الأربعاء، 2 يونيو 2010

جمالية الشكل في الألواح النذرية السومرية " دراسة تحليلية "

ملخص البحث
الشكل عنصر من العناصر البنائية التي تؤطر العمل الفني لاسيما التشكيلي بقابليته على إضفاء الجمال مع البعد الفلسفي والفكري بمعية العناصر الأخرى المتوافقة بطريقة يفترضها الفنان المنتج للعمل الفني ، والفنان حينما يتوصل إلى تجسيد الشكل تقنية ً ومعنىً فهو بالضرورة يبث قابلية التعامل الوجداني مع العمل على أساس أن للشكل قدرة في إيحاء وتأمل المتلقي للفهم الذاتي والجمعي ، ولأن المفهوم ظهر متأخراً عدت الدراسات التي تبنت المنجز القديم في تعالق فلسفي ومضموني مع الشكل ، من هنا حاول الباحثان مقاربة المفهوم مع المنجز السومري وبالخصوص الألواح النذرية السومرية التي تعد منجزاً ظهر في الفترة ( بداية عصر فجر السلالات السومرية الأول حتى أواخر عصر فجر السلالات الثالث 3000 _ 2370 ق . م ) لغايات وظيفية أنجزها الفنان العراقي القديم كنوع من تجاوز الزمن واستشفاف المستقبل جمالياً وعقائدياً . والألواح النذرية قطع حجرية هندسية بعضها مهذبة الحدود الخارجية ، وهي أما مربعة الشكل أو مستطيلة مثقوبة في الوسط بثقب دائري أو مربع لغرض تثبيتها أو تعليقها على جدران المعابد أو القصور ، وهي تمثل البواكير الأولى لفن الإعلان ، مضامين الألواح احتفالية الزواج المقدس التي تقام سنوياً لتنشيط مظاهر الطبيعة . تأسس البحث من فصول أربعة ، الأول ( الإطار العام للبحث ) وتضمن مشكلة البحث والحاجة إليه وأهمية البحث وهدفه ثم حدود البحث وتحديد المصطلحات . وتكون الفصل الثاني (الإطار النظري ) من مبحثين ، الأول . مفهوم الشكل في النظريات الفلسفية . والمبحث الثاني . الشكل وجماليته في العمل الفني . أما الفصل الثالث ( إجراءات البحث ) وتضمن المنهج المستخدم وأداة البحث ومجتمع البحث وعينته ومن ثم تحليل العينة وهي ستة ألواح نذرية . وفي الفصل الرابع ( النتائج والاستنتاجات ) وكانت النتائج كالآتي :
1ـ يرى الباحثان أمران مهمان وهما أن الألواح إن كانت قد نفذت بيد فنان واحد فذلك يعني امتلاكه وعياً إبداعياً تجاوز حدود الأسلوبية بوصفها مصطلحاً معاصراً لتنوع مضامين الألواح وتنوع الأساليب التقنية فضلاً عن استخدام التنوع الشكلي لاسيما البناء الجمالي التكويني ، أما الأمر الثاني فهو تعدد الفنانين وذلك يعني أن هناك نضجاً جمعياً للقيم الجمالية والفكرية يكتنفها المجتمع السومري .
2ـ إن الشكل بوصفه عنصراً بنائياً يعد أساساً في الألواح النذرية مما يضفي طابعاً جمالياً يفيض قيمة فكرية كامنة .
3ـ يفترض الفنان العراقي القديم في الألواح النذرية بعداً فلسفياً يعد محركاً للقيم المرجعية الطقوسية مما يبث نصاً درامياً يشكله البناء الجمالي التكويني للأشكال في اللوح النذري .
4ـ رغم التصوير الواقعي للأشخاص ( الإله ، الملك ، الرعية ) ، إلا أن هذا التصوير لم يكن لغاية النقل الحرفي المحاكاتي ، بل يكتنز داخل هذه الشخصيات بعداً فكرياً يؤطر الواقع الاجتماعي والسياسي للمرحلة .
5ـ إن الثقوب التي تتوسط الألواح يراها الباحثان لا للتعليق أو لبث الإعلان حصراً ، إنما تؤكد على سيادة الشكل الهندسي وتضايفه مع الأشكال الأخرى ( الشخوص والكتابة والزخارف ) وهي بمجملها تتضايف مع العمارة أو المعابد .
6ـ يعد اللوح النذري مرحلة مهمة في التاريخ السومري وبالخصوص تاريخ التشكيل في سومر ، وهو انجاز إبداعي متميز يمثل الحقيقة الصورية ، وان الفنان لم يحاك الطبيعة ويستنسخها بل استنطق القيمة الفكرية والجمالية للواقع .
7ـ تبث الألواح النذرية أنظمة متعالقة بشكل يمكن تأملها وقراءتها وتأويلها بأكثر من اتجاه ، منها النظام البنائي وقابلية الإيحاء الجمالي للشكل بفعل العلاقات بين السطوح والأشكال والتأكيد على الخط الخارجي ( التحديد ) ليؤكد على أسس الرسم على الحجر أو الطين ، فضلاً عن التوهج التعبيري والسردي للعمل الفني الذي منه يجعل الشكل إشعاعاً جمالياً .
وقد استنتج الباحثان أن تدارس وتحليل الإبداع الإنساني لاسيما الإبداع السومري بكل تمرحلاته الزمنية والمكانية يفترض الركون إلى الأسس المرجعية العقائدية والسياسية والاجتماعية والسلوكية ، وعلاقة هذه المرجعيات فيما بينها ، لأن الأثر الناتج يمثل صورة للمنظومة الثقافية الواعية في سومر ، وهو بذلك منفذاً للثقافة العراقية القديمة وفلسفتها الجمالية والفكرية ، وإن التحليل الشكلي للأثر السومري وما يؤولا إليه يمكن توافقه على منهج متقارب ، إن لم يكن منهجاً واحدا ً، فالرؤية الشكلية تفترض العمل الفني إغراقه في مخابئ الصورة المنظورة دون النظر إلى الهيئة الخارجية المحيطية للصورة ، وإن المضمون لم يعد إحساساً ظاهرياً إنما تقصياً لذات المنجز الفكرية عبر التقنية التعبيرية للأشكال ، لذا افترضت قصدية الفنان في منجزه الآيلة إلى تحطيم الصورة الطبيعية ( الأيقونية ) لتوسيع حركة انفتاح العلامة الكامنة في بنية العلاقة بين الشكل الظاهر ( الدال ) والمضمون الكامن ( المدلول ) فسعى إلى إزاحة الشكل الطبيعي المرئي إلى مخابئه الجوهرية وصولاً لعدم محدودية الدلالة ، وهو تسامي في الطرح والإبداع لما هو فوق الواقع لكشف الصيغة الحقيقية ، فكان التباين في زوايا النظر وإلغاء المنظور . كما اقترح الباحثان وأوصيا وختما بحثهما بثبت المصادر حسب ورودها في المتن .




الفصل الأول
الإطار العام للبحث
مشكلة البحث والحاجة إليه : يحظى الشكل في الفنون التشكيلية بأهمية خاصة لأنه يضفي جمالاً مضافاَ إلى العمل الفني ، إلى جانب بثه للبعد الفلسفي والفكري بوصفه يدعّم وسيلة الاتصال التي تنقل الأفكار والغايات إلى المتلقي وهذه الصورة القصدية كانت تصاغ في الفنون القديمة بأسلوب خاص وفق مفهوم سيسيولوجي ونفسي غالباً ما كانت تؤدي الغرض الوظيفي المراد إيصاله " الهدف الأول للمصور هو تحويل عناصر الشكل والمكان والإيقاع واللون وغيرها من المكونات إلى تعبير متماسك ومتناسق يضمن الفنان من خلاله رسالة توضحها مادته ، وقد تمثل شيئا ، أو توحي به أو ترمز إليه ( م 1 ، ص 14 ) .
وقد وعى الفنان السومري هذه الحاجة منذ البدء ، فأخذ يؤسس مفاهيمه الخاصة في بناء الشكل وصياغة مفردات تلك العناصر بحيث يُؤسَس الشكل بحدود عناصره وبنيته التركيبية )الرسالة البصرية( المقصودة للتأثير في وعي المتلقي وإحالة تلك الشفرة إلى مفهوم نفسي وسيكولوجي عام في المجتمع ، وأن أساليب صياغته وتجسيد هذه الصورة الفنية في الفنون السومرية اتخذت أسس وقواعد تحدد بنائية التكوين الفني بالنسبة لصانع العمل ولذلك نجدها أنتجت على وفق مفاهيم جمالية من خلال تكوين الهيئة الخارجية ، وما هذا البحث إلا محاولة للكشف والتعريف بهذه الجماليات وأسس تكوينها .
إن الشكل يعد من العناصر البنائية الجمالية التي يفرض وجوده نظاماً يحفز الذات الواعية على استنطاق وقراءة القيم الجمالية في العمل الفني فضلاً عن إمكانيته تحويل علاقة التلقي إلى كيان مادي وشعوري في اللحظة ذاتها لاسيما إذا كانت هذه العلاقة تبث جانباً من الوعي المتبادل مابين العمل الفني وبين المتلقي بوصفهما محور عملية الوعي والإبداع " إن للشكل ( form ) طاقة تأثيرية في الإفصاح عن ماهية المدركات الحسية البصرية في الفن والحياة معاً ، بوصفه تنظيماً شكلياً للعناصر البنائية المؤسسة لداخلية العمل الأدبي أو الفني على السواء " ( م 2 ، ص 35 ) .
وتأسيساً على ماسبق فان للشكل كيان مؤثر وسيادة كاملة في كل عمل فني يسعى الفنان إلى إظهاره لجملة غايات منها البث الجمالي والقيمة المضمونية الفكرية ، وقد تجسد هذا المفهوم لاشعورياً في العمل الفني حتى ولدت النظرية الشكلية مع بواكير المدارس الفنية المعاصرة في نهايات القرن التاسع عشر، لذا تولدت مشكلة البحث على ضوء التساؤل الآتي . كيف تجسدت القيم الجمالية للشكل في العمل الفني العراقي القديم لاسيما الألواح النذرية السومرية ؟
أهمية البحث : على وفق التعالق الفلسفي بين العمل الفني وجمالية الشكل يرى الباحثان أن البحث يمثل نافذة لتسليط الضوء على هذا الاتصال من خلال دراسة مفهوم الشكل وجماليته بوصفه مفهوماً فلسفياً عُنُي به كمصطلح في بواكير الفلسفة اليونانية ومازال يعنى به إلى جانب ذلك يعد الشكل عنصراً مؤثراً في البناء الجمالي التكويني للعمل الفني التشكيلي ، لذا تكمن أهمية البحث من قياس المصطلح رغم عصرنته في عمل فني يعود إلى الألف الثالث قبل الميلاد .
هدف البحث : يسعى الباحثان إلى دراسة جمالية الشكل في الألواح النذرية السومرية ـ دراسة تحليلية ـ
تحديد المصطلحات :
الجمالية
لغـةً : الجمال " و( الجمال ) الحسن وقد ( جمل ) الرجل بالضم ( جمالاً ) فهو ( جميل ) والمرأة ( جميلة ) و ( جملاء ) أيضاً بالفتح والمد " (م 3 ، ص 111 ) .
" الجمال ( علم ) في الانكليزية (Aesthetics ) وفي اليونانية ( Aisthètikos ) ، علم الجمال علم يبحث في شروط الجمال ، ومقاييسه ، ونظرياته ، وفي الذوق الفني ، وفي أحكام القيم المتعلقة بالآثار الفنية ، وهو باب من الفلسفة ... والجمالي ( Esthètique, adj. ) هو المنسوب إلى الجمال ، تقول الشعور الجمالي ، والحكم الجمالي ، والنشاط الجمالي ... ) ( م 4 ، ص 408 ـ 409 ) .
اصطلاحاً : الجمالية ، الجمال عند هربرت ريد " الجمال هو وحدة للعلاقات الشكلية بين الأشياء التي تدركها حواسنا " (م 5 ،ص 37 ) .
الشكل
لغـةً : الشكل " ش ك ل ـ ( الشكل ) بالفتح المثل والجمع ( أشكال ) و ( شكول ) ... وقوله تعالى " قل كل يعمل على شاكلته " أي على جديلته وطريقته وجهته .... و( ألمشاكلة ) الموافقة و ( التشاكل ) مثله (م 6 ، ص 344 ـ 345 ) .
اصطلاحاً: الشكل عند جون ديوي بأنه " عملية تنظيم للعناصر المكونة أو الأجزاء المركبة " ( م 7 ، ص 193 ) .
وعرفه أرنست فيشر إن " مانسميه شكلاً إنما هو تجميع للمادة بطريقة معينة ، ترتيب معين لها ، حالة نسبية من حالات استقرارها " ( م 8 ، ص 164 ) .
ألألواح النذرية : " قطع حجرية هندسية بعضها مهذبة الحدود الخارجية ، وهي أما مربعة الشكل أو مستطيلة مثقوبة في الوسط بثقب دائري أو مربع لغرض تثبيتها أو تعليقها على جدران المعابد أو القصور ، وهي تمثل البواكير الأولى لفن الإعلان ، مضامين الألواح احتفالية الزواج المقدس التي تقام سنوياً لتنشيط مظاهر الطبيعة ، شخوصها بمثابة رموز تؤدي ممارسات طقوسية بوصفها نشاطاً اجتماعياً " ( م 9 ، ص 140 ) .





الفصل الثاني
الإطار النظري
المبحث الأول : مفهوم الشكل في النظريات الفلسفية
للشكل وجماليته مكان مؤثر في الفكر الفلسفي منذ أن وجدت الفلسفة وأصبح علم الجمال أحد أقطابها الثلاثة ، وربما عدت الفلسفة اليونانية الرائدة في دراسة الشكل منذ أفلاطون ( 427 – 347 ق . م ) الذي صور الفن بمثابة محاكاة للصورة الطبيعية الواقعية وأن الشكل المجرد هو ما دعا إليه كتقسيم أولي وتبعه بالشكل الحقيقي ثم القسم الثالث وأسماه بالشكل الحاكي ، إجمالاً ميز افلاطون بين الشكل النسبي والمطلق فالنسبي هو ما كانت نسبته وجماله موروثة في طبيعة الأشياء وطبيعة الصورة المقلدة ( محاكاة ) ، أما المطلق فهو يراه الصورة أو التجريد الذي يتكون من الأشكال الهندسية ( الخطوط والمساحات والكتل ) ( م 10 ، ص 75 ) ، بينما يراه أرسطو ( 384 – 322 ق . م ) إن الفن وبالخصوص الشكل هو غير ما كان ظاهراً في الواقع ، بل انه يبث ما يكتنز من معنى وهو التركيب الملموس القابل للإحساس الخاص بشيء ما بمعنى أنها محاكاة لجوهر الأشياء بغية اكتمالها ( م 11 ، ص 243 )
وخلاصة فقد اعتبر الفلاسفة اليونانيون " إن الشكل يستحيل إلى أقصى غايات الجمال عندما يبتعد عن تصوير الموجودات و يبقى شكلاً هندسياً مجرداً ، اذ يرى سقراط أن الأشكال الهندسية هي أشكال جميلة دائماً وبالطبيعة وعلى وجه الإطلاق ، إما أفلاطون فيرى أن ما يجعل الشيء جميل هو الشكل وليس المضمون " (م 12 ، ص8 ) .
ويبقى رأي جيروم ستولينتز مهماً في تبنيه لمعنى الشكل فيحدد بذلك وظائفه بجلاء فيجملها بأن " الشكل يضبط إدراك المشاهد ويرشده ، ويوجه انتباهه في اتجاه معين بحيث يكون العمل واضحاً ومفهوماً وموحداً في نظره ، وأنه يرتب عناصر العمل على نحو من شأنه إبراز قيمتها الحسية والتعبيرية ، وإن التنظيم الشكلي له في ذاته قيمة جمالية كاملة " ( م 13ص 353 ) .
وتحدَدَ رأي سوزان لانكر للشكل بصفتها جمالية معاصرة من اهتمامها الأساس بالصورة الفنية Artistic Image ) ) لأنها ترى الفن شكلاً أو صورةً مهمته التعبير عن القيم الوجدانية ، وأن الفهم الوجداني للفن يتطلب انزياحاً نحو التجريد الملتصق فهمه أساساً على الرمز ، والعكس صحيح ، لذا فالتعبير عن الحقيقة تقتضي التجريد من الحقيقة ذاتها في قابليته التعبير عن القيم الوجدانية بصيغة إبداع معبر وهو خلاصة رأيها في الفن ( م 14 ، ص 41 ) .
أما موقف الجماليين الشكلانيين في دفاعهم عن الفن الأوروبي أوائل القرن العشرين ابتداءاً من الانطباعية التي حجمت التقاليد الفنية السابقة وثارت عليها ، وذلك لأن هؤلاء الفنانين قللوا من قدسية المحاكاة للموضوع الواقعي وأكدوا على التصميم الشكلي وتركز اهتمامهم على إظهار مكامن الشيء الذي يرسمونه لا على ما يمثله ، ولقد تبنى كل من ( كلايف بل Clive Bell و روجر فراي Roger Fry ( أهم الشكلانيين الانكليز موقفاً مضاداً لمبدأ المحاكاة في التصوير أنها تفتقر إلى التجربة الجمالية ، واتخذوا موقفاً داعماً للفن الحديث في أوروبا وقد حددا إن تعالق عناصر الفن فيما بينها يؤدي إلى عمل فني متكامل وصفوه بالشكل المعبر أو بالشكل ذي الدلالة ( significant form ) الذي يبث التجربة من خلال العلاقة الشكلية في إثارتها الانفعال الجمالي للمتلقي المنزه عن الغرض النفعي ، ولإدراك الشكل لابد من الإحساس بالشكل واللون والخط فكرة وامتزاج الخط بطريقة تحفز عواطفنا الجمالية وهي الخصيصة الوحيدة المشتركة في الفنون البصرية كافة (م 15 . ص 204 ) .
في حين ترى النظرية الشكلية إن الفن منفصل عن الأفعال والموضوعات التي تتألف منها التجربة المعتادة ، لأن الفن كيان قائم بذاته وإن أشكاله لاتمثل الطبيعة من قريب أو بعيد ن لكن تنظيم هذه الأشكال يوحي بالمعاني وهذا ما تجسد بالفنون القريبة من التجريد أو التجريدية لذا توجه البناء الجمالي حيال البناء الشكلي الخالص (م 16 ، ص 49 ) .
والنظرية الجمالية الشكلية قد أعقبت الرؤية الإغريقية للفن على انه محاكاة وطرح يوافق الطبيعة والواقع مع الفوارق الذاتية بين فلاسفة الإغريق ورؤيتهم لنظرية المحاكاة بين التمثيل المباشر الحرفي واقتران الشكل الطبيعي وبين السمو به فوق ماهو متصور فيه ، وهذه مقارنة أنتجت رأيين متقاربين مابين افلاطون وأرسطو مع الفارق السابق ، لذا جاءت النظرية الشكلية تلاحقها لتُشكِل عليها وتفندها وتمثل رد فعل للتطور الحاصل في المجتمع والفنون وتزيحها من أماكنها تنفيذاً بيد الفنان وتأويلاً من قبل المتلقي ، فعمدت إلى تفعيل الرؤية الجديدة للفن ، وقد تزامن هذا الطرح مع انبثاق موجة الانطباعيين الجمالية ورؤيتهم الفلسفية للفن والعمل الفني ، فحرروا ذواتهم من القيود الصارمة رغم المعارضة الشديدة والإقصاء من قبل منظري وفناني السلوك السائد آنذاك لذا أهملوا المضمون السردي والأسطوري المتعارف عليه ، واتجهوا حيال الشكل والتنظيم الجديد لبنية العمل الفني ، وما تولد من فلسفات جمالية دعت إلى نخبوية الفن والى عزوفه عن الطرح والتلقي الساذج توافقاً مع الفلسفات التي ظهرت في الربع الأخير من القرن التاسع عشر وبواكير القرن العشرين وبالخصوص مبدأ تحليل الفن لأجل الفن بعيداً عن الغرض النفعي والوظيفي ، وعلى وفق ما تقدم ترى النظرية الشكلية إن الفن ينافي النقل الحرفي ومحاكاة الواقع لقابليته على استشفاف الواقع وقراءته وتصويره بطريقة ليست عشوائية إنما يبحث في دقائق ومكنونات الواقع ليقدم لنا صورة ذات قيمة جمالية بعيدة عن الغرض النفعي ، وهذا الفهم توضح عند الفيلسوف الجمالي ( عمانوئيل كانت ) الذي يعد " الشكل هو العنصر الأساس في بعث الجمال في العمل الفني وان البناء الشكلي تمثل أهم المرتكزات التنظيرية التي يستمدها النقد الحديث " ( م 17 ، ص 37 ) .
أن المضمون يبقى هامشياً ما لم يكن للشكل دلالة ، كما دعا إليها الشكلانيون أو صورة رمزية عند ( سوزان لانكر ) أو علامة أو إشارة كما في الدراسات السيميائية ، لذا فإن سلطة الشكل تمحورت في الخطاب الجمالي مابين الظهور بقوة أو الخفوت حد الإهمال . مؤكدين على وجوده وتبادله الأدوار مع المضمون أو مشاكلته الواقع .

المبحث الثاني : الشكل وجماليته في العمل الفني
يعد الشكل من العناصر الجمالية للتكوين ذا أهمية بالغة لما له من تأثير مباشر على بث الجمال في العمل الفني وإحالته إلى قيمة تعبيرية يجد فيها الفنان ضالته في الولوج إلى أكثر من عالم كامن في المنظومة الجمالية منها القيمة التعبيرية والرؤية الفكرية التي يبثها المنجز ، فضلاً عن تأكيده واستشرافه للمنظومات البصرية والمدركات الحسية ، هذه القابلية البصرية قد تشترك فيها معظم عناصر العمل الفني بيد إنها تختص بعمق في قابلية الشكل عن الإيحاء والإفصاح عن ماهية العمل الفني ، لذا يعد الشكل بمثابة الإطار الجامع لكل العناصر الداخلة في تفاصيل العمل الفني ولابد لهذه العناصر أن تلتقي ضمن منظومة علاقات تبث معنىً يوحي به الشكل ، وبالضرورة الحتمية تبقى الأعمال الفنية الخالدة تعبر عن خصوصيتها من خلال الأشكال التي تتوحد لتخلق شكلاً يثير حواسنا ويمتعنا جمالياً عبر اشتراك وتوحد كل العناصر ودراستها مجزأةً ومن ثم قابلية ارتباطها مع بعضها (م 18 ، ص 63 ) .
فمن خلال تعريف ( هربرت ريد ) فلم يفرق بين الشكل وبين الهيئة التي تجسد العمل الفني ، فهو يرى أن البناء المعماري والعمل التشكيلي والمنجز الأدبي والموسيقي جميعها لها شكلاً معيناً وهو يمثل الهيئة التي يتخذها العمل الفني (19 . ص 11 ) ، بينما يفرق ( أرنهايم ) بين الشكل ( Form ) وبين الهيئة Shape) ) التي يصفها بأنها الجوانب المكانية التي تؤطر المظهر الخارجي للأشياء ، وان الهيئة هي شكل لمحتوى ما ، مع إن المحتوى أو المضمون ليس بالضرورة أن يكون مادة الموضوع أو خامته ( م 20 . ص243 ) .
الشكل Form ) ) هو أحد العناصر التي يشترط ترتيبها لتحقيق الغاية الجمالية ، وإن رؤية الفنان في تبنيه لهذه العناصر وهي ما تعطي للعمل صورته النهائية لكن هذه العناصر مترابطة ومتعالقة بشكل كبير ، وبالخصوص فإن الشكل لايمكن توضيح بنيته ما لم يمكن الإحساس بالفضاء Space لاسيما في العمل النحتي ، على الرغم من أن الفضاء يتحدد بجلاء في وجود العمل النحتي المجسم أو بوجود الشكل ذي الأبعاد الثلاثة ، وان هذه العلاقة مابين الشكل والفضاء لها دور أساسي في إضفاء النسق الجمالي ، فضلاً عن وجود عناصر أخرى يبلورها النحات للوصول إلى المنجز النحتي النهائي كالنسيج Texture) ) والمادة أو اللون في بعض الأعمال النحتية والخط الذي يعد جزءاً من عنصر الشكل ، وخلاصةً فإن العناصر التشكيلية بالنسبة للفنان هي وسائل مساعدة للوصول إلى المنجز النهائي ، وعملية انتقاء هذه العناصر ووضعها في بوتقة متمازجة يفضي بالعمل الفني إلى ابتعاده عن العشوائية مما يزيد من التجربة والاستجابة الجماليتين (م 21 ، ص 86 _ 95 )
ومع نهاية القرن التاسع عشر أصبح العمل الفني ينحو خارج نسق المحيط والجنوح إلى مشاكسة المتلقي فأصبح الشكل بمثابة الإشكالية الأهم ظهوراً في الفن ، فلم يعد محاكاة لما تراه العين الباصرة ، وعليه لم يعد الشكل حينها عنصراً وصفياً ، بل قيمة تعبيرية تنشّط قابلية التلقي في قراءة الدلالات وما تبث من معنى ، لذا تبوء الفن مكانة أهّلته في تنمية القابلية الثقافية والفلسفية للمجتمع " الفن وسيلة ومحاولة لإيصال الأفكار والخلجات الإنسانية " ( م 21 ، ص 33 ) ، ولأن الشكل منظومة جذب في البنى التكوينية الجمالية للعمل الفني فقد يغفل استيضاحه في بعض المنجزات الفنية لاسيما إذا كانت هيمنة الفنان على المادة والخامة ليست ذات تأثير واضح ، وبالتالي قد تخفت قابلية الشكل على الظهور بقوة فتقل قيمته في الخطاب البصري بفعل تناقص إمكانيات الفنان لأدواته الفنية التي تقلل من هيمنة المادة عنده . وعلى الإجمال فان الانزياح النسبي للاتجاه الواقعي لمنظومة الفن أهّلَ الاتجاه الشكلي للظهور كرد فعل للمتغيرات التي طرأت في المجتمع الغربي فلسفياً وعلمياً وسياسياً فتركز الاتجاه الشكلي بوصفه تأصيلاً لمنظومة الباعث الجمالي سمة النظرية الشكلية التي مهدت لظهور الفن المعاصر المحمول بالقيمة التعبيرية والجمالية ، فتحققت بذلك القدرة التعبيرية التي تمفصلت على الشكل بوصفه خط الشروع مابين القيم السائدة وماآل إليه التطور في الفن كإبداع تجاوز حدود المألوف ، فلم يعد حينها الشكل نظاماً أزاح التفصيلات الدقيقة أومحاكاة حصراً إنما تضمن العمل الفني علاقات مترابطة من الكتل والألوان والخطوط أرست للموضوع أن يتجاوز حدوده باتجاه القيم التعبيرية بعيداً عن الصورة البصرية الحرفية ، فضلاً عن ذلك أن الاتجاه الشكلي في منظومة الفن لاتعني بالضرورة تحطيم الصورة الأيقونية في العمل الفني بالكامل ، إنما هو تأهيل للرؤية البصرية بوصفها خارجة عن منظومة النتاج الفني لسبر أغوار العمل الفني واستنطاقه وقراءته وتأويله على وفق النضج البصري والذهني لدى المتلقي
وبفعل الملكة الإبداعية عند ( سيزان ) فقد اتخذ الشكل لفظاً جمالياُ ومنه ظهرت تسمية النظرية الشكلية فقد خلق تجاوباً انطباعياً متيناً بين العلاقات المكانية الممتدة خلال السطح البصري إلى المتلقي فيشعر بالحركة والتوتر ، ونتيجة العلاقات الشكلية بين الكتل المصورة أخذت تؤلف جزءاً من معنى الشكل عند الفنان كخطوة من الإقلال من أهمية الموضوع والتخلي عن المحاكاة ، يشاطره النحات ( رودان ) في تعليقه عن الموضوع " إن امرأة أو جبلاً أو حصاناً تتساوى كلها في الأهمية بالنسبة إلى أغراض النحت "( م 22 ، ص 198 - 199 ) .





الفصل الثالث
إجراءات البحث
المنهج المستخدم : استخدم الباحثان المنهج الوصفي والتاريخي .
أداة البحث : الملاحظة هي الأداة الأكثر توافقاً مع البحث .
مجتمع البحث وعينته : بعد الاطلاع على العديد من المصادر التي تطرقت للفن العراقي القديم ولاسيما الفنون النحتية السومرية المدورة والبارزة والاستعانة بالصور ضمن تلك المصادر تمت ملاحظة ( 6 ) ستة ألواح نذرية فقدت أجزاء بعضها وقد تم اختيارها جميعها كعينة للبحث .
تحليل العينة .
اللوح ( 1 ) : تتمحور الأشكال في هذا اللوح على وفق مفاهيم قصدية وفلسفية ترتبط مباشرة بالمنتج الفني ، فقد استغل الفنان السومري الحاجة الوظيفية في تقسيم الناتج ليؤسس النتيجة الوظيفية والروحية له باعتباره الحد الفاصل بين الطبقتين المهمتين في ذلك الوقت ( الآلهة _ الملك ) واستغل الزاوية العليا من اللوح المربع غير المنتظم الأبعاد وقد وضع الدائرة في مركز المربع ( ويعتقد أن الثقب وضع لغاية وظيفية وهي التعليق وهذا ما قد يخالفه الباحثان لأن الفنان السومري ليس عاجزاً أن يصل إلى وسيلة لتعليق منجزه فيلجأ إلى ثقب منجزه في الوسط إن لم يكن له غاية أخرى يعزوها الباحثان إلى الفلسفة العقائدية السومرية حيال مركز الأشياء والكتل والكون التي تتحد فيها العناصر لمقصد عقائدي لاهوتي ، لذا أصبح الثقب جزءاً مكملاً للبناء الشكلي والجمالي .
وزعت الأشكال بأسلوب يبين الوظيفة القصدية لكل شخص على وفق الحجم والملمس فضلاً على المادة المستخدمة ، وان أسلوب التكرار بان بشكل ملموس كأحد خصائص التكوين الشكلي للفنون العراقية القديمة مما يهيئ إيقاعاً متواتراً ومتناسقاً وقد توضح ذلك في حركة أيدي المتعبدين وهم يضمونها إلى صدورهم كما يمتاز اللوح بمستويين الأعلى مستوى اللوح الأصلي والأسفل هو ما حذف من المادة بشكل بسيط وغير منتظم مما يظهر ويراه الباحثان انه كالرسم على الحجر أقرب منه إلى النحت البارز .
التوازن في اللوح ظهر في التقابل بين الشخوص الكبيرة الحجم لأنهما في وضعية جانبية ( الملك واقفاً والإله في جلسة وقورة متميزة بينما تظهر الشخوص الصغيرة في وضعية أمامية وهم متماثلي الوقفة . وإجمالاً تظهر الأشكال في حوارية سردية تختزل الموضوع العقائدي في شكل مبسط .


اللوح ( 2 ) : بأسلوب واع قسم الفنان السومري اللوح إلى أقسام ثلاثة متساوية تقريباً فوضع الثقب المربع في منتصف القسم الأوسط ، ورغم عدم اكتمال اللوح لفقدان أقل من الربع الأسفل في جزءه الأيسر، بني القسم الأعلى من شخوص آدمية فقط وهي تقدم القرابين إلى الإله بينما اشتركت الأشكال الحيوانية مع الأشكال الآدمية في الجزأين السفليين .
يمثل البناء الجمالي قيمة تجسدت في التكرار للشخوص وهم يمارسون بعض الأعمال العقائدية كتقديم القرابين والنذور إلى الآلهة بغية كسب رضاها ، والتكرار اسلوباً مارسه الفنان العراقي القديم واستطاع إنضاجه شكلاً وموضوعاً وخصوصاً في الأختام الاسطوانية ، ليوحي لنا بمنظومة درامية سردية لما يحصل في المعابد ، وبذلك تعد توثيقاً شكلياً وصورياً للحدث الاجتماعي في المعابد والقصور ، ويمثل اللوح التراتب الوجاهي للمتعبدين في مقابلتهم الملك أو الإله ، لذا وضعت الشخوص في القسم الأعلى دلالة لرفعتها بينما وضعت الشخوص الأخرى بجانب الحيوانات في القسمين السفليين بوصفهم من عامة الشعب والعمال والخدم .

اللوح ( 3 ) : مربع لم تهذب زواياه فظهر عدم التهذيب على الشكل العام للّوح فاقترب من الشكل الدائري بينما وضعت الدائرة المنتظمة الأبعاد في وسطه وليس لها إطار يحددها ، تحيطه الأشكال الآدمية وهى متوجهة بزاوية نظر نحو جهة اليمين وقد كتبت على اللوح كتابة بحروف مسمارية ملأت المساحات التي خلت من الشخوص ، وربما تبين وضعية الرعية ( الشخوص ذات الأحجام الصغيرة ) بمرتبتين يراهما الباحثان انه انتظار متراتب للقاء الإله ( ذو الحجم الكبير ) مما يوحي التنظيم السلوكي الاجتماعي ، وربما يغاير هذا اللوح بقية الألواح العينة انه لم يؤطّر بإطار خارجي ، وربما لأن القصد من تكوينه التوصل إلى الشكل الدائري مما توضحت هيئته الخارجية انه ذو مستويين لاغير .

اللوح ( 4 ) : يتكون اللوح من شخصيتين على جانبيه يتوسطهما إناءاً نذرياً يفيض عطاءاً ، يستند إلى أحد أضلاع المربع الذي يتوسط اللوح مما يهيئ للثقب المربع أن يكون جزءاً أساسياً شكلاً ومضموناً فيعزز رأينا إن الثقب لم يكن لغاية وظيفية حصراً كالتعليق ، إنما يتيح للمتلقي استنطاق البعد الميتافيزيقي خارج الرؤية البصرية الطبيعية المحاكاة ) .
حُدد المنجز بإطار يميزه عن الجزء الخارجي ، كما أُطر المربع الداخلي بإطار يهيئ للمتلقي رؤيتين في آن واحد الأولى تجسد حالة المنظار عند تصور المربع الصغير يندفع إلى العمق ، بينما تتجسد الحالة القدسية إذا تصورنا المربع يندفع إلى الأمام ( الأعلى ) فتتضح الزقورة لغاية طقوسية وهو افتراض يراه الباحثان يسندهما التصور الطقوسي والسمو إلى السماء لاسيما إن الألواح النذرية تعد إعلاناً للتقرب إلى الله وكسب رضاه ، أما التصور الثالث فهو أن اللوح يمثل حالة الزواج المقدس داخل المعابد وإيقاد النيران ومحاولة إسالة الماء لبث حالة السرور المقدس .
إن الجمالية التي يفترضها اللوح تكمن في تخطيه للتكثيف الصوري المحاكاتي للشكل وإمكانية قراءته وتأويله لمل سيؤول إليه الزواج المقدس ، مما يعد العمل الفني انجازاً أقرب للمعاصرة والحداثة التشكيلية لاسيما في العمل التكعيبي من خلال رؤية الشكل في أكثر من زاوية ، فضلاً عن التسطيح الناجم عن إغفال المنظور وإلغاء التشريح .
اللوح ( 5 ) : الصورة البصرية للوح مكونة من مقطعين علوي وسفلي بينهما شريط فاصل وضع الثقب المربع وسط الشريط وبذلك يكون مركز اللوح لغرض تعليقه وتثبيته على جدران المعابد ، وقد حصرت الأشكال في اللوح بصفتها محور الخطاب البصري للوح ( عملية تقديم القرابين من الملك والرعية للإله وهو في حالة جلوس) ، يوحي اللوح بعميلة ترتيب التقرب إلى الإله وهي تبدأ من المستوى الأسفل وتنتهي عند الإله ذو الحجم الكبير ، إن القيمة التشكيلية والتأثيرية للشخص تبدأ من حجمه الصغير والكبير لذا رتبت الأحجام وأهميتها كل حسب وقربها من الملك أو الإله . ويمثل الثقب المربع الذي يتمركز اللوح بعداً جمالياً في الإنشاء التصويري ، لأنه يأخذ مساحة في فضاء المنجز ويتناسب وإيقاع الشكل مع تفاصيل اللوح الأخرى ، فيحيل الثقب في الإطار الفاصل بين المستويين من مساحة صماء جامدة إلى كتلة حيوية متحركة تبث معنىً يعزز البناء الشكلي جمالياً ووظيفياً .

اللوح ( 6 ) : البناء الجمالي للوح يختلف شكلاً ومضموناً عن الألواح النذرية الأخرى ( عينة البحث ) مرده الغنى الفكري والجمالي لحضارة العراق القديم وقدرة الفنان في تجسيد الصورة الطقوسية وإمكانيته في بث رسائله عبر منظومة من الدلالات الصورية للمشهد ، وقد قسم اللوح إلى ثلاث أقسام مستطيلة وأفقية تقريباً ، وقد تضمنت الأقسام خطوط هندسية متموجة ومتداخلة وحيوان بجسد ثور ورأس نسر ونقوش بحروف مسمارية . الثقب في اللوح يؤطره شكل مربع يغاير الألواح الأخرى لأنه ثقب دائري ينحدر إلى العمق . وكسمة لصيقة بالفن السومري مثل إلغاء المنظور والتشريح تظهر الأشكال الآدمية والحيوانية بوجه جانبي وجسد أمامي .

الفصل الرابع
النتائج والاستنتاجات
النتائج :
من تحليل الألواح النذرية الستة ( عينة البحث ) توصل الباحثان إلى النتائج الآتية :
1ـ يرى الباحثان أمران مهمان وهما أن الألواح إن كانت قد نفذت بيد فنان واحد فذلك يعني امتلاكه وعياً إبداعياً تجاوز حدود الأسلوبية بوصفها مصطلحاً معاصراً لتنوع مضامين الألواح وتنوع الأساليب التقنية فضلاً عن استخدام التنوع الشكلي لاسيما البناء الجمالي التكويني ، أما الأمر الثاني فهو تعدد الفنانين وذلك يعني أن هناك نضجاً جمعياً للقيم الجمالية والفكرية يكتنفها المجتمع السومري .
2ـ إن الشكل بوصفه عنصراً بنائياً يعد أساساً في الألواح النذرية مما يضفي طابعاً جمالياً يفيض قيمة فكرية كامنة .
3ـ يفترض الفنان العراقي القديم في الألواح النذرية بعداً فلسفياً يعد محركاً للقيم المرجعية الطقوسية مما يبث نصاً درامياً يشكله البناء الجمالي التكويني للأشكال في اللوح النذري .
4ـ رغم التصوير الواقعي للأشخاص ( الإله ، الملك ، الرعية ) ، إلا أن هذا التصوير لم يكن لغاية النقل الحرفي المحاكاتي ، بل يكتنز داخل هذه الشخصيات بعداً فكرياً يؤطر الواقع الاجتماعي والسياسي للمرحلة
5ـ إن الثقوب التي تتوسط الألواح يراها الباحثان لا للتعليق أو لبث الإعلان حصراً ، إنما تؤكد على سيادة الشكل الهندسي وتضايفه مع الأشكال الأخرى ( الشخوص والكتابة والزخارف ) وهي بمجملها تتضايف مع العمارة أو المعابد .
6ـ يعد اللوح النذري مرحلة مهمة في التاريخ السومري وبالخصوص تاريخ التشكيل في سومر ، وهو انجاز إبداعي متميز يمثل الحقيقة الصورية ، وان الفنان لم يحاك الطبيعة ويستنسخها بل استنطق القيمة الفكرية والجمالية للواقع .
7ـ تبث الألواح النذرية أنظمة متعالقة بشكل يمكن تأملها وقراءتها وتأويلها بأكثر من اتجاه ، منها النظام البنائي وقابلية الإيحاء الجمالي للشكل بفعل العلاقات بين السطوح والأشكال والتأكيد على الخط الخارجي ( التحديد ) ليؤكد على أسس الرسم على الحجر أو الطين ، فضلاً عن التوهج التعبيري والسردي للعمل الفني الذي منه بجعل الشكل إشعاعاً جمالياً .


الاستنتاجات
من خلال النتائج استنتج الباحثان ما يأتي :
إن تدارس وتحليل الإبداع الإنساني لاسيما الإبداع السومري بكل تمرحلاته الزمنية والمكانية يفترض الركون إلى الأسس المرجعية العقائدية والسياسية والاجتماعية والسلوكية ، وعلاقة هذه المرجعيات فيما بينها ، لأن الأثر الناتج يمثل صورة للمنظومة الثقافية الواعية في سومر ، وهو بذلك منفذاً للثقافة العراقية القديمة وفلسفتها الجمالية والفكرية ، وإن التحليل الشكلي للأثر السومري وما يؤولا إليه يمكن توافقه على منهج متقارب ، إن لم يكن منهجاً واحدا ً ، فالرؤية الشكلية تفترض العمل الفني إغراقه في مخابئ الصورة المنظورة دون النظر إلى الهيئة الخارجية المحيطية للصورة ، وإن المضمون لم يعد إحساساً ظاهرياً إنما تقصياً لذات المنجز الفكرية عبر التقنية التعبيرية للأشكال ، لذا افترضت قصدية الفنان في منجزه الآيلة إلى تحطيم الصورة الطبيعية ( الأيقونية ) لتوسيع حركة انفتاح العلامة الكامنة في بنية العلاقة بين الشكل الظاهر ( الدال ) والمضمون الكامن ( المدلول ) فسعى إلى إزاحة الشكل الطبيعي المرئي إلى مخابئه الجوهرية وصولاً لعدم محدودية الدلالة ، وهو تسامي في الطرح والإبداع لما هو فوق الواقع لكشف الصيغة الحقيقية ، فكان التباين في زوايا النظر وإلغاء المنظور ( الوجه جانبي ، العينان أمامية ، الصدر أمامي ، الساقين جانبيين )

المقترحات : يقترح الباحثان الاهتمام بالمنجز العراقي القديم والعناية بالألواح النذرية خاصة ووضعها في متحف خاص بها بعد استقدامها من غربتها .
التوصيات : يوصي الباحثان بدراسة الألواح النذرية من جوانب أخرى يمكن لها أن تكمل ما بدأت به الدراسة الحالية .

































ثبت المصادر
ثبتت المصادر حسب ورودها في متن البحث :

1 ـ د .شاكر عبد الحميد ، العملية الإبداعية في فن التصوير ، سلسلة عالم المعرفة ، مطابع الرسالة ، الكويت 1987 .
2 ـ د. باسم عبدالأمير الأعسم ، مفهوم الشكل في الخطاب المسرحي ، المجلة القطرية للفنون العدد 1 السنة الأولى وزارة التعليم العالي والبحث العلمي ، بغداد ، جمهورية العراق 1422 هـ 2001 م
3 ـ الشيخ الإمام محمد بن أبي بكر بن عبدالقادر الرازي ، مختار الصحاح ، دار التراث العربي للطباعة والنشر ، السنة بلا .
4ـ الدكتور جميل صليبا ، المعجم الفلسفي ، الجزء الأول ، مطبعة سليمان زاده الطبعة الأولى ، قم ، إيران ، 1385 .
5ـ هربرت ريد ، معنى الفن ، ترجمة سامي خشبة ، ط 1 ، طبع ونشر دار الشؤون الثقافية العامة ، بغداد 1986 .ص 37 .
6ـ الشيخ الإمام محمد بن أبي بكر بن عبدالقادر الرازي ، المصدر نفسه .
7ـ جون ديوي ، الفن خبرة ، ترجمة زكريا إبراهيم ، دار النهضة العربية ، القاهرة 1963
8ـ ارنست فيشر ، ضرورة الفن ، ترجمة اسعد حليم ، القاهرة ، الهيئة المصرية العامة للتأليف والنشر ، 1971 .
9ـ د. زهير صاحب ، الفنون السومرية ، سلسلة عشتار الثقافية ، إصدار جمعية الفنانين التشكيليين العراقيين ، طبع في دار إيكال للطباعة والتصميم ، بغداد 2005 .
10ـ هربرت ريد ، المصدر نفسه .
11ـ د. شاكرعبدالحميد ، المصدر نفسه .
12ـ شاكر عبد الحميد ، التفضيل الجمالي دراسة في سيكولوجيا التذوق الفني ، سلسلة عالم المعرفة العدد 267 ، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب ، مطابع الوطن ، الكويت ، 2001 . ص 8 .
13ـ جيروم ستولنتز ، النقد الفني دراسة جمالية وفلسفية ، ترجمة فؤاد زكريا ، جامعة عين شمس 1974

14ـ ناثان نوبلر ، حوار الرؤية مدخل إلى تذوق الفن والتجربة الجمالية ، ترجمة فخري خليل ، دار المأمون ، بغداد 1987.
15ـ دولف رايسر ، بين الفن والعلم ، ترجمة سلمان الواسطي ، دار المأمون ، بغداد ، 1986 .
16ـ د. باسم عبدالأمير الأعسم ، المصدر نفسه .
17ـ راضي حكيم ، فلسفة الفن عند سوزان لانكر ، ط1 ، دار المأمون ، بغداد 1986 .
18ـ هربرت ريد ، المصدر نفسه .
19ـ هربرت ريد ، الفن اليوم ، ترجمة محمد فتحي ، دار المعارف القاهرة .
20ـ د. شاكرعبدالحميد ، العملية الإبداعية في فن التصوير ، المصدر نفسه.
21ـ ناثان نوبلر ، المصدر نفسه .
22ـ جيروم ستولنتز ، المصدر نفسه .




شارك في المؤتمر العلمي الثالث لجامعة واسط
2009
بمشاركة المدرس حسين ماجد عباس

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق