمية لا حزبية إلا في عراق الدكتاتور ، وواجبات الدفاع المدني حماية المواطن إلا في عراق البعث فقد انزوت هذه الهياكل كما هي جميع مؤسسات التنظيم الحياتي إلى مدارك البعثية في السلوك وإن لم تكن بعثية الإنتماء ، فقد كان سلوكها الشائن تجاه العراقيين وجهاً آخراً من أوجه الطاغية مع تنافر بعضها وسلوكيات البعث المشبوهة فكانت تتعكز في خشيتها من البعثيين الرفاق ( يا لها كلمة يشمئز منها العراقيون ) .
ورغم خجل شرطي المرور من المجتمع وخوف الشرطي المحلي إلا أن المجتمع أستقبل تواجدهم بفرحة أنسته إرتكابات الهياكل الصدامية البغيضة وتغاضت عن بعض مَن كان يمارس دوراً بديلاً عن صدام وأزلامه ، إلا أن السلوك المريب الذي تمارسه الآن بعض عناصر الشرطة أو الحرس الوطني أو غيرها من المسميات الجديدة دون أن تتعض من الماضي القريب وترى ما حل بهذه الهياكل بعد سقوط الصنم ليس إلا غباء مع إن هذه العناصر الجديدة كانت مضطهدة أو تدعي الاضطهاد والحرمان في عهد الطاغية وما نراه من تفشي الرشوة والمحاباة والسرقة والتجاوز على حقوق المجتمع في كل مناحي الحياة يدمي القلب ، تجاوز في الشارع وفي محطة تعبئة الوقود وتجاوز في السير، ومناصرة المعتدي والسارق والتكالب على البسطاء والفقراء وغيرها ، إنها تجاوزات لاحد لها وقد تزايدت عما كانت في السابق . وكأن البلد عرضة للنهب والسلب لمن كان أقوى على فرض إنهم الأقوى . وتناسوا جبروت أزلام الطاغية وما حلَ بهم ، فآثر البعض السلوك الأعوج للمصلحة والأنانية والربح الآني الذي يفقدهم انتماءهم ، وبه يتهاوى وطنهم ، وأذكرهم بقول أثير لمواطن أحس بوطنيته .
" وطن بيه عوجه وحده وما كدرنه عليه من ينعوج كله شلون يتعدل "








إتحاد الطلبة وخيارات المسؤولية
لاريب أن الخراب الذي خلفه العفالقة لايخفى عن أحد ، ولعل أقسى عذابات العراقيين من أولئك القتلة تمثلت في تخريب النفوس ونزع الانتماء للوطن والتربة ، وقد ألقى كل ذلك بظلاله على المستوى العلمي والثقافي والاجتماعي ، كما لايخفى عن أحد أن البعثيين قد أسسوا شبكة أخطبوطية من أجهزة الأمن تغلغلت في نسيج المجتمع وأرهبته ، وإحدى هذه الأذرع الأخطبوطية ( الإتحاد الوطني لطلبة العراق ) ودوره الأسود في حلحلة المستوى العلمي وتهميشه عبر وسائل عدة ، فأعضاء الإتحاد المقبور هم متسيبون وأغبياء حد العظم وناجحون بامتياز !!! .
وقد حُصرت الدراسات العليا بهؤلاء الأغبياء فنالوا الماجستير والدكتوراه ومعظمهم لم يكتب حرفاً واحداً . ولا أظن أساتذة الجامعات غافلين عن هذه الحقيقة المرة .
الأمر الذي أود طرحه غاية في الخطورة والأهمية من خلال ملاحظاتي كتدريسي وسماعي من التدريسيين الآخرين في الجامعة أن ممارسات بعض أعضاء اتحاد الطلبة الجديد لاسيما بعض رؤساء الاتحادات في الكليات يمارسون ذات الممارسات القديمة كالتسيب والغياب وعدم الانضباط وتسخيف الدروس العلمية وممارسة القيادة الغبية للطلبة والتكتل في مناهضة العلم وأساتذته بحجج الاجتماعات والمسؤوليات المزعومة . لذا أدعو اتحاد الطلبة والطلبة المخلصين المؤمنين بقضية بلدهم بعدم التهاون مع هؤلاء . فكما سرق أولئك جهودنا وحقوقنا وامتيازاتنا وأعمارنا سيسرق هؤلاء جهودكم وحقوقكم وامتيازاتكم وأعماركم . وبالنتيجة سيكون اتحاد الطلبة نسخة مشوهة أرادها بعض الأقزام بقصد أو دون قصد أن تخدم ذواتهم المريضة ، لذا يفترض بأعضاء الإتحاد الملتزمين التصدي للباطل الذي يحاول تلويث سمعة إتحادهم ، والوقوف بوجه مَن يحاول سرقة شريحة الطلبة ، ومقاضاة التدريسيين غير الملتزمين بإعطاء الحصة العلمية كما يجب ، وإيصال تسيب التدريسي إن وجد إلى أعلى مستويات المسؤولية . و يفترض بأساتذة الجامعة عدم ممارسة الدور ذاته قبل سقوط الدكتاتورية والرضوخ لأهواء بعض أعضاء الإتحاد الجديد كما كان سابقاً ، وعليهم محاسبة المقصرين منهم إحقاقاً لأقرانهم الطلبة ، فعلى الجميع أن يضعوا نصب أعينهم أن الجامعة ليست ملكاً لأحد ، إنما هي ملك المجتمع برمته جيل بعد جيل ، فالتهاون والرضوخ يعني مشاركة السارق لحقوق الآخرين . فهل ترتضي لنفسك أيها الإتحاد الوليد من رحم القهر والطغيان أن تكون ملاذاً آمناً للمتسيبين والمتسكعين . وهل ترتضي أيها الأستاذ المحترم أن تعود إلى فترة الذل والاستلاب …؟ ؟ ؟ . لا أظن ذلك .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق